الهوية السودانية بين التسبيك والتفكيك

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الاتحاد العام للطلاب السودانيين

منتدى الرواد

قاعة الشهيد الزبير محمد صالح

محاضرة بعنوان

الهوية السودانية بين التسبيك والتفكيك

22 أبريل 2014م

الإمام الصادق المهدي

الشكر لدعوتي والاهتمام بمخاطبة الشباب لأنهم أكثر القطاعات معاناة، مع أنهم مستودع الأمل للمستقبل. المؤسف أن شباب اليوم يواجه ظروف إحباط يدل عليه من الجانب الإيجابي الانخراط في أنشطة كالنفير وشباب شارع الحوادث لهزيمة الأحباط، ومن الجانب السلبي العنف بصورة غير مسبوقة والاندفاع نحو إعادة التوطين خارج السودان، وانتشار المخدرات والانخراط في تكتلات استلابية، هذا مناخ إحباط مختلف عما كان في الماضي من تفاؤل بالمستقبل.
جيل العطاء لعزمنا حتماً يُذلّ المستحيل وننتصر
وسنُبدع الدُّنيا الجّديدة وفق ما نهوَى
ونحمل عبء أن نبني الحياة ونبتكر

حل محل هذا التفاؤل:

هل تعممت أقدامنا
أم رؤوسنا انتعلت أحذية
القميص ما نلبس أم كفن
وطن .. وطن كان لنا وطن.

ومن دروب الضياع أن تراجع الحماسات الحزبية للأسباب الموضوعية أدى لتمدد الولاءات الأولية بصورة جعلت كثيرين ينخرطون في أنشطتها.

قضية الهوية برزت في بلادنا بل وفي المجالات: العالمية، الإقليمية بصورة غير مسبوقة لأسباب موضوعية.

قضية الهوية هي إجابة عن تساؤل: من هو؟

أنا وأنتم سمعنا عن بعض كثيراً من الحديث الخشن ولكن التسامح السوداني كفيل بأن يجعل الوصال قائماً مهما كانت أسباب الفصال.

في المجتمعات متنوعة الانتماءات الإجابة بهوية واحدة نتيجتها الطرد من المركز.

الانتماء لهوية أحادية إسلامية عربية في السودان كان سائداً لدى تيارات الوعي الوطني في البداية:

أمة أصلها للعرب  ***  دينها خير دين يحب

هذه النظرة إذ أسقطت حقوق آخرين هيأت المجال للاحتجاجات التي بدأت محدودة، ثم صارت مسلحة ومستنصرة بالخارج.

هذا المشهد إذا عولج بنظرة تركيبية للهوية لا أحادية يؤدي للتسبيك، والعكس يؤدي للتفكيك.

أخاطبكم وعبركم أخاطب أمة الشباب والشعب كله، تحت عنوان (الهوية السودانية بين التسبيك والتفكيك)، في عشر نقاط هي:

أولاً: المفهوم الأحادي للهوية: النظم الوضعية الإمبراطورية كانت في الماضي تتخذ هوية المتغلبين، مثلاً، Pax Roman، ولدى قيام الدول بعد انهيار الإمبراطورية ساد مفهوم الجماعة المتغلبة: عبارة Stasvolk.

المدهش لغير أهل الإيمان، أن الإسلام منذ 14 قرناً أتى بنصوص تدل على أن التنوع أصل في الكيان الاجتماعي الإنساني. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) [1] وقال: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [2].

بل وقبل تطورات الفلسفة الحديثة لدى هيقل وماركس نص على إيجابية الجدلية: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ) [3].

الطابع التركيبي للمجتمع طبقه النبي صلى الله عليه وسلم في صحيفة المدينة. فالصحيفة التزمت بالوحدة في شأن التعايش والأمن والدفاع، واعترفت بالتعددية الدينية، والثقافية، والقانونية، والمالية لسكان المدينة.

هذه النظرة التوفيقية بين الوحدة والتنوع أبطلها قيام الدولة الأموية التي قامت على أساس الدولة السلطانية.

