إضاءات الإمام الصادق المهدي في الاحتفال بذكرى موقعة كرري

الإمام الصادق المهدي
سماحة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد للحكماء والرؤساء السابقين المنتخبين ديمقراطياً والمفكر السياسي والإسلامي

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إضاءات في ظلام كرري

2 سبتمبر 2012م

مقدمة:

أقدر للأمانة العامة في حزب الأمة تنظيم هذا اللقاء حول معركة كرري، وأبدأ بالرد على تساؤل: كرري كارثة عسكرية فلماذا الحرص على ذكراها؟

أقرأ في سفر كرري الآتي:

أولا: صحيح بالمقياس العسكري كانت كرري نكبة عسكرية ولكن مهما كان من أمر الخطة العسكرية فقد برز أمران:

الأول: إن لتفوق النيران الغازية دوراً حاسماً في تحقيق النصر لهم بصورة كاسحة، وهذا المشهد لم يكن في كرري وحدها بل في غالبية المواجهة بين العسكرية الحديثة والشعوب المقاومة:

– في حرب الأيام الستة 1967م.

– وفي حرب أفغانستان 2001م.

– وفي حرب العراق 2003م.

ولكن النصر العسكري إذا لم يكسر إرادة المقاومة لم يحقق مقاصده، لذلك كتبت للرئيس الأمريكي بوش في عام 2003م أقول: لا شك أنكم سوف تهزمون القوات المسلحة العراقية، ولكن النصر العسكري سوف تتبعه هزيمة سياسية فابطل هذا الغزو غير المجدي. ولكنه غزا وانتصر عسكريا وحقق هزيمة سياسية مدوية. وهذا المشهد يتكرر الآن في المواجهات بين قوات الأمن وحركات التحرر، تفلح قوات الأمن في تفريق المتظاهرين ولكن ما لم تكسر إرادتهم سوف تظل الراية مرفوعة والهدف المنشود متوقعاً.

ثانيا: ويمكن للهزيمة العسكرية أن تتحول إلى انتصار معنوي. قال أبو تمام في مقتل القائد محمد بن حميد الطوسي رائعته الشهيرة التي جاء فيها:

فتى مات بين الطعن والضرب ميتة تقوم مقام النصر إذا فاته النصر

قصيدة عندما سمعها الخليفة المعتصم قال: والله الذي لا إله إلا هو لوددت أني قتلت وأنها قيلت فيّ.

وكثير من بطولات التاريخ التي ألهمت الشعوب كانت نتيجة هزيمة عسكرية لم تهزم قوة الإرادة:

– هزيمة المسلمين في أحد

– وهزيمة الإمام الحسين في كربلاء.

– وهزيمة عمر المختار في ليبيا.

– وهزيمة عبد القادر ود حبوبة في كتفية.

قال الشاعر السوداني:

كرري تحدث عن رجال كالأسود الضارية

خاضوا الهيب وشتتوا كتل الغزاة الباغية

هذا وصف غير صحيح بالمقياس العسكري، ولكن ما أظهره المقاتلون الأنصار من شجاعة وإقدام ثم استقتال قيادتهم في أم دبيكرات أدى إلى ما قاله أعداؤهم- قال ونستون تشرشل: كانوا أشجع من مشى على ظهر الأرض. وقال: لم نهزمهم ولكن حطمنا قدراتهم بقوة السلاح، وكان ما أظهروا من شجاعة وإقدام في كافة ما شهدوا من مواجهات سببا في مقولة فلب وارنر المؤرخ البريطاني العسكري: ربما وجدنا في تاريخ الإنسانية من ماثلت شجاعتهم بسالة الأنصار ولكن قطعا لن نجد شجاعة تفوقت عليها.

ثالثا: الإرادة التي لم تنكسر في كرري ولا في أم دبيكرات ولا في كتفية هي التي شكلت الخامة التي مكنت الإمام عبد الرحمن من جعلها وقودا للقوة الناعمة التي مكنته من بعث كيان حطمته القوة العسكرية المتفوقة فصار هو الكيان السياسي والديني الأول في السودان لدى رحيل قوة الاحتلال.

وقديما قال الشريف الرضي:

ملكت بحلمي فرصة ما استرقها من الدهر مفتول الزراعين أغلب

رابعا: وتعاقبت على القوى الشعبية التي غرست فيها كرري الإرادة التي لا تموت، تعاقبت عليها الهزائم العسكرية بفعل الانقلابات العسكرية المتفوقة عسكرياً ولكنها في الحالتين أي انقلاب نوفمبر 1958م وانقلاب مايو 1969م تآكلت السلطة الانقلابية وتفوقت عليها الإرادة الشعبية التي استعصت على الانكسار. وها نحن أمام جولة ثالثة مع الاحتلال الداخلي وكل الدلائل تشير إلى تفوق الإرادة الشعبية الحتمي كما قال أبو الطيب:

كم قد قتلت وكم قد مت عندكم ثم انتفضت فزال القبر والكفن

ختاما:

نحن إذ نحتفل بذكرى كرري لا نحتفل بالهزيمة ولكن نحتفل بهزيمة الهزيمة.