شاهد على العصر الحلقة الرابعة عشر

شاهد على العصر الحلقة الرابعة عشر

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

برنامج شاهد على العصر مع الإمام الصادق المهدي

 إعداد وتقديم الإعلامي الأستاذ أحمد منصور

قناة الجزيرة- الحلقة الرابعة عشرة

الأحد 25 أكتوبر 2015م

أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في حلقةٍ جديدة من برنامج شاهد على العصر. حيث نواصل الاستماعَ إلى شهادة الإمام الصادق المهدي، إمام الأنصار في السودان، وزعيم حزب الأمة، ورئيس الوزراء السوداني الأسبق، فضيلة الإمام مرحباً بك.

الإمام: وعليك السلام، مرحب.

منصور: لأول مرة في تاريخ الانقلابات العسكرية في العالم العربي يفي قائد الانقلاب بوعوده. الفريق عبد الرحمن سوار الذهب وفى بوعده، وقام باجراء الانتخابات البرلمانية بعد عام من استيلائه على السلطة. في أبريل عام 1986م اجتمعت الجمعية التأسيسية في 26 أبريل 1986م. فاز حزب الأمة بأعلى الأصوات. جاء الحزب الاتحادي الديمقراطي في المركز الثاني، والجبهة الإسلامية في المركز الثالث. ما يلفت النظرفي هذه الانتخابات كما يقول البروفسر ودوورد في كتابه “السودان الدولة المضطربة”: أولاً أنها كانت انتخابات حرة ونزيهة هل توافق على ذلك؟

الإمام: نعم.

منصور: (مواصلاً) تفوق حزب الأمة وولاء الأنصار له رغم تغييبه طوال الفترة الطويلة من العمل السياسي. وبروز الجبهة الإسلامية كمنافس جديد للحزبين التقليديين الرئيسيين في السودان. الحقيقة الأزلية أن أي حزب سياسي في السودان لا يستطيع أن يحرز أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة لوحده دون أن يتحالف مع أحزاب أخرى، نظراً للتركيببة العرقية والقبلية المعقدة في البلاد. أيضا برز الدور الجديد لأحزاب الجنوب كدور سياسي. أنت الآن حزبك حصل على أعلى المقاعد (101 مقعداً)، ووقعت بين فكي كماشة، الحليف اللدود كما يقال الحزب الاتحادي برئاسة الختمية أو حزب الختمية برئاسة الميرغني، وحزب الجبهة الاسلامية الذي يرأسه صهرك الدكتور حسن الترابي والذي كنت تعتبره من فلول نظام النميري، ماذا فعلت حتى تشكل الحكومة وانت بين هذين المأزقين بعد ما قرر حزب الأمة ان تدخلوا في تحالف مع الاتحادي وليس الجبهة الإسلامية.

الإمام: بسم الله الرحمن الرحيم، أنا لا أوافق على أن السياسة السودانية محكوم عليها ألا يكون فيها حزب أغلبية..

منصور: لم يحدث في تاريخها منذ 1956م أن هناك حزباً حصل على أغلبية،

الإمام: لم يحدث لكن..

منصور: إلا في عهد العسكر بس.

الإمام: لا عهد العسكر هذا كلام فارغ. أنا قصدي أنه كان هناك رسم بياني، نحن كنا على صعود. يعني إذا تتبعت الانتخابات لرأيت كيف أننا كنا على صعود، وبينما كنا غياب في المدن صرنا في المدن لنا وجود. وكنا غياب في القوى الحديثة وصار لنا في القوى الحديثة وجود. أي أنه كان هناك في تقديري تطور في  الموقف السياسي لو أمهلت الديمقراطية.

منصور: انت كان دائما كان يقلقك شيء، أن جماهير حزبك تتركز بالدرجة الأولى في المناطق الريفية، ولكنك صرت تؤكد في هذه الانتخابات تحديداً أن دوائر الخريجين أصبح لحزب الأمة وجود قوي فيها ينافس الجبهة الإسلامية.

الإمام: المهم أنا العايز أقوله لك يعني نحن ليس محكوماً علينا نهائياً ألا سبيل لأغلبية حزبية.

منصور: حينما يتأكد مع الأيام هذا..

الإمام: أيوة، اسمع كلامي، أنا عايز أقوللك كلاماً محدداً.

منصور: تفضل..

الإمام: لو تتبعت الانتخابات في السودان لوجدت أن حزبنا على صعود فيما يتعلق بالشعبية، هذا الذي في رأيي كان يمكن أن يؤدي للنتيجة المرجوة، وهي أن يكون هناك حزب عنده إمكانية أن يحكم ويساءل.

منصور: لكن فضيلة الامام اسمحلي هنا، ظروف كل انتخابات تختلف عن الأخرى زماناً ومكاناً وإمكانات وكل شيء.

الإمام: الحرية..المهم الحرية، إذا كانت هناك حرية فحزبنا في صعود، هذا كلامي يعني، وحتى الآن مع الحرية حزبنا في صعود. حينما أعلنت نتائج الانتخابات اتفق الحزبان: الحزب الاتحادي وحزب الجبهة الإسلامية القومية، اتفقا على ما اعتقده أنا في ذلك الوقت إجهاض الميثاق، لأن الميثاق فيه بنود: إلغاء قوانين سبتمبر، ومحكمة القصاص الشعبي..

منصور: أشرنا إلى هذا..

الامام: وقبول إعلان كوكادام مع الحركة الشعبية. هم اتفقوا على رفض هذه الأسس، وهذه الأسس في نظري كانت مهمة. ثانياً قررا، مع أنهما بعد الانتخابات مباشرة، أحس الحزب الاتحادي أن ما كسبته الجبهة الاسلامية كله كان على حسابهم هم ولم يستطيعوا في الجبهة الإسلامية القومية أن يخترقوا حزب الأمة أو قواعد حزب الأمة.

منصور: يعني هنا النصيب الأساسي من الـ51 مقعداً كان من دوائر الحزب الاتحادي؟

الإمام: نعم:

منصور:  لكن دوائر حزب الأمة بقيت كما هي؟

الإمام: تمام وزادت. المهم، المدهش أن الخصمين اتفقا، أنا قلت لحزبي: هذه مناورة، إذا اتفقنا على ائتلاف مع، وهذه في رأيي واحدة من أخطاء التجربة، إذا اتفقنا مع واحد منهما فسنعرض أنفسنا لفيتو مستمر، ولذلك دعونا نقول لهم: نرد على المناورة بموقف. نقول لهم نحن سنشرك كل الجمعية، لكل عشرة من الجمعية..

