الإسلام والغرب: نعم للموضوعية.. ولا للتجني..!

بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلام والغرب: نعم للموضوعية.. ولا للتجني..!

2 يوليو 2006م

 

 

في الغرب نزعات لإنكار قيمة الإسلام ودور أهله بل لشيطنته. وقد فعل المرحوم إدوارد سعيد خيراً كثيراً بما وثقه من ضلالات هؤلاء في كتابه القيم: ما قالوه عن الإسلام Covering Islam.

كنا طلبة في بريطانيا عام 1956م وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر كونا جبهة عريضة لمناصرة مصر وتكونت جبهة مضادة من مؤيدي العدوان ودعوا الأستاذ برنارد لويس لمحاضرة قال فيها حديثاً أعجبهم بقدر ما أغضبنا قال: إن المسلمين لا يعادون الغرب لأسباب عقلانية إنهم يعادوننا لذاتنا.

برنارد لويس هو أول من تحدث عن صراع الحضارات القادم وتبناها بعده تلميذه هنتنجتون. برنارد لويس الصهيوني يعتبر أن قدرات إسرائيل الذاتية عاجزة ولا تكفل حياتها وأمنها إلا إذا حظيت بدعم غربي يؤججه صدام الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية العربية.

الفكر الصهيوني المناصرلإسرائيل يريد أن يكون هذا الصدام قائماً على أسس عنصرية ليصبح دائماً ومغذياً لانحياز غربي دائم لإسرائيل.

هذه النزعة التي تماثلها نزعات لدى بعضنا فيصفون الغرب بأوصاف عنصرية بأنه  بطبعه عدواني مصاب بسرطان المارشالية والشمولية. نعم هذا المرض موجود في الغرب وأول من شخصه فيلسوف ومؤرخ غربي هو البريطاني آرنولد توينبي. ولكنه مرض موجود في الحالة الإنسانية كلها لم تنج منه ثقافة.. أجاد وصفه أبو تمام:

              السيف أصدق أنباء من الكتب        في حده الحد بين الجد واللعب

الكراهية القديمة في حضارتنا للغرب أسبابها العدوان الصليبي ثم الاستعماري ثم الصهيوني الذي وجد دعماً غربياً هائلا.

وفي الوقت الراهن أجرت مؤسسة(قالوب) قياساً للرأي في البلدان العربية والإسلامية فوجدت أن الكراهية لأمريكا متعلقة بسياساتها لا بذاتها. وهى نفس الأسباب التي جلبت لها كراهية الشعوب الأوروبية كما أكد ذلك استطلاع للرأي أجراه الاتحاد الأوربي في عام2004م ولنفس الأسباب تعود ظاهرة الكراهية لأمريكا في أمريكا الجنوبية.

والمدهش هو أن قياسات الرأي التي قامت بها مؤسسات (بيو) و(قالوب) وغيرهما أكدت أن أغلبية العرب والمسلمين معجبون بالحرية، والحيوية، والإنتاجية، والتفوق التكنولوجي في أمريكا ناقمون في الوقت نفسه على سياساتها: سياسات العدوان على المنطقة، والتعامل غير المتكافئ مع أهلها والتحالف مع المستبدين والمفسدين فيها والتعدي على حقوق الإنسان كما تكشف في كثير من الأحوال مثل أبي غريب، وباجرام، وجوانتنامو، ودعم العدوان الصهيوني وحماقات اليمين الإسرائيلي.. سياسات تجعل السؤال المشروع عندهم هو لماذا لا يكرهوننا؟.

استنكار تلك السياسات ينبغي ألا يدفعنا للتعميم والوصم العنصري وألا يصرفنا عن وجود تيارات منصفة في الغرب. فالشعوب الغربية عبرت عن استنكارها لغزو العراق أكثر من غيرها، والصحافة الغربية هي التي كشفت ممارسات السجون الوحشية وأدانتها.

وفى مقابل الأقلام والرؤى الظالمة لنا قديماً وحديثاً توجد أقلام منصفة. وقديماً كتب جوستاف لوبون، وكارليل، ولامارتين، وتوينبى، وبرنارد شو، وتولستوي وغيرهم، كتابات في غاية الإيجابية عن الإسلام. وحديثاً أنصف الإسلام مارشال هوجون، وجوناسان نلسون، ومنتجمرى واط ، وآن مارى باشميل، ومايكل هارت، وجون اسبوزيتو، وغيرهم وكان من آخر ما قرأت كتاب روبرت بيب الذي درس ظاهرة نسف الذات في هجوم أو تفجير وقال إن ما حدث منها ما بين عامي 1980م– و2004م بلغ 315 حدثاً قام به ماركسيون، وهندوس، ومسلمون وغيرهم لها أسباب سياسية واضحة هادفة لإجبار دولة محتلة لإجلاء قواتها من وطنهم المحتل.

وظهرت في الغرب منظمات إنسانية بحق مثل الصليب الأحمر، ومنظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس واتش  وغيرها.

العدوانية مرض إنساني ويظهر دائماً مع زهو المعتدي بقوته وتفريط المعتدى عليه في الاستعداد للدفاع عن نفسه وعلاجه القاطع هو توازن القوى الخشنة وحتى مع غياب ذلك التوازن المطلوب فإن القوة الناعمة لها دورها: اتخاذ مواثيق دولية عادلة – حلف فضول عصري ينادي باحترام متبادل للعدالة وحقوق الإنسان. فإذا أهدرت سياسات الغرور والهيمنة تلك القيم لا يستغرب المهدرون وحشية تصرفات المعتدى عليهم:

إنـك إن كلفتني ما لم أطـق      ساءك ما سرك منى من خلق

إن الموقف العنصري المعادي للغرب يدعم الموقف العنصري المعادي لنا في الغرب وكلاهما يدفعان بالإنسانية لعهد ظلامي ومعادلة صفرية ويصبان في صالح التآمر الصهيوني، أقول الصهيوني لا اليهودي كما يحلو لكثير من وعاظنا، فاليهود أهل كتاب يعترف بهم ديننا بل إن أكثر الذين كشفوا عدوانية الصهيونية هم مفكرون ورجال دولة يهود: أزايا برلين قال إن إسرائيل سوف تندفع منتصرة نحو الهاوية. وسيمور هيرش كشف السلاح النووي الإسرائيلي وسماه خيار شمسون، ونورمان فنكلشتاين أدان المتاجرة بالمحرقة.. وهلم جرا.

وعلى كثرة الأحداث التي تقع ويخلق وقوعها مزاجاً معادياً للغرب ومفسراً للإدانات المطلقة وداعماً لرؤى الذين يحرضون على العداء والمواجهة فإن خبراً من نوع نوراني أطربنى وهزني ودفعني لتأمل ما في الحضارة الغربية من إيجابيات، خبر عزف معه في خاطري البيتان:

 

           إني لتطربني الخلال كريمـة     طرب الغريب لأوبةٍ وتلاقِ

ويهزني ذكر المروءة والندى    بين الشمائل هزة المشتاقِ

 

الخبر هو أن الثري الأمريكي الذي يعتبر ثاني أغنياء العالم واسمه وارن بنت قد تبرع بما يعادل 85% من ثروته للأعمال الخيرية خصص أكثرها لمنظمة بل وميلاندا قيتس الخيرية. وبل قيتس نفسه وهو أثرى رجل في العالم قرر التفرغ لأعمال مؤسسته الخيرية لدعم التعليم والصحة في البلدان الفقيرة.. المبلغ الذي سوف يخصصه وارن بنت للأعمال الخيرية يبلغ 37 مليار دولار.

ذكرني سلوك هذين الرجلين والسيدة بالخيرين في كل التاريخ بحواريي عيسى عليه السلام، وبصحابة محمد عليه الصلاة والسلام، وبثناء النبي (ص) على حاتم الطائي غير المسلم وبمقولة نسبت للإمام محمد عبده (وجدت في الغرب إسلاماً ولا مسلمين)! وتأملت القيمة الخلقية والروحية لأفعال هؤلاء الخيرين فأسعفتني مائدة الله – القرآن – (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ).[1]

 

[1] آل عمران الآية (115)