التعاون والتغابن الإسلامي الأمريكي

بسم الله الرحمن الرحيم

التعاون والتغابن الإسلامي الأمريكي

16 أبريل 2005م

 

المسلمون مختلفون مذاهب وفرقا ونحلاً ومصالح ودولا. ومع ذلك فإنهم يقدسون كتابا واحدا  (القرآن) تقديساً لا يماثله موقف أية ملة أخرى من كتابها، ويحبون محمدا (ص) بحميمية منقطعة النظير، ويعرفون مرجعية أخلاقية واحدة ويعظمون ماضياً تاريخياً واحداً، ويأملون في مستقبل مجيد مما أورثهم وجدانا مشتركا رغم كل العوامل المفرقة بينهم.

السياسات الأمريكية الراهنة أثارت ردود فعل متقاربة في هذا الوجدان.

الولايات الأمريكية المتحدة دولة عظمى هيأت لها الظروف الدولية الراهنة أن تفرض إرادة غلابة على العالم. وفي سبيل تكريس تلك الهيمنة  فإنها تتطلع للسيطرة على مصادر الطاقة وتحرس سيطرتها هذه الآن بعلاقة إستراتيجية مع إسرائيل. علاقة تتكئ عليها إسرائيل في ممارسة دور دولة توسعية تفرض إرادتها فوق دول المنطقة بل فوق الأمم المتحدة نفسها وتدعم سيطرتها فى المنطقة بهيمنة على دولها الأخرى الخاضعة لها طوعاً أو كرهاً.

كان صقور الإدارة الأمريكية يرون أن هيمنة الولايات المتحدة على العالم لا سيما بعد انتصارها في الحرب الباردة على الاتحاد السوفيتي المباد أمراً طبيعياً، ولكن أجندتهم هذه لم تجد تأييداً واسعاً أمريكياً إلا بعد أن تعرضت واشنطن ونيويورك لهجوم شبهوه بهجوم بيرل هاربر وشنوا بعده حربا عالمية على “الإرهاب”.

الجماعات التي نظمت ذلك الهجوم أعلنت الحرب على الولايات المتحدة لثلاثة أسباب هي: اتباعها لسياسة الهيمنة، وتحالفها مع العدو الإقليمي (إسرائيل)، وحمايتها لنظم تحافظ على واقع الحال في المنطقة.

ومع أن هؤلاء الذين شنوا هذه الحرب يمارسون أساليب مرفوضة من السواد الأعظم في المنطقة، إلا أن غياب أسلوب آخر في التصدي للسياسات الأمريكية خلق لهم تعاطفاً واسعاً شن أصحابه حربا باردة ضد الولايات المتحدة.. حربا باردة صورتها نسخة من المسيح الدجال.

لا سبيل لحوار أو قواسم مشتركة بين هذين الموقفين، واستمرار السجال بينهما يشوه العلاقات الدولية ويخلق عهدا ظلاميا من الصدام وتداعياته على كافة الأصعدة.

هنالك إدراك أمريكي ظهر مؤخراً ولكنه واضح رسمت معالمه أدبيات كثيرة، منها تقرير مؤسسة راند الصادر عام 2003م، وكذلك تقرير مجموعة عمل المجلس العلمي لشئون الدفاع والتي كلفها البنتاجون لدراسة استراتيجية الاتصال الأمريكي وقد صدر تقريرها في سبتمبر 2004م،  وكلاهما أقر بخطأ سياسات أمريكا نحو العالم الإسلامي وبخطأ الخطاب الأمريكي للعالم الإسلامي.

وفي الجانب الآخر هنالك تحركات صحوية إسلامية تبينت ضرورة التصدي للأمر برؤى مختلفة من  رؤى الغلاة باعتبار أن رؤاهم مهما كانت مبرراتها فإنها في ظل توازن القوى الحالية تجلب للمسلمين ضررا بالغا. هؤلاء يرون الحاجة لاجتهاد إسلامي ذى وفاء لمرجعيات الشريعة وانفتاح على الحاضر والمستقبل ويرون ضرورة تمكين الشعوب لتحرير إرادتها وحماية مبادئها ومصالحها.

