خطبة الجمعة التي ألقاها الإمام الصادق المهدي بمنطقة الجبلين

الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة التي ألقاها الإمام الصادق المهدي

بمنطقة الجبلين

الجمعة 15 فبراير 2013م

 

الخطبة الأولى

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أحبابي في الله، وأخواني في الوطن العزيز

أهلنا ضاقت بهم المعايش في دنقلا ولذلك هاجروا إلى هذه المنطقة على سنة (ألَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا)[1] فجاءوا هنا ووجدوا من أهل المنطقة ترحيباً وتكريماً وإقبالاً. كان الشيخ محمد أحمد في ذلك الوقت شيخ خلوة فجعل في الجزيرة أبا خلوته، وهناك التفت حوله قبائل هذه المنطقة بصورة كبيرة، وجعل من هذه الخلوة التي كان شيخها الخليفة علي ود حلو، وكان أيضا من أهل هذه المنطقة الذين آووا أهلنا المهاجرين إليهم، ثم صاروا الذراع اليمين للدعوة التي وحدت السودان والتي حررته وأقامت دولة الإسلام فيه. كانت تلك هي المكرمة الأولى لأهل هذه المنطقة حيث احتضنوا أهلنا هنا واحتضنوا الدعوة في بداية أمرها إلى أن كانت واقعة الجزيرة أبا، ثم الهجرة إلى الغرب، إلى قدير.

الذين وقفوا مع تلك الدعوة كانوا من أشجع الناس، حتى أن المؤرخ البريطاني فيليب وارنر قال: لم نشهد ولم نجد في كل التاريخ من فاقت شجاعتهم شجاعة الأنصار.

ثم بعد أن استطاع المحتلون أن يهزموا هذه الدولة بقوة السلاح الناري وانتصروا بقوته كانوا مقتنعين بأنهم ما هزموا الإرادة، بل هزموا الجيوش وقتلوا من قتلوا بالآلاف ولكن ما هزموا الإرادة أصلاً. أحيانا تكون الهزيمة نصراً إذا لم تهزم العزيمة:

فَـتىً مـاتَ بَينَ الضَربِ وَالطَعنِ ميتَةً تـقومُ مَقامَ النَصرِ إِن فاتَهُ النَصرُ

ومع هذا، وبعد أن سقطت الدولة بقيت الدعوة التي استطاع الإمام عبد الرحمن أن يحييها من جديد، ومرة ثانية احتضنوه أهل هذه المنطقة في الجزيرة أبا، وكان لأهل غرب السودان دورهم الممتاز، ففي المرة الأولى هاجر الإمام المهدي إلى الغرب، وفي المرة الثانية هاجر كثير من أهل الغرب إلى الجزيرة أبا. واستطاع الإمام عبد الرحمن من هناك أن يعمل عملاً كبيراً لإعادة إحياء الدعوة، وبهذه الدعوة والسند الشعبي استطاع، مع مجموعة معه من الناس، استطاعوا أن يحققوا استقلال السودان للمرة الثانية، وللمرة الثانية وقف معه أهل هذه المنطقة وقفة قوية.

الإمام عبد الرحمن رأى أن السلاح المناسب للزمن الذي نحن فيه هو الجهاد المدني، أي الجهاد بلا عنف، وهذا وارد في تراث الإسلام، ربنا سبحانه وتعالى قال يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم في أمر القرآن ويقول له: (جَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)[2] أي جاهد الكفار بالقرآن جهاداً كبيراً. إذن الجهاد من غير عنف ممكن.

