الكلمة الافتتاحية لمؤتمر (التضامن مع الشعب التونسي في مواجهة التطرف والإرهاب)

بسم الله الرحمن الرحيم

المنتدى العالمي للوسيطة –  فرع تونس

مؤتمر: (التضامن مع الشعب التونسي في مواجهة التطرف والإرهاب)

9- 10  مايو 2015م – تونس

الكلمة الافتتاحية

الإمام الصادق المهدي

  

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.

أخي الرئيس

أخواني وأخواتي أبنائي وبناتي

السلام عليكم مع حفظ الألقاب.

أرحب بكم حاضرين، ومحاضرين وأعضاء في المنتدى العالمي للوسطية.

القرآن مأدبة الله والمودة والرحمة من أبرز وجباته خطابه لنبي الرحمة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)[1] فانصرف بعضنا من الرحمة إلى النقمة: ” بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم”[2] ومن مقاصد الشريعة أنه (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[3].

أمتنا اليوم تواجه ترويعاً من جماعات ربطت بين الدين والتكفير والقتل والتفجير: لا تسمعوا أن ما الإسلام هي الدماء زور ذلك الكلم وتواجه أمتنا استقطابات حادة لا يمكن أن يحسمها الاقتتال فإن لم نهتد لمعادلات توفيقية يرافقنا وصف البحتري:

شَوَاجِرُ أرْمَاحٍ تُقَطِّعُ بَيْنَهُمْ             شَوَاجِرَ أرْحَامٍ مَلُومٍ قُطُوعُهَا.

المنتدى العالمي للوسطية منبر معني بتوفيق المواقف عن طريق هندسة فكرية تسعف الرسميين والشعبيين للخروج من الاستقطابات القاتلة دون أن يكون له دور في صراعات السلطة تلبية للنداء الرباني: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر)[4]:

فـإن كنْتَ تَبْغي النجحّ فابْغِ تَوَسّطاً     فـعندَ الـتّناهي يَـقْصُرُ المُتطاوِلً

أثمن غالياً مجهود زملائي الذين خططوا ونفذوا هذا الملتقى بقيادة الحبيب د. مروان الفاعوري والذين عاونوه في رئاسة المنتدى بعمان والأحباب في فرعية المنتدى في تونس برئاسة الحبيب نور الدين عرباوي والحبيب سليم  الحكيمي منسق المنتدى، جزاهم الله خيراً رجالاً ونساءاً فقد اجتهدوا وأجادوا.

إنه مؤتمر للتضامن مع الشعب التونسي الحبيب في مواجهة التطرف والإرهاب.

كان الشعب التونسي رائداً في إسقاط حكم الفرد، ورائداً في كفالة الحريات العامة، ورائداً في احترام التعددية، ورائداً في معادلة توفيقية بين الإسلامي والعلماني ما جعل الشعب التونسي أنموذج تعايش بين الرأي والرأي الآخر وشدني لمقول:

لئن يكون الهوى قبضاً وبسطاً         فإن هواي أصبح تونسيا

ومن أسباب تنظيم هذا المؤتمر في تونس التضامن مع الحكومة والشعب وإدانة التفجيرات التي استهدفت رموز السيادة والثقافة بالتكفير والتفجير.

هنالك سوابق عنف أعمى في تراثنا فثلاثة من خلفاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم قتلهم غلاة التكفير والتدمير.

التطرف والعنف المصاحب له قسمان: قسم أهلي يستخدم الترويع بأسلوب خفي لقتل الناس وتدمير المنشآت خدمة لتأويل باطل، وقسم رسمي بموجبه تحمى حكومات طغيانها بالترهيب والتعذيب.

الإرهاب الذي نشهده اليوم طور جديد من هذا المخطط الآثم.

القاعدة حركة نشأت في حضن الحرب الباردة بين الشرق والغرب ووجدت دعماً غربياً بالتسليح والتدريب والتمويل ساهمت فيه حكومات من بلاد المسلمين، قاعدة الجهاد هذه بعد طرد السوفيت من احتلال أفغانستان استهدفت الوجود الأمريكي في بلاد المسلمين بعنف لا يلتزم بضوابط القتال في الإسلام.

التخطيط الخاطئ لمواجهة القاعدة مكنها منذ بداية هذا القرن حتى الآن من إقامة شبكة تنطلق من أجندة تكفيرية تدميرية واحدة وتحتضن فروعاً صارت عشرات في مناطق كثيرة بصورة لا مركزية وتحت أسماء مختلفة تنظيمات القاعدة الآن تمثل عدواناً على الدول الوطنية وعلى النظام الدولي القائم لا سيما الولايات المتحدة دون أن تطرح نظاماً بديلاً محدداً.