هكذا صار الفرق واضحاً بين خليفة اعتبر نفسه خادم الناس إلى خليفة اعتبر نفسه سيدهم.

قال أبو بكر رضي الله عنه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ ، فَإِنْ ضَعُفْتُ فَقَوِّمُونِي ، وَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي) [4]، ولكن ولاية أمر يزيد بن معاوية قامت على دستور ما رواه ابن المقفع بلسان المغيرة بن شعبة: أمير المؤمنين هذا (وأشار لمعاوية)، فإن هلك فهذا (وأشار ليزيد)، ومن أبى فهذا (وأشار لسيفه). قال له معاوية: اجلس فإنك سيد الخطباء.

وصارت ولاية الأمر نفسها إرادة إلهية ليس للناس في أمرها إلا السمع والطاعة. قال أبو جعفر المنصور: إنما أنا سلطان الله في أرضه. أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده. وأنا حارسه على ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته وأعطيه بإذنه! مفهوم عارضه أبو ذر رضي الله عنه في مناصحة مع الخليفة معاوية قائلاً: لم جعلت مال المسلمين مال الله؟ لا تفعل!

مفهوم الدولة السلطانية غلب على نظم الحكم التي توارثت حكم المسلمين.

تأسس على هذا النمط مفهوم فكري وثقافي يؤسسة لهوية واحدة يحكمها مفهوم الولاء والبراء على الصعيد الديني، ومفهوم العروبة على الصعيد القومي، فمن تحداه شعوبي بغيض.

ثانياً: التعامل مع الهوية في السودان

•        مفهوم الهوية الأحادية الإسلامية العربية هذا تمدد في مراحل لاحقة بعد انتشار الإسلام في السودان.
•        وعندما احتلت بريطانيا السودان باسم الحكم الثنائي اعتبرت هوية الشمال إسلامية عربية، واتخذت سياسة صارمة لمنع تمددها في الجنوب. تفاصيل هذه السياسة تجدونها في كتاب د. مدثر عبد الرحيم عن الحركة الوطنية في السودان.
•        دولة الاحتلال البريطاني هي صانعة الاقتصاد الحديث في السودان، وقد أقامته حول إنتاج وترحيل القطن للمصانع البريطانية. حول هذا النهج التنموي نشأت تنمية اقتصادية وخدمية إنتقائية.
•        الحركة الوطنية السودانية كما نضجت في الشمال تمسكت بالهوية الإسلامية العربية، وعارضت حظر تمددها نحو الجنوب. وما أقامت من نظم لم يراجع مفهوم الهوية الأحادي ولا الحاجة لتوازن تنموي. هذه الغفلة عن تناول واقعي لمفهوم الهوية، وعمل فعلي للتوازن التنموي شملت كل عهود الحكم الوطني بدرجات متفاوتة.
•        السودان استقل منذ 58 عاماً، حكمته أثناءها بنسبة 14% نظم حكم تشاركية، وبنسبة 83% نظم حكم أوتقراطية، و1% نظم انتقالية. نظم حكم المشاركة، أي الديمقراطية، لم تقدم هندسة واقعية لإدارة التنوع ولا للتوازن التنموي، ولكن لما صحبها من ديمقراطية التزمت نهجاً ناعماً في التعامل مع التنوع الديني والثقافي والإثني.
•        النظم الأوتقراطية اتخذت نهجاً فوقياً قهرياً:
o      سياسات نظام الفريق إبراهيم عبود هي التي فجرت الحرب الأهلية الأولى بقيادة الأنيانيا في 1963م.
o      سياسات نظام مايو اعتمدت على تحضيرات الديمقراطية الثانية وأبرمت اتفاقية أديس أبابا للسلام في 1972م، ولكن طبيعة النظام الأوتقراطية فجرت حرباً أخطر وأوسع من حرب الأنيانيا في 1982م.
o      سياسات نظام (الإنقاذ) هي التي جعلت كافة القوى السياسية الجنوبية تطالب بالإجماع بتقرير المصير وتجد دعماً خارجياً غير مسبوق، ما أدى في النهاية لانفصال الجنوب.
o      كذلك سياسات نظام الإنقاذ التزمت بموجب اتفاقية السلام بثلاثة بروتوكولات: أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، ما أدى بعد انفصال الجنوب لحروب في تلك الجبهات. وسياسات النظام في دارفور أدت لجبهات حرب أهلية في دارفور استمرت حتى الآن 12 سنة منذ 2002م.

