الأمن المجتمعي وأُثره في وحدة الأمة

بسم الله الرحمن الرحيم

رابطة العالم الإٍسلامي بالتعاون مع المنتدى العالمي للوسطية

المؤتمر الدولي تحت عنوان: الأمن المجتمعي وأُثره في وحدة الأمة

4-5/4/2018م الأردن – عمان: (فندق المريديان سابقاً)

ورقة بعنوان: الأمن المجتمعي وأُثره في وحدة الأمة

ارتباط مفهوم الأمن والتنمية

 

الإمام الصادق المهدي

 

مقدمة:

الأمن مطلب لكل الكائنات، ومع أن الكائنات الحية أمم أمثالنا في وجوه، لكن الإنسان من عالم الحيوان ومفارق له في ثلاثة أمور: ملكة روحية، وملكة عقلية، وحرية الاختيار.

إن لله في الكون ثلاث آيات هي الوجود، والإنسان، والتنزيل.

من دراسة حياة الإنسان قبل وبعد التنزيل يتضح أن للإنسان عشر ضرورات لا يتحقق له أمن شامل إلا إذا توافرت له تلك الضرورات بصورة متوازنة. الضرورات هي: روحية، مادية، عقلية، أخلاقية، عاطفية، اجتماعية، رياضية، جمالية، ترفيهية، وبيئية.

كل هذه الضرورات تدخل في تكوين الأمن المجتمعي، لا سيما التنمية، فهي ليست مجرد النمو أي زيادة الثروة، ولكنها تشمل التنمية البشرية.

فيما يلي أبسط أطروحتي حول مسألة الأمن المجتمعي ودور التنمية فيه:

أولاً: الأمن المجتمعي في الحضارة الغربية:

في ماضي الإنسانية المظلم قامت نظم الحكم على التغلب بالقوة والاستبداد. وفي كثير من الثقافات عززوا سلطان الحكام بادعاء حقوق إلهية.

الحضارة الغربية كانت خاضعة لمفاهيم سلطان ملوك ادعوا ولاية إلهية. ولكن على إثر عوامل ذاتية ومؤثرات من الحضارة الإسلامية انتقلت أوروبا من عصورها الوسطى إلى العصر الحديث عبر ثلاث ثورات: ثورة ثقافية انتصرت لحرية البحث العلمي، وثورة اقتصادية سخرت قوى الطبيعة لصنع الثروات، وثورة سياسية حررت الإنسان من وصاية السلاطين.

كان مفهوم الأمن لدى حكومات السلاطين هو أمن الدولة كمرجع نهائي، ما يعني التضحية بحقوق الأفراد والفئات الاجتماعية من أجل أمن الدولة.

نتيجة لهذا التحرير من قرونهم الوسطى تطور مفهوم حقوق الإنسان، وحكم الشعوب، والحريات العامة، وتوافرت ثروات حسنت مستوى المعيشة والخدمات الاجتماعية.

هذا التطور جرى عبر مدافعات كثيرة، وحروب أهلية وبينية، ما أثمر عقداً اجتماعياً جديداً بين الحكام والشعوب. وعقداً دولياً بين الدول.

وفي تجربة الحضارة الغربية صحب الاستثمار المادي الرأسمالي مظالم طبقية داخلياً وإمبريالية في الخارج. هذه المظالم هي الدافع للحركة الاشتراكية التي بشرت بثورة تحقق ولاية الطبقات المظلومة، ولكن في النهاية اتجه الفكر الأكثر قبولاً للاشتراكية الديمقراطية.

في إطار المفاهيم الديمقراطية الاشتراكية هذه ترعرعت مفاهيم لحقوق الإنسان جسدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الأخرى. هذه المفاهيم نقلت الأمر من مفهوم أمن الدولة القديم إلى مفهوم الأمن المجتمعي، والمدهش أن الاستنارة في التعامل داخل أقطارهم لم يواكبها استنارة في التعامل مع الشعوب الأخرى خارج أوربا، بل مارسوا إمبريالية فرضت الإرادة الأوربية على الشعوب الأخرى، وصاروا يعتبرون الأمن فيها هو أمن الإمبراطورية.

هذا عيب وهنالك ثلاثة عيوب أخرى هي:

  • صحب تطور الحضارة الأوربية الحديثة فكر علمانيٌ نافٍ لأية حقائق غيبية، ما أحدث في الحضارة الغربية عامة مجاعة روحية تؤثر سلباً على الأمن المجتمعي.
  • تعامل استعلائي مع الشعوب الأخرى، ما صار يمثل خللاً مستمراً في العلاقات بين الأمم.
  • استهتار بسلامة البيئة الطبيعية صار يعرض كوكب الأرض لمخاطر كبرى.

ثانياً: الأمن المجتمعي في الإسلام

الدول التاريخية في العالم الإٍسلامي قامت على شرعة المتغلب، وبالتالي كان مفهوم الأمن لديها أمن الدولة هذا مع أن نصوص الوحي الإسلامي واضحة في بيان للأمن واضح يحدد أمن الأفراد، والأسر، والجماعات، ويكفل للناس المشاركة، ويتطلب العدالة الاجتماعية، وقبول الآخر الملي وتأسيس العلاقة المنشودة على العهد والأمان.

في كتابي بعنوان “أيها الجيل” أوضحت كيف أن نصوص الوحي الإسلامي تهتم بالاستجابة لضرورات الإنسان العشر، وفي الفصل الخاص بالضرورات المادية بينت الحث على التعمير والاستثمار المادي مع عدالة توزيع الدخول والثروات.

نصوص الوحي تحث على التكافل الاجتماعي ورفض التمايز الطبقي: (يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[1]، وإيجاب توزيع الأموال: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[2].

الفهم الإسلامي أن للمال العام وظيفة اجتماعية محددة، وهو حتى لدى الأفراد يوجب مراعاة الوظيفة العامة للمال: مقولة الإمام علي: إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بصنع أغنيائهم. ألا وأن الله يحاسبهم حسابا شديداً. وقال: ما جاع فقير إلا بما متع به غني.

أما المال العام فهو مسؤولية الجماعة. روى الطبري أن الصحابي أبا ذر قال للخليفة معاوية: لا تصف مال المسلمين بأنه مال الله، لأن مقولة مال المسلمين توجب المساءلة. وروى أن الخليفة عمر تساءل أملك أنا أم خليفة؟ قال له الصحابي سلمان: إذا صرفت درهماً من أموال المؤمنين في غير وجهه فأنت ملك وإذا صرفته في وجهه فأنت خليفة. فاستعبر عمر.

ثالثاً: قصور تجارب المسلمين عن الإسلام

أهم فريضة غائبة في العهدين الأموي والعباسي هي الشورى أي المشاركة في الشأن العام، وقيام الولاية على المغالبة كما جاء في مجلس البيعة ليزيد بن معاوية. إذ قام ابن المقفع وقال: أمير المؤمنين هذا وأشار لمعاوية، وإن هلك فهذا وأشار ليزيد، ومن أبى فهذا وأشار إلى سيفه. قال له معاوية: اجلس فإنك سيد الخطباء.

الحقيقة أن حكام بني أمية وبني العباس التمسوا لحكمهم صفة إلهية تجنباً للمساءلة في تصريف الحقوق والأموال واعتبار أن أمن دولتهم هو إرادة الله والأمن المأمور به. قال معاوية: “لو لم يرني ربي أهلاً لهذا الأمر ما تركني إياه. ولو كره الله تعالى ما نحن فيه لغيره”. وقال أبو جعفر المنصور: “أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده وأنا خازنه على فيئه أعمل بمشيئته وأقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه قد جعلني الله عليه قفلا إذا شاء أن يفتحني لأعطياتكم وقسم فيئكم وأرزاقكم فتحني وإذا شاء أن يقفلني أقفلني”[3].

هذه المفاهيم هي التي ارتضاها جمهور الفقهاء حتى قال ابن حجر العسقلاني: “أجمع الفقهاء على طاعة المتغلب والقتال معه”.

غابت المساءلة ومنها المساءلة عن المال العام وعن العدالة الاجتماعية والعدالة الإثنية والعدالة النوعية.

هذا الفهم هو الذي جعل غالبية بلداننا الآن أكثر بلدان العالم تقصيراً في ممارسة الحكم للمشاركة والمساءلة وأكثرها تمايزاً طبقياً، وأكثرها استقطابات إثنية وعرقية وظلم نوعي.

نعم حدث ويحدث نمو اقتصادي، ولكن الدراسة التي أجراها خبراء ونشرتها تقارير برنامج الأمم المتحدة التنموي لا سيما تقرير 2002م تشير إلى وجود  نمو في البلدان العربية لا تنمية فالتنمية تشير لتنمية الخدمات الاجتماعية في الصحة والتعليم ومحو الفقر والعطالة وتوافر الحريات.

كل ما في مؤشرات الأمن المجتمعي والتنمية البشرية من مفاهيم بينتها الحضارة الإنسانية موجود في المبادئ التي أرشد إليها الوحي في الإسلام ما يجعل التجربة الإنسانية النيرة حجة داعمة لنصوص الوحي من باب: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ[4].

مؤخراً صدرت دراسات غربية من أستاذين في جامعة جورج واشنطن الأمريكية إذ اختارا 13 مقياس تتعلق بالالتزام الخلقي والعدلي الاجتماعي وسمياها المقياس الإسلامي وطبقاها على الدول فوجدوا أن دولاً أروبية كأيرلندا والسويد وغيرهما هما الأجدر بأن توصفا بالأسلمة. وكتب أستاذ الأديان المقارنة روبرت شدنقر كتاباً بعنوان: “هل كان يسوع مسلماً؟” وبعد دراسة تتعلق بالعدل الاجتماعي أجاب في آخر الكتاب: نعم.

صحيح هنالك تماثل بين العقد الاجتماعي والإنساني الحديث ونظام العلاقات الدولية القائم على الأمان والعهد ولكن الفرق أن العقد الاجتماعي والدولي الإٍسلامي توجبه هداية إلهية ما يجعل له أساساً روحياً وأخلاقياً وجزاء أخروياً.

رابعاً: أمن الدولة لا يكفي

الاستبداد ملة واحدة، وما أسس بالقوة تحميه القوة، وبالتالي تقام نظم مخندقة بالوسائل العسكرية والأمنية والأولوية لأمن الدولة وأمن النظام، ولا مكان للمشاركة والمساءلة والعدالة الاجتماعية في أشكالها الاقتصادية والخدمية والإثنية والنوعية والبيئية المختلفة.

هذه نظرة قصيرة لأن التنمية البشرية والعدالة الاجتماعية من أهم ركائز استقرار المجتمع، فإن إهمال الفئات الفقيرة والشباب العاطل سوف يحولهم إلى قنابل اجتماعية لزعزعة أمن المجتمع، إن المجتمع الذي لا يهتم بأمر الأكثرية المحرومة لن يستطيع أن يحمي من غضبهم الأقلية الثرية.

نفس الشيء ينطبق على العدالة الثقافية والإثنية، فغيابها وشيوع خطاب قيمي أو عنصري يعلي البعض ويحط آخرين يؤدي لغبن يتفجر حروباً ونزاعات من أجل إثبات القيمة والذات الثقافية والحضارية سواء داخل البلدان أو في العالم.

خامساً: الدور الدولي السالب

مع أن الدول الغربية تمارس عقداً اجتماعياً مستنيراً داخلياً فإنها في أكثر الأحيان تتعامل مع بلداننا بصورة انتهازية أهم معالمها:

  • دعم استمرار الطغاة كما قالت كونداليسا رايس في محاضرة في القاهرة عام 2005م. قالت: لمدة 60 عاماً فعلنا ذلك حرصاً على الاستقرار وفي النهاية لم نحقق الديمقراطية ولا الاستقرار. الحقيقة فعلوا ذلك لأن التعامل مع الطغاة محجوب من المساءلة الشعبية.
  • ومع أنهم تجاوزوا النزاعات القتالية بينهم، فإنهم يحرصون على دعمها في منطقتنا ما قاله نكسون في كتابه “نصر بلا حرب” جاء فيه تعليقاً على الحرب العراقية الإيرانية: هذه حرب نتمنى وقوعها ونتمنى ألا ينتصر أحد طرفيها.
  • النظام الاقتصادي العالمي والعولمة وحتى نظام الأمم المتحدة يسخرونه لتغريب ثروة بلداننا والحيلولة دون توطين التكنولوجيا فيها لتستمر هذه البلدان مستهلكة.
  • هنالك مظلمة أخرى. صحيح أن في ثقافتنا ومجتمعاتنا حواضن للتطرف هي: التكفير والمظالم، ولكن الإرهاب المنتشر حالياً صناعة مستوردة. قال مردوخ خاقان الإعلام الغربي: ربما أن غالبية المسلمين معتدلون لكن إلى أن يدرك المسلمون مسؤوليتهم عنه ويقضوا عليه ينبغي أن نحملهم المسؤولية. رَمَتْنِي بِدَائِهَا وانْسَلَّتْ..

التطرف والإرهاب المنتشر حالياً صناعة دولية مستوردة، فلولا غزو أفغانستان ما كانت القاعدة. ولولا احتلال العراق ما كانت داعش رغم ذلك يحملون المسلمين وأحياناً الإسلام المسئولية عن ظواهر صنعوها.

سادساً: الصحوة السياسية: وحدة أم تعاهد؟

الأمن المجتمعي جزء من الأمن الشامل، وهو في بلداننا يتطلب صحوة فكرية ثقافية بموجبها ندرك ترابط مكونات الأمن المجتمعي، وصحوة سياسية تدرك أن العلة في أمر الأمن المجتمعي أن الحكم الاستبدادي الذي يحجر المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون هو الذي يحصر المطالب الأمنية في أمن الدولة على حساب الأمن بمفهومه الواسع.

إن الصحوة السياسية مطلوبة لأنها المدخل:

  • لإعطاء الأمن المجتمعي أهميته المستحقة لا سيما التنمية والعدالة الاجتماعية ففي الأثر: “الفقر أخو الكفر، وإذا جاع المرء يأكل دينه.
  • وهي المدخل للمصالحة بين الحكام والشعوب.
  • وهي المدخل لقبول الآخر في إطار التنوع الملي، والطائفي، والإثني، والنوعي، فالنظم الديمقراطية أولى بالحرص على السلام المجتمعي وهي أولى بالحرص على تحقيق السلام بين الدول.
  • وهي المدخل للاهتمام بملفات سلامة البيئة الطبيعية ومراعاة حقوق الأجيال القادمة.
  • لا أمل في وحدة الأمة بين نظم أوتوقراطية لأن حكم الفرد لا يسمح بمشاركة حقيقية بمفهوم أن الملك عقيم، اللهم إلا إذا قبل تحقيق وحدة الأمة عن طريق الحاكم المتغلب. هذا التطلع في الظروف الحالية مستحيل. السبيل الوحيد لتحقيق نوع من وحدة الأمة هو: أن تكون في البلدان المعنية رؤية سياسية موحدة تطبق نظام حكم بمرجعية واحدة. ثم إقامة نظام تعاهدي على الصعيد القومي أو الصعيد الإسلامي.

الإطار التعاهدي يتطلب بياناً لحقوق السيادة الوطنية، والاتفاق على صلاحيات عليا تمارس قومياً أو إسلامياً. هذا الخيار غير وارد بين نظم ذات مرجعية مختلفة أو حتى متناقضة. وفي عالم اليوم لا يمكن تحقيقه بالقوة.

  • عندما تكون النظم قائمة على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون، فإن النظرة للأمن سوف تكون مجتمعية، والشعوب لن تسمح بأية صفقات لمصلحة الآخر الدولي وعلى حساب المصالح الوطنية. هذا من شأنه وقف تغريب الأموال والخطة الماكرة: تدوير الأموال. هذا من إيجابيات مشاركة الشعوب لدعم الأمن القومي.
  • ومن نتائج المشاركة الشعبية وقوف الشعوب حائطاً مانعاً لأية مناورات تستغلها القوى الدولية وإسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية.

سابعاً: حول القضية الفلسطينية

الشعوب سوف تصنع أسساً واضحة للتعامل مع إسرائيل معالمها:

  • اليهود كالمسيحيين أهل كتاب هم إخواننا في الملة الإبراهيمية.
  • الصهيونية حركة سياسية أسسها علمانيون كردة فعل لعداء السامية الذي كان منتشراً في أوروبا. هذا المبرر اختفى الآن لذلك عدد اليهود خارج فلسطين الآن أكبر منهم فيها وهم يجدون معاملة مميزة لا سيما في أمريكا وولاؤهم لوطنهم الخارجي مقدم على الانتماء لإسرائيل. إذن المبرر الظرفي للصهيونية قد اختفى.
  • الحقائق الديمغرافية الآن فيما بين البحر (الأبيض) والنهر (الأردن) تؤكد أن عدد الفلسطينيين يفوق عدد اليهود والزيادة صاعدة. ما يضع إسرائيل بين أن تكون دولة ثنائية القومية وديمقراطية أو دولة يهودية تقوم على الفصل العنصري ـ أبارتايد ـ كما كانت جنوب أفريقيا قبل عام 1992م.
  • وبصرف النظر عن هذه الحقيقة الدامغة لكيان إسرائيل فإن ما بين اليهود أنفسهم 15% فقط جماعة توراتية، والأغلبية علمانية تعيش مفارقة مدهشة أن الرب الذي لا يؤمنون به هو الذي أعطاهم الأرض. وهنالك تناقض سكاني آخر هو أن أغلبية السكان من أصول شرق أوسطية ومعهم صفوة من أصول أوربية ـ أشكناز- يحتقرون الشرقيين. صدر مؤخراً كتاب بقلم كريق كارستروم بعنوان: إلى متى سوف تبقى إسرائيل: التهديد الداخلي لبقائها.

إسرائيل دولة هشة للغاية ينبغي ألا يسعى دراويش أمتنا لكسب ودها، وما تجده الآن من دعم بعض القيادات الدولية سحابة صيف.

البشرى كل البشرى لصمود الشعب الفلسطيني وسائر الشعوب العربية، والإسلامية، بل كل الشعوب المحبة للسلام أن الصهيونية سوف يهزمها صمودهم أو تفككها الداخلي وزوال مبرر وجودها وصمود الشعب الفلسطيني التاريخي. الواجب الآن دعم هذا الصمود حتى النصر. هذا ما يملي التاريخ.

علينا أن نفكر بجدية في كيفية الصمود حتى النصر.

لا يمكن الحديث عن أمن مجتمعي مع الاحتلال، فالأرض المحتلة، أي الضفة الغربية، يهيمن عليها أمن الاحتلال لا الأمن المجتمعي. أما غزة فهي أسيرة محاصرة بالمرض والجوع وكافة أنواع الحرمان. لا مكان لأمن مجتمعي تحت الاحتلال والحصار، وفي هذا الصدد تحية للموكب العظيم يوم الأرض، وسلام على الشهداء والجرحى. يخسأ مجلس الأمن الذي حرمه الفيتو اللعين من إحقاق الحق.

على مؤتمرنا هذا أن يصدر أقوى إدانة للجريمة الإسرائيلية، وأن يناشد مؤتمر القمة العربي القادم بعد أسبوعين أن يتخذ موقفاً مماثلاً.

أناشد مؤتمر القمة العربي القادم لأن يتخذ ثلاثة قرارات لا تسمح الظروف بغيرها، هي:

أولاً: تأييد الزحف الفلسطيني وإدانة الوحشية الإسرائيلية وإدانة تقاعس مجلس الأمن عن القيام بواجبه.

ثانياً: إعلان وقف إطلاق النار في كل الحروب المشتعلة في المنطقة، وتكوين هيئة حكماء للسعي في إبرام المصالحات.

ثالثاً: تبني عربي لمشروع سلام إقليمي تقننه معاهدة سلام إقليمي.

ختاماً: لنصدر توصيات واضحة وقوية تتجاوز أمن الدولة للأمن المجتمعي، بل تؤطر هذا الأمن المجتمعي لتحقيق الأمن الشامل المتعدي للملفات الداخلية القطرية، الإقليمية، والدولية.

الأمن المجتمعي مفهوم بينت مبادئه نصوص الوحي واهتدت إلى كثير من مقوماته التجربة الإنسانية المستنيرة.

الحكم الراشد هو الذي يلتزم بالأمن المجتمعي في كافة جوانبه لا سيما التنموية. نظم الحكم الاستبدادية، والثيوقراطية، المكونة بالتغلب والمحتاجة للقهر لحمايتها هي التي تركز على أمن الدولة على حساب الأمن المجتمعي وتعطي أولوية للصرف العسكري والأمني على حساب التنمية البشرية.

إن نصوص الوحي بل التجربة الإنسانية الواعية تبين مبادئ الحكم الراشد والأمن المجتمعي ولكن المسؤولية عن تطبيقها والمساءلة عن ذلك مسألة بشرية.

مقولة “إن الحكم إلا لله” التي تفوه بها الخوارج قديماً، ومقولة “الحاكمية لله” التي تقولها بعض الحركات الإسلامية حديثاً مقولات خاطئة.

الحاكمية السياسية والمساءلة عن المال مهام بشرية على نحو ما قال الخليفة أبو بكر رضي الله عنه عندما اختير للخلافة في إجراء بشري وصفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بـ”الفلتة”. قال أبو بكر: “وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ (ولاية بشرية)، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي؛ وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي (المساءلة)، الصَّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ (الشفافية)، وَالضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ (سيادة حكم القانون)”.

ومن باب المساءلة البشرية مقولة عمر (رضي الله عنه): ولينا على الناس لنسد جوعتهم ونستر عورتهم ونوفر لهم حرفتهم فإن عجزنا عن ذلك اعتزلناهم.

هذه المبادئ النيرة تقلصت ليحل محلها التغلب وإدعاء الحق الإلهي. وفي غالبية نظم الحكم في بلداننا الآن ممارسات من النوع الذي حلله عبد الرحمن الكواكبي في كتابه عن “طبائع الاستبداد”.

الحكم الاستبدادي يخلو من المشاركة والمساءلة والشفافية وبمنطق أمن الدولة يخون الرأي الآخر ولا يحفل بالأمن المجتمعي، وما يحقق على الصعيد الاقتصادي نمو وليس تنمية بشرية كما ينبغي.

غالبية مفكرينا وشعرائنا صارت اليوم تضج من هذه الظروف على نحو ما قال أحدهم:

آفة الشرق حاكمٌ معبودٌ      وشعوبٌ تروعهنَّ قيودُ

حالة الأمة صارت بعيدة جداً من التفكير في وحدتها بل نحن على أعتاب تقسيم المقسم وزحف الهيمنة الدولية لترسم مصيرنا ما يتطلب وقفة مع الذات تلبية لنداء المصير واستنكاراً لحالة:

يَكْفِيـكَ أَنَّ عِدَانَـا أَهْـدَرُوا دَمَـنَـا      وَنَحْـنُ مِـنْ دَمِنَـا نَحْسُـو وَنَحْتَلِـبُ

هذا أو الطوفان.

 

[1] سورة التوبة الآية (34)

[2] سورة المعارج الآية (24، 25)

[3]  تاريخ الطبري

[4] سورة الذاريات الآيتان (20، 21)