كلمة بمناسبة الاحتفال بيوم المرأة العالمي 27 مارس 2004م

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلمة التي ألقاها الإمام الصادق المهدي

رئيس حزب الأمة القومي يوم السبت 27 مارس 2004م

بدار حزب الأمة كلمة بمناسبة الاحتفال بيوم المرأة العالمي

 

بسم الله الرحمن الرحيم أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي،

ضيوفنا الكرام مع حفظ الألقاب والمقامات لكم جميعا

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يسرني أن أشارك بناتي وأخواتي الاحتفال بيوم المرأة العالمي وقبل أن أبدأ حديثي أبدأ بملاحظة ذكرها لي أخي عمر الحامدي وهي أن الغرب الآن صارت مفاهيمه ورموزه هي مفاهيمنا ورموزنا وطغت على خصوصيتنا الثقافية ففكرة اليوم العالمي والثورة الوطنية والأمم المتحدة ويوم المرأة وعيد الأم ويوم الطفل…الخ. وفي الحقيقة هذه ظروف عصرنا الحالي، في الماضي وحتى القرن السابع عشر كان التنوير شرقيا حيث كانت الحضارة والأفكار الجديدة تأتي من الشرق عبر إسبانيا وصار التنوير الغربي كله في الحقيقة منطلقا من التنوير الشرقي، والآن انعكست الآية، ونحن نتطلع ليوم آخر نصبح فيه صانعين لا مصنوعين ومشاركين لا تابعين ولا يحدث ذلك بالأماني وإنما بالقدرات (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)[1].

قضية المرأة من القضايا الهامة التي يواجهنا فيها التحدي الغربي، فبالرغم من أن التحرير الأول للمرأة كان إسلامياً، ولكن نظراً لانتقال التنوير إلى الغرب أصبحت المقاييس الجديدة في هذه القضية غربية فماذا نفعل؟

في الحقيقة فكرت فيما سأساهم به معكن في هذا اليوم وما يمكن أن أقدمه لكن وقد رأيت أننا بعد فترة التنوير التي أسستها نصوص الوحي وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ـ بعد تلك الفترة التنويرية- انتكسنا وفي فترة الانتكاسة هذه تمت اجتهادات وتفاسير مؤسسة لدونية المرأة ولذلك رأيت أن تكون مساهمتي معكن وهديتي لكن في هذا اليوم هدم التفاسير والاجتهادات والأحكام التي قال بها بعض سلفنا والتي تؤسس لدونية المرأة وهذا الموضوع كبير فمهما شرعنا من قوانين وشرعنا من أحكام فإن الفكر والثقافة ستظل حافظة لهذه الدونية وقادرة على جرنا للوراء ولذلك ستكون مساهمتي معكن في الاحتفال بيوم المرأة العالمي هي مسح هذه التفاسير والاجتهادات المؤسسة لدونية المرأة. نشاهد الآن نموذجين للمرأة : نموذج المرأة التي يسميها أهلنا في مصر (أنبوبة البوتجاز) وهي التي تأتي (مكممة منفوخة) ومقابل هذه الصورة (المرأة السلك العاري) هل هناك من سبيل لتصبح المرأة مسلمة وعصرية ؟ الجواب: نعم وفي هذا الصدد ألفت كتابا (المرأة وحقوقها في الإسلام)، والآن سأتطرق للاجتهادات والتفاسير المؤسسة لدونية المرأة لمحوها من فكرنا وثقافتنا. هذه الاجتهادات كثيرة وسأكتفي، الآن ببعضها أو أهمها:

أولا: يقولون بموجب النص (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ)[2] أنها نصف الرجل. الوراثة في الإسلام تقوم على أمرين القرابة وحاجة الوريث. الرجل في الظروف العادية يقوم بالكسب وعليه واجب النفقة لأن المرأة تقعدها ظروف كثيرة: النفاس، والحمل، والرضاعة. ولكن الحقيقة أننا إذا نظرنا إلى نظام التوريث الإسلامي نرى أنه متى انتفت هذه الحاجة يتغير الحكم فعندما يكون للشخص المتوفي أم وأب فتنتفي ظروف النفقة المذكورة يتساوى نصيب الأم والأب (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) أي أن الأنوثة ليست سببا للدونية ولكن المسألة مربوطة بحقوق وواجبات. ماذا لو تخلى الرجال عن مسؤولية النفقة وصارت المرأة ربة بيت؟ أقول للمورث أو المورثة الثلث لاستيعاب هذه المستجدات، فالمسألة حقوق حسب الواجبات وليست مفاضلة نوعية بحيث نقول أن هذا النصيب يعني أن المرأة نصف الرجل وفي سائر الأموال الزكوات والصدقات تتساوى أنصبة الناس حسب الحاجة ـ فلا سبيل لتأسيس دونية المرأة على أساس نظام المواريث في الإسلام.

ثانيا: يقولون أنها ربع الرجل في إشارة لتعدد الزوجات. في الحقيقة هناك عدم توازن نوعي بين الرجل والمرأة فالرجل دائما مستعد للعلاقة الجنسية ولكن المرأة مقيدة بظروف الحيض والحمل والنفاس هذه الظروف طبيعية تعطل استعدادها والرجل والمرأة مختلفان في عمر الخصوبة، فعمر الخصوبة للرجل منذ البلوغ وحتى وفاته أما المرأة فينقطع عنها الحيض وبالتالي الخصوبة في عمر محدد وهذا جزء من ظروف طبيعية ولكن انقطاع الحيض لا يعني انتهاء دور المرأة الإنساني كمواطنة وكمؤمنة، فالتعدد ليس واجبا أو فريضة إسلامية بل هو رخصة مشروطة بالعدالة وهناك اختلاف في التوازن العددي بين الرجال والنساء سببه أن ظروف الشدة كالحروب مثلاً تنقص من عدد الرجال وفي ظروف الرخاء تزداد نسبة المواليد من الإناث وفي ظروفنا المعاصرة نرى أن المناخ الثقافي العام والعرف جعل المرأة تستبعد فكرة أن يكون لها (ضرة) وهذا صار جزءا من التقاليد السائدة في المجتمع والعالم، فإذا كانت المرأة تتوقع عدم التعدد فإن وقوع التعدد سوف يتسبب في حرب أهلية داخل الأسرة وهذا يقوض ركنا أساسيا من مقاصد الشريعة الإسلامية في الزواج (المودة والرحمة) (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[3] فانتفاء المودة والرحمة خطر كبير على نظام الأسرة.

إذن هناك ظروف تتطلب التعدد وهناك ظروف تمنعه ونحن في الشريعة الإسلامية لا يجب أن نقف عند حد النصوص بل أن نأخذ في الحسبان عوامل أخرى أهمها مقاصد الشريعة والحكمة والعرف وظروف الزمان والمكان والمصلحة كل هذه العوامل تؤخذ في الحسبان عند صياغة الأحكام فلا نكتفي فقط بالمنطق الصوري في بناء الأحكام ولذلك لا بد أن نضبط التعدد على الأقل بموافقة الزوجة المعنية: والمهم أن التعدد لا يمكن أن يؤسس لدونية المرأة لأن هناك نصوصا واضحة في المساواة بين الرجل والمرأة إنسانيا وإيمانيا (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ )[4]. (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)[5].

ثالثا: الشهادة

الشهادة (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)[6].

في هذا النص الحجة قائمة على أن النساء لم يعتدن العمل في هذا المجال: فالآية تتحدث عن معاملة لم تكن مما اعتادت عليه النساء في ذلك الوقت وهي التداين ولكن ماذا لو كانت المرأة على دراية بالأمر المراد الشهادة بشأنه؟ قال الإمام أحمد بجواز شهادة المرأة المنفردة إذا كانت أهلا لذلك وعلى كل حال فالشهادة لا تدل على قيمة إنسانية أو إيمانية فقد قال معاوية بن أبي سفيان أحد دهاة العرب المرموقين إني لأرد شهادة من أرجو أن انتفع بدعائهم بمعنى أن هؤلاء الصالحون تشغلهم تسبيحاتهم وعبادتهم فلا يكونوا حاضري الذهن للشهادة.