ثالثاً: آثار سياسات (الإنقاذ) على الهوية:

آثار سياسات نظام الإنقاذ السالبة في مجال الهوية هذا عديدة أخص بالذكر هي:

  •         سياسة ممنهجة لتقويض المنظمات السياسية الأخرى بهدف القضاء على التنافس، وبقدر إضعاف هذه القوى السياسية رغم ما فيها من عوامل ولاء ديني فإن مجال العمل العام أفرغ من الأحزاب وتمددت فيه روابط الانتماءات الأولية: القبلية، الإثنية، وسوءا في الجامعات أو في الولايات فإن الولاءات القبلية والجهوية زادت بصورة غير معهودة في السودان
  •         الهوية الأحادية الفوقية أدت إلى ردة فعل مضادة في الجنوب وفي غرب السودان. ردود فعل وجدت أحضاناً خارجية قوية.
  •         حرمان القوى السياسية السودانية من المشاركة في الشأن العام جعل النظام يستعيض عن دورها بالحرص على مباركة خارجية ما أدى في نهاية المطاف لجعل كافة عمليات السلام مهاجرة لخارج السودان وبمشاركة أجنبية ملموسة، علماً بأن القوى الخارجية غير محايدة.
  •         وحرص النظام على استرضاء الشريك الأجنبي جعله يوافق على استفتاء الجنوب على تقرير المصير قبل حسم عدد من النقاط الحدودية الخلافية ما جعلها قنابل زمنية في مقبل الأيام.
  •         واستخدم النظام التناقض الإثني لا سيما في دارفور لحشد تأييد لسياساته ما أدى لقيام قوى مسلحة غير نظامية تتصرف بطريقة لا تحترم قوانين الحرب.

هذا النهج مع ما اتخذته جماعات المقاومة المسلحة من استنصار بالخارج، جعل دارفور مسرحاً مثقلاً بالسلاح. هذا السلاح الآن يلعب دوراً في نزاعات قبلية في عشر جبهات.

رابعاً: الاستقطاب حول الهوية والتفكيك:

المفهوم الأحادي للهوية الذي التزم به النظام الحاكم في السودان بلور موقفاً مضاداً هو التطلع لسودان جديد علماني أفريقاني.

هذا الاستقطاب تدعمه قوى إقليمية ودولية، بل تحاول القوى المعادية للسودان استغلاله لتفكيك السودان على نحو الخطة التي جهر بها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، آفي ديختر، في عام 2008م معتبراً أن الدول العربية الحالية تكوينات غير واقعية لأنها لا تراعي الاختلافات الدينية، والإثنية، والمذهبية فيها، ما يوجب تفكيكها.

هذه الخطة ترشح السودان للتفكيك لخمس دويلات.

فما العمل؟

يجب أن نقر أن انفصال الجنوب مرتبط مباشرة بقضية الهوية إذ بذرت دولة الاحتلال البذرة، واستمر نموها عبر العهود، وأوصلها إلى نهايتها نظام الإنقاذ؛ فمنذ أن أعلن هوية إسلامية عربية كما عبر عنها المؤتمر الشعبي الإسلامي العربي في عام 1992م دعيت الأحزاب الجنوبية لواشنطن في 1993م حيث قالوا: هذا معناه أن نكون مواطنين من درجة دنيا في مثل هذا السودان، ونطالب بتقرير المصير بالإجماع.

مسألة دارفور كذلك تطورت إلى حمل السلاح ضد الحكومة المركزية بدوافع تناول شرحها “الكتاب الأسود”، وقد وجدت المقاومة الدارفورية المسلحة منذ البداية دعماً خارجياً كبيراً.