منصور: قلتلي الفكرة دي.

الإمام: نعم، ولكن إذا لم يوافقوا على ذلك نجلس في المعارضة. حزبي رفض هذا، وفي رأيي هذا كان أكبر خطأ. المهم دخلنا في ائتلاف مع الحزب الاتحادي الديمقراطي وقبلنا منه رفض كثير من أسس الميثاق. وصرنا..

منصور: الآن تحولت أنت إلى براغماتي وليس صاحب مباديء ومواقف!

الإمام: لا ما هو حزبي قرر، أنا لست براغماتياً لقد كان مبدئي واضحاً ولكن حزبي قرر ذلك، أنا ديمقراطي ولست براغماتياً. المهم  بعد هذا الموقف وبعد حوار طويل اتفقنا على ائتلاف، هذا الائتلاف فيه الاتحادي الديمقراطي له رئاسة رئاسة الدولة، وأنا رئاسة الوزارة، واقتسمنا مجلس الوزراء بنسبة 60-40%.

منصور: لكن هنا بقي نظام مجلس الرئاسة الخماسي كما هو؟

الإمام: لا.. أيوة لكن فقط غيرنا..

منصور: (مقاطعاً) لكن غيرتم بأن يكون راس الدولة ثابتا ولا يكون بالتناوب.

الإمام: نعم، المهم. في رأيي..

منصور: (مقاطعاً) وهنا تزعم الدكتور حسن الترابي المعارضة[1].

الإمام: نعم، المهم في هذا أن الفترة ما بين 86 إلى 1989م، وقوع الانقلاب، شهدت مني  ثلاث حكومات.

منصور: أنا حاجيلها بالتفصيل، أنا الان مع الحكومة الأولى. في الحكومة الأولى مشكلة الجنوب برضه كانت هي الشغل الشاغل، يعني من 1956م وهو تاريخ إعلان استقلال السودان، وحتى 2015م، اللي احنا فيه الآن وبنسجل، فإن مشاكل السودان هي هي مع كل الحكومات.

الإمام: لا مش صحيح. في عهد نميري كما قلت لك إنه في عهد نميري طبق توصياتنا في الديمقراطية السابقة له، ونفذ اتفاق سلام دام عشر سنوات.

منصور: أيوة أنا بقصد إنه فضلت المشكلة برضه. ما فيش حاجة اتحلت..

الإمام: لا ما فضلت، تغيرت يا أخي، ما هو لازم تشوف أنها ليست نفس المشكلة. في عهدي كدنا أن نعالج المشكلة نهائياً لأنه اتفقنا مع الحركة الشعبية على مؤتمر قومي دستوري يعقد في 18/9/1989.

منصور: لسة لسة، أرجوك يا فضيلة الإمام أنا مش عاوز أستبق الأحداث.

الإمام: لا ما هو أنا بقول لك الاتفاق، ما هو دة..

منصور: (مقاطعاً) لا بس أنا معليش، أنا عايز أمشي، انت الآن لسة ماسك الحكم في 86 أنا ليه ح انط على 89، أنا حامش معاك واحدة واحدة.

الإمام: أيوة، مش تنط. أنا داير أقول لك اتوضع أساس، لم تستمر مشكلة الجنوب.

منصور: انا عايز المشاهد يفهم معاي، وشعب السودان يفهم قبل الآخرين، اللي جرى واللي بيجرى في عذع المرحلة.

الإمام: أيوة، كانت هناك مشاكل واجهتها الحكومة.

منصور: استنى ما هو أنا عندي سؤال أهو، ما هو أنا بسأل، في 22 مايو 86 بعد ما مسكت الحكم بأيام، التقيت مع ضباط المنطقة العسكرية المركزية، وكان لقاء فجرت فيه قنبلة قلت إن قرنق أمامه خياران، إما الاستجابة لنداء الحوار أو يعتبر خارجاً على القانون ويتم التعامل معه على هذا الأساس، وتلفزيون نشرة الساعة التاسعة بثت كلامك، صاح؟

الإمام: نعم.

منصور: انت عملت صدمة لحزبك وللناس كلها والكل قال حزب الأمة غير موقفه، لأنك كنت تنهج نهج السلام وليس نهج التهديد لقرنق.

الإمام: لا ياخي نحن بالعكس، أنا بعد أن صرت رئيس وزراء بشهرين التقيت قرنق في أديس أبابا.

منصور: بالضبط في 29 يوليو 86.

الإمام: واتفقنا..

منصور: (مقاطعاً)، لسة انا جايلك بقى، لأن انت اتأخرت كتير على ما قررت تروح.

الإمام: لا أبداً.

منصور: حتى أن وفد قرنق، لام أكول كاتب كتاب عن المرحلة دي، بيقول فيه لام أكول وهو أحد رجال قرنق المعروفين، إنك تأخرت في إبلاغهم إنك ح تروح إلى يوم 29 نفسه.

الإمام: بنحضر، لكن المهم هم اللي لعبوا دور مناورة ضد سوار الذهب، ورفضوا أن يستجيبوا باعتبار أن سوار الذهب يمثل النسخة الثانية من نظام نميري، لكن سرعانما جئنا في السلطة، أنا بعد شهرين فقط من تولي السلطة اتفقت ان التقي قرنق وجماعته في أديس أبابا.

منصور: ماذا دار بينك وبين قرنق؟

الإمام: دار بيننا لقاء 10 ساعات.

منصور: صحيح، بعض المصادر بتقول تسعة.

الإمام: لا معليش. في هذا اللقاء قرنق قال لي يجب أن ننفذ اعلان كوكادام الذي أنت، أي حزب الأمة، موافق عليه.

منصور: اعلان كوكادام بينص على المباديء الأساسية: الغاء تطبيف قوانين سبتمبر اللي هي خاصة بتطبيق الشريعة، وأن يصبح الجنوبيون جزء لهم حكم ذاتي..

الإمام: مشاركة في السلطة ومشاركة في الثروة. طيب هذا الكلام قال لي دعنا ننفذ هذا الكلام، قلت له أنا ولكنني لست حاكما بأمره أنا حاكم في ائتلاف، الطرف الآخر في الائتلاف وأنا رئيس الوزراء يرفض هذا لأنه اتفق مع الجبهة الإسلامية القومية على رفض اعلان كودكادام.

