الإمام الصادق المهدى في حوار خاص مع الأهرام الاقتصادية

الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الصادق المهدى في حوار خاص لـ«الأهرام الاقتصادي المصرية»

نمتلك: المال.. القوى العاملة.. الأرض

نفتقد: الإرادة السياسية

 

الصادق المهدى.. يخطئ من يختصر سيرته الذاتية في أنه رئيس وزراء السودان الاسبق في ظل نياشينه الفكرية فى العمل السياسي والاقتصادي معا التي تقلدها عبر سنوات عمره الذى يناهز فيها الـ 78عاما.. ولد قائدا منذ نعومة أظفاره في العمل السياسي متمردا على ما لا يستهويه فترك دراسة الزراعة ليقبل على دراسة الاقتصاد والسياسة والفلسفة ويحصل على درجة الماجستير فيها بعد عامين اثنين من تخرجه.

كانت مجاديف الاسئلة التي حرك بها «الاقتصادي» مياه الذاكرة عنده تؤكد حضور الذهن والقدرة على تواصل الرؤى بين الماضي والحاضر.. وكانت تضرب بقوة حول علاقة مصر بالسودان ومثلث العلاقة اذا اضفنا الجنوب.. ثم كان السؤال الشائك حول ما يعوق التكامل الآن خاصة بعد ازالة ألغام الماضي واتفاق الرؤى الايديولوجية بين رئاستي الدولتين.

ثم عرجنا على سبر اغوار أعقد الملفات واكثرها تهديدا في المرحلة المقبلة وهو ملف المياه خاصة انه كان شاهدا ومشاركا وله مؤلفات في هذا الشأن.

ثم اتسعت دائرة الاسئلة لتشمل العوائق التي مازالت قائمة نحو التكامل العربي.. ولم نغفل ان يكون سؤالنا مباشرا عن دوره الآن في ظل ثورات الربيع وتحديات المرحلة..

كانت الاجابات واضحة.. مفاجئة.. صادمة احيانا اختلطت فيها اللغة بين السياسة والاقتصاد والفلسفة رغما عنه وعنا.. لأن الانفصال فيها انفصال عناصر الجسد الواحد.

 

عناوين جانبية

 

في حزب الامة كنا نقود الموقف ضد مصر والآن صرنا نقود نحوها.. وهذا دليل على زوال عقدة الماضي.

علاقتنا مع افريقيا جنوب الصحراء لا تتماشى مع حجم المصلحة بيننا وبينهم.

الحكومة المصرية لم تستثمر مؤتمر التكامل الاقتصادي الإفريقي لإصلاح العلاقة المرشحة للتفاقم والاستقطاب التي هي اكرث ضررا واسوأ من الحروب.

كانت اقتراحاتي الثلاثة كفيلة بحل ازمة اتفاقية 1969 للخروج من دائرة الوعيد التي نعيشها حاليا.

ذا اتفقنا سنوفر 20 مليار متر اضافية نخسرها سنويا حاليا ولسنا في حاجة الى مظلة الامم المتحدة.

لابد في مشروع ونجلى ان يقيم مشروعا متوازنا للمضارين بسببه من ابناء الجنوب

ليس من مصلحة النظام المصري ان يبدو كأنه ابن عم النظام السوداني رغم الاتفاق الايديولوجي

هناك فرق بين النظام المصري الذى وصل عبر الصندوق والنظام السوداني الذى وصل عبر الدبابة

المبادرات الاقتصادية والشعبية اهم في اعادة الروابط من المبادرات السياسية

الجنوب إما أن نحتضنه أو تأخذه اسرائيل

50 مليار دولار يمكن أن نجذبها من الدول العربية لأننا أكثر أمانا من الغرب وفرصتنا كبيرة للعب دور الوسيط بين العرب والإفريقيين لأننا أفارقة وعرب معا.

أعترف بأن هناك دولا عربية تدعم أنظمة الربيع العربي ودولا أخرى تقود الثورة المضادة ومحاولة العرقلة والأولى أن تتحد لقيادة التنمية العربية

النميري أسس علاقته مع مصر لكى يحتمى من شعبه وهذا أصل للخلاف مع مصر

دفق النيل في السودان 84 مليار متر مكعب والأمطار 1000 مليار ولا نجد من يستثمرها

سد النهضة يحقق وفرا في الكهرباء وتوفيرا لمياه دول الحوض وخطورته التحكم في دفق المياه وقت الأزمات

إسرائيل تغتنم الفرصة لإيقاد شرارة العداوة في المنطقة لمصلحتها

القرار السياسي في مصر صادرته سابقا جهات جاهلة ومحدودة الأفق ومستبدة والفرصة الآن واعدة