وفي ظروفنا المعاصرة لا يمكن أن نحكم بأن شهادة امرأة متعلمة ومؤهلة في مجال معين مثلا نصف شهادة رجل عادي لا تأهيل له في هذا المجال لأننا إن فعلنا ذلك نجعل من الشريعة أضحوكة. ومعاذ الله أن نفعل ذلك.

رابعا: مسألة القوامة:

(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا)[7].

 

قال القرطبي عن الماوردي: القوامة هي قيام الرجال بحقوق النساء عند الزواج والقوامة لا تعني الحجر والاستبداد والتدخل في شئونها، فلها الولاية على مالها كاملة ولها سلطانها على نفسها فلا سلطان له على دينها ولا على اختيارها العام فلا وصاية له عليها في ذلك كله، والمؤسف حقا أننا في السودان نؤسس على هذه الآية دونية للمرأة ـ وأنا شخصيا ـ رأيت زعماء دينيين في عقد قران بناتهم يستخدمون صيغة (زوجتك مجبرتي) وهذا معناه أن المرأة لا حق ولا صلاحية لها في إبرام أمر يخصها، قال الإمام أبو حنيفة (كيف يعطي الله المرأة حق التصرف في مالها ولا يعطيها حق التصرف في نفسها) إن هذه التناقضات المضحكة لا تليق بالشريعة الإسلامية.

خامسا: الدرجة:

(وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)[8].

قال ابن عباس “الدرجة هي حق الرجال في التوسعة على النساء في المال والقرب وحسن المعاشرة) أي أن هذه الدرجة هي زيادة في التكاليف على الرجل وتقابلها علاوة الأمومة التي تعطي المرأة ميزة وأفضلية فعندما سأل رجل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أحق الناس بحسن الصحبة والبر قال: أمك قال ثم من؟ قال: أمك؟ قال ثم من؟ قال: أمك قال ثم من؟ قال: أبوك

سادسا: الضرب:

قال الإمام الشافعي (الضرب مباح وتركه أفضل) ولكن عندنا خيار آخر هو التحكيم، فلماذا نلجأ للضرب إذا كان في القرآن هذا الخيار البديل: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا)[9]. والعلاقة الزوجية أساسها السكن والمودة والرحمة أما الضرب فيؤسس العلاقة على الخوف.

نحن ينبغي أن ندرك أننا عندما نكون أمام خيارات متعددة علينا أن نختار ما يصلح لظروفنا الحالية. فالقرآن الكريم فيه المحكم والمتشابه (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)[10].

فمثلا يجوز المعاملة بالمثل بموجب قوله تعالى: (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)[11].  

كما يجوز العفو: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه)[12].

هذه النصوص تفهم في إطار المحكم والمتشابه وتعلم بالفقه والاجتهاد تأسيسا على مقاصد الشريعة ومن مقاصد الشريعة في الزواج أن تقوم العلاقة الزوجية على السكينة والمودة والرحمة والضرب يفسد هذه المعاني فتكون نصوص المودة والرحمة هي المحكمة ونصوص الضرب هي المتشابهة، فلابد  أن يكون لنا وعي وتدبر للقرآن الكريم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)[13].

سادسا: حديث ” أكثر أهل النار من النساء”:

يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا معشر النساء تصدقن فإنكن أكثر أهل النار قلن ولما ذلك؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير وما رأيت من ناقصات عقل ودين..)

هل هذا الحديث صحيح؟

هناك وسيلتان للتحقق من صحة الحديث: السند والمتن، هل متن هذا الحديث يتناسب مع ما نعلم من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وما نعلم من نصوص الكتاب كقوله تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى.”[14] وقوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ “[15] ؟

هل متن هذا الحديث يتفق مع الواقع الذي يقول أن أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة (خديجة) وأول من استشهد في الإسلام امرأة (سمية) وأول حافظة للقرآن امرأة (صفية) وأول أمينة سر (سر الهجرة ) امرأة (أسماء بنت أبي بكر) وأهم راوية للحديث امرأة (عائشة)

وفي موقف هو من أخطر المواقف التي مر بها المسلمون (صلح الحديبية) حيث اختلف المسلمون في أمر أمرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم استشار عليه الصلاة والسلام السيدة أم سلمة فأشارت إليه بأن يحلق ويذبح أمام المسلمين ففعل وكان بذلك حسم للموقف في صلح الحديبية.