منصور: لام أكول في 95 من كتابه كتاب الثورة الشعبية لتحرير السودان قال: إن الصادق المهدي كان واضحاً وقال لا يمكن لأي زعيم مسلم إلغاء القوانين الإسلامية. صحيح؟

الإمام: غير صحيح، لأنه انا نفسي خضت الانتخابات على الغائها، ولا اعتبرها إسلامية أصلاً، أنا اعتبرها كلام فارغ، لا هي المشكلة أنه أنا قلت له نحن اتفقنا معكم على إعلان كوكادام، وفيه إلغاء هذه القوانين، أصلاً لم يكن عندي شك في أن هذه القوانين إساءة للإسلام. ولذلك لم يكن هناك شك في هذا الكلام.

منصور: طيب أنا هنا عندي سؤال مهم يا فضيلة الإمام، وكل واحد بيتفرج ممكن يسأله. حينما تكون زعيماً في المعارضة تقول ما تريد وترفع السقف إلى أعلى ما يكون والاتفاقات إلى أعلى ما يكون، وحينما تكون حاكماً تكون مقيداً للغاية أن تقوم بتنفيذ ما كنت تطالب به وتتوعد به وأنت في المعارضة. لماذا؟

الإمام: أنت تتحدث عن شخص آخر أنا أصله ما عندي خلاف في الكلام الذي أقوله في الحكومة وفي المعارضة، أصلاً.

منصور: لا إزاي، أنت هنا الآن ما كنت تطالب به وما اتفقت عليه وأنت في المعارضة لم تستطع تطبيقه وأنت رئيس حكومة.

الإمام: يا أخ أحمد انا قلت لك أنا قلت لقرنق أنا موافق، عايز أطبق، لكن أنا جزء من برلمان، ولست منفرداً، ولذلك دعني، أعطيني فرصة لكي أقنع شركائي، لأنني حتى لو اتفقت مع قرنق، وذهبنا بهذا الموضوع للبرلمان، سيصوت الحزب الاتحادي وحزب الترابي ضده، سيسقط، لذلك ..

منصور: (مقاطعاً) قرنق اتهمك بالتهرب، وقال إنك تعد لحرب طويلة.

الإمام: يا أخي هذا كله كلام فارغ، انت اسمع كلامي، لأنك انت تقاطعني بكلام مش صحيح..

منصور: ما أنا بوزن الحوار.

الإمام: لا انا اقولك، اسمع الكلام ثم أوزنه.

منصور: اتفضل.

الإمام: انا اتفقت معه، يا قرنق – نحن اتفقنا ولم نختلف- أنا موافق على تطبيق إعلان كوكادام. ولكن عايز زمن لأنه أنا معي اشخاص آخرين يمثلون الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهم بالتزامهم في الانتخابات ضد إعلان كوكادام. الحصل ايه؟ الحكومة الاثيوبية كانت قلقة جداً لأنها ما كانت عندها دور في هذا الكلام، قلقة أن نصل لاتفاق، لأن الحكومة الأثيوبية كما قال لي وزير الخارجية الأثيوبي،  لا توافق على حل مشكلتنا في الجنوب ما لم نعالج معها حل مشكلتها في الشمال، ارتريا، قال لي نحن لو لم يكن قرنق موجوداً لكان ينبغي أن نخترعه. ما الذي حدث؟ بعد أن ذهبت إلى الخرطوم وبدأنا الكلام عن إقناع زملائي لأني موافق على..

منصور:  هل هناك كان مجال لاقناع الاتحاديين بهذا؟

الإمام: هناك مجال، وفي النهاية انت سترى أن الاتحاديين جاءوا اتفقوا مع قرنق فيما بعد، على نفس الأساس. لم يكن هناك مانعاً.

منصور: لا أنا عايز أقف عند حاجة قبل ما تروح لبعد هذا.  إنت لما تكون بتفاوض لوحدك بتتفق. وهم لما يكونوا بيتفاوضوا لوحدهم بيتفقوا زي ما حصل بعد كدة أن الميرغني قعد مع قرنق ووقع معه، ولكن لما بتبقوا إنتوا مع بعض بتاكلوا في بعض، وبترفضوا الاتفاق مع بعض.

الإمام: مش صحيح، هذا كلام غير صحيح، ما اقوله لك كان وارد أن نتفق وليس غير وارد أن نتفق، لأنه في أشياء كثيرة جداً يكون هناك خلاف في الأول، بالإقناع أصل لنتيجة. حتى حزب الترابي وافقوا في المرحلة القادمة لشيء يشبه لإعلان كوكادام.

منصور: أنا عاوز أسألك على حاجة أصل أنا ماشي بالتاريخ يوم بيوم عشان أصل لمرحلة وأشوف الدنيا ماشية إزاي. انت بعد ما قابلت قرنق ورجعت السودان بعد أسبوعين فقط لا غير 16 أغسطس86 الحركة الشعبية اسقطت طائرة مدنية رغم إن كل ركابها كانوا نساء وأطفال وعائلات جنوبية، لكن هم أسقطوها بصاروخ. الفترة الاسبوعين دي حصل فيها اي تغيير ولا كنت لسة بتحاول مع الجماعة؟

الإمام: الأسبوعين دول لو انتظرت أنا قضيتها أحاول أقنع الآخرين عشان نلقى أغلبية في البرلمان للاتفاق، لكن لماذا قرنق اسقط الطائرة؟

منصور: أنا هنا عشان الناس تفهمها بس، أن هذه الطائرة أسقطت في 16 اغسطس، وانت عشان حكومتك كانت بتحاول تصلح الأمورر مع قرنق، جاء وزير إعلامك حاول أن يبريء قرنق بعد الطيارة ما أسقطت  مباشرة، صلاح عبد السلام الخليفة أصدر بياناً يوحي فيه بأن الطائرة سقطت نتيجة عطل فني، بعد ما عمل الكلام دة راح قرنق اعترف أن هو الذي أسقط الطائرة وأسقطها بصاروخ سام 7 كمان.

الإمام: تمام نحن كنا نريد أن نتفق، لكن حينما.

منصور: على حساب دماء الناس؟

الإمام: لا ما تسمع الكلام، عندما اتضح أنه.. أنا كنت أتوقع ان يعلن انه  اسقاط الطائرة لا دخل لهم به، أعلن العكس، مش بس تبناها..