داعش نشأ في حضن القاعدة ولكنه ركز على التعبير عن تهميش أهل السنة في التجربة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي، وتطورات الموقف الاستقطابي الطائفي في سوريا وفي هذين الموقفين خطى خطوة جديدة هي استبدال الدول الوطنية بخلافة تتعدى الحدود الوطنية وتستبدل النظام الدولي بدارين: دار إسلام، ودار كفر وفي الحالين ما تطرح داعش من بدائل فيه تطلع لإحياء مفاهيم تاريخية دون مراعاة لواجب الاجتهاد الجديد الذي يراعي اختلاف الزمان والمكان وتستخدم أساليب لا تليق بالعقول ولا بالإنسانية ولا بالرحمة الإسلامية:

لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍ           أدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ

إن مواجهة القاعدة، وداعش بأساليب مكافحة الإرهاب العادية لا تجدي، المواجهة الأمنية ضرورية ولكنها ليست كافية، الحاجة ماسة في مواجهة هذا الطاعون لروشتة فكرية، وإصلاح وطني يلبي مطالب الشعوب، وإصلاح يجعل النظام الدولي أعدل وأفضل.

كلما كان نظام الدولة الوطنية مضطرباً أو هشاً، وكلما كانت العلاقات الدولية غير عادلة كلما وجدت القاعدة وداعش المجال للتجنيد والاختراق.

القاعدة، وداعش يبغضون التجربة التونسية لأن في نجاحها مستقبلاً واعداً يقفل الطريق أمام أجنداتهم الظلامية بينما في إخفاقها مجالاً واسعاً لتمدد تلك الأجندة والتشابك مع وجودهم في بعض دول الجوار.

نجاح التجربة التونسية مثلما هو مؤرق لتجليات الترويع الجديدة فإنه واعد لمستقبل الدولة الوطنية ومستقبل الأمة.

لقد خطت تونس خطوات مباركات في طريق النجاة ولكن لكي يكتمل عطاء التجربة فلا بد لها أن تقدم أنموذجا في سبعة مطالب:

الأول: أن تحظى بماعون فكري يقوم على فهم اجتهادي للواجب الإسلامي وفهم شامل للواقع الاجتماعي الراهن ويزاوج بينهما، كما يقوم على فهم مستنير للعلمانية على نحو ما نادى به بعض أساطين العلمانية أمثال بيتر بيرقر فهم يدفع استحقاقات التعددية ولا يحاول باسم العلمانية ممارسة الأحادية فالتعددية حق لكل مواطن ما دام ينأى عن العنف ويلتزم بالمساواة في المواطنة.

ثانياً: نظام سياسي يقوم على المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون ويراعي توازناً يفرضه الواقع الاجتماعي يهزم الاستقطاب بالتراضي.

ثالثاً: مشروع تنموي يحمي اقتصاد السوق الحر ذا الأهداف العدالية ويعمل بجد على التخلص من أن نكون مجرد مستهلكين للتكنولوجيا الحديثة بل منتجين لها.

رابعاً: التصالح مع الماضي لا بإهماله بل بآلية للحقيقة والإنصاف، آلية عدالة انتقالية.

خامساً: التعامل مع الآخر الديني على أساس الإخاء في الإيمانية وفي الإنسانية.

سادساً: التوفيق الحكيم بين حلقات الانتماء الأربعة: الوطنية، والقومية، والأفريقية، والدولية، انتماءات إذا توافرت الحكمة المبدعة تتكامل ولا تتناقض.

سابعاً: التعامل الانتقائي الحكيم مع العولمة والتعامل مع القوى الدولية على أساس المصالح المتبادلة وتجنب الطرفين: العداء، والتبعية.

إن التصدي لعدوان الإرهاب الحالي بما يصد أساليبه الدموية ضروري، ولكنه ليس كافياً فإن هزيمته تتطلب منازلة في مجالات القوة الناعمة فالمعركة معركة تنافس على كسب العقول والقلوب معركة خير بوصلة لها الرؤى التي سيعمل مؤتمرنا هذا لبلورتها ويرجى أن يستهدى بها قادة الحكومات والشعوب وهي إذ تبارك للتجربة التونسية عطاءها تحث على تطورها في اتجاه المطالب السبعة المذكورة.

نحن نخوض معركة إذا كسبناها دخلنا التاريخ بأوسع أبوابه وحققنا لشعوبنا السعادة المعنوية والمادية ولكن إذا خسرناها فسوف تفتح الباب واسعاً للقوى الظلامية:

ومَنْ رَعَى غَنَماً في أَرْضِ مَسْبَعَةٍ             ونامَ عَنْها تَوَلَّى رَعْيَها الأَسَدُ

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

 

[1] سورة الأنبياء الآية (107)

[2] مسند ابن حنبل

[3] سورة البقرة الآية (256)

[4] سورة آل عمران الآية (104)