خطبة عيد الفطر المبارك 1 شوال 1440هـ

الإمام الصادق المهدي

بِسْم الله الرحمن الرحيم

الخطبة التي ألقاها الإمام الصادق المهدي

في عيد الفطر المبارك 1 شوال 1440هـ

الموافق الثلاثاء 4 يونيو 2019م

مسجد الهجرة ودنوباوي

الخطبة الأولى

اللهُ أكبرُ.. اللهُ أكبرُ.. اللهُ أكبرُ

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبهِ ومن والاه،

أحْبَابـِي فِي اللهِ وإخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ،

عيدٌ مباركٌ يستشرف فجراً جديداً للوطن، أعادَه اللهُ علينا جميعاً باليمنِ والبركاتِ، وبعد-

الإسلامُ اليوم أكبرُ قوةٍ ثقافية في العالم، لذلك يتمدّدُ رغم ضعف بلدان المسلمين. وهو أكبرُ قوةٍ مستحوزةٍ على رأسِ المالِ الاجتماعيِّ، بحيثُ تشد إلى دعاته الجماهير. ظاهرة عبر عنها المرحوم محمد أسد بقوله: رغم العقبات التي خلقها تخلف المسلمين، فالإسلام هو أعظم مستنهض للهمم عرفه البشر. لماذا هذا الامتياز؟

كل أحكام الإسلام تشمل جزءً روحياً هو امتثال لأمر الله، وينال صاحبه جزاءً روحياً. وجزء يحقق مقاصد عقلانية على نحو ما قال الإمام الشاطبي: كل ما حكم به الشرع حكم به العقل.

فالصيامُ طاعةٌ مأجورةٌ، ويحقق مقاصد معقولة هي: كبح الشهوات، والمران على الصبر، وكسر سلطان العادات، وتقوية العزائم، والشعور بمعاناة المحرومين، وهو حمية من آفات السمنة، والسمنة من الأمراض الخادعة التي يحسبها الناس دليل عافية، ولكنها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ“[1]، وقال: “الْبَطَنَةُ تُذْهِبُ الْفِطْنَةَ”، وقال المهدي عليه السلام، كل لقمة زيادة على الضرورة عليك لا لك. ولكن بعض الناس الآن يعانون من الجوع ويحتاجون لدعم ما يستهلكون وللصدقات.

وصلاة القيام كسائر النوافل قُربى لله، ومقاصدها العملية كسر للتخمة بعد الإفطار مثل حكمة من تعشى تمشّى، ودعم التآلف بين المصلين.

وزكاة الفطر الواجبة على كل الأفراد بلا استثناء سنة، ومن مقاصدها أنها كفارة للهفوات التي تجرح الصيام، وإغاثة إنسانية للمحتاجين. وقد قدرت هيئة شئون الأنصار زكاة الفطر 80 جنيهاً للفرد و55 جنيهاً لفدية طعام المسكين، ويجب إخراجها قبل نهاية رمضان وقبل صلاة العيد.

أما العيد فهو كذلك سنة ومن مقاصده بث سرور عام لكل الأجيال، وفرصة للتعافي والتصافي، ومناسبة سرور بأداء واجب الصيام. أما صلاة العيد فهي سنة مؤكدة، وهي فرصة لصلاة جماعة في وقت غير معتاد، وفي مكان غير معتاد، كأنها مظاهرة إيمانية بما يصحبها من خطبة وتكبير وتهليل.

أحبابي،

الإسلام يتمدد اليوم في كل أنحاء العالم رغم ضعف المسلمين. أمتنا أصابها الوهن بسبب الثلاثية المقيتة وهي: التحجر الفقهي ركوناً للتقليد، والجمود الفكري تخلياً عن العقل البرهاني، والركون لطاعة المتغلب إمتثالاً للاستبداد.

هذه العلل جعلت أمتنا عرضة لأدواء بسبب عشرة خطايا وأخطاء متعلقة بالتالي:

الفهم الظاهري وليس التدبري للقرآن. القرآن فيه محكم ومتشابه، وعام وخاص، وناسخ ومنسوخ، مما يوجب التدبر لقوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[2].