منصور: (مقاطعاً) وافتخر..

الإمام: مش بس تبناها ولكن أيضاً قام بترقية الذين أسقطوا الطائرة. هذا أدى إلى هياج في الرأي العام السوداني، وأنا كشخص..

منصور: (مقاطعاً) وإحراج لحكومتك.

الإمام: لا ليس إحراجاً، ما خلاص نحن اعتبرنا أن هذا تلاعب. لماذا تلاعب؟ هناك كتابات كثيرة معرروفة، تلاعب لأن الحكومة الأثيوبية كانت لا تريد ولا تسمح في ذلك الوقت، لذلك عمل ما عمله في ذلك الوقت إرضاء للحكومة الأثيوبية. لأنها ما كانت عايزة نصل لنتيجة.

منصور: يعني هنا اسقاط الطائرة متعمد لإرضاء الاثيوبيين؟

الإمام: باتفاق معهم.

منصور: وفي نفس الوقت عدم الالتزام بأي اتفاق يمكن أن يجري بينكما؟

الإمام: انا قلت لك إن الحكومة الاثيوبية هي التي منعت قرنق من الاستجابة لنداء حكومة سوار الذهب. لأنهم لا يريدون أن يحصل اتفاق إلا ما يربط ما بين حل مشكلة الجنوب في السودان وحل مشكلة الشمال في أثيوبيا..

منصور: إرتريا!

الإمام: إرتريا، فالمهم، عندئذ اوقفنا طبعاً الكلام، وأنا أعلنت بان هذا دليل على عدم الجدية وقال لي وزير الخارجية الاثيوبي لا نسمح باتفاق بينكم حول السلام في السودان، ما لم تلتزموا أنتم بمساعدتنا لحل المشكلة مع أرتريا.

منصور: بعد اسقاط الطائرة بثلاثة أيام في 19 أغسطس 1986م خرجت تظاهرات حاشدة في شوارع الخرطوم تتهم حكومتك بالضعف إزاء قرنق وأن منطق الضعف الذي تتعامل به هو الذي دفع قرنق إلى إسقاط طائرة مدنية.

الإمام: منطق ضعف إيه؟ نحن اتفقنا! هو كان في ذلك الوقت عميلاً لجهة أجنبية.

منصور: انا بوصف حاجة حصلت. مش فيه مظاهرات خرجت؟

الإمام: ما طبعاً ولكن المظاهرات عندما علمت موقف الحكومة أنها أوقفت هذا الحوار باعتبار أنه عقيم، خلاص هدأت.

منصور: أنت أوقفت بالضغط، والأمن تعامل بقسوة مع المتظاهرين، وحتى توقف هذا الأمر حكومتك أصدرت بيان قالت إنها في حل من اي اتفاق مع قرنق بل زادت على ذلك اعتبر قرنق مجرما بحق الشعب السوداني، تغير خطاب حزبك وحكومتك بشكل جذري مع قرنق، ووصف في بيانات رسمية أنه هو وجنوده عبارة عن مجموعة من السفلة والمجرمين والقراصنة.

الإمام: لا مش هذه اللغة. اللغة

منصور: نص البيان أنا قريته.

الإمام: اللغة يعني الكلام كان واضح في أننا نحن نعتقد أن الدفع في الاتجاه الاثيوبي أدى لتخريب عملية السلام.

منصور: هل خرب هذا أيضاً العلاقة بينك وبين شرائك من الاتحاديين في الحكومة؟

الإمام: لا ما هو في ذلك الوقت صار هناك موقف قومي أن الحوار مع هؤلاء الجماعة الذين لا يحترمون السلام والرغبة في السلام، أن الحوار معهم غير مجدي.

منصور: لكن بدأت مشاكل بينك وبين شركائك مبكرة في ذلك الوقت. هم كانوا يفتقدون إلى زعيم ذو كاريزما، وأنت كنت تبدو كزعيم قوي تحكم السودان وأنت الحاكم الفعلي بينما رئيس مجلس الرئاسة ربما ما حدش عارف اسمه إيه، فبالتالي كان شراؤك في الحزب الاتحادي الديمقراطي يعني بدأت المناوشات مبكرة بينك وبينهم.

الإمام: الغيرة..

منصور: كآفة السياسيين في السودان منذ يوم الاستقلال.

الإمام: الغيرة.. أنت عندك يا أخ أحمد حملة ضد السياسيين السودانيين مع أنهم في رأيي حقيقة أفضل طبقة سياسية في المنطقة.

منصور: والله أنا يا فضيلة الإمام غرقت عدة أسابيع في تاريخ السودان بتفاصيله وعايز أقولك إن أنا بقالي عشرة أيام ما نمتش، أنا أرهقتك وأنا أرهقت أنا كمان، وبتعجب يعني كيف للناس أن تأتيهم هذه الفرص الذهبية التاريخية ويضيعوها بهذه السهولة.

الإمام: يا أخ أحمد، الديمقراطية في الغرب أخدت قرون عشان تنضج، نحن كنا نحاول ان نغرس نظاما متقدما جدا على الواقع الاجتماعي بتاعنا، وهذه هي المشكلة أنه الناس عندها ولاءات طائفية، وولاءات قبلية وولاءات غيرها، ونحن كنا نريد أن نغرس نظاما متقدما جداً.. وفي رأيي

منصور: (مقاطعاً) بعض الذين كتبوا كانوا يقولون انكم تريدون أن تمارسوا ديمقراطية وستمنستر في السودان.

الإمام: ليست ويستمنستر، ما أنا كنت دائما أقول نحن نريد الديمقراطية نعم مبادؤها، ولكن مع التوازن. أنا أستطيع أن أقول لك، في العهود الديمقراطية كانت دائماً الحريات متوافرة والقضاء مستقل والخدمة المدنية مستقلة ما في كان هناك اي محاولة لاحتكار حقوق الانسان في السودان، وهذا في ظروف فيه التخلف الاجتماعي والسياسي مشكلة. ولذلك في كتابي الديمقراطية عائدة وراجحة قلت الآتي: الديمقراطية عاشت ثلاثة عهود الأولى والثانية والثالثة وقدمت مرافعة على أنها كانت في كل مرحلة افضل مما سبق، يعني اننا نتطور في ممارسة حاجة غريبة على المجتمع.

منصور: وانتو في اي مرحلة دلوقت؟

الإمام: في الظروف الحالية؟

منصور: 2015م آه. إذا كنتم تتطورون من 1956م.