زيارة الرئيس للسودان علاقات عامة وإثارة ملف «حلايب وشاتين» فرقعة لبطولة وهمية

20 مليار دولار استثمارات سودانية في مصر لا يتحدث عنها أحد

الثروة الحيوانية في السودان يمكن أن تحقق الأمن الغذائي لمصر

الاستثمار الحقيقي يمنع أسلحة القرار الشامل

المعارضون في مصر كفاءتهم في المعارضة أكبر من كفاءتهم في الحكم

الإخوان فوجئوا بالسلطة فتصرفوا بشيء من العشوائية

شباب الفيس بوك صاروا ثورة محتملة ولا مجال لعودة حكم العسكر

الصفراوي توقع صدام الإسلاميين والليبراليين في 98 ودعاني لتكوين حزب وسط لجمع الشمل في مصر

لو سقطت مصر فستجر الجميع خلفها.. وهذا يفرض المساندة من الجميع لها

دولتا السودان إما أن تتعاونا بصورة كاملة وإما أن تندفعا لانتحار متبادل

 

<أولاً نود أن نعرف تقييمكم للأوضاع في مصر والسودان؟

<<وصلنا لدرجة من الهبوط التي ليس بعدها مرحلة اخرى ولم يعد أمامنا إلا البناء والصعود وقد اشتدت الازمة ولم يعد إلا ان تنفرج وأنا متفائل لأن النظام القديم رسخ فكرة (استقرار القبور) بمعنى أن كل شيء تحت السطح يغلى لكن فوق السطح فيه استقرار ثم انفجرت الحكاية وكل الخيارات انفتحت ثم دخلنا في مرحلة اضطراب، ومن المعروف أن الديمقراطية لها نظام متقدم جداً أخذ مئات السنين كي يستقر والأوربيون اكثر من نادوا بها، واول من نادوا بالديمقراطية هم أكثر من اقتتلوا وسفكوا دماء بعضهم البعض، وعلينا أن نستفيد من كل ذلك حتى لا نقع في نفس الأخطاء.

 

بالنسبة لخصوصية العلاقة بين مصر والسودان.. لماذا لم تُترجم إلى علاقات اقتصادية واضحة حتى الآن؟

<<سؤال مهم ولكن نجيب أولاً عن سؤال أهم ألا وهو: لماذا هناك مشكلة أصلاً؟ سؤال تشخيص حالة.. وأنا في رأيي هناك عوامل كثيرة تجعل العلاقة بين مصر والسودان وحدوية مثل النيل، الأمن الغذائي، الأمن المائي، الوحدة الثقافية، الدين واللغة، الجوار، هناك عوامل كثيرة موضوعية تبرر علاقة وحدة بين البلدين ولكن المشكلة أن الطبقة الحاكمة المصرية في العهد الملكي طرحت العلاقة بين البلدين على أساس السيادة المصرية على السودان وليس على أسس الاخاء والمصلحة المشركة، وهذا كله بسبب ذهنية الفكرة الإمبريالية القديمة لأن بموجبها اصطحب الإنجليز – وكانوا محتلين مصر- مصر فيما سمى بالغزو الثنائي على السودان وأقاموا الحكم الثنائي في السودان، فأصبح وضع مصر يشابه وضع إنجلترا بالنسبة للسودانيين كمحتلين مع أن الدولتين تقعان تحت الاحتلال البريطاني، ومصر كانت مجرد أداة، لكن الطبقة الحاكمة المصرية قبلت هذا التصنيف الذى جعل مع بداية الحركة الوطنية المصرية صارت تتحدث عن أنه لا للدور البريطاني ولكن نعم للسيادة المصرية فهذا الأمر خلق حركة استقلالية في السودان تنادى بألا يفرض علينا شيء فالسيادة السودانية للسودان ومن قاموا بهذه الحركة قالوا إنهم لا ينكرون المصالح المشتركة.. لكن ننكر دعوى السيادة، هذا هو الإشكال الأول، أما الإشكال الثاني وهو ما خُلق فعلاً من ذهنية معادية للعلاقة مع مصر باعتبار العلاقة قائمة مع مصر على أساس السيادة، أما المشكلة الثالثة فهي أن الإنجليز وهم كانوا مهتمين جداً بمسألة التشويه المتعمد للعلاقة بين مصر والسودان فبدأوا يتعاملون مع القضية في السودان كأنما أي فائدة للسودان تعنى ضررا لمصر.. والعكس صحيح.