فهم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. إذ وتأسياً بسيرة أنبياء بني إسرائيل الغزاة سموا سيرته المغازي مع أن أهم فتوحاته كانت سلمية، وأن قتاله كان رداً لعدوان. وتأسياً بسيرة عيسى عليه السلام بالغوا في معجزات السيرة مع أنه تعالى قال: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَۚ)[3]. مفردات سيرته معقولة كما قال البصيري:

لم يمتحنا بما تعي العقول به حرصاً علينا فلم نرتب ولم نهم

الخلط بين الثابت والمتحرك في النصوص. الشعائر ثابته، ومن الخطأ أن تقاس عليها المعاملات، وقاعدتها تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال.

قدوية وقدسية التاريخ. إذ جعل كثيرون تاريخنا مقدساً بينما ينبغي فهم التاريخ واستخلاص الصواب للقدوة والخطأ لتجنبه، على ألا نرتب على نزاعات السلف ما يفرق بيننا: (تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).[4]

فقه الجهاد. ضيقوا فهم الجهاد بأنه قتال الطلب. الجهاد مفهوم واسع ويشمل جهاد النفس، والجهاد المدني، ولا يصير قتالياً إلا دفاعاً كقوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا)[5].

مسألة الخلافة ووحدة الأمة. كثيرون اعتبروا الخلافة التاريخية من أصول الدين وهي ليست كذلك بل يمكن للمسلمين أن ينظموا أحوال أوطانهم وأن يقيموا العلاقات بينهم على أساس المعاهدة.

التعامل مع المستجدات: ينبغي أن يقوم على أساس معرفة الواجب اجتهاداً لا تقليداً، والإحاطة بالواقع، والتزاوج بينهما.

جدلية النقل والعقل. هنالك قطعيات هي مكان النقل وما عداها مجالها العقل ويتناول كل مفردات عالم الشهادة.

الدين والقومية والوطنية والعالمية. الولاء للدين يتكامل مع الولاء للوطن وللقومية فكل حلقة انتماء تتكامل مع بعضها بعضاً مع تجنب العصبية. وتقوم العالمية على المعاهدة: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[6].

المهدية، والعيسوية. ربط المهدية بشخص معين وزمان معين خطأ بل هي وظيفة إحياء الدين. وكذلك العيسوية وهي وظيفة اهتداء البشرية بالرسالة المحمدية.

ومعجزة الإسلام الدائمة أن كتابه القرآن محفوظ، والكتب الأخرى مختلف عليها؛ ونبيه كامل الإنسانية ما يبرر القدوة. ورسالة الإسلام بمشروعية الحكمة، والتدبر، والاعتراف بالإنسان كإنسان وبالتنوع الديني والثقافي صارت صالحة لكل زمان ومكان.

لذلك تتمدد الرسالة اليوم رغم ضعف المسلمين.

هذا الإشراق أثار حفيظة كثيرين فصاروا يجتهدون لاستغلال ثغرات أمتنا كمداخل لإذلالها:

يَكْفِيكَ أَنَّ عِدَانَاً أَهْدَرُوا دَمَنَا وَنَحْنُ مِـنْ دَمِنَا نَحْسُو وَنَحْتَلِبُ

ثغرات يجب أن نسندها بالصلح الثلاثي: السني الشيعي، واليمني بين أطراف اليمن، والخليجي بين دول المجلس. وبالتعاهد الأمني الثلاثي للتعايش والتعاون وعدم التدخل في الشئون الداخلية: العربي، الإيراني، التراكي.

إصلاحات يبشر بها قوله تعالى: (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[7] والأثر: الْخَيْرُ فِيَّ وَفي أُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

قال تعالى: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً)[8]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيّد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربّي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلا أنت.. استغفروا الله.