فهل هؤلاء ناقصات عقل ودين؟ وكل مربيات الرسول صلى الله عليه وسلم كن نساء وكان عليه الصلاة والسلام يفاخر ويقول: (أنا أبن العواتق من قريش) وهل يتناسب متن هذا الحديث مع قوله صلى الله عليه وسلم ” ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم”

وهل من الحكمة أن نروج لفكرة أن النساء ناقصات عقل ودين في زمن تتنافس فيها الأفكار والأيدلوجيات لتحقيق العدالة والمساواة وتعزيز حقوق النساء؟ هل يمكن لنا كمسلمين أن نستميل النساء إلى الدين بهذا المنطق؟ قال علي بن أبي طالب وهو صاحب حكمة نافذة (حكمة العلم اللدني) قال: (حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله).

سابعا الحيض:

هناك اعتقاد بأن الحيض عقاب للنساء لأن حواء أخرجت آدم من الجنة، وهذا اعتقاد إسرائيلي، أما في الإسلام فالحيض موجب للرخصة وليس للعقاب وليس للتنجيس وأحاديث أمهات المؤمنين تدل على ذلك: قالت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أناوله المصلاة فقلت له أنا حائض فقال: إن الحيضة ليست في يدك؟ وعندما طلب الإمام المهدي من زوجه أن تناوله المصحف واعتذرت بكونها حائض قال لها: (ناوليني المصحف فالمؤمن لا ينجس). وعلى المرأة أن لا تقطع صلتها بالله في فترة الحيض لأنها لا تصلي فيمكن أن تقرأ وتسبح وتدعو، وقد روت أم أيمن أن النساء الحيض كن يخرجن ليشهدن صلاة العيد مع المسلمين

ثامنا: سن اليأس:

اليأس المقصود هنا هو اليأس من المحيض ومعناه أن المرأة تتخلص من أعباء الأمومة لتمارس حياة اجتماعية كاملة فهو بداية لحياة جديدة وليس نهاية للحياة كما يظن البعض.

تاسعا: حديث أن المرأة والكلب يقطعان الصلاة:

قالت السيدة عائشة رضي الله عنها أنا أروي لكم الأحاديث وآتيكم بهذا وذاك من كلام رسول الله وتعلمون أنني أمكم أنا أقطع صلاتكم؟

عاشرا: (حديث ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة):

أولا: هذا الحديث رواه أبو بكرة وهو أحد ثلاثة شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا والآخران هما نافع بن حارث وشبل بن معبد ـ ولم يشهد الرابع وهو زياد بن أبية إلا تلميحا فأسقط عمر بن الخطاب الحد عن المغيرة وحد أبا بكرة ونافع وشبل حد القذف.

ثانيا: المعروف في التاريخ الإسلامي أن السيدة عائشة قادت معركة الجمل فاختلف الصحابة أيؤيدون أم المؤمنين أم لا، فروى أبو بكرة الثقفي عن عدم مشاركته في واقعة الجمل ( عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هلك كسرى قال من استخلفوا؟  قالوا ابنته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة). هذا الحديث أورده أبو بكرة كتفسير لعدم مشاركته في واقعة الجمل وقد شارك فيها إلى جانب السيدة عائشة كثير من كبار الصحابة وإلى جانب علي كثيرون لم يرو عنهم أنهم سمعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث.

ثالثا: هذا الحديث كذبه الواقع حيث أورد الطبري في تاريخه ( ثم ملكت يوران بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان فذكر أنها قالت حين ملكت: البر أنوي وبالعدل آمر وأحسنت السيرة في رعيتها وبسطت العدل فيهم) إذن فهو حديث كذبه الواقع وهذا يعيدنا إلى قول علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟.

رابعا: هذا الحديث يخالف نصا قطعيا في أمر مشابه وهو ما جاء في كتاب الله عن بلقيس ملكة سبأ التي أشاد بها القرآن.

