التعددية الغربية وأثرها على التعايش السلمي

بسم الله الرحمن الرحيم

التعددية الغربية وأثرها على التعايش السلمي

26 مارس 2007م

 

هنالك عدد كبير من الغربيين يصورون الإسلام على أنه كتلة واحدة عدائية ويستندون على مفاهيم معينة في الوسط الإسلامي حول الولاء والبراء مفادها أن المسلمين لا يقبلون من الآخرين إلا الامتثال أو القتال.

في المقابل هنالك مسلمون يستندون على وقائع دولية معينة ويتصورون الغرب كتلة واحدة عدوانية يدفعها الاستعلاء والصليبية والصهيونية ولا تقبل منا إلا الخضوع أو الإخضاع.

هذان التصوران زاد بروزهما بعد نهاية الحرب الباردة ويروج لهما في الغرب أولئك الذين اعتبروا أن العالم قد استسلم لهم إلا العالم الإسلامي الذي ينطلق من مرجعيات ترفض الاستسلام فهو يشكل العدو الذي حل محل التحدي السوفيتي وهذا يبرر استمرار الإنفاق العسكري وزيادته لضمان الهيمنة، واستمرار امتثال الدول الغربية للقيادة الأمريكية كما في عهد الحرب الباردة، واستمرار التحالف مع إسرائيل حليفا مضمونا مغروسا في لب المنطقة – حاملة طائرات ثابتة.

هذه القراءة تدعمها رؤى في الأوساط الإسلامية تقول على لسان الأستاذ محمد قطب: الغرب شر كله، وعداء كله، وما يحدث من حماقات عدوانية غربية أمر حميد لأنه يظهر الغرب على حقيقته وينبه الواهمين الذين يتوهمون أن في الاعتدال فائدة، لا خيار أمامنا إلا المواجهة وحماقات السياسات الغربية والإٍسرائيلية سوف تدفع بنا إلى تلك الحتمية. وسوف توقظ العملاق الإسلامي النائم وتتحقق نبوءات المؤرخ البريطاني توينبي في كتابه الإسلام والغرب أن هذا العملاق سوف يستيقظ ليواجه الغرب ويهزمه وهذه حتمية وردت في أحاديث نبوية ذكرت معارك فاصلة قادمة حتى ينادي الحجر للمسلم إن هذا يهودي فاقتله.

أقول:

الغرب ليس كتلة واحدة فهو مختلف اختلافا واسعا في الدين. ورغم الانتماء الواسع للمسيحية فإن بين كنائسها من الاختلافات الثيولوجية والتنظيمية ما لا يحصى. وهو مختلف فلسفيا ما بين فلسفات روحية ومادية، وفردانية وجماعية، وإيمانية وملحدة فما من رؤية فلسفية خطرت على بال البشر إلا ولها في الغرب أصداء حديثة. ومع أن النظام الديمقراطي سائد في الغرب فإن أشكال الديمقراطية متعددة كما أن القوى السياسية التي تتحكم عبر الآلية الديمقراطية مختلفة بين يمين، ويسار، ووسط. ومع أن النظام الرأسمالي سائد في الغرب فإنه مختلف بين لبرالية اقتصادية واشتراكية وطريق ثالث.

وللشعوب الغربية عبر أحزابها ومنظمات المجتمع المدني والصحافة وأدوات الإعلام رؤى تشكل رأيا عاما ربما اتخذ مواقف مغايرة للحكومات وأجبرها على التراجع من سياسات صممت عليها. والرأي العام الأوربي خالف حكوماته في اتباع القيادة الأمريكية في كثير من الأمور. والرأي العام الأمريكي نفسه أجبر حكومته على التراجع في فيتنام وسوف يجبرها على التراجع من العراق. وهو الذي فرض على حكومته التراجع عن صمتها بإزاء ملف دارفور وكانت قد قايضت صمتها عما يحدث هناك مع إمضاء الحكومة السودانية لاتفاقية سلام نيفاشا، ولكنها لم تستطع إكمال المقايضة بسبب الرأي العام.

الصعود الديمقراطي في الغرب لم يكن سهلا ولم يكن منحة من الحكام بل كان نتيجة صراع عنيف وانتفاضات وإصلاحات من القواعد الشعبية إلى المؤسسات الحاكمة.

في مناخ الحريات في الغرب اتضح أن الإسلام رغم ضعف المسلمين يتمدد.