إذا استطاع الموقف الأمريكي التحرر من أجندة الصقور، واستطاع الموقف الإسلامي الصحوي أن يتمكن ويجانب أجندة الغلاة، فإن هذين الأمرين سوف يجعلان الحوار ممكنا بل ضروريا لا لطرفيه من مسلمين وأمريكيين فحسب بل للسلام والأمن الدولي.

في الملتقي الذي عقد في الدوحة في الفترة من 10- 12 هذا الشهر والذي نظمه معهد بروكلين والخارجية القطرية جرى حوار صريح كشف أسباب سوء العلاقة بين المسلمين والولايات المتحدة حاليا، وبين ما ينبغي أن يفعله الطرفان لإجراء حوار مثمر بينهما، والنفع الذي يعود لهما وللعالم من حوار ناجح.

وتناول الملتقى قضية الإصلاح الديمقراطي في المنطقة العربية الإسلامية وكشف حقيقة أن أغلبية العالم الإسلامي اليوم بنسبة 80% تعيش تحت نظم ديمقراطية وأن منطقة العجز الديمقراطي هي العالم العربي.

الولايات المتحدة لم تقم للديمقراطية وزنا في العالم العربي بل لأسباب رأتها وقفت ضدها في السودان ورحبت بالانقلاب عليها في 1989 كما لم تعارض الانقلاب عليها في الجزائر فى 1992. ولكن الولايات المتحدة انحازت للديمقراطية منذ أحداث سبتمبر2001 لأسباب تتعلق بمصالحها القومية، وأهمها سببان، الأول: لأن الغلاة الذين استهدفوها حملوها مسئولية دعم نظم تقهرهم. الثاني: لأنها تعتقد أن النظم غير الديمقراطية تعزز شرعيتها بالمزايدة على القضية الفلسطينية، فالديمقراطية في رأيها ستقلل من التأجيج المستمر لهذه القضية.

ومع أن تأييد الولايات المتحدة لحقوق الإنسان، واستقلال القضاء، والحكم القائم على المشاركة، والمساءلة والشفافية، وسيادة حكم القانون، أمر يجد ترحيبا واسعا إلا أن رهن قضية الإصلاح بالرؤى الرسمية العربية يعيبها وعدم مشاركة القوى الممثلة للشعوب من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني يفقر الحوار وينال من جدواه.

كثير من  النظم العربية لا تبرح تنتقد المبادرات الديمقراطية الخارجية وتقول إن الإصلاح ينبع من الداخل. هنالك قضايا لا يمكن للأسرة الدولية أن تسكت أو تتفرج عليها مثل تجاوزات حقوق الإنسان، جرائم الحروب، والجرائم ضد الإنسانية. التناول الدولي لهذه القضايا مشروع إذا وقعت فى بلد عربى أو أفريقي أو أمريكي مثل ما وقع فعلا فيها جميعا.

إن الجواب العربي المقنع في هذا الصدد لا يكمن في انتقاد المبادرات الخارجية بل في حدوث مبادرات داخلية جادة وذات جدوى وصدقية. إن التقصير الداخلي في قضايا حقيقية هو الذي يفتح المنافذ للمبادرات والتدخلات الدولية.

ولا مصداقية لشجب التدخلات الخارجية في هذه القضايا ما لم يصحب ذلك عمل جاد ومجدى يفقد التدخلات الخارجية أية مشروعية .

إذا اتخذت البلدان المعنية معاهد مؤهلة لدراسة مشاكل الديمقراطية، وأقامت مراكز للتخطيط للبناء الديقراطي، وقررت برامج تحول ديمقراطي واضح المعالم متفق عليه بين القوى السياسية الوطنية المعنية، فإن هذا التوجه وحده كفيل بتوطين المشروع الديمقراطي وبتحديد شروط التعامل مع الخارج . إنه يدل على جدية مشروع التحول الديمقراطي من الداخل. ولكن في غياب هذا النهج لا تعدو أن تكون مقولة ” الإصلاح ينبع من الداخل ” سوى ذريعة لوأده.