حادي عشر: الاعتقاد بأن المرأة أخرجت آدم من الجنة:

هذا مفهوم إسرائيلي أما النص القرآني فيقول فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ”[16]  ” وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى”[17] ثاني عشر: القول بأن المرأة خلقت من ضلع أعوج:

روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته يعني أعوج لا يمكن أن يكون هذا الحديث صحيحا لأن الله يقول: ”  يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونساء”[18]

ثاني عشر: الحجاب:

الحجاب ليس عربيا ولا إسلاميا وكلمة حجاب لا تعني الزي وإنما المقصود بها الساتر الموجود في بيت النبي صلى الله عليه وسلم المذكور في القرآن “وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ “[19]

المطلوب في الإسلام الاحتشام وليس إلغاء الذات وإعدام الشخصية بإخفاء الوجه. والآيات القرآنية مثل قوله تعالى: ” يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ” [20]وقوله تعالى: ” وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ”[21] كلها تدل على وجوب الاحتشام وقال الدكتور عبد السلام زناني في اختلاط الجنسين عند العرب: ” كان اختلاط الجنسين عند العرب عاديا أما الحجاب فهو عادة يونانية. وقال الأستاذ عبد الواحد وافي: فكان النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والعهد الأموي يختلطن بالرجال ويساهمن إلى جانبهم في مظاهر الحياة الاجتماعية حتى القتال فعرفت أم عمارة في غزوة أحد وأم سليم في غزوة حنين وأمية بنت قيس الغفارية في غزوة خيبر وكانت المرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تخرج وحدها، إلى مسافات بعيدة لقضاء حوائجها.

ثالث عشر: الختان:

الختان بالنسبة للرجل يزيل زائدة قذرة أما بالنسبة للمرأة فهو عدوان على عضو تناسلي وهذا أمر خطير وكل أنواع الختان سواء المخفف الذي يسمونه سنة أم المغلظ المسمى بالفرعوني كله في الحقيقة عدوان على عضو تناسلي.

الإمام الشوكاني في نيل الأوطار قال لم يصح  في ختان المرأة حديث وكذلك قال سيد سابق في فقه السنة. والقرآن ذكر أشياء كثيرة في شأن المرأة منها الحيض والنفاس والرضاعة والعدة ولم يذكر الختان.

ومن مقاصد الشريعة الثابتة لا ضرر ولا ضرار والختان ضرره محقق ومن أضراره أنه يذهب بالمتعة، والمتعة الحلال بين الزوجين مطلوبة في الشريعة قال الإمام الغزالي: “إذا قضى أحدكم وطره فليتمهل على أهله حتى تقضي هي نهمتها”

فالمختونة مشوهة بقطع جزء من عضوها التناسلي وهذا التشويه يعوقها جسديا ونفسيا وعلينا أن نقف موقفا صارما من هذا العدوان على الأنوثة

ولأمرنهم فليغيرن خلق الله       ساءت في الورى أحدوثة

لا تقل خفاض بل خفـض          بالغ الأذى لعضو الأنوثة

هناك نصوص أخرى يستدل بها على دونية المرأة منها “ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ” [22]” فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُون أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُون وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُون أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِين مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ”[23] ” أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىتِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى” [24]

النص الأول ليس الذكر كالأنثى المقصود فيه أن الأنثى هنا (مريم بنت عمران) هي المعنية بالتفضيل أما بقية النصوص فهي تخاطب المفاهيم السائدة في أذهان المخاطبين أما قوله تعالى: ” أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ”[25] المقصود في هذه الآية أسلوب التربية اللين والمترف سواء كان للذكور أو الإناث.

رابع عشر: روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال عندما دفن إحدى بناته ” دفن البنات من المكرمات”:

وهذا تعبير عن أشواق وأدية ـ أشواق إلى وأد البنات ـ وهذه ذهنية الجاهلية التي يعبر عنها شاعرهم:

لكل أبــي بنت يرجـى بقاءها     ثلاثـة أصهار إذا ذكــر الصهـر

بعـل يصونها أو بيت يضمها     أو قبر يواريها وخيرهــم القبــر

إن اضطهاد المرأة ظاهرة إنسانية عمت جميع الحضارات والثقافات:

ففي الصين القديمة تقول القاعدة التي كانت متبعة في التراث الكونفوشي: “النساء آخر مكان في الجنس البشري ويجب أن يكون من نصيبهن أحقر الأعمال”. في الهند تقول المادة 147 من قانون مانو: “لا يحق للمرأة في أي مرحلة من مراحل حياتها أن تجري أي أمر وفق مشيئتها حتى لو كان من الأمور الداخلية لمنزلها”. وحتى القرن السابع عشر كانت تحرق المرأة مع زوجها عند موته. قانون حمورابي 1752 ق.م كان يقول بأنه “يمكن للرجل رهن زوجته وأطفاله ثلاثة سنوات”

في الزردشية والمزدكية “المرأة كائن غير مقدس”. في اليونان يقول أرسطوطاليس بأن “المرأة أدنى فكريا وبيولوجيا من حيث قدرتها العقلية والبيولوجية وحكم الرجل عليها كحكم الروح على الجسد وحكم العقل على العاطفة”. كان وأد البنات معروفا لدى اليونان والرومان وكن يتركن للموت في الخلاء. نص القانون الروماني على أنه “إذا بلغ الصبي أربعة عشر عاما تحرر من الوصاية أما الفتاة فتظل تحت الوصاية”. وفي الثورة الفرنسية كان قانون نابليون هو دونية المرأة وتبعيتها. في اليهودية المرأة منجسة وهي مسئولة عن خروج آدم من الجنة ولذلك فهي معاقبة بالحيض. في المسيحية يقول سانت أوجستين: “لا أعرف أية فائدة للمرأة للرجل إلا إنجاب الأطفال”. ويقول أحد علماء المسيحيين ويدعى ترتليان مخاطبا المرأة: ” أنت باب الشيطان هاتكة الشجرة المحرمة، أنت دمرت الرجل، الرجل خلقه الله على صورة الإله وبسببك كان على ابن الله (المسيح) أن يموت فداء للخطيئة”  أي أن المرأة هي التي قتلت المسيح بخطيئتها فوجب عليه أن يموت فداء للإنسانية. هناك حلف طبيعي بين المرأة والشيطان في المسيحية واليهودية، ولذلك لم تأخذ المرأة في أوربا حقوقها إلا عبر صراع طويل، وحتى مارتن لوثر وهو قائد الإصلاح في المسيحية قال: “انتزع النساء من تدبير شئون المنزل تجدهن لا يصلحن لشيء”.

إنني أسوق هذه الشواهد لأدلل على أن اضطهاد المرأة في تلك الحضارات والثقافات كامن في نصوصها الأصلية المؤسسة لتراثهم أما نصوص الإسلام الأصلية فهي لا تؤسس لدونية المرأة، والدونية جاءت من تفاسير واجتهادات وضعية ولكن النصوص المحكمة هي نصوص المساواة والعدالة والتكريم.

وفي التراث الثقافي نجد أيضا ما يؤسس لدونية المرأة، فمثلا في “الهدهدات” للأطفال نجد تمييزا بين الطفل الذكر والطفلة الأنثى. فمثلا: (اريدو حمتدو بيتو دخلتو وزادو أكلتو وماتت بتو وجيت سابلتو) وكذلك عند ميلاد الذكر تكون التهنئة: (مبروك ويربى في عزكم) أما عند ميلاد الأنثى يكون العزاء (جعلها الله من المستورات) وهذا كله من المفاهيم الجاهلية: ولم أر نعمة شملت كريما كنعمة عورة سترت بقبر.

وهذه الدونية شكلت تحديا أمام المرأة في السودان وغيره من البلاد العربية والأفريقية فأصبحت المرأة أكثر جدية وتفوقا ونجاحا في مجالات التعليم والعمل.

خامس عشر: حديث لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من حقه عليها.

هذا الحديث منكر المعنى وينافي روح التوحيد التي جاء بها الدين الإسلامي وإن كان السجود هنا لا يفيد العبادة مطلقاً. ولا يمكن أن يقال هذا الحديث وكان الناس قريبين من عهد الشرك وعبادة الأصنام، وأين هذا الحديث من قوله تعالى: “فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ”[26] وقوله تعالى: ” وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً” [27]وقوله تعالى: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ”[28]

سادس عشر: موضوع العدة:

تقاليد التعامل مع المرأة المتوفى عنها زوجها في السودان تقاليد قاسية أشبه بالتقاليد الهندوسية وهذه التقاليد لا علاقة لها بالإسلام، فترة العدة الهدف منها استبراء الأرحام وليس معاقبة المرأة.