الإمام: لا ما حنتكلم عن هذا إنت دلوقتي لما أتكلم فيها تقول ما تقفز..

منصور: لا لا لا، بس عشان بتقوللي احنا بنتطور. انتو جيتوا في مرحلة ووقفتوا خالص.

الإمام: لا لا بنتطور، والحاصل الآن تطور مهم جدا للديمقراطية لما حصلت الاننتخابات الأخيرة اكدت ان الشعب السوداني نضج وواجه النظام بمقاطعة تامة .. هذا هو النضوج الديمقراطي.

منصور: تظاهرات 19 اغسطس 86 دفعت حكومتك ليس فقط الى وقف التفاوض مع قرنق والجنوبيين وانما الى اعلان التعبئة العامة الذي قابله أحد أعضاء مجلس الرئاسة وهو من الجنوبيين رفض الإعلان الذي أعلنته حكومتك. كذلك باقي الأحزاب، أحزاب التجمع، رفضت هذه التعبئة التي طلبتها حكومتكم، وحينما طلب عقد اجتماع في البرلمان نواب حزب الأمة تغيبوا عن جلسة 16 سبتمبر 1986م  وعرقلوا إمكانية انعقادها لعدم اكتمال النصاب القانوني للحضور للحيلولة دون الفي بت اقتراح تقدم به أحد أعضاء الجبهة الإسلامية يدعو إلى إدانة جون قرنق واعتباره متمرداً خارجاً على القانون، انت هنا عايز تنقذ موقف سياسي ايد في الجنة وايد في النار زي ما بيقولوا.

الإمام: لا ابدا واضح لي تماماً أن هذا الإجراء الذي تم من قرنق يجب أن يواجه بكلام حازم جداً، ولكن هذا لا يعني إلغاء فكرة الحوار السياسي.

منصور: الناس هنا فهموا منها ان حكومتك الآن حكومة تخادع الرأي العام، وأن ما يتعلق بقرنق أنت تعلن موقفاً فقط لتمرر الأزمة القائمة بتاعة إسقاط الطائرة.

الإمام: لا ما نحن كلامنا واضح نحن كنا متفقين مع قرنق على اعلان كوكادام وظل موقفنا عند ذلك،  ولكن عندما قام هو بهذه العملية المنكرة اخدنا موقف فيه وقفة. لكن أصلاً لم يكن موقفنا فيما يتعلق بموضوع الجنوب غامضاً ولا مضطرباً. كنا باستمرار نقول نعم هو عمل كذا، وسندافع عن الوطن وأمنه، ولكن دائما كنا نسعى، وفي النهاية نجحنا، أتدري أنت أنه في يناير 89 أنا طلبت من السيد أحمد الميرغني وهو رئيس مجلس رأس الدولة أن يدعوني والدكتور الترابي والسيد محمد عثمان الميرغني أن يدعونا في القصر ودعانا واصدرنا بيانا مشتركا في يناير 89 نوافق على الحل السياسي لمشكلة الجنوب وفق المباديء التي كانت اصلا في اعلان كوكادام.

منصور: حاجي ليها بالتفصيل لأنه يبدو أن أي اتفاق يحتاج إلى عملية إنضاج وعملية وقت، وكل التفاوضات السياسية تبدأ بالرفض التام ثم تبدأ الأمور تلين وتصل إلى اتفاق في النهاية. في 2 سبتمبر 86 حدث تطور هام ومفاجيء فقد أصدر مجلس رأس الدولة قراراً باعفاء القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول تاج الدين عبد الله فضل، والفريق محمد توفيق خليل والفريق عمر بابكر زروق، والفريق علي صالح، والفريق محمد مولى كرار من مناصبهم وعين اللواء اركان حرب فوزي الفاضل قائداً عاما للقوات المسلحة بالإنابة. إنتو كنتو قلقانين إنه يكون هناك انقلاب أو شيء؟

الإمام: لا ابدا في ذلك الوقت كان الاجراء روتيني ما عنده.. أنا نفسي لم أكن جزءاً من هذا، كان شيء من القوات المسلحة أنهم يرون ان هؤلاء جزء من الفترة الماضية ولذلك فيما يتعلق بقيادة القوات المسلحة ولذلك افضل شخص هو اللواء فوزي هذا.

منصور: طيب قول لينا حاجة للتاريخ هنا كشخصية سياسية تعاملت مع أكثر من انقلاب عسكري، ثلاث انقلابات عسكرية كيف يمكن للحكومة المدنية التي جاءت بانتخابات شعبية ان تضع حدا لتغول العسكر في السياسة وأن يصبح دور الجيش هو حماية حدود الدولة وأمنها وليس صناعة سياستها أو التدخل فيها؟

الإمام: أيوة.. في أثناء حكومة السيد سوار الذهب كل الذين اشتركوا في الحكومة حققوا لتكويناتهم نوعاً من الذاتية النقابية، هذا أيضا انطبق على الجيش عملوا قانون للجيش فيه درجة عالية من استقلال القوات المسلحة من القرار السياسي، بحيث يصير وزير الدفاع مجرد مناول للميزانية.

منصور: رغم ان الدكتور حسن الترابي أسقط في دائرته الانتخابية في العام 1986م ولم ينجح فيها إلا أن الجبهة الإسلامية كان لها نفوذ قوي في البرلمان وكانت معارضة شرسة بالنسبة لحكومتك، كيف تعاملت مع المعارضة؟

الإمام: مش معارضة شرسة بس نحن نعتقد أن الجبهة الإسلامية القومية لعبت دورا تدميريا للديمقراطية لأنها..

منصور: (مقاطعاً) تدميرياً؟!!

الإمام: تدميرياً، لأنه حصلت على أموال من الأصدقاء والحركة الدولية الإخوانية،

منصور: لا هم كانوا انفصلوا عن الأخوان في ذلك الوقت.

الإمام: لا لا، هناك افراد يساعدوهم كان هناك مثلا منظمة الدعوة الاسلامية..

منصور: منظمة الدعوة الإسلامية في السودان؟

الإمام: نعم

منصور: اللي هي سوار الدهب مسكها بعد كدة؟

الإمام: نعم، فكان هناك دعم خارجي أكبر من إمكانات السودان، لأنه صار للجبهة الإسلامية القومية سبع صحف كلها تنبح، تنبح في التجربة الديمقراطية، ما في أي نوع من التوازن.