خامساً: التقاطعات السودانية:

الموقف السياسي السوداني اليوم يشهد عدداً من التقاطعات الحادة أهمها:

  •         المشروع الإسلامي الذي سار فيه النظام واجه نقداً تأصيلياً من جانب بعض القوى الإسلامية، وواجه رفضاً علمانياً من قوى فكرية وسياسية، وما اتخذ من مراجعات بعقد اتفاقية 2005م أدى لرفض إسلاموي  مشغول بمطالب الواجب وغير مهتم بحقائق الواقع.
  •         في السودان تنوع إثني من خمس مجموعات: عربية، زنجية، بجاوية، نوبية، ونوباوية. حول هذا التباين وبمقدار تبني النظام للعروبة وحماسة الحركة الشعبية وحركات دارفور المسلحة للأفريقانية اشتد صراع الهوية بين العروبة والأفريقانية.
  •         الفجوة التنموية تداخلت مع التباين الإثني لتغذي هويات جهوية تواجه المركز باسم التهميش.
  •         سياسات النظام التي صفـَّت دولة الرعاية الاجتماعية، والتزمت ببرنامج صندوق النقد الدولي الفاقد للحساسية الاجتماعية، وسياسات التمكين التي ميزت فئات على حساب آخرين، وسوء الإدارة المالية الذي مكن وحدات حكومية من الإفلات من إدارة وزارة المالية للمال العام، وظاهرة الفساد الذي زاد من ألمه ظهور نعمة مسرفة لدى محظيين وفقر مدقع عام، ونسبة العطالة العالية. كل هذه العوامل أدت لاستقطاب اجتماعي حاد بين قلة من الأثرياء وكثرة من الفقراء بحدة تباين اجتماعي غير مسبوقة.

هذه التقاطعات الأربعة تسيطر على الوضع السياسي في السودان وتفسر الاستقطاب الحاد الذي تمور به الساحة.

سادساً: اتفاقيات لم تحقق السلام:

وقع النظام عدداً كبيراً من اتفاقيات السلام ولكن هذه الاتفاقيات لم تحقق السلام:

(أ)      اتفاقية السلام الشامل كانت مثقلة بالعيوب كما أوضحنا في كتابنا الصادر في مايو 2005م بعنوان: (اتفاقية السلام يناير 2005م ومشروع الدستور أبريل 2005 في الميزان) وقلنا إنها لن تحقق السلام، ولا الوحدة الجاذبة، ولا التحول الديمقراطي. وقد كان.
(ب) اتفاقية أبوجا لدارفور 2006م مع كل ما صحبها من إعلام لم تحقق السلام بل الشخص الذي وقعها استأنف العمل المسلح.
(ج)  اتفاقية الدوحة 2013م خطوة للأمام ولكنها لم تحقق مقاصدها وحدثت بعدها مستجدات تجاوزتها.
(د)    مشروع اتفاق نافع/ مالك الذي أعقب انفصال الجنوب وكان يمكن أن يمنع انفجار حرب جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان أجهض.
لذلك اقترحنا في إطار الحوار الوطني الحالي وضع عملية السلام في يد مجلس قومي للسلام، اقترحنا تكوينه، على أن يلتزم المفاوضون من المجلس القومي للسلام والجبهة الثورية بإعلان مبادئ من عشرة نقاط فصلناها، ثم الدخول في تفاوض من أجل سلام عادل شامل ثم بعد ذلك اللحاق بالحوار الوطني المتعلق بكافة بنود المصير الوطني.

في نص كتابي المزمع عن الهوية تفاصيل عيوب اتفاقيات السلام ولماذا لم تحقق مقاصدها وقضية الهوية من أهم القضايا المطلوب حسمها لبناء السلام ولبناء الوطن.