واستطاع الإمام عبد الرحمن عن طريق العمل الاستثماري في المنطقة، والمشاريع الزراعية، أن يجعل الجزيرة أبا مركزاً للاستثمار في القطن، والذرة، والعلف. أيضا مرة أخرى التف حوله أهل هذه المنطقة. قوم سموا عمال، وقوم سموا أنصار، وكانوا جميعا قائمين معه على هذا العمل الجديد. واستطاع بهذا المال والتدبير الكبير، استطاع أن يكون ثورة صرفت في العمل على إحياء الدعوة والعمل على استقلال السودان مرة ثانية، ومرة ثانية كان لأهالي هذه المنطقة فضل كبير في الالتفاف حول الإمام في دعوته وأيضا في الاستثمار. وكما تعلمون كانت في هذه المنطقة مشاريع زراعية كبيرة انتشرت هنا وفي النيل الأزرق، وقامت بتعمير كبير في إنتاج القطن وإنتاج الذرة وإنتاج العلف. للأسف هذه الأشياء كلها الآن صارت تالفة ودمرت. ولكن إن شاء الله كل الذي فات يعود، وتستثمر هذه الأراضي الخصبة مرة أخرى ويعود الإنتاج النقدي والغذائي والحيواني بأقوى صورته الممكنة.

استطاع أهلنا هنا في هذه المنطقة أن يلتفوا حول هذه الدعوة، واستطاع الإمام عبد الرحمن أن ينطلق بها في كل السودان خاصة في غرب السودان ومناطق أخرى حتى تحقق الاستقلال مرة ثانية.

الأسلوبان مختلفان. أسلوب الدعوة المهدية كان بالعمل القتالي، وأسلوب الدعوة الرحمانية كان بالعمل المدني، وكما قال علي عكير يصف هذا الحال:

جهاد المهدي سيف سلاه يلمع ضـاوي

وحكّمه في الرقاب اللي الشرع بتلاوي

انت جهادك الليــــــن بالهداية تداوي

مختلفة السيوف إلا الضرب متساوي

وكما قال أمير شعراء السودان في ذلك الوقت:

أبوك غزا بالسيف فانقاد من طغى وسيفك للأعـــــداء رأي مسدد

سلاحان ما ضٍ في الرقاب فقاطع وآخر للأهــــــواء غــــاز مبدد

نحن الآن نتبع هذا الجهاد المدني، لأن السودان يحتاج الآن لعمل جديد. يريد نظاما جديداً يقوم على كرامة المواطن، واحترام المواطن، ومشاركة المواطن، لا قهر ولا ظلم ولا بطش، وفي هذا الصدد نحن الآن نقوم بدعوة واضحة تقوم بتطهير الدين عما لصق به من ممارسات لا تشبهه. في الإسلام العدالة، والحرية، والمساواة، وكرامة الإنسان أصل في الدين، فالذي ينتهك هذه الأشياء لا يمكن أن يطبق الإسلام، تطبيق الإسلام يعتمد على احترام وتقدير هذه المعاني، فمن فرط فيها أو أذل الناس أو أضاع كرامتهم وحريتهم والعدالة لا يستطيع أن يدعي أن ما يفعله إسلام.

ونحن في هذا الصدد أيضا نعتمد على أهلنا الذين كانوا قد صدقوا الوعد مع الإمام المهدي، وصدقوا العهد مع الإمام عبد الرحمن، واليوم حالتهم كأن المهدية جديدة في النفوس من حيث الحماسة والقوة والاندفاع، كأنما الناس مهما قيل لهم، ومهما ظلموا، ومهما شتتوا، ومهما فرقوا حافظين لهذه الروح كما كانت، وهي القوة التي ننظر أن تكون السند لسودان جديد يقوم على العدالة، والحرية، والكرامة، ويطبق الإسلام بصورة تكون هي الضمان للاستقرار والضمان للرخاء. فكما يقال (ما في دين بلا عجين). لا بد أن يوفر الناس للناس معيشتهم، ولا بد من العدالة، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)[3] أي تفريط في العدالة تفريط في الدين.

كما تعلمون نحن إذ نقوم بهذا الواجب وهذا العمل نعتقد أن الله سبحانه تعالى قد حفظ هذه الدعوة، وحفظ العقيدة في نفوس الناس، ليس لكي يعملوا بها مباهاة ومفاخرة ولكن لتكون قوة يعتمد عليها إصلاح الدين وإصلاح الوطن إن شاء الله.