منصور: ما هي المعارضة كدة!

الإمام: لا يا أخي، المعارضة لازم تكون موضوعية، لأن أنت

منصور: انت ما كنتش موضوعي وأنت معارض!

الإمام: لا كيف! قل لي أي موقف أنا أخدته فيه مبالغة. بالعكس انا دائما كنت أُتهم بالمرونة في الموقف مع الخصوم. على كل حال، المهم في هذا الموضوع لعبوا دوراً كذلك، ولكن مع هذا لم نتخذ اي اجراء ضدهم. قبلنا كل هذه الممارسات، بل لما رأيت أن الاستقرار يقتضي أن نشرك الجميع اقنعت حزبنا واتفقوا..

منصور: حجي ليها..

الإمام: ما أنا بقول ليك، اتفقوا أن يدخلوا هم معنا في الحكومة. حكومة الوفاق الوطني.

منصور: أنا حاجي ليها وأقول لك انت كنت متناقض في ذلك الوقت وحاجي ليها لأنك انت كمان كنت تشن هجوماً على الجبهة الإسلامية بهجوم كاسح، بعد ما استطاع سوار الذهب أن يسيطر على السلطة فضلت سنة كاملة تهاجمهم، في الانتخابات كنت تهاجمهم بشراسة شديدة  وتصفهم بفلول مايو.

الإمام: نعم، وكانوا كذلك.

منصور: انت في 4 سبتمبر 86 نشر لك حوار في مجلة الصياد اللبنانية قلت فيه أنه لا بديل للائتلاف الذي تقوده أنت سوى العسكر يعني يا انا يا العسكر.

الإمام: لا..

منصور: لأنه أنا ناقل الكلام.

الإمام: ما بقولك طيب الموقف إيه، أنا أصلاً ما لجأت ولا فكرت في أن العسكر يكونوا بديلاً، لكن الواضح أنه اذا كانت الحكومة اضطربت وهي ديمقراطية سيقدم العسكريون على الانقلاب. فالكلام أنه كنا نريد وفعلاً عملنا على ان تكون الحلول داخل الآلية الديمقراطية وهذا الذي  أدى إلى إشراك الجبهة الإسلامية في الحكومة.

منصور: بعدين لكن هنا بدات الخلافات تظهر بينك وبين الاتحاديين.

الإمام: نعم.

منصور: إيه طبيعة المشكلات التي كانت بدأت تظهر في نهاية 86؟

الإمام: الطبيعة الحقيقية هي أن الاتحادي الديمقراطي اعتبر نفسه في هذا الائتلاف في قسمة ضيزى، وكان يرى أن الحزب نفسه كحزب عنده مركز ضعيف، والمشكلة الثانية انقسم الحزب ما بين جناح السيد محمد عثمان الميرغني وجناح الشريف زين العابدين، فهذا الاختلاف جعلنا لا نستطيع أن نضمن حينما نتفق على شيء في الحكومة أن البرلمان سوف يجيزه.

منصور: يعني انت الآن بقيت شريك لشركاء متشاكسين.

الإمام: نعم.

منصور: فالبتالي أصبح عندك عائق أنك انت تتفق معهم على أي شيء تريد أن تمرره في البرلمان. وبدأت المشاكل هنا.

الإمام: نعم.

منصور: لكن هناك حاجة تانية برضه حكومتك بتتحمل مسؤوليتها كممارسة، يعني أنتو دائما تقولوا ممارسة ديمقراطية لكن أول ما بتبقوا في السلطة بتقمعوا المعارضة، هم بيجوا في السلطة يقمعوكم، في أول نوفمبر 86 طلاب جامعة الخرطوم، اتحاد الطلبة،  أعلنوا عن القيام مسيرة وحيجوا لمكتبك يسلموك مذكرة، فاكر انت دة.

الإمام: نعم.

منصور: انت جمعت الإعلاميين وأطلقت التهديد والوعيد للطلبة، وقلت أي حاجة سيقوم بها الطلبة ستواجه بالحسم، وكل من تسول له نفسه بإشاعة الفوضى حنضرب فيه وحنعمل فيه..

الإمام: اي واحد يعمل حاجة غير قانونية، لكن كل المظاهرات التي تمت في عهدي لم نتعرض لاعتقال أحد ولا لقتل أحد على طول الفترة، وعلى أي حال..

منصور: انتو قبضتوا على الطلبة.

الإمام: القضاء مستقل ما كان ممكن أنا اعمل اي حاجة غير قانونية لأنه نحن لم نسحب أي شيء من حريات الصحافة ولا من استقلال القضاء ولذلك لو عملت أي شيء خارج المسئولية الديمقراطية كانت أية جهة تستطيع أن تقدم الحكومة للقضاء. ولذلك كان لا يستطيع احد ان يقول صادرنا الحريات او تدخلنا في استقلال القضاء.

منصور: في حاجة حصلت في سنة 1987م العام الثاني من حكومتك، في 16 و17 فبراير 87 عقدت ندوة مهمة جدا في واشنطن عقدها فرانسيس دينق أحد زعماء الجنوب في معهد ويلسون الدولي للعلماء، وكأنها غيرت مجرى ما كان يحدث في الجنوب، والأزمة التي حدثت بسبب إسقاط الطائرة، خلصت الندوة إلى أن قضية الجنوب ليست  صراعا بين المسلمين والمسيحيين ولا بين الشمال والجنوب وإنما نتيجة هي للتخلف القائم جنوب السودان، وانه يمكن اعتماد اتفاقية كوكادام، الظاهر كوكادام هذه فضلت هي المحور للآخر، منطلقاً لحل المشكلات. جاءتك على طبق من ذهب!

الإمام: نعم وقبلناها مش كدة بس نحن عملنا حاجة الأمم المتحدة نفسها كانت مستغربة، علمنا حاجة سموها شريان الحياة، شريان الحياة هذا كانت تشرف عليه اليونسكو وفعلاً..

منصور: اللي هو إمداد المساعدات الغذائية للجنوب عشان المجاعات والأزمات.

الإمام: وإعطاء فرصة حتى في مناطق العلميات للإغاثات أن تستمر وفي الواقع بعد هذه الظروف كلها في الواقع تجددت عملية الحوار، كانت هناك

منصور: دي الوساطة اللي كان فيها رئيس نيجريا؟

الإمام: نعم.