ونقول:

لا يرجى أن يستقر السودان ويستطيع أهله بناء الوطن إلا إذا استطاعوا:

•        الاتفاق على أساس حاسم ومقبول لعلاقة الدين بالدولة وبالسياسة.
•        تحقيق معادلة مستقرة للتنوع الثقافي.
•        تحقيق معادلة مستقرة للتنمية وتوزيعاً عادلاً للثروة.
•        حل أزمة السلطة بصورة توفق بين المركزية، واللامركزية، والديمقراطية، والتوازن.
•        بناء علاقات إقليمية ودولية متوازنة.

سابعاً: مرجعيتان واجبتان دينية ومدنية:

لا شك أن الإسلام هو الحائز على رأس المال الاجتماعي الأكبر في بلادنا، كما أنه يمثل القوة الثقافية الأكبر في العالم.

ولكن الطيف الإسلامي عريض ما بين طالبان في اليمين وأردوقان في اليسار.

هنالك اجتهادات حول الرؤية الإسلامية الصحيحة تنطلق من تحديد مرجعيتين:

مرجعية دينية اجتهادية تخرج من الإطار التقليدي المحصور في القياس والإجماع إلى أن معرفة الواجب تتطلب: حقائق الوحي والسنة النبوية، العقل، الحكمة، المصلحة، التجربة الإنسانية، سنن الطبيعة، المقاصد، والسياسة الشرعية.

والمرجعية المدنية تتطلب: المساواة في حقوق المواطنة والمصالح المدنية للكافة.

الفكر العلماني غير مؤهل لأنه يقوم على افتراضات قاصرة: لا مكان للغيبيات، ولا مجال للدين في الشأن العام.

الفكر القومي العربي أحادي النظرة فلا يخاطب التنوع القومي.

الفكر اليساري يعتبر أن الهويات الدينية، والثقافية، والوطنية قد اندثرت وحل محلها الولاء الطبقي. هذا افتراض غير موجود.

الفكر الأفريقاني إذ يركز على مفهوم إثني للأفريقانية يستبدل الأحادية القومية العربية بأخرى ولا يستوعب التنوع الذي وصفته روضة الحاج:

أنا العروبة في جذر الزنوجة
في فرادة جمعت كل الأفانين
هنا انزرعنا في هذا التراب معاً
منوعين كأزهار البساتين

ثامناً: المعادلة التوفيقية:

إبعاد الدين من الشأن العام مستحيل، وإلغاء العطاء الإنساني في بناء المصير الإنساني كذلك مستحيل؛ والمطلوب هو معادلة توفيقية. في هذا المجال فإن للإسلام أوراق اعتماد لا تجارى لأن الإسلام هو أكثر نظم الاعتقاد معقولية، وأعمق نظم التفكير إيمانية، هذا التوفيق بين أصلين جزء لا يتجزأ من تركيبة الطبيعة والمجتمع، كالتوفيق بين العاطفة والعقل، وبين الفردية والجماعية، فالعالم كله مصنوع من جدليات تكمن الحياة في التوفيق بينها. قال ابن القيم إن واجب الفقيه أن يعرف الواجب اجتهاداً ويدرك الواقع إحاطة ثم يزاوج بينهما.

تاسعاً: التعامل مع المواجهات السائدة:

في مؤتمر دعا إليه مركز القدس للدراسات السياسية في عمان في يناير الماضي اجتمع خمسون شخص يمثلون كافة التيارات الفكرية في المنطقة، واتفق الجميع على أن الموجهات السائدة في المنطقة حالياً: الإسلامية والعلمانية، السنية والشيعية، الأخوانية والسلفية، والاجتماعية بين قلة غنية وكثرة فقيرة، والقومية بين العروبة والقوميات الأخرى تشكل حرباً باردة تتجه نحو الانفجار ما لم يطفئها عقلاء قوم.

قدمنا هناك ميثاقاً توفيقياً تجاوب معه الحاضرون. ولدى انعقاد القمة العربية الأخيرة في الكويت اقترحنا في خطاب مفتوح للملوك والرؤساء الموافقة على تكوين مجلس حكماء يكلف بالتصدي للتناقضات السائدة بهدف إيجاد معادلة تعايش تحول دون المفاصلات المدمرة.