سابع عشر: حديث أطيعي زوجك:

من الأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم أن هناك رجل خرج إلى سفر وعهد إلى امرأته أن لا تنزل من العلو إلى أسفل وكان أبوها في الطابق الأسفل فمرض أبوها فأرسلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تستأذنه في النزول فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أطيعي زوجك. فمات أبوها فأرسلت المرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستأذنه في النزول فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: أطيعي زوجك. فدفن أبوها فأرسل لها الرسول صلى الله عليه وسلم إليها يخبرها بأن الله قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها.

من علامات الوضع في هذا الحديث أنه يتنافى مع قوله تعالى: “وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى”[29] ويتنافى مع قادعدة أصولية معروفة هي أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق والخالق يأمر بالإحسان للوالدين بقوله: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”[30].

ذكرت الآن عشرين مسألة من المسائل المؤسسة لدونية المرأة حسب تفاسير واجتهادات معينة ويتوقع أن تنفقه النساء في الدين ويحدثن تنويرا في المفاهيم والنصوص والتفاسير بما يزيل هذه الدونية ونحن مطالبون بذلك لأن هذه الدونية تحدث شللا في المجتمع ولابد من إزالتها.

وعلينا أن نسعى لإزالة التمييز ضد المرأة وتأمين حريتها ولكن علينا أن نتجنب في ذلك ما يناقض الفطرة مثل إباحة المثلية الجنسية ومع مراعاة الخصوصية الثقافية بمعنى أن لا نكون مقلدين بل نكون مؤسسين لحقوق المرأة باجتهاد مستنير، فهناك نزعات في الغرب تؤسس المساواة على أساس تحويل المرأة إلى رجل فالمرأة يجب أن تحقق إنسانيتها وإيمانيتها ومواطنتها من داخل أنوثتها وليس خصما عليها لأن هذه الأنوثة قيمة حقيقية يجب أن يكون هناك اعتراف واحترام وتقدير لها كجزء من نظام الكون حيث تشكل هي والذكورة ركيزتين كونيتين.

اختم حديثي هذا بأننا يجب أن نمحو كل التفاسير المؤسسة لدونية المرأة ونفتح الطريق لتمارس دورها الإنساني والإيماني والوطني في المجتمع ـ ونهيب بالمرأة السودانية التوقيع على الميثاق النسوي المقترح من أمانة المرأة بحزب الأمة كأحد المواثيق التي نعتبرها مؤسسة لبناء السودان الجديد

[1]  سورة النساء الآية 123.

[2]  سورة النساء الآية 11.

[3] سورة الروم الآية 21.

[4]  سورة التوبة الآية 71.

[5]  سورة الحجرات الآية 13.

[6]  سورة البقرة الآية 282.

[7]  سورة النساء الآية 34.

[8] سورة البقرة الآية 228.

[9] سورة النساء الآية 35.

[10] سورة آل عمران الآية 7.

[11] سورة البقرة 194.

[12]  سورة الشورى الآية 40.

[13]   سورة الفرقان الآية 73.

[14]  سورة آل عمران الآية 195

[15]  سورة الحجرات الآية 13

[16]  سورة البقرة الآية 36

[17]  سورة طه الآية 121

[18]  سورة النساء الآية 1

[19]  سورة الأحزاب الآية 53

[20]  سورة الأحزاب الآية 59

[21]  سورة النور الآية 31

[22]  سورة آل عمران الآية 36

[23]   سورة الصافات الآيات 149، 150، 151، 152، 153، 154

[24]  سورة النجم الآية 21، 22

[25]  سورة الزخرف الآية 18

[26]  سورة البقرة  الآية 229.

[27]  سورة الروم الآية 21

[28]  سورة البقرة الآية 187

[29]  سورة النجم الآية 39

[30]  سورة الإسراء الآية 23