منصور: اللي كانت في ديسمبر 87، طب انت ليه بعثت العسكر بس؟ وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان: عبد العظيم صديق وفضل الله برمة دول الانت بعثتهم يتفاوضوا في قضية الجنوب، والتفاوض عايز سياسيين مش عسكر!

الإمام: لا ما نحن كان عندنا إطار، الحقيقة أن الإطار أننا دايرين نوقف الحرب ونتفاوض على الموضوع السياسي. وبالفعل في رأيي كل هذه الأشياء قدمت لأننا اتفقنا.

منصور: كانت علاقتك ايه بالولايات المتحدة في المرحلة دي؟

الإمام: الولايات المتحدة كانت غاضبة جداً من حكومتنا، للأسباب الآتية.

منصور: ليه؟

الإمام: اولا لأننا اوقفنا كل التعاون الأمني معها الذي كان قد عقده معها نميري، ثانياً لأننا كنا مزعجين جدا لحليفها الإقليمي النظام المصري. لأن النظام المصري كان يأخذ علينا أمرين الأول أننا قلنا لا لاتفاقية التكامل التي أبرمها نميري ولا لاتفاقية الدفاع المشترك نحن نريد ان نرتب أوضاعنا مع مصر على اساس جديد سميناه الإخاء وليس التكامل وسمينا موضوع الدفاع الأمن المشترك بيننا وبينهم ولكنهم رفضوا التجاوب مع هذا لأنهم  اعتبروا هذه الإجراءات ضدهم. في نفس الوقت..

منصور: (مقاطعاً) يعني هنا نحن قدام عقلية عبد الناصر والسادات ومبارك كانت واحدة فيما يتعلق بالعلاقة مع السودان،

الإمام: نعم.

منصور: تروح وتجي تتأزم وتفتح.

الإمام: نعم، المهم في هذا الموضوع كانت المشكلة أن قرنق ما ممكن يدخل معنا في اتفاق ما لم يشمل هذا الاتفاق الغاء الدفاع المشترك..

منصور: مع مصر؟

الإمام: نعم..

منصور: هذه اتفاقية وقعت سنة 1976م؟

الإمام: نعم.. لماذا؟ لأن الاثيوبيين كانوا يعتبرون هذا الدفاع المشترك موجه ضدهم هم نظام ماركسي وهذا نظام غربي، ولذلك كان من ضمن شروط قرنق ونحن قبلناها لأننا نعتبرها أصلاً اتفاقية ما منها فائدة لأنه أنا دعوت رئيس الوزراء المصري.

منصور: عاطف صدقي؟

الإمام: نعم عاطف صدقي،

منصور: أصل دة قعد 14 سنة أطول رئيس وزراء في مصر.

الإمام: أنا دعوته ولما جاء اخدته لمنزل الضيافة وقلت له يا أخي الرئيس انت تقول والسيد بطرس غالي يقول مشكلة الجنوب هذه أو الحرب في السودان مشكلة داخلية، أنا عايز أعملك تنوير، فجاء ضباط من العمليات وبالفانوس السحري عملوا له التنوير يظهر في التنوير ان معسكرات قرنق كانت كلها في اثيوبيا، وأن الدعم الذي يناله كان أيضاً خارجياً. وأنه..

منصور: (مقاطعاً) مصر كان ليها دور فيه؟

الإمام: مؤكد كانت عندهم علاقة بالحركة الشعبية.

منصور: لكن الدعم الأساسي كان يأتي من أوربا ودول غربية؟

الإمام: الدعم الأساسي كان يأتي من قذافي.

منصور: القذافي؟!!

الإمام: أيوة نعم، الدعم الرئيس للحركة.

منصور: دة القذافي صاحبك بيدعمهم ضدك!

الإمام: القذافي كانت عنده تجاور المتناقضات.  على كل حال

منصور: زي تجار السلاح بيمول الطرفين

الإمام: المهم هو كان الموقف هنا لكن طبعا هو في هذه المرحلة لم يكن يدعم الحركة لكن كانت بينه وبينهم علاقة، لكن السلاح الذي ذهب للحركة قبلنا، في عهد نميري، هو الذي أعطى الحركة الشعبية والجيش الشعبي قوة فاقت أي دعم من أية جهة اخرى. الشاهد فلما جاء الدكتور عاطف صدقي وعملنا له التنوير، في التنوير يتضح كيف أن الحركة الشعبية كانت مدعومة بجهات أجنبية.

منصور: هو ما كانش عارف؟ هو دة كان غلبان مالوش دعوة بحاجة.

الإمام: لا ما كان الدكتور بطرس غالي يقول أن هذه القضية داخلية فبعد أن عملت العرض له سألته السيد رئيس الوزراء هل مشكلة الجنوب هذه داخلية؟ ألا ترى انها داخل فيها عناصر دولية؟ قال نعم، قلت له إذن اسكتوا صوت السيد بطرس غالي هذا الذي يقول هذا، ثم أنتم عندكم معنا اتفاقية دفاع مشترك، ما قيمة هذه الاتفاقية، هذا قبل الغائها،

منصور: اتفاقية 76.

الإمام: ما قيمة هذه الاتفاقية إذا كنتم تتفرجون علينا ونحن نتعرض لعدوان أجنبي؟ المهم..

منصور: ما طلعتوش بنتيجة؟

الإمام: ما طلعنا بنتيجة.

منصور: لأنه هو أصلاً ما طلعش بنتيجة في أي حاجة طول فترته.

الإمام: المهم بعد هذا التطور في الموقف الخاص بالعملية جاءت مرحلة كان واضح ان الحركة الشعبية مستعدة..

منصور: قبل الحركة الشعبية ما تستعد. في موضوع علاقتكم بالولايات المتحدة الأمريكيةهل تم الضغط عليكم من أجل استئناف ترحيل الفلاشا إلى إسرائيل؟

الإمام: قبل أن أدخل في الحكومة، وأنا في عام 1985م في ظل الحكومة الانتقالية بقيادة السيد سوار الذهب، قلت لمندوب امريكي انا اريد ان التقي مسئولين امريكيين واتفقنا ان التقيهم في باريس. قلت لهم الآتي: أولا نحن نعتقد ان حزب الامة سيكون صاحب الاغلبية، ثانياً نحن نعتقد أن هناك مصالح مشتركة بيننا وبينكم على الأقل تكنلوجية وأننا ضد الديكتاتورية، ومصالح تجارية،ولذلك طبيعي أن يكون بيننا وبينكم تعاون. ولكن هذا التعاون يخضع لمصالح الشعب السوداني، لا تسالونا عن حاجة اسمها ترحيل الفلاشا ولا تسألونا عن التعاون العسكري لأننا نريد أن نكون مستقلين وتاكدوا أنه في أي خلاف ينشأ انا سالتزم بما يريد الشعب السوداني. قابلني في ذلك الاجتماع في باريس ممثل للبيت الأبيض وممثل للخارجية الأمريكية وممثل للسي اي ايخ  وممثل لوزارة الدفاع.