عاشراً: بطاقة الهوية:

السودان الآن يواجه تحديات مصيرية تتعلق بمستقبل الحكم وبناء السلام، وفي المنبرين سيكون للهوية مكان مفتاحي لوضع أساس للتسبيك وتجنب التفكيك. لذلك نقترح بطاقة الهوية الآتي بيانها للسودان العريض بديلاً للسودان الإقصائي الأحادي وبديلاً للسودان النقيض الذي تنادى به دعوة السودان الجديد.

بطاقة الهوية السودانية المنشودة:

  •       السودان شعب أغلبية أهله مسلمون تساكنهم مجموعات وطنية متعددة الأديان، ولغة الخطاب العام فيه عربية تعايشها ثقافات زنجية ونوبية ونوباوية وتبداوية.
  •        لكل المجموعات الدينية والثقافية الحق في حرية العقيدة وحرية التعبير عن ثقافاتهم ولغاتهم وتواريخهم.
  •         ينعم كافة أهل السودان بحقوق مواطنة متساوية بصرف النظر عن الدين أو الثقافة أو النوع.
  •        لقد كانت التنمية في السودان وتوزيع الخدمات الاجتماعية غير متوازنة ما يوجب تطبيق برنامج حازم لتحقيق التوازن والعدالة في هذا المجال.
  •       النظام الديمقراطي هو الذي يكفل للكافة حقوق الإنسان، والحرية، والعدالة، ولكن الممارسة الديمقراطية ينبغي أن يصحبها التزام بمشاركة عادلة لكل مكونات الشعب السوداني في السلطة المركزية، وأن يكفل لمكونات السودان الجهوية حقوقاً فيدرالية حقيقية لممارسة حكم ذاتي ديمقراطي.
  •       يكفل للمسلمين حق تحقيق مقاصد الإسلام كما يكفل لكافة المجموعات الدينية الأخرى الحق في تطبيق مقاصد أديانهم، على أن يراعي الجميع حقوق المساواة في المواطنة، وأن يلتزموا بالعمل بالوسائل السلمية.
    يعتمد السودانيون اللغة الإنجليزية لغة مخاطبة دولية دون حجر لاستخدام لغات عالمية أخرى.
  •       ويلتزم السودان بتصحيح خلل التوازنات في علاقاته الإقليمية العربية، والأفريقية والإسلامية وأن يتبع سياسة دولية تخدم مصالحه الوطنية بلا عداء وبلا تبعية.
  •       يتفق على بروتكول ثقافي وآخر ديني لضمان حسن إدارة التنوع الثقافي والتعايش الديني ولتحقيق المساواة الثقافية وإحسان التلاقح والوصال. (البروتوكولان المقترحان مرفقان في الملاحق).
  •      تعاني المرأة من اضطهاد نوعي لدى المجموعات السودانية المختلفة، وينبغي أن يكون تحرير المرأة من قيود الظلم والاضطهاد أحد لبنات الهوية السودانية المنشودة. الميثاق النسوي جزء لا يتجزأ من خطتنا المستقبلية للعدالة والإنصاف.
  •        استغلال القوت المسلحة في ترجيح الرؤى السياسية لا سيما تلك التي تقفز فوق توازن الهوية جر للبلاد مخاطر مدمرة، كما أن للقوات المسلحة دوراً مشروعاً في الدفاع عن الوطن، الميثاق العسكري لبنة ضرورية لبناء الوطن.
  •       ينبغي أن تلتزم التنمية بمقاصد عدالية جهوية واجتماعية يحددها عقد اجتماعي يوفق بين شروط السوق الحر والمطالب العدالية.
  •     بطاقة الهوية السودانية هذه تعتمد أساساً لبناء الوطن وموجهاً لدستور البلاد.

*******

[1] سورة الروم الآية رقم 22
[2] سورة هود الآية رقم 118
[3] سورة البقرة الآية رقم 251
[4] جامع معمر بن راشد