 

الخطبة الثانية

اللهُ أكبرُ.. اللهُ أكبرُ.. اللهُ أكبرُ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لك يا الله حمداً يوافي نعمك ويكافئ مزيدك، ولك الحمد لذاتك حمداً يوافي مرضاتك، وصل وسلم وبارك علي حبيبنا محمد مبلغ رسالتك، وعلي آله وأصحابه الذين عملوا بوحيك، واتبعوا هدى نبيك صلى الله عليه وسلم، أما بعد-

أحْبَابـِي فِي اللهِ وإخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ،

الشعار لا ولاء لغير الله خادع، فنحن مطالبون بولاء لرحمنا، ولجيراننا، ولوطننا، ولاءات يطلبها الدين نفسه. والصحيح أن يقال لا ولاء يعلو ما لله. إن حب الوطن والولاء له من الإيمان.

إن لثورة ديسمبر الشعبية الفريدة نسباً جسدته ست انتفاضات في 1990م، وفي 1996م، وفي 1998م، وفي 2006م، وفي 2012م، وفي 2013م. نزعت من النظام الحاكم الشرعية الواقعية التي اكتسبها. وساهمت فيه مقاومة مسلحة جسدتها مقاومة الحركة الشعبية التي اتسعت بسبب تبني النظام الانقلابي أجندة اقصائية كانت سبباً في اشتعال حروب أهلية أخرى في 2003م و2011م، وحروب أهلية استنزفت النظام وساهمت مع المقاومة المدنية في إجبار النظام على سلخ جلدته أربع مرات في محاولة يائسة لاحتواء الرفض والمقاومة. وارتكب النظام في وجه المقاومة تجاوزات دموية جلبت ضده 62 قرار مجلس أمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أهمها القرار 1593 الذي دفع بقادة النظام لملاحقة المحكمة الجنائية الدولية.

الحلقة السابعة من المقاومة الشعبية انطلقت في ديسمبر2018م من أقاليم البلاد. تجاوبت مع هذه الهبة القوى الفكرية والسياسية الرافضة للنظام الحاكم، وتحول نداء القوى المهنية من مطلبية إلى سياسية ثورية.

ومنذ السادس من أبريل 2019م احتشدت المواكب لتكوين اعتصام فريد بصموده وإقدامه، نقل الحالة الشعبية من يأس غذاه طول عهد القمع ثلاثين عاماً إلى عودة للروح أذنت بأن الصبح قريب، وأن الثورة الشعبية قد بلغت شأواً لن يتراجع حتى يحقق مطالب الشعب المشروعة في سلام عادل شامل وتحول ديمقراطي كامل.

واجه هذا الإقدام الثوري حدثان مهمان: الأول: أن ضباطاً في القيادة العامة استضافوا الاعتصام، والثاني: أن قوات الدفاع والأمن المتمثلة في اللجنة الأمنية رفضت أمر الطاغية بفض الاعتصام بالقوة بحجة سندها لفتوى مالكية، والإمام مالك منها براء: أنه يجوز لولي الأمر أن يقتل ثلث السكان لإصلاح حال الثلثين. وهي فتوى تفترض أن ولاية الأمر شرعية لا كما في السودان انقلابية. إفتراء على مالك إمام التسامح المذهبي كما شرح ذلك القرافي. فتوى دموية في دين يقول إن من قتل نفساً واحدة دون مبرر شرعي (كَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)[9]. خطة دموية مارسها النظام في مناسبات كثيرة حتى بلغت ضحاياه مئات الآلاف. قامت لجنة الأمن بتنحية المخلوع وانخرطت في تفاوض مع قوى الحرية والتغيير بشأن ترتيبات الحكم الانتقالي.

ثورة ديسمبر ليست معزولة بل لها نسب عريق من مقاومة النظام مدنياً وعسكرياً، ومع ما اتسمت به من ثورية عارمة قوامها شباب الوطن ذكوراً وإناثاً فإن للرافع العسكري الذي يمثله المجلس العسكري دوراً مفصلياً في نجاح الثورة وخلع الطاغية.

وساهم في نجاح الثورة رأي عام وطني، وإقليمي أفريقي وعربي، ورأي عام دولي وإعلام روج لشعارات الثورة في كل مكان.

إعلان الحرية والتغيير الذي جمع أكثرية قوى الثورة في بيان واحد عبر عن إرادة الثورة وهوية الاعتصام الفريد.