منصور: وأبلغتهم جميعاً بهذا؟

الإمام: وأبلغتهم هذا الكلام. بعض اصحابي قال لي انت في ذلك اللقاء قد استعديت الولايات المتحدة لان الولايات المتحدة لا تسمح لناس في العالم الثالث يتكلموا بهذه اللغة. لكنهم لم يقولوا لي ذلك، بكل تهذيب قبلوا قالوا أيوة نحن نعمل كدة.

منصور: طيب منذ العام 58 والسودان تتلقى مساعدات من الولايات المتحدة، هل المساعدات كانت مستمرة لم تتوقف؟

الإمام: لا المساعدات زادت زيادة كبيرة في عهد نميري،

منصور: بعد الخلافات والصراعات التي صارت.

الإمام: أيوة لكن في عهدنا أوقفت تماماً.

منصور: يعني في عهدك لم تتلق جنيه مساعدات من الولايات المتحدة؟

الإمام: بل معاكسات والسبب في رأيي هذا الموقف لأنهم كانوا يعتقدون أننا ننتخذ سياسة خارجية مستقلة في العلاقة مع إيران وفي العلاقة بليبيا وأننا مستقلون.

منصور: يعني مجرد ما أعلنت سياسة مستقلة قطعت الولايات المتحدة الدعم عن السودان.

الإمام: أيوة. أصلها كانت في رأيي، يعني أنا اول مقابلة لي مع السفير الأمريكي يعني في اول شهر جاء وقال لي نحن لا نشعر بامان في السودان، ولذلك سننتقل إلى نيروبي والسبب أن هناك حجم كبير للسفارة الليبية في الخرطوم، فقلت له انت تعلم يا سيادة السفير انت تعلم اننا غير خاضعين للسياسة الليبية. السياسة الليبية عندها نظامها ونحن عندنا نظامنا، لكن لا ننفذ مع ليبيا رأيكم حولها، ولا ننفذ معكم رأي ليبيا حولكم. موقفنا مستقل وليبيا جارة نحن لا نستطيع وما عايزين ندخل معها في مواجهات.

منصور: هو كان قلقاً من أن يقوم القذافي بعمليات ضد الأمريكان في الخرطوم؟

الإمام: في رأيي كان في الآخر جاءنا كلام ان هذا disinformation اللي هو معلومات غلط عشان يضغطوا علينا في أنه ناخد موقف عدائي من ليبيا. قلت له انت تعلم يا سيادة السفير ان الخرطوم آمن من نيروبي التي ستذهب لها، وأعطيته بيانات. فانتم في الواقع

منصور: وحدث انفجار السفارة بعد كدة في نيروبي ودار السلام.

الإمام: أيوة، الخرطوم آمن، ولكن هذا كلام جئت به للضغط علينا، نحن لن نغير سياستنا، علاقتنا مع إيران ستستمر،

منصور: بقيت طوال مدة حكمك مع الولايات المتحدة بهذه الطريقة، ترفض اي ضغوط ولم تغير سياساتك وقمت بالسياسات التي أنت على قناعة بها وحزبك وحكومتك؟

الإمام: نعم والدليل على هذا في كلام شبهات كثيرة ان الامريكان كان عندهم دور في الانقلاب، لأنهم في ذلك الوقت وصلوا لحقيقة اننا نمارس سياسة مستقلة كذلك سياسة مزعجة لمصر، وهذا طبعاً كان يهمهم جداً لأنه في ذلك الوقت كما قالت كونداليزا رايس نحن كنا نفضل دعم الحكومات المستبدة على أي كلام عن الديمقراطية. المهم..

منصور: (مقاطعاً) هنا عايز أسأل برضه حاجة مهمة حتى نفهم ما كان يجري. هل كانت السودان بوضعية تجعل حكومتك تدخل في تحدٍ مع الولايات المتحدة الأمريكية أو ندية، في وضع لديك كثير من المشكلات المعقدة والحروب الأهلية وغيرها؟

الإمام: يعني أصله الجود يفقر والإقدام قتال، أنا عارف أنه دة كلام كان كبيراً، وكثير من الناس كانوا بيفتكروا انه دة موقف لا ينبغي متابعته لأنه في بلداننا يجب ان نمتثل للإرادة الأمريكية. المهم..

منصور: لا المهم إن أنا الآن..

الإمام: المهم إنه أنا داير أقولك فيما يتعلق بالموقف الأمريكي، ومع انه قطع عنا اي نوع من المساعدة الأمريكية، ولكن لم يستطع ان يقطع عنا أية علاقة اقتصادية مع حلفاء أمريكا في الغرب لا مع اليابان ولا مع ألمانيا ولا مع بريطانيا ولا مع هولندا، فهؤلاء ليس فقط زادوا من التعاون معنا إنما تعاونوا معنا بصورة صادقة وكان السودان يحصل منهم جميعا على حوالي 3 مليار دولار.

منصور: مساعدات.

الإمام: مساعدات رغم أنف الولايات المتحدة

منصور:  في الحلقة القادمة أبدأ معك من أهم التحديات الاقتصادية التي واجهت حكومتك، وكيف تعاملت معها.

الإمام: نعم.

منصور:  شكراً جزيلاً لك، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم. في الحلقة القادمة إن شاء الله نواصل الاستماع إلى شهادة الإمام الصادق المهدي إمام الأنصار في السودان وزعيم حزب الأمة ورئيس الوزراء السوداني الأسبق، في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج وهذا أحمد منصور يحييكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

* رصد وتحرير وتحقيق المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي

[1]  الجبهة الإسلامية القومية بزعامة الدكتور حسن الترابي تزعمت المعارضة داخل وخارج البرلمان، أما داخله فلم يفلح الدكتور الترابي في الحصول على عضوية وكان زعيم المعارضة داخل البرلمان هو الأستاذ علي عثمان محمد طه.