 

<ما الذى جعلك تغير اتجاهك نحو مصر؟

<<عام 1997 انفتحنا على المجتمع المدني المصري كله من جامعات ونقابات وغير ذلك، ومن خلال وجودنا هنا ومن خلال انفتاحنا على المجتمع المصري من خلال حزب الأمة والقوى والأحزاب السياسية حكومة ومعارضة نقابات وجامعات وأفرادا، وفى رأيي هذا مكننا من أن نطرح العلاقة بين البلدين على أساس المصالح المشتركة وعلى أساس مُبرأ من الخلفية القديمة وكان هذا له دور مهم جداً في إعادة قراءة تاريخنا، حتى مسألة المهدية باعتبارها دعوة وثورة كان يُنظر إليها في مصر على أساس أنها حركة فوضى وضد المصريين ودراويش وخلافه مع انه في الحقيقة هناك قراءة جديدة لهذا الأمر، وفى عام 1998 ألقيت محاضرة هنا بالقاهرة في الجامعة العمالية حول موضوع تحرير الخرطوم على يد الدعوة المهدية، والمدهش أنى قلت في المحاضرة إنها احتفال بانتصار الثورة المهدية ضد السلطة العثمانية التي كانت توظف الانجليز لخدمة مصالحها منذ سنة 1885 وأن هذا احتفالي بها في القاهرة وقلت: صدق أو لا تصدق، وكان حاضراً في هذه المحاضرة المؤرخ والروائي يونان لبيب رزق فقال: أنا أُصدق.. لأنه لما قامت الثورة المهدية في السودان كان الشارع السياسي المصري يرحب بها لأن الشارع السياسي المصري كان تسيطر عليه في ذلك الوقت حركتان، حركة إسلامية بقيادة محمد عبده وجمال الدين الأفغاني والحركة الوطنية بقيادة العرابيين، والحركتان كانتا تصفقان للحركة المهدية ويريدان لها أن تنتصر وهناك وثائق على ذلك كتبها محمد عبده والأفغاني ومسجل في جريدة العروة الوثقى وهى مجلة تصدر في باريس، وأما كلام العرابيين فكان واضحاً جداً في رسالة سميت برسالة (العوام) تخص أحمد العوام وهو أحد قادة الثورة العرابية الذى كان منفياً بالخرطوم وحكم عليه بالإعدام لأنهم اعتبروه خائناً لأنه أعلن تأييده للدعوة المهدية أثناء ما كان الخرطوم مُحاصراً وأُعدم بالفعل.. في ذلك الوقت – والكلام على لسان يونان لبيب- لم يكن المصريون أنفسهم يحكمون مصر بل كانت تحكمها طبقة تركية عثمانية أجنبية وكان المصريون عندهم حدود في الجيش، فالمصريون كانوا محكومين وليسوا حاكمين، نحن محتاجون لإعادة قراءة تاريخنا ومع وجودنا هنا في القاهرة بدأنا نفتح صورة جديدة للعلاقة مجردة من التشويه الذى ذكرناه، فعلى المستوى السياسي كنا نتحدث مع كل القوى السياسية الحاكمة وغير الحاكمة والمدهش اننا نحن من كنا نتصل بالأحزاب والأنشطة الليبرالية كالوفد ومركز ابن خلدون وأيضاً كل الأحزاب الاسلامية وكنت أجتمع معهم هنا باستمرار ليظل هناك اتصال بالحركة السياسة المصرية.

 