لا شك نحن إذ نعتقد أن هذه الأمور الحق فيها لا يضيع ولا يغيب (وما ضاع حق قام عنه مطالب)، لبينا الدعوة لهذه الزيارة ونعتقد أن فيها أهمية كبيرة:

أولاً: تعطينا فرصة لتفقد الأحوال وتعطيكم فرصة لتستمعوا منا ما نقول في أمر الدين والوطن.

ثانيا: تعمل بيننا وبينكم تواصلاً، أنا متأكد حتى مع غيابنا فالتواصل قائم ومع غيابنا الاتصال قائم وبين القلوب شواهد ولكن الاتصال المباشر مهم.

ثالثاً: كذلك نحن الآن في الإطار الأنصاري في هيئة شئون الأنصار قائمين بمشروع نسميه البقعة الجديدة، وهي أسلوب جديد للتنمية الريفية ستشرح لكم وتوضح لكم بواسطة الدعاة من هيئة شئون الأنصار، ونحن سنستقطب لهذه البقعة الجديدة إن شاء الله تمويلاً من أصدقائنا في كل مكان، ولكن نريد لكل الأنصار في كل مكان أن يساهموا فيها ولو بجنيه نسميه جنيه البقعة، جنيه البقعة هذا يدفعه كل إنسان رجل، امراة، بنت، طفل، صبي، ..الخ؛ كلهم يدفعون جنيه البقعة هذا لكي يشاركوا في هذه الحملة المبروكة. وإن شاء الله نعمل شيئا مماثلاً في الجزيرة أبا لكي تشع في المنطقة وتنتشر في أقاليم السودان. هذا أسلوب لتنمية ريفية تربط ما بين الهداية الروحية، والمحبة بين الناس، والعمل الاستثماري، والخدمات الاجتماعية الصحية والتعليمية والمياه وغيرها، فأرجو أن تهبوا في نصرتها وتأييدها والدعوة إليها وتنفيذ ما ينبغي. وأيضا نقول من عنده خير من مزارع أو عنده خير من راعٍ يدفع خروف البقعة أو شوال البقعة، هذه كلها مساهمات في هذا العمل الجليل الذي نريد به أن نعمل إن شاء الله على حضارة جديدة.

ونعتقد أيضاً أن هذا العمل يجب أن يكون تعاونياً. كل إنسان يشارك فيه (النملة بقرصتها) كل إنسان يقوم بشيء فيه، كل إنسان يقوم بما يليه من هذا العمل كما قلنا ولو جنيه واحد (جنيه البقعة). هذا العمل الذي نريد أن نبشر به وهذا الذي أرجو أن أحباببنا وحبيباتنا من كل أنحاء هذه المنطقة المباركة يحملوا هذه الرسالة وستكون هناك آلية لجمع هذا المال لكي نقيم مشروع البقعة الجديدة.

وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ؛ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ”[4] أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

استغفروا الله.

 

الخطبة الثانية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه مع التسليم.

إن الجهاد واسع، وربنا سبحانه وتعالى يحثنا أن نجاهد في سبيله، والجهاد واسع ليس “حاجة واحدة”. أولاً هناك جهاد النفس لكي يردعها الإنسان عن المساوئ، ويردعها عن الخبائث ويحملها على الطيبات، هذا جهاد. والجهاد بالمال جهاد، والجهاد بالكلمة جهاد، هذا كله جهاد، ولكن يصير الجهاد قتالاً للدفاع عن النفس: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)[5] ونحن لدينا ولله الحمد تربية جهادية. كل واحد وواحدة منا هذه التربية في نفسه: تربية جهادية مدنية، وتربية جهادية عسكرية. ولكن التربية الجهادية العسكرية لا دور لها إلا في رد العدوان، وهذا من واجبنا حفظاً للعقيدة وحفظاً لهذ التربية أن نواصله بكل الوسائل: بالكلمة والمدائح، وبالأناشيد وبالتوجيه والإرشاد ، لكي نعزز هذه الفكرة فكرة أن الجهاد تربية، وهو له معانٍ واسعة: جهاد النفس، والجهاد بالمال، والجهاد بالكلمة كل هذا جهاد؛ والاستعداد الدائم للدفاع عن طريق الجهاد القتالي. هذا جزء لا يتجزأ من تربيتنا وجزء لا يتجزأ مما ينبغي أن نحافظ عليه. نحن عندما نتكلم عن الجهاد المدني لا يعني أن نكون بلا استعداد للقتال لو هوجمنا، لكن يكون عندنا استعداد ولكن لا نستخدم القوة إلا رداً على العدوان كما قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا)[6]. ولكي ننشر كلامنا ولكي نميز مبدأنا يجب أن نتخذ ليس أسلوب العنف وإنما أسلوب اللين (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[7] هذا هو الطريق الصحيح الذي نتبعه لتحقيق أهداف الوطن السياسية المذكورة.

