الإسلام والغرب على ضوء 11 سبتمبر 2001م: حديث بدعوة من معهد أبحاث الدفاع- الولايات المتحدة الأمريكية

بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلام والغرب على ضوء 11 سبتمبر 2001 م

التاريخ : 8/2/2002م

حديث  بدعوة من معهد أبحاث الدفاع- الولايات المتحدة الأمريكية

قدمه الصادق المهدي

رئيس الوزراء المنتخب 1986م ورئيس حزب الأمة

و صاحب العهد مع أنصار الله

 

أيها السادة والسيدات:

نعمتم صباحا.

اشكر معهد أبحاث الدفاع ومركز الدين والدبلوماسية على دعوتي لأحدثكم في هذا الموضوع المأساوي الهام وأبدأ بالترحم على أرواح الضحايا وعزاء أهلهم وأصدقائهم وألخص ما سأقول في جمل قصيرة.

إن ما حدث يوم الثلاثاء الحزين موقف احتجاج وانتقام سياسي تدعمه أيديولوجية أقلية دينية تستمد وقودها من حوض مائج بالمظالم والأزمات حوض ساهم في ملئه مسلمون وغربيون مساهمة مشتركة.

إن الأعمال الشرطية التي اندفعت منذ يوم الحادث ضرورية ولكنها ليست كافية فالقضاء على الإرعاب (الإرهاب) يوجب تجفيف مصادره وإلا تواصل بلا انقطاع.

سيداتي سادتي:

إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ووقعها على الأوضاع الداخلية والدولية كبير جدا، وتأثيرها على تكوين الرأي غير محدد مما سيجعل حديثي لكم  هذا الصباح أشبه بشهادة من القلب إلى القلب منه بمجرد التعبير عن الرأي.

لذلك رأيت مناسبا أن أبدأ الحديث بملخص عن سيرتي الذاتية لا من قبل الترويج الانتخابي ولكن لكي تقدروا حجم الجهد الذي بذلته في الأمر.

أنا أنتمي إلى أسرة ذات تقاليد متوارثة ولكنني منذ دخلت الحقل السياسي لم أتولى منصبا إلا عن  طريق الانتخاب الحر. لقد ساهمت في إسقاط نظامين دكتاتورين حكما السودان، وقدت حزبي بنجاح مرتين في انتخابات عامة حرة وانتخبت مرتين رئيسا للوزراء في البلاد.  لقد قدم حزبي تقريبا كل الآراء الوفاقية الهادفة لإيجاد حل سياسي للحرب الأهلية الدائرة في البلاد لا سيما فكرة أن النزاع سياسي وثقافي ولا يمكن حسمه بوسائل عسكرية، وفكرة أن تكون المواطنة لا الانتماء الديني أساسا للحقوق الدستورية في البلاد، وأن علينا أن نفاوض بعضنا بعضا للاتفاق على أسس جديدة للسودان الموحد ، وأن علينا أن نطالب مواطنينا المتظلمين بالوحدة الطوعية المترتبة على استفتاء حر يقر الوحدة الطوعية أو يسمح لهم بمصير آخر.

لقد أقام جدي كيانا للأنصار امتدادا حديثا ومعتدلا للثورة المهدية. ودونما لقب معين قدت هذا الكيان، وطورته تنظيميا، وجعلت أساس القرار فيه قائما على المشاركة الديمقراطية. لقد توليت رئاسة الوزراء فترة جملتها أربع سنوات وأمضيت فترة جملتها ثمانية أعوام في السجن دون محاكمة وفترة مماثلة في المنفى.

إن حزبي اليوم متصل بكل القوى السياسية السودانية خاصة النظام الحاكم نعمل بالتفاوض والتعبئة على أساس نبذ العنف، ونبذ الشمولية، والاتفاق على أجندة وطنية تحقق السلام العادل، وتضع برنامجا للتحول الديمقراطي، وتكوين حكومة قومية انتقالية ملتزمة ببرنامج سياسي قومي وتنفذ اتفاقية السلام، وتحقق التحول الديمقراطي.

لهذه الخلفية فإن خطابي لكم سوف يغطي طيفا عريضا فكريا، سياسيا، دينيا، ثقافيا، ودوليا.

أحداث الحادي عشر من سبتمبر الحادي عشر من سبتمبر دفع العالم نحو ظروف بالغة الخطورة. خطورة يمكن ان تصيب صناع القرار بالشلل وتدفعهم نحو أعمال هدفها الأساسي هو الإبقاء على الأوضاع الراهنة كما هي ووسائلها المأمونة لتحقيق ذلك العصا الغليظة والاستخبارات الساهرة.

إن أوقات الخطر هي آيا أوقات الفرص التاريخية. الفرص الخلاقة التي انشد في وصفها الشاعر الكبير شكسبير:

فرص الدهر كموج البحر

                          من ركبه نال المنى

ومن أضاعه حصد الندامة

فلنركب الموج نفز

أو فاتنا فات الفلاح.

تطلعا لهذه الفرصة فإنني سوف أجيب على سؤالين هما:

لماذا وقع هذا الحادث الفظيع؟

و كيف يمكن تجنب أمثاله؟

و الآن أمهلوني لأطرح جوابي عبر ست نقاط:

النقطة الأولى: ابدأ بإبطال تفسيرات بعض رجال الدين وبعض تحليلات المفكرين العلمانيين وبعض مقولات ساسة مشهورين.

  • في كثير من المساجد في العالم الإسلامي وصف أئمتها ما حدث بأنه عقاب الهي لأمريكا على الإباحية والمظالم.
  • وكثير من رجال الدين المسيحي عبروا عن رأي مماثل. قال القس الشهير جيرى فالول: (إن ما رأينا يوم الثلاثاء بسيط إذا أراد الله رفع حمايته والسماح لأعداء أمريكا لإعطائنا ما نستحق.) ثم خاطب الذين يحرصون على علمنة الحياة في أمريكا (انتم ساهمتم في ما حدث).
  • صمويل هنتجتون، استشهد بالأحداث لتأكيد ما تصوره من صدام الحضارات.إن نظريته نظرية تبسيطية ترى في حربي الخليج الأولى والثانية، وحروب يوغسلافيا الأهلية حروبا إسلامية. إنه تصور بعيد عن الصواب وأبعد منه تصور فوكوياما الذي استعار تحليلات هيغل معلنا نهاية التاريخ وواصفا ما حدث بأنه حركة مذبوح لثقافة ميتة.
  • بعض الساسة في الغرب اعتقدوا أن ما حدث هو مشكلة أمنية علاجها القنابل، والرصاص والاستخبارات الساهرة. هذه الإجراءات يمكن أن تضع العوائق في وجه الإرعاب ولكن لن تقضي عليه. في بريطانيا واصل الجيش الجمهوري نشاطه عقودا من الزمان وكذلك منظمة ايتا في أسبانيا. إن ما حدث عمل سياسي إرادي إنساني هدفه الاحتجاج والانتقام يستخدم الإرعاب وسيلة ويعتمد على أيديولوجية أقلية دينية عقيدة مبررة.

الإرعاب (الإرهاب) هو:

  • استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية،أو اقتصادية أو اجتماعية ضد سلطة شرعية.
  • استخدام العنف لنفس تلك الأهداف ضد المجتمع المدني.
  • استخدام الدولة الدكتاتورية للعنف لقهر مواطنيها العزل بما في ذلك التعذيب.
  • استخدام الدولة أساليب الترويع ضد حركات التحرير المشروعة.

 

النقطة الثانية: الإسلام دين اعتدال وتسامح. إن الشواهد على ذلك لا تحصى منها. {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (سورة البقرة الآية 256) – {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ}- (سورة الأعراف الآية 199)- {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (سورة آل عمران الآية 159) .

ولكن في ظروف تاريخية معينة أقدم علماء الاجتهاد في الإسلام على استنباط أحكام من القرآن والسنة مستخدمين وسائل التفسير، والقياس والإجماع فاستنبطوا أحكاما اعتبرت بعد قفل باب الاجتهاد ملزمة للخلف في كل زمان ومكان. هذا الاعتقاد حبس الحاضر والمستقبل في الماضي.

ثانيا: في عهد الدولة الإسلامية التاريخية صار الاجتهاد الغالب هو تقسيم العالم بين دار السلام أي دار الإسلام، ودار الحرب أي دار الآخرين. لذلك صارت العلاقات الدولية يومئذ تقوم على أساس أن الحرب هي الحالة الطبيعية بين الدول.

ثالثا: ثلاث آيات في سورة التوبة ، الآيات 5[1]، و[2]29، و[3]36 سميت آيات السيف وقيل أنها نسخت اكثر من مائة آية موزعة على 48 سورة في القرآن. ..في كتابي الأخير وهو “جدلية الأصل والعصر” سقت الدلائل والبراهين على أن هذه الاجتهادات الثلاثة مرجوحة بفهم إسلامي أصيل ومخالف لمضمونها. ولكن الاجتهاد المذكور اعتمد عليه دعاة الانكفاء الإسلامي واستشهدوا به لرفض التحديث ولإقامة العلاقات بين الدول وبين الأديان على أساس عدائي.

كثير من الحركيين الإسلاميين انطلقوا من هذه المفاهيم وأصدروا فتاواهم على أساسها . لا توجد سلطة دينية ملزمة في الإسلام مثلما هو الحال في الكنيسة. ولكن إزاء الضرورة الراهنة نادينا بعقد مؤتمر إسلامي يقوم جماعيا بنقد ذاتي ويعمل على حد أدنى من الإصلاح والتجديد في قضايا صارت ملحة.

النقطة الثالثة: كثير من مواقف الغربيين متطرفة في اتجاه مضاد لذلك تبرر مواقف دعاة الانكفاء الإسلامي بحيث يقوم حلف غير مقدس بين الطرفين فيبرران بعضهما بعضا.

أول هذه المواقف هو عدم الاعتراف الديني بالإسلام وافتراض تفوق المسيحية عليه.  إن إفطار الصلاة القومي الحالي يمثل نشاط علاقات عامة حميد. لكن أدبياته تفترض أن الأديان الأخرى تشارك تحت مظلة مسيحية. إذا كان لهذا النوع من النشاط أن يجذب أية ليه مشاركة إسلامية حقيقية فان عليه أن يتخذ أسس مخاطبة وأدبيات تشارك فيها الأديان الأخرى والشعوب الأخرى. إنني كمؤمن وجدت التجربة مشجعة، وكمسلم وجدتها معيبة بمقياس التعامل الندي بين الأديان.

كثير من أدبيات الغرب تفترض تفوق الحضارة الغربية. عدد من مفكري الغرب لاسيما ارنولد توينبي يعيبون هذا الموقف . إن على الغرب قبول التعددية الثقافية في العالم.

في الحضارة الغربية الحديثة ثلاثة مكونات هي:

المكون الأول: ثقافة أوروبية غربية تشمل التراث الأوروبي الثقافي والديني هذا المكون خاص بثقافة أوربا.

المكون الثاني: لقد كان عهد التنوير في أوربا شديد المعاداة للدين لأن الكنيسة وقفت ضد الحرية الفكرية وحرية البحث العلمي فانتصر عهد التنوير للعلم بدرجة حكمت العلوم الطبيعية في كل مجالات الحياة حتى تلك التي تقع خارج نطاق المعارف التجريبية. وكانت النتيجة انتشار تفسير مادي علماني للكون والحياة . هذا التفسير المادي العلماني الذي أفرزته التجربة الأوروبية أيديولوجية أفرزها عهد التنوير.

المكون الثالث: الحضارة الغربية الحديثة ثمرة تراكم الجهد الإنساني ثمرة وجدت في أوروبا وأمريكا افضل أطوار نضجها ولكنها مع ذلك ثمرة العطاء الإنساني عبر العصور.هذا الجانب من الحضارة الحديثة يشمل حرية البحث العلمي، حقوق الإنسان العالمية، والحريات العامة واقتصاد السوق الحر.

هذا الجانب من الحضارة الحديثة جاء ليبقى ومرشح أن تستصحبه كل ثقافات وحضارات الإنسان الأخرى في نظامها الاجتماعي والثقافي وكل ما برزت هذه الحقيقة واعتبرت الحداثة ظاهرة عالمية عامة كل ما كان قبول الثقافات الأخرى لها أكثر سهولة.

العولمة وهي ثمرة ثورة الاتصالات والسوق العالمي الحر ظاهرة كونية محتومة. ولكن واقع التوزيع الحالي للثروة والقوة الاستراتيجية يخضع العولمة أكثر وأكثر لمصالح الولايات المتحدة وسيطرة أمريكا على وسائل الإعلام الحديثة ستجعل ثقافة الترفيه والطعام المحمول الأمريكية الثقافة المسيطرة عالميا مما يعطي العولمة وجها ثقافيا أمريكيا ويجعلها (أمركة).

في البلدان الفقيرة لا يمكن اعتبار السوق الحر حقيقة قائمة. عوامل التخلف والثقافات التقليدية توجب أن يصنع السوق الحر بجهد إرادي.

كذلك فان تنمية النصف الجنوبي من العالم لا يمكن أن تترك لقوى السوق العالمي وحدها. إن الالتزام العالمي بالقضاء على الفقر وعلى الظلم الاجتماعي ينبغي أن يصبح واجب إنساني ودولي. إن العولمة النفاثة أثارت ردود فعل ضدها. ردود فعل استطاعت القوى المضادة في الغرب من نقابات وجمعيات بيئة وجمعيات تطوعية أن تبلورها في مجالات عديدة. ولكن القوى المضادة للعولمة النفاثة في البلدان الفقيرة لم تسطع التعبير عن مشاعرها مما يجعلها تتعاطف مع قوى الإرهاب العالمي باعتبارها قوى تقاوم العولمة.

النقطة الرابعة: بعض القضايا الدولية الهامة اعتبرت في أعين الغرب ، خاصة الولايات المتحدة، مسئولة عن إنتاج الإرعاب (الإرهاب) وبالتالي إزعاج السلام العالمي. ولكن على الغرب أن ينظر لهذه المشاكل بعين فاحصة لكي يستطيع تقدير مسئولية سياساته في إفرازها. هذه المسئولية تشمل نطاقا واسعا ولكنني هنا سوف استشهد بعدد محدود منها:

  • مسألة فلسطين: حتى القرن العشرين لم تكن توجد أي مشكلة تذكر بين العرب واليهود. إن الحرب الصهيونية حركة وجدت وترعرعت في ظروف أوربا. إن عرب فلسطين من مسلمين ومسيحيين وهم يشكلون 16% من السكان قد أصبحوا ضحايا الأحداث التاريخية المأسوية التي حدثت في إقليم فلسطين في نصف القرن الماضي. إن المشكلة تراوح مكانها والتطلع لحل عادل لها عبر قرار يمر بإرادة الناخبين الإسرائيليين وإرادة الشارع العربي مستحيل لأنهما يدفعان في اتجاهين متناقضين . هذا معناه أن التوتر سوف يبقى ويتوالد العنف منه. ونتيجة للتحالف الأمريكي مع إسرائيل فإن هذا التوتر والعنف الناجم منه سوف يسمم العلاقات العربية الأمريكية وسوف يتساءل القادة العرب والشعوب العربية كيف يمكن للغرب أن يكون مخلصا لقضية الحرية التي يدافع عنها وهو يساند إسرائيل بينما تقهر إسرائيل عرب فلسطين وتحرمهم من حقوقهم؟

ب_   كنت وصديقي أحمد مختار أمبو نحاول إيجاد حل سياسي لأزمة الرهائن الأمريكيين في إيران عام 1979م.

لقد انتقلت مسافرا بين الحكومتين والعاصمتين وظهر لي مدى التظلم الإيراني من أمريكا كما اتضح لي أن وزير الخارجية الأمريكي السيد شولتز معترف بهذه الحقيقة. وفي كتابه تخاليط القوى قال مارك كيوتس الآتي “كثير من الأمريكيين لا يعلمون أن الغضب الإيراني على بريطانيا وأمريكا الذي كان له دور في إشعال الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 غضب له مبرراته حتى بالمقاييس الغربية وقد كان هذا الغضب نتيجة للانقلاب العسكري في إيران والذي خططت له وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في عام 1953م وما أعقبه من حكم الشاه الذي اضطهد الشعب الإيراني.

ج- تركيا: تركيا حليف للغرب موال له ضمن حلف الناتو. وفي مقاله عن الجماعات الإسلامية الراديكالية في تركيا قال الأستاذ ايلي كارمون إن النظام الحاكم في تركيا طارد المنظمات الصحوية الإسلامية واضطرها لحماية نفسها عبر استبدال اسمها وتنظيمها أربع مرات:

حزب النظام الوطني، ثم حزب الإنقاذ الوطني، ثم حزب الرفاه، ثم حزب الفضيلة.

و أضاف قائلا : إن الهجوم التركي الأخير على مظاهر العمل السياسي السلمي الإسلامي يمثل قفل الباب أمامها لتعمل داخل النظام العلماني الحاكم مما يزيد احتمالات العمل الإرعابي (الإرهابي).

د- أفغانستان: حتى الغزو السوفيتي لأفغانستان كانت المنظمات الإسلامية الأفغانية عديمة النشاط. إن الغزو السوفيتي استفزها ودفع بها للصفوف الأمامية للنشاط السياسي. إن الدعم الخارجي المالي وما حصلت عليه من تسليح مكنها من خوض معركة ناجحة ضد الاحتلال السوفياتي. ولكن مع هذا لم تكن هناك أي تدابير نحو المستقبل. قالت السيدة مادلين اولبرايت لمحطة CNN الآتي: ( في الحقيقة إن الولايات المتحدة تخلت عن أفغانستان بعد انسحاب القوات السوفياتية وتركت فراغا. من عيوبنا أننا نتخلى عما في أيدينا قبل إنجاز المهمة). هذا الفراغ ملأته حركة طالبان.

هـ- وفي كتابه الجيد عن ابن لادن وصف الكاتب الأمريكي آدم روبنسون كيف نشأت ظاهرة العرب الأفغان وذكر كيف أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تفضل دعم العرب الأفغان على دعم المقاتلين  الأفغان لانتا كانت تعتبر العرب الأفغان أهلا للثقة. ووصف في كتابه كيف استطاع ابن لادن أن يصبح بطلا – جيفارا عربي- ووصف تكوينه لجيش جهادي أممي على نمط الشركات متعددة الجنسيات.  هذا كله تحت عيون الوكالة.

لا نظام طالبان ولا تنظيم القاعدة صنيعتان لأمريكا. ولكن السياسة الأمريكية أو غياب السياسة الأمريكية خلق مناخا ساعد على تطورهما. هنالك علاقة مباشرة بين المقاومة السرية المسلحة وغياب الديمقراطية في كثير من بلدان العالم الإسلامي. إن الكثيرين في العالم الإسلامي يرون أن أمريكا تلتزم بالديمقراطية في بلادها ولكنها تحالف الأوتقراطية في الخارج. هؤلاء يقولون إن الغرب يفضل التعامل مع الدكتاتوريين في الخارج لان الديمقراطيين يصعب تطويعهم لأنهم يصرون على مناقشة أسس العلاقة الثنائية بين بلدانهم والولايات المتحدة على أسس اكثر عدالة.

أو أن امريكا تفضل التعامل مع النظم الدكتاتورية لأن الديمقراطية لا تنجح خارج أمريكا وأوروبا. وفي الحالين فان هذا التصور لموقف آمريك يسمم الموقف منها.

بل اكثر  من ذلك أن هذا الموقف الأمريكي يضعف شأن الحملة من أجل الحرية.

الحقيقة التي ينبغي ألا تغيب عنا هي أن انتشار الديمقراطية يمثل ضمن عوامل أخرى تأمينا ضد الإرعاب (الإرهاب). أثناء الأربعة أشهر الماضية أجبرت طالبان وأسامة على الفرار.

ولكن قدرتهما على الحركة ما زالت واردة.

ومع هذه الهزيمة العسكرية فان عوامل أخرى أعطتهما وزنا سياسيا. فان بعض تجاوزات الحملة العسكرية في أفغانستان والإجراءات القمعية التي مارسها شارون في الأراضي العربية المحتلة قد ساعدت أسامة على شد إعجاب الشارع السياسي العربي به.

أوردت مجلة الاكونومست (البريطانية) خبرا في عددها الثاني من فبراير 2002م عن تقرير استخبارات سعودي خلاصته أن مسحا اجري على عدد من المثقفين السعوديين خاصا بالشريحة العمرية بين 25-40 عاما أوضح أن 95% من هؤلاء يؤيد أهداف ابن لادن.

النقطة الخامسة:  في خطبة الرئيس بوش عن حالة الاتحاد  اهتم بالحديث عن منع انتشار أسلحة الدمار الشامل. إن  اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) تعترف بخمس دول نووية فقط. هنالك ثلاث اتفاقيات لحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل هي حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) وحظر انتشار الأسلحة الكيمائية(CWC) وحظر انتشار الأسلحة البيولوجية ( BWC). ورغم هذه الاتفاقيات فان حصول الهند والباكستان على السلاح النووي يؤكد أن البلدان المتنازعة نزاعا حادا سوف تدخل في سباق تسلح مهما نصت الاتفاقيات الدولية على غير ذلك.

  1. في الماضي كانت الدولتان العظميان تراقب انتشار الأسلحة النووية.
  2. الآن اتضح أن الدول المهتمة بالتسليح النووي تتعاون فيما بينها وتجمع بين معارفها وتجاربها وتعمل لتحقيق أهدافها.
  3. كذلك تستورد الدول بعض البضائع ذات الاستعمال المشترك بين استخدام مدني وعسكري وتوجهها للعسكري.

وتستغل الدول السوق الأسود لتكنولوجيا السلاح،  والموارد، والخبرات.

  1. مراقبة السوق الأسود لهذه الأشياء صارت أصعب لأنها تعولمت.
  2. علماء مواد كانوا في السابق تابعين للاتحاد السوفياتي فصاروا الآن في السوق السوداء.

إن البحث عن أسلحة الدمار الشامل يعتمد على ثلاثة أشياء هي: الدوافع، والمعارف، والمواد.

العزيمة تفتح الطريق لصاحبها. وكما في حالة الإرعاب (الإرهاب) فان الإجراءات الأمنية يمكن أن تؤخر ولكنها لن يمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل.

إن ما أود تأكيده هو أن الإجراءات الأمنية ضرورية ولكنها وحدها ليست كافية.

عندما كنت في السجن في عام 1989م، نشرت كتابا بعنوان تحديات التسعينيات. وفي ذلك الكتاب قلت أنه إذا استمرت المشاكل التي تنقسم حولها دول العالم بلا حلول بما يجعل العلاقات الدولية حربا باردة دائمة فإن الدول الغنية سوف تدعم مواقفها بأسلحة الدمار الشامل، بينما يدعم الفقراء مواقفهم بأسلحة الضرار الشامل أي الإرعاب (الإرهاب) ، وإنتاج المخدرات، والهجرة غير القانونية، والسياسات البيئوية الطائشة، والقنبلة السكانية، والغفلة الصحية وهلم جرا.

العلوم والتكنولوجيا طورا الاتصالات والمواصلات في العالم إلى درجة طوت أطرافه وجعلته كالقرية الواحدة.هذه القرية الكونية يمكن أن تصير حلبة صدام بين اجندة الهيمنة وبين المتطرفين الرافضيين من الناحية الأخرى. هذا السناريو إذا امتثل العالم له  سوف يدفع به نحو عهد ظلامي جديد يهدد الوجود الإنساني ويمحو الحضارة .

النقطة السادسة: لقد وجدت الأمريكيين أثناء أبحاثي المعرفية وتجاربي المباشرة أكثر مثالية، وأكثر تدينا وأكثر مروءة.

نعم لا توجد ديانة دستورية رسمية في الولايات المتحدة ولكن ظاهرة التدين شائعة بين كثير من الرسميين ، كذلك يكثر الجهر بالإيمان بالله بين رجالات الدولة. الولايات المتحدة أتحفت العالم بعد الحرب العالمية الأولى بمبادئ ولسون. وبعد الحرب العالمية الثانية كان لها القدح المعلى في الآراء التي أثمرت الأمم المتحدة والشكل الجديد للنظام الدولي كما كانت السياسات الامريكية سببا في معاملة بعيدة النظر للدول المهزومة مما جعل ألمانيا واليابان الخاسرتين في الحرب منتصرتين في ظل السلام. لقد دار حديث عن نظام عالمي جديد. ولكن نظاما عالميا جديدا بقامة المشاكل العالمية القائمة لم يشرق بعد.

لم تكن المثالية وحدها بل المصلحة الذاتية البعيدة النظر كذلك حركت السياسة الأمريكية في هذا الاتجاه المستنير تحسبا لمواجهة كونية متوقعة مع الشيوعيين في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية.

لقد استطار شرر كثير من أحداث الثلاثاء المأساوية وربما القت الضوء على حقائق جديدة كالحقائق والاراء التي تطرقت لها هنا والتي صارت وأمثالها واسعة القبول كما يظهر في كتب ومقالات وفي اجهزة الاعلام.

القيادات الإقليمية والعالمية مطالبة بتصد واع لتحديات الموقف، لا سيما القيادة الأمريكية التي يزيد من مسئوليتها تفوقها الاستراتيجي، وكونها في صدارة من استهدفتهم الهجمات.

إن على سياسة الولايات المتحدة أن تتحلى بالحكمة وبعد النظر لتساهم بحجم أمريكا في بناء نظام عالمي جديد حقيقي ولا تسمح لضغوط اللوبيات ولا لمشاعر الانتقام أن تحول دون ذلك.

ينبغي ألا تسمح الغفلة للمخبولين أن يضعوا اجندة العالم.

ختاما: أشكركم على حسن الاستماع.

 

[1] فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(5)

[2] قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ(29)

[3] وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(36)