<هل أصبحت الظروف مواتية الآن لتحقيق التكامل بين البلدين؟

<<في رأيي بدأت فكرة الاتجاه إلى التخلص من كوابيس الماضي والتحدث عن المصالح المشتركة الآن وأرى أن الظروف مواتية لذلك الآن على أساس أن هناك مصالح كثيرة جداً، أما عن العقدة الخلفية القديمة فهي مازالت في ذهن السودانيين لكنها تزول شيئاً فشيئاً الدليل على ذلك أن حزبنا كان يقود الموقف ضد مصر، صرنا نقوده الآن نحو مصر وهذا خير دليل على التحول الكبير.. الظروف مواتية للتحدث عن أشياء أساسية فنحن الاثنان مصر والسودان نحتاج لعمل توازن في علاقاتنا الخارجية مع افريقيا عموماً لأن علاقاتنا بإفريقيا جنوب الصحراء ضعيفة جداً ولا تتمشى مع مستوى المصلحة الكبيرة بيننا وبينهم، فوجود النيل والاقتصاد والأسواق يعظم المصلحة المشتركة.. هم في افريقيا لديهم منتجات استوائية لها أسواق عندنا ونحن لدينا منتجات لها أسواق عندهم وبالتالي هناك مجال لتبادل تجارى كبير جداً وهذا مهم جداً.. لابد من إصلاح وتصحيح علاقاتنا مع افريقيا جنوب الصحراء لذلك أنا في خطابي الأخير أمام مؤتمر التكامل الاقتصادي انتقدت ضعف الوجود الرسمي في الوقت الذى جاءت فيه وفود من بلاد افريقيا جنوب الصحراء وأعتقد أن هذا النوع من الحضور كان يجب أن يقابله شعور بالترحيب الكبير من قبل الحكومة المصرية وهذا ما لم يحدث وهذا جزء من السياسة كان المفترض أن نستثمر لإصلاح العلاقة مع هذه الدول وأولها موضوع النيل فإن لم نعمل دبلوماسية مائية ناجحة فسيتحول الأمر إلى استقطاب بين دول المجرى والمصب ودول المنبع في حوض النيل فتصبح هناك كتلتان وهذا الاستقطاب يضر بمصالحنا جميعاً ضرراً بالغاً جداً وهذا الأذى المتبادل لمصالحنا أسوأ من الحرب.

 

<ماذا عن الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل؟

<<منذ عام 1999 ظهرت مبادرة حوض النيل وكانت أول منبر جمع ما بين الدول العشر التي تمثل دول حوض النيل ووضعوا أساسا لاتفاقية تحكم التصرف في النيل الاتفاقية من 1999 حتى 2011 وتم الاتفاق تقريباً على كل النقاط وتقنين كل الأمور المتعلقة بالاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل التي يجب أن تقوم بتكوين مفوضية تجمع دول الحوض وتكون هي السلطة المعنية بإدارة شئون حوض النيل لكن مع نهاية الاتفاق اختلفوا على ثلاث نقاط جعلت مصر والسودان تقفان في جانب ومعهم الكونغو والباقون وقفوا بعضهم مع البعض في جانب آخر وهذا نوع من الاستقطاب سيؤدى إلى مشكلة كبيرة وهذا هو السبب الذى دفعني سنة 1999 لإصدار كتابي (مياه النيل.. الوعد والوعيد) فكأن مياه النيل اذا اتفقنا فهي واعدة وإذا ما اختلفنا فسيكون وعيدا استقطابيا يضر بعضنا البعض وأذى بالغا خاصة أن القوى المتربصة تستغل كل المشاكل.. المهم أنهم اتفقوا على كل شيء ماعدا ثلاث نقاط، الأولى: ما هو الموقف من الحقوق المكتسبة في الماضي فبعض دول المنبع يرون ضرورة المراجعة بصورة لا تصيب الدول الأخرى بأذى بالغ لكن مصر والسودان رفضتا المساس أو الاقتراب من موضوع النيل أصلاً، الخلاف الثاني: في داخل المفوضية كيف يكون الترجيح.. هل ترجيح القرار يكون بالإجماع أو بالأغلبية، الخلاف الثالث: موضوع الاخطار المسبق، وقد اقترحت حلاً لهذا الخلاف في المؤتمر.. ففيما يتعلق بمسألة التصويت فإنه في المسائل الجوهرية يكون التصويت بنسبة عالية فوق الـ 70% أما في المسائل العادية فيكون التصويت عادياً، وبالنسبة للإخطار فتخطر سكرتارية المفوضة فيما يتعلق بالبند الخاص بالاتفاقيات السابقة، أيضاً السودان ومصر اتفقتا سنة 1959 على اتفاقية لاقتسام مياه النيل وفى هذه الاتفاقية ذاتها بند يقول إنه إذا جاء أي طلب لدول الحوض الأخرى واقتنعنا به فإننا نقتسم ذلك نحن ومصر.

 

<وكيف يمكن حسم هذا الخلاف حول اتفاقية عتيبي؟

<<هناك قضايا كثيرة جداً إذا اتفقنا حولها من الممكن أن تزيد المياه لوجود إمكانية زيادة مياه النيل بمقدار 20 مليار متر مكعب من مشروعات معروفة مثل مشروع قناة ونجلى الأولى والثانية التي ستتأتى بـ 9 مليارات متر مكعب و7 مليارات من قناة بحر الغزال و4 مليارات من السباط ومشار.. المهم أننا بحاجة للتوقيع على الاتفاق الإطار وندخل المفوضية وكان هناك ضرورة لذلك ضرورة كي نصل إلى حلول في الأمور الثلاثة وكانت هناك توصية بأن يجتمع رؤساء اجتماع قمة لينظروا في هذا الحل الجديد وهذا ضروري أن نتحدث وكأنها معاهدة جديدة لضبط كل المسألة في النيل دون الحاجة لمظلة الأمم المتحدة لابد من اتفاق بيننا لتحل هذه الاتفاقية محل مثيلتها القديمة حيث إن دول الحوض لم تعترف بالاتفاقيات القديمة لأنها كانت أيام الاستعمار على أي حال هذا موضوع يحتاج إلى مفاوضات.