هنالك الآن مكتبة كاملة من المؤلفات تدق ناقوس خطر على الغرب من التمدد الإسلامي في الغرب أذكر منها “يواربيا” بقلم بات مائير ، و”بينما الغرب نائم” بقلم بروز بودر، و”فرصة الغرب الأخيرة” بقلم  توني بلاكي.

وعندما هاجم البابا الإسلام في 12 سبتمبر 2006م، دهشت كيف تخلى عن صفة التسامح التي تحلى بها حديثا وتبنى لغة الصقور. ولكن أدركت السبب وزال العجب لقد تواترت التقارير المخيفة عن التمدد الإٍسلامي في الغرب فانطلقت بلسانه صافرات الإنذار.

إن أهم إنجازات النبي (ص) السياسية تمت سلميا وخلت من العنف: إقامة الدولة في المدينة، واستمالة الجزيرة العربية أثناء عامي صلح الحديبية، وفتح مكة. وانتشار الإسلام في العالم لم يكن بحد السيف. صحيح اشتبكت الدول الإسلامية التاريخية في صراع دول وانتصرت في الغالب ولكن الشعوب التي أسلمت أسلمت طوعا كما أوضح الأستاذ آرنولد في كتابه “الدعوة للإسلام”. أما في جنوب شرق آسيا، وفي أفريقيا  جنوب الصحراء وفي غرب أوروبا وأمريكا، فإن الإسلام انتشر وينتشر رغم ضعف المسلمين السياسي والعسكري والإستراتيجي.

التسامح وسيادة حقوق الإنسان وهي مبادئ إسلامية أصيلة تمثل الآن مبادئ تخدم مصلحة الإسلام من ناحيتين: الأولى: تمكينه من الانتشار، والثانية حماية حقوق الأقليات المسلمة في أنحاء العالم.

العلمانية اشتقاق على غير قياس من عالم. الأصولية العلمانية تتناقض مع الدين لأنها تقيد الشأن الإنساني بالزمان والمكان ومدركات الحواس لا غير. وهي بهذا التعريف نظرية ذات أثر محدود حتى في البلدان التي تعلن الالتزام بالعلمانية أما العلمانية المعتدلة التي تنادي بحرية الأديان، وحقوق الإنسان، والاحتكام للشعوب، فيمكن الحوار والتعايش معها.

والعولمة الموضوعية التي تتصل بثورة المعلومات والاتصالات، والسوق الحر وما أتاحه ذلك من معاملات اقتصادية وتجارية وعالمية فهي تمثل حلقة متقدمة من نهضة الإنسان وينبغي التعامل الإيجابي معها. لكن العولمة في مناخ الرأسمالية المتوحشة والتفوق الاستراتيجي والإعلامي الأمريكي فقد تحولت بسبب هذه العوامل الظرفية إلى أمركة. الأمركة بكافة أبعادها مرفوضة من جهات كثيرة في أوربا وفي العالم بل حتى قطاعات أمريكية مستنيرة. في هذا المجال فإن التعامل مع العولمة يحتاج درجة من الوعي الانتقائي الذي يستصحب عواملها الموضوعية ويحتمي من عواملها الظرفية.

إن التعامل مع الغرب، والعلمانية، والعولمة، تحديات لا يمكن تجاوزها بالرفض السلبي الذي يمارسه بعضنا بل تستوجب إدراكا صحيحا للموقف يسمح بالتطور الذي يوفق بين وفاء الأصل ونداء العصر، بل إنما الوفاء للأصل لا يتم بالانكفاء على الماضي فنعجز عن رفع راية الإسلام في العالمين وعن إدراك مصالح المسلمين. كذلك الاستجابة لنداء العصر لا تتم بالمضي خلف الحضارة الغربية الحديثة حذوك النعل بالنعل، بل تنبع نهضتنا من جذورنا وأصولنا الثقافية حسبما أدرك العالم في منتديات وتقارير عديدة مثل تقرير “التنوع البشري الخلاق”  الصادر عام 1995م عن المفوضية العالمية للثقافة والتنمية.

إن التقليد الأعمى للحضارة الغربية سيخدم مصالح العدو في جعلنا مجرد ذيل وكذلك بتردينا في نهج غرابي يجعلنا لا نبلغ القديم ولا الجديد. أما الانكفاء فإنه يخدم مصالح العدو الإستراتيجية في أمرين: الأول: تعليب عالمنا في ماضيه ليصير حديقة العالم الخلفية المتخلفة. والثاني: تبرير أطروحات الصدام التي يدعو لها الغزاة.