منتدى الصحافة والسياسة كلمة بعنوان: السودان في مفرق الطريق: يكون أو لا يكون

بسم الله الرحمن الرحيم

منتدى الصحافة والسياسة- الثلاثاء 13 نوفمبر 2007م

كلمة الإمام الصادق المهدي

السودان في مفرق الطريق: يكون أو لا يكون

مقدمة: كان بودي أن أطرح على ملتقى الصحافة والسياسية لدى عودتي قضايا دولية في غاية الأهمية: الموقف الدولي بعد أفول القطبية الأحادية- توجيه عملية سلام الشرق الأوسط نحو استقطاب جديد – الاصطفاف الدولي الحالي واحتمالات حرب قادمة- الرقم السوداني في الوسط الإقليمي والدولي. ولكن المستجدات على الساحة الداخلية التي وضعت البلاد في مفرق طريق أمام أن تكون أو لا تكون فرضت أولوية أخرى. استعير صوت اللجنة التنفيذية للمنتدى، وأشكر تلبيتكم لدعوتنا في هذا المنبر الذي بلغ عمر ستة سنوات ويعقد اليوم في هذه الظروف المضطربة لقاءه الستون.

أقدم للموضوع بالنقاط الآتية:

  1. المشروع الحضاري ودستور 1998م كانا يمثلان الإطار السياسي والدستوري لنظام الإنقاذ الذي خطى عبر اتفاقيات أبرمها: اتفاقيات السلام من الداخل 1997- اتفاقية جيبوتي 1999- اتفاقية نيفاشا 2005- اتفاقية القاهرة 2005- اتفاقية أبوحا 2006- اتفاقية أسمرا 2006 خطى عبرها نحو إطار سياسي ودستوري جديد جسدته اتفاقية السلام الشامل التي امتازت عن كل سابقاتها ولاحقاتها بالمشاركة الإقليمية والدولية والتي صارت الأساس للنظام السياسي والدستوري للبلاد.
  2. لم تكن الاتفاقية منذ البداية اتفاقية سلام شامل لأنها غيبت أوزانا سياسية سودانية معتبرة، ولأنها وقعت مع جود جبهات اقتتال مستعرة في مناطق أخرى من البلاد، ولكن بإرادة طرفي التفاوض: الحكومة السودانية التي غلب عليها المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية وجيشها الشعبي، بإرادتهما وإرادة وسطاء الإيقاد، وشركاء الإيقاد، والأمم المتحدة قام النظام السياسي والدستوري البديل. وصارت القوى السياسية المغيبة عن ترتيبات الاتفاق في كافة أنحاء السودان تشكل مقاومة مسلحة، أو معارضة مدنية هي في الواقع خارج النظام الذي أقامته اتفاقية السلام الشامل.
  3. كانت اتفاقيتا أبوجا والشرق قد أبرمتا في وقت لاحق بعد اتفاقية نيفاشا وواصلت القوى الرافضة لهما مقاومة مسلحة ومعارضة خارج النطاق السياسي والدستوري القائم.
  4. اتفاقية السلام الشامل حققت بعض الانجازات الهامة ولكن بالإضافة لمواقف العناصر التي لم تشارك فيها في الأصل فإن طرفيها تبادلا الاتهامات بعدم الالتزام بها وبالتصرفات المخلة بها وبدستورها.. اتهامات لم تهدأ أبدا منذ إبرام الاتفاقية وإلى حيث التصعيد الذي انطلق في النصف الثاني من شهر أكتوبر المنصرم. أدى التصعيد لتبادل عدم الثقة وإلى أفعال وردود أفعال ستؤدي حتما إلى أن يتصرف البعض بطريقة فردية. وفي طريق الاستقطاب الحاد برزت الدعوة لتحكيم الإيقاد ثم للاحتكام للولايات المتحدة وللأمم المتحدة أي الاحتكام للعناصر التي جيرتها الاتفاقية نفسها ضامنة لها.
  5. تآكُل الوضع السياسي والدستوري الذي أقامته اتفاقية السلام أدى وسوف يؤدي لمزيد من المواقف التي تعمل لحسم الأمور بوسائل راديكالية حيثياتها:

(أ)   أن يتخذ أحد طرفي الاتفاقية موقفا أحاديا لصالح أجندته الحزبية.

(ب) أن تتمكن القوى السياسة المغيبة أصلا من النظام السياسي والدستوري القائم من القيام بتحرك يجد تجاوبا شعبيا واسعا في اتجاه بديل.

(ج) زيادة تحركات بعض جيران السودان لاستغلال حالته الراهنة وتحقيق مصالحه الوطنية على حسابه.

(د)  تحركات بعض الدول النافذة لتفصيل بدائل تراها أكثر جدوى للحيلولة دون انهيار الأوضاع في السودان أو تراها أكثر جدوى للمحافظة على مصالحها الإستراتيجية..

هذه الاحتمالات كلها واردة وسوف تؤدي لنتائج غير محسوبة في مدى تفاعلاتها الداخلية، والإقليمية، والدولية.

  1. طرفا الاتفاقية جربا حصر البحث عن علاج للمشاكل في نطاقهما دون جدوى، وجربا الاحتكام للخارج دون جدوى؛ بل يمكن أن يعاب على الرافع الخارجي الحالي ثلاثة أمور: أنه جاهل بحقائق ودقائق الموقف السوداني- أنه غير محايد بين أطراف النزاع- أن تكوينه الحالي غير متوازن. طرفا الاتفاقية يعترفان بوجود قوى سياسية وعسكرية خارج نطاقهما. والأسرة الدولية تعترف بوجود مجتمع سياسي ومدني سوداني لم يملك مصيره.. النهج الوحيد الذي لم يجرّب هو الاحتكام للشعب السوداني كما تمثله منظمات المجتمع السياسي والمدني السوداني بصورة شاملة.
  2. تجنبا للحلول ذات النتائج غير المحسوبة يتطلع أهل السودان لحل حاسم يستمد فاعليته وشرعيته من التراضي الوطني والمشاركة الواسعة. هذا النهج:

أولا: لا يبدأ من خانة الصفر بل تلزمه مبادئ تستصحب كافة إيجابيات ما تحقق.

ثانيا: لا يطرد الأسرة الدولية بل يضعها في دورها المناسب مراقبا وشاهدا لهندسة الإرادة السودانية كما يبلورها أهلها.