لكن وفي فجر الاثنين 29 رمضان قامت قوة نظامية بفض الاعتصام الباسل بدموية خلفت عشرات الشهداء، ومئات الجرحى، بعضهم حالته حرجة. أسأل الله أن يتقبل شهداءنا ويحسن عزاء أسرهم والشعب المكلوم الذي فجع في فلذات أكباده فاستقبل العيد بغصة، وأن يعجل شفاء الجرحى. لقد كونت لجنة بئاسة د. يوسف الأمين للتحقيق فيما حدث، وبيان الحقائق توطئة لمطالبة الأمم المتحدة بتحقيق دولي.

كنت قد اقترحتُ خارطة طريق معينة تحدد المطلوب من جميع الأطراف للاتفاق حول معالم الحكم الانتقالي ومن ثم التسليم للسلطة الانتقالية في الطريق نحو الديمقراطية التوافقية المنشودة. ولكن مجزرة الاثنين وفض الاعتصام الوحشي غير المناخ الوطني كلية. في جوهر الموضوع أقول: ما حدث دليل على أن المجلس العسكري قد بدد ما اكتسب من فضيلة برفض فض الاعتصام بالقوة بأمر الطاغية.

بعد هذه المأساة فإن المطلب الشعبي الذي سوف تصطف كافة قوى الشعب الثورية دعماً له هو:

أولاً: اعتبار الهجوم الغادر وغير المبرر فراقاً بين الثورة الشعبية السودانية ومن كانوا وراء هذا الهجوم الغادر.

ثانياً: دعوة قوى الحرية والتغيير وكافة القوى الشعبية المؤيدة للثورة لاجتماع عاجل لتحديد كيفية استلام النظام الانتقالي الجديد.

ثالثاً: ينبغي أن يعترف المجلس العسكري بأن الهجوم الذي حدث على المعتصمين أمام القيادة العامة مدبر، وتحمل المسؤولية.

رابعاً: أمام المجلس العسكري في وجه التاريخ خياران: أن يصر على الهجوم وتحمل نتائجه، وبالتالي وضع مجلسه في نفس خانة المخلوع، واستدعاء المواجهة المحتومة للشعب الثائر. أو أن يعلن مسؤوليته عما حدث ومحاسبة كل من تورط في الجريمة، والاستعداد لنقل السلطة للنظام المدني الديمقراطي المنشود بالصورة التي يقررها ممثلو الثورة الشعبية.

نعم نحن خطأنا التصعيد غير المبرر من بعضنا، وتوقعنا أن يقود لتصعيدات من المجلس العسكري. البيان الذي أعلنه الفريق أول عبد الفتاح البرهان مساء الاثنين يفرض حلاً من جانب واحد، وسوف يسعد به السدنة، ويرفع درجة الاستقطاب. هذا النهج خاطيء، والتراجع عنه هو السبيل، فالمخرج سيكون دائماً بالتوافق مع القوى الشعبية لا بالإملاء.

أحبابي،

مهما تعثرت الخطى فإن شعبنا سوف يحرس ثورته لتبلغ بإذن الله مقاصدها عبر سلطة انتقالية محددة المهام، يعقب الفترة الانتقالية نظام يؤسس على السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل. ديمقراطية مستفيدة من دروس الماضي يحرسها دستور يؤسس لديمقراطية توافقية. إن هذه التوافقية تتطلب إجراء انتخابات عامة حرة. استحقاقات نزاهة تلك الانتخابات هي:

توافر الحريات وسائر حقوق الإنسان.

يكون قانون الانتخابات متفقاً عليه قومياً.

تكوين مفوضية للانتخابات متفق عليها.

تلتزم أجهزة الإعلام القومية نهجاً محايداً.

الالتزام بالانضباط المالي والإداري.

أن تتوافر مراقبة نزيهة أفريقية ودولية.

أن تزال آثار الحرب ليتمكن النازحون واللاجئون من المشاركة.

أن يعزل المؤتمر الوطني والأحزاب التي شاركته ريثما يجرون مراجعات للاعتراف بخطأ الانقلاب والفطام من الدولة، وتتم فكفكة مفاصل التمكين.