ويتضح لنا جميعا أننا كمسلمين وكأنصار، وبالمناسبة فإن الأنصارية ليست طائفة. الأنصارية دعوة لكل المؤمنين أن يكونوا أنصار، لذلك هي ليست طائفة لأن ربنا سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ)[8] والتسمية هي كذلك، فهي ليست أنصار بيت ولا أنصار شخص، ولا يقول أحد أنصار المهدي، لا بل أنصار الله أصحاب المهدي.

ومن يقرأ الراتب منكم يرى كيف أن المهدي في راتبه يتحدث كشخص حقير ذليل ممتثل لرب العالمين، وكلنا حينما نقرأ الراتب حينما تأتي جملة “إني حقير” كلنا نقولها، فالناس حينما يقرأون الراتب هناك أشياء يرددونها كلهم معاً، من أهمها “إني حقير” والثانية “أنصار الله”. هاتان العبارتان اللتان يرددانهما: حقير بمعنى حقير أمام رب العالمين، لذلك ليس للإمام المهدي في راتبه إدعاءات ولا لديه مطالب، فالمسألة كلها تقرب من الله سبحانه وتعالى وامتثال لسنة محمد صلى الله عليه وسلم.

هنا في هذا الأمر لازم نفهم أن دعوتنا دعوة سلام، بالنسبة للسلام فربنا سبحانه وتعالى كما يقول: (كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ)[9] أيضا يقول: (يا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً)[10] هذا هو المعنى. وأهمية السلام أنه اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، والسلام كذلك أساس تحية المسلمين فالمسلمون عندما يلتقون مع بعض تحيتهم هي: السلام عليكم ورحمة الله، هذه تحية الإسلام: السلام.

نحن في السودان الآن أمام ظروف صعبة، عُملت اتفاقية السلام في عام 2005م نحن منذ البداية قلنا هذه الاتفاقية لن تأتي بسلام ولن تأتي بوحدة، وفعلا وللأسف تحقق ذلك فاتفاقية السلام التي أبرمت في عام 2005م لم تأت بسلام ولا بوحدة، فالجنوب انفصل والسلام غائب الآن. واليوم لدينا ست جبهات قتال للأسف بعضهن مشتعلات وأخريات قادمات. هذا كله مربوط باتفاقية السلام لأننا أوضحنا أن اتفاقية السلام قالت نريد وحدة لكن فرطت فيها، وقالت نريد سلاما ولكن تركت نقاطاً كثيرة جداً مما جعل السلام الآن غائب، ونحن الآن نسعى بكل الوسائل لتحقيق السلام وقفل باب الحرب، وهذا ممكن. وقد أخرجنا مشروع للسلام، وكونا لجنة عليا لتتابع هذا الموضوع في كل تفاصيله، وهذا ممكن في كل الجوانب:

أولا: وضعنا أساسا للتعاون بين الشمال والجنوب يحقق هذا السلام.

ثانيا: وضعنا أساساً لحل مشكلة جنوب كردفان.

ثالثا: وضعنا أساساً لحل مشكل جنوب النيل الأزرق.

