تقرير اليوم التالي حول زيارة الحبيب الإمام الصادق المهدي للجزيرة ود مدني

الإمام الصادق المهدي

 

“احتلوا شارع النيل” اختار الصادق المهدي العائد للبلاد مدينة ود مدني لتدشين مشروع اتصاله بالجماهير وبث رسائل التسامح والتواصل.. لكنه لم يحظَ باستقبال رسمي

الإثنين 20 مارس 2017

مدني – الزين عثمان

كان رئيس حزب الأمة القومي، الإمام الصادق المهدي، يبتسم في حاضرة الجزيرة مدني، يلتقي بأنصاره كالعادة حاملاً مشروع الدولة (المدنية).. في شارع النيل مدني وفي المبنى المقابل لمسرح نصبه والي ولاية الجزيرة محمد طاهر أيلا لاستضافة فاعليات موسم السياحة في الجزيرة التي كانت تشبع كل البلاد من خيرها.. في دار حزب الأمة القومي التي تجاور رئاسة شرطة ود مدني، كان المهدي يجلس في الباحة محاطاً بهتافات أنصاره وبالأعلام المميزة.. لم يكن ذلك ما يتوقف عنده، وإنما التوقف في الرجل الجالس بالقرب من الإمام متوشحاً بلباس الكنيسة، إنه الأب (دي ماثيوس) أسقف الكنيسة في مدني.

بدأ رئيس حزب الأمة العائد للبلاد تدشين مشروع اتصاله مع الجماهير من خلال بثه لرسائل التسامح والتواصل.. كانت شرطة المرور بود مدني تغلق شارع النيل يوم السبت، الذي تحول إلى منطقة يسكنها أنصار المهدي بهتافاتهم وأشواقهم للحبيب الغائب، أو سمه الحبيب العائد.. يبكي المتحدثون في المنصة حال جزيرتهم التي تحولت إلى أرض جرداء يسكنها الفقر، ويحلق فوق رؤوس أهلها المرض، دون أن يكون هناك علاج يلوح في الأفق أو في القريب العاجل.. تصعد الأمين العام لحزب الأمة القومي سارة نقد الله إلى منصة الحديث، ترافقها الزغاريد ولا تهبط دون أن تضع الحاضرين في مواجهة أرقام التراجع الصادمة، ولا تنسى أن تسميها (حصاد مشروع الإنقاذ الوطني) في كافة المجالات!

قبل أن يغوص المهدي في الحديث عن القضايا القومية في البلاد، كان يبتدر حديثه بمآسي مشروع الجزيرة الذي صار فقط ينتج النفايات والوبائيات، وهو أمر يعود إلى خطل السياسات التي قامت بإدارة المشروع في أوقات سابقة.. المهدي يخبر جماهير حزبه بالسياسات البديلة التي يمكن أن تعيد الحياة للمزارع هناك، وتعيد الحياة إلى الجزيرة نفسها، ولكل السودان.. المهدي يغادر الجزيرة ويهبط هناك حيث الرفاق بمشكلاتهم في (كاودا).

يواصل المهدي مشروعه السياسي وهو يضع القواعد لما يسميها معركة الهجوم عبر القوى الناعمة، وهو الأمر الذي أشار إليه أثناء مخاطبته احتفال حزبه بالأسرى في أم درمان. وقتها كان المهدي يطالب مكونات قوى نداء السودان بإبعاد من يحاولون صناعة الوقيعة بين مكوناته. كان ذلك عقب ساعات قلائل من انفجار الأوضاع بين الرفاق في الحركة الشعبية.. الخلافات التي كان الجميع يحاول إخفاءها عن الكل، لكن في مدني يقول حليف الحركة الشعبية والرافض في الوقت ذاته للحلول العنيفة للقضايا السودانية: “نعم هناك خلافات داخل منظومة الحركة الشعبية”، ويمضي المهدي أكثر ليكشف تفاصيل الخلاف الذي يضرب الحركة الآن، “هو صراع بين تيارين، تيار يطالب بحق تقرير المصير لجبال النوبة، في مقابل تيار آخر يطالب بالعلاج في إطار السودان الوحيد.. ارتفاع وتيرة المطالبة بحق تقرير المصير لجبال النوبة كان قد تم ذكره في ثنايا خطاب استقالة عبد العزيز الحلو، فيما يرفضه الطرف الآخر في الأمانة العامة”. لا يحدد المهدي موقفه مما يجري هناك، لكنه يقول إن قيادات الحركة قادرة على وضع حلول لمشكلاتها التنظيمية، لكن إمام الأنصار يعود وهو يصف السلطة الحاكمة بأنها أكثر ما نجحت في إضاعة الفرص المتاحة لتحقيق سلام عادل ومستدام في البلاد طوال حقب سيطرتها على مقاليد الأمور في السودان، ولعل ما حدث في اتفاقية نيفاشا يؤكد هذه الفرضية.. المهدي لا ينفي إمكانية أن يقود الحوار الوطني البلاد إلى سلام دائم في حال مضى باتجاه إيقاف الحرب عبر تعزيز الثقة بين الفرقاء السودانيين وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين واحترام إطلاق الحريات، وهو ما لا تفعله الحكومة الآن. ويشير المهدي إلى منعه هو وحزبه من مخاطبة الجماهير في ميدان بانت بود مدني، ويكمل: “في حال لم يحدث هذا ستتحول كل البلاد إلى ميادين تطالب بحقها في الحرية والديمقراطية”.. المهدي يؤكد أمام جماهيره المتحفزة من أجل التغيير قبل أن يوقفها بعبارة: نحن لسنا دعاة انتقام “الفش غبينتو خرب مدينتو”.

المهدي من مدني ودون حضور لمؤسسات رسمية أو قيادات سياسية في المؤتمر الوطني، لا يتجاوز عملية إرسال النصائح لمن أسماهم إخوته في الوطن، يطالبهم بالتعامل مع القيادات العسكرية في الحركة، مشيراً لعبد العزيز الحلو ومالك عقار، معتبراً إياهم معتدلين وما “عاوزين شر”، وأنهم على استعداد لوضع البندقية على الأرض في حال حدث تجاوب ورغبة حقيقية في إنجاز سلام عادل وفقاً لخارطة الطريق.

ويواصل المهدي تحذيراته للسلطة بعدم الاتجاه للتعامل مع من يدعون إلى حق تقرير مصير جديد في جبال النوبة وعدم وضعه في أجندة التفاوض، ولا ينسى الإشارة إلى الأوضاع في الجنوب، مستخدماً المثل “كفانا نشوف شيل التمساح في الجنوب”، ويعتبر أن الاستمرار في هذا النهج يعني ازدياد الأضرار في البلاد؛ فالمسألة مضرة لأقصى حد بعملية التماسك القومي وستلقي على البلاد بفاتورة جديدة يصعب سدادها.

ويؤكد المهدي على مقدرته في جمع كل الفرقاء السودانيين في سبيل الوصول إلى المستقبل، وعلى قدرته لمخاطبة الخارج من أجل إعفاء الديون التي وصلت إلى خمسين مليار دولار.

يغادر المهدي مدني عائداً إلى البقعة، ولكن هذه المرة عبر طريق الشرق وكأنه يرد الجميل لأهل البطانة الذين وشحوه بالتكريم في دار حزبه بحاضرة الجزيرة مدني.. كالعادة لم تفارق الرجل ابتسامته ولم يضق بالجموع التي حملت سيارته فوق أعناقها.

 

اليوم التالي