أما الديمقراطية التوافقية التي نتطلع إليها بعد الفترة الانتقالية فسوف نقوم بتجسيدها في دستور البلاد الذي يضعه المؤتمر القومي الدستوري، وهي تتطلب كذلك إصلاحات سياسية ومراجعات حزبية بيانها:

الأحزاب الشعبية العريقة ذات المرجعية من لاء ديني عليها الفصل بين كيان الدعوة والحزب السياسي واستيعاب المستجدات.

الأحزاب ذات المرجعية الأخوانية أن تتخلى عن فكرة الحاكمية لله فالحاكمية في ولاية الأمر للناس. وأن تعترف بأخطاء الانقلاب العسكري والثلاثين عاماً من تشويه الشعار الإسلامي وتدمير الوطن.

الأحزاب ذات المرجعية السلفية تقر أن السلفية في المسائل الشعائرية اتباعية، أما في المعاملات والعادات وولاية الأمر فالعمدة مقولات ابن تيمية وابن القيم حول السياسة الشرعية وفقه التنزيل. قال ابن تيمية: “إن الله يقيمُ الدولة العادلة وان كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وان كانت مسلمة”، وقال ابن القيم: “إذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان ، فثم شرع الله ودينه”، وقال حول فقه التنزيل: “الفقيه من يطبق بين الواقع والواجب وينفذ الواجب بحسب استطاعته، لا من يلقى العداوة بين الواجب والواقع، فلكل زمان حكم، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم”.

الأحزاب ذات المرجعية الأحادية الاقصائية الشيوعية والبعثية والناصرية تراجع مواقفها لقبول الآخر ومشروعية التعددية والاحتكام للديمقراطية حقاً لا تكتيكاً.

الجماعات ذات المرجعية النقابية كالمهنيين تطور موقفها في اتجاه سياسي يفتح الحزب لكافة المواطنين واتجاه نقابي ينظم شئون الإنتماء المهني.

الجماعات الأفريقانية تنبذ الإقصاء الإثني، والقوى الثورية تكون أحزاباً ديمقراطية للتنافس السلمي.

هذه المراجعات من استحقاقات الديمقراطية التوافقية المنشودة.

يا أهلنا في السودان وخارجه أبارك لكم العيد الأول بعد ثورتكم المجيدة. وأعزيكم وأسر الشهداء، وأسأل الله أن يتقبلهم ويشفي المصابين، وأن يبارك يبارك بلادنا ويوفقها بنور من عنده للعبور التاريخي لتصير قدوة لكل الشعوب التي يسوسها الجبابرة بالحديد والنار.

والعيد في الحقيقة في يوم الثلاثاء أمس، فشعبان كان 30 يوماً ما يجعل رمضان على الأرجح 29 يوماً، ولكن الفيصل هنا ما أفاده علم الفلك. من الآن فصاعداً يجب اعتماد مقولات علم الفلك في تحديد الشهر، رؤية الهلال ليست شعيرة دينية، بل دليل، فإن وجدنا دليلاً أضبط يعتمد. جمعنا لصلاة العيد اليوم اعتماداً لفتوى الجهة المعتادة بحكم الأمر الواقع إلى حين إصلاحها.

إن العيد يا أحبابي مناسبة للتصافي والتعافي فاعفوا عني إني عافٍ عمن يسيء إلي، وتعافوا جميعاً وتصافوا لتجلو قيمة التسامح الأصيلة في شعبنا العظيم.

اللهم ارحمنا وارحم آباءنا وأمهاتنا، وأهدنا وأهد أبناءنا وبناتنا، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

والسلام عليكم ورحمه الله.

[1] رواه الترمذي

[2] سورة محمد الآية  (24)

[3] سورة الإسراء الآية  (59)

[4] سورة البقرة الآية (134)

[5] سورة الحج الآية   (39)

 [6]  سورة الممتحنة الآية رقم (8)

[7] سورة الصف الآية  (8)

[8]  سورة نوح الآية  (10)

 [9]  سورة المائدة الآية  (32)