وقلنا الأشياء المختلف عليها مثل أبيي، وسماحة وغيرها هذه تحل عن طريق مفوضية حكماء، والذي يجعل تسميتهم حكماء ممكناً أنهم يختارون بطريقة خاصة. الخرطوم تختار (18) شخصاً تقول هؤلاء حكماء، و جوبا تختار منهم (6)، وجوبا تختار (18) شخصاً الخرطوم تختار منهم (6)، هؤلاء الستة والستة اثنى عشر يصيرون هم مفوضية الحكماء، ويوكل ويسند لها حل المشاكل كلها في الزمن الكافي، ليس اليوم أو غدا وبعد غد، بل في الزمن الكافي، أما بقية الأشياء المتفق عليها يجب التنفيذ فيها مباشرة وفورا:

البترول: يستخرج البترول وينقل ويباع.

التجارة الحدودية: يجب أن نبدأ فيها فوراً.

تأمين المراعي للقبائل: يجب أن نبدأ فيه أيضا فورا ونستمر فيه.

المواطنة: للجنوبي في الشمال، وللشمالي في الجنوب، يجب الاتفاق على هذا لكي يعيش هؤلاء كلهم في سلام وأمان وتعاون.

هناك ناس في الخرطوم يريدون أن يقولوا: لا نتعاون مع جوبا ونؤيد الثائرين ضدها لكي يأتي آخرون يسمعون كلامنا، ايضا هناك ناس في جوبا تفكيرهم حربي أيضا يقولون كلاما مماثلاً: يجب أن نخضع الخرطوم لقيادتنا وندعم المتمردين ضدها لكي يأتي نظام في الخرطوم يسمع كلامنا. الاثنان سائران في خطة حربية تدميرية، ولذلك نحن الآن نقوم بخطة مضادة لنسمي حزب السلام في الخرطوم، وحزب السلام في جوبا، ونعمل على توحيد كلمة الشعب السوداني حول السلام في جوبا وفي الخرطوم، ونعتقد أن هناك جهات كثيرة تؤيد هذا الخط. لنهزم حزب الحرب لأن حزب الحرب هذا سوف يؤدي لأشياء مدمرة، لذلك نحن الآن نسعى بكل الوسائل ونريد من أهلنا من القبائل الذين يعيشون في الحدود، وهم إذا وجد سلام أسعد الناس به، وإن كانت هناك حرب أشقى الناس بها؛ أهلنا الذين يعيشون في هذه الحدود قبائلكم هنا من سليم وأحامدة، صبحة، نزى، دار محارب، .. إلخ، كل هذه القبائل لديها مصلحة أساسية في السلام وكذلك أهلنا وقبائلنا في الغرب المحادين للجنوب أيضا: رزيقات، ومسيرية، وهبانية ..إلخ كل هذه القبائل لديها مصلحة في السلام. وهذه القبائل لا ترعى فقط عند الحدود بل ترعى داخل الجنوب. وإن لم يوجد اتفاق لا يسمح لها أن تمشي، وهو ما يفوت على كثيرين في الخرطوم أن هذه القبائل الرعوية إن لم تمش جنوباً ووجدت أمان وسلام ستأتي شمالاً وإذا اتت شمالا ستأكل الزرع وتقوم الحرب بين أصحاب الجرون وأصحاب القرون (أي المزارعين والرعاة)، فهم لو جاءوا راجعين شمالاً بعد أن تكون انسدت أمامهم المراعي التي في الجنوب ستقوم الحرب بين القرون والجرون.. لذلك نحن حريصون على السلام لتأمين حقوق ومصالح هذه القبائل والمزارع المذكورة، لأن هذه المنطقة المطر فيها جيد والزرع فيها جيد والأرض فيها خصبة، لذلك لا بد من إزالة أسباب الحرب ليتمكن أهلها من هذه المعيشة.

ونحن نعتقد السلام ممكن ولدينا مشروع كامل الآن للسلام. للأسف الرؤساء الذين يتلاقون في أديس أبابا لا يستطيعون التوصل لنتيجة أولاً لأنهم يمشون لأديس أبابا غير متحضرين بل تلبية لدعوة مجلس السلم والأمن الأفريقي، ولذلك لا يكونون مستعدين، لم يحضروا ولم يذاكروا بل ذاهبون ليسمعوا كلام هؤلاء، وهم يقولون لهم اتفقوا أو نحول الموضوع لمجلس الأمن، وللأسف ممكن يحيلوه له وهذا لا يحل المشكلة، وكذلك للأسف حتى حينما يتفق الرئيسان في أديس أبابا، فإن هناك دعاة حرب في الخرطوم يقولون للقيادة السودانية لا تنفذوا هذا الكلام واصبروا فإن الطرف الثاني سوف يركع، نفس الشيء في جوبا فإن من أسميهم أيضاً حزب الحرب يقولون للقيادة في جوبا لا تنفذوا، الخرطوم سوف تركع. فالاثنان هذا يقول جوبا ستقع وذلك يقول الخرطوم ستقع ولا ينفذون شيئاً من هذا الأمر، والاثنان خاطئان لأن سقوط حكومة جوبا أو الخرطوم ليس هو القضية، القضية أن يكون بين جوبا والخرطوم تعامل وسلام ووقف للحرب، لذلك نحن حريصون جداً على هذا الأمر ونعتقد أن كل العقلاء الآن في الخرطوم وفي جوبا يؤيدون هذا الكلام الذي نقوله، ويجب أن نعمل عملاً كبيراً لكي نعزل دعاة الحرب في الخرطوم وجوبا، كذلك نعزل دعاة الحرب في الحدود بين القبائل البقارية والقبائل النيلية. يجب أن نحقق هذا بصورة كبيرة جداً، نحن إن شاء الله نسعى في عمل مؤتمرات لكي يكون هناك صلح بين هذه القبائل ولكي نقفل الباب أمام أية مواجهات مسلحة أو حربية، لكي يخلقوا رأيا عاماً قوياً جداً للسلام، ونعتقد أن هذا ممكن.

نفس الشيء، نعتقد أن السلام في دارفور ممكن وهذا بتلبية كل المطالب دون تقرير مصير، وكذلك ممكن حل مشاكل جنوب كردفان وجنوب النيل الأرزق. نحن لدينا مشروع كامل للسلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل، ونعتقد مع الإخلاص والعمل والمجهود ربنا إن شاء الله سيوفقنا ويهدينا سواء السبيل، ويهدي من ضل، الذين هم ساعون في أمر الحرب، نحن نقول ربنا أهد من ضل.

اللهم يا جليلاً ليس في الكون قهر لغيره، ويا كريماً ليس في الكون يد لسواه، ولا إله إلا أياه نسألك أن تهدينا وتهدي أبنائنا وبناتنا، وأن ترحمنا وترحم آباءنا وأمهاتنا، وأن تجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن تبارك في هذه المنطقة أرضاً وزرعاً وذريةً وبهائماً، كل هذه الأشياء نسأل الله سبحانه وتعالى أن يباركها وأن يزيد في خيرها، وأن يجمعنا بكم دائماً في ساعة خير، ويمكننا أن نعمل الخير لديننا ووطننا.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين، عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون)[11].

 

قوموا إلى صلاتكم يرحمنا الله وإياكم،،

 

ملحوظة: ألقيت الخطبة ارتجالا وقامت سكرتارية مكتب الحبيب الإمام الصادق المهدي الخاص بتفريغها من التسجيل بالفيديو.

 

______________________________________________________

 

[1] سورة النساء الآية (97)

[2] سورة الفرقان الآية (52)

[3] سورة النحل الآية (90)

[4] سنن الترمذي

[5] سورة الحج الآية (39)

[6] سورة الحج الآية (39)

[7] سورة النحل الآية (125)

[8] سورة الصف الآية (14)

[9] سورة الصف الآية (14)

[10] سورة البقرة الآية (208)

[11] سورة النحل الآية (90)