 

<ماذا عن مشروع قناة ونجلى في جنوب السودان؟

<<اثيوبيا اعتبرت أن التصرفات المصرية والسودانية في مياه النيل ألغت دورها ولذلك لما قامت حركة جارني احتضنوها واتفقوا معها على أول عملية يقومون بها ليهددوا مشروع ونجلى وفعلاً المشروع كاد أن يكتمل لكن هم هددوا وتوعدوا وخطفوا العمال والمهندسين والفنيين ولذلك فإن الشركات المنفذة خرجت من المشروع وتعطل بسبب حركات جاراني.. الجنوبيون عندهم أسباب موضوعية وأسباب غير موضوعية أما الأسباب الموضوعية فيقولون إن مشروع ونجلى يسحب المياه لمجرى واحد ويحرم أناسا كثيرين جداً يعيشون حول أسماك هذه البرك في معيشة مرتبطة بالوضع الحاضر فهم يعتبرون أن القائمين على مشروع ونجلى نظروا للمجرى دون النظر لمعيشة القبائل التي حوله فلابد إذاً من الوضع في الاعتبار مشروع لمعيشة القبائل المعنية، هناك أيضاً مشكلة ثانية وهى أن أي توتر بين دولة السودان ودولة جنوب السودان سيكون من نتائجه عرقلة ونجلى خاصة أن هناك الآن أكثر عمليات تمرد ضد جوبا تقع في منطقة جنوب السودان واتهم السودان بأنه يدعم هذا التمرد، فهناك إذاً مشكلة سياسية لكن ليس هناك شك اننا جميعاً من مصلحتنا زيادة تدفق مياه النيل ولكن لابد من إتمام المشروع ومعه مشروع تنموي للجنوب يراعى مصالح كل الأطراف وهذا مطلوب الآن وبقوة.. مصر والسودان تحتاجان أن تتفقا كي تهيئا كل العوامل التي تقضى سياسة موحدة وهذا ممكن فيما يتعلق بزيادة التدفق لمياه النيل.

 

<مع وصول الاخوان للرئاسة في مصر وتوافق بعض الرؤى والأفكار مع نظام البشير، هل الوقت مناسب الآن لتوافق الرؤى بين البلدين حول فكرة التكامل؟

<<نعم من حيث النظرية.. كون وجود حكومة ذات أصل أخواني في الخرطوم وحكومة ذات أصل أخواني في القاهرة فنظرياً من المتروض أن يكون هناك تقارب لكن في رأيي مصر إذا كان قد بدا أنها متقاربة مع النظام في السودان وهو نظام صاحب سمعة سيئة الآن من ناحية حقوق الانسان والحريات ومن ناحية العلاقات الدولية ليس من مصلحة النظام في مصر أن يبدو كأنه ابن عم النظام في السودان لذلك مثلاً الرئيس مرسى لم يفكر في زيارة السودان منذ سنة وكذلك البشير لم يفكر في زيارة مصر لمدة سنة.. لا نريد ظلالاً لأن هذه الظلال الأيديولوجية الموجودة بالسودان ستفعل في مصر كما فعل البشير في السودان ويكون نفس المصير، فلابد أن تُبرأ العلاقات بين مصر والسودان من هذه الأيديولوجية وتكون العلاقة بينهما على أسس بعيدة عن الأمور السياسية.. النقطة الثانية أن النظام في مصر يحب أن يبين نفسه أنه ديمقراطي وأن الوصول للسلطة عن طريق الصندوق يعنى أنه لا يمكن أن يسمح لنفسه أن يضاف لهذه الحكومة التي وصلت للسلطة عن طريق الدبابة فهذا مدنى وذاك عسكري، كما أنه لو حدث ذلك فأنت تعطى شرعية للوصول للسلطة عن طريق الدبابة في الوقت الذى نكرس فيه مبدأ ممنوع الدبابة.. لابد من التحدث على أساس المصالح المشتركة ويجب أن تحميها قوة شعبية في مصر والسودان وأن تكون دائمة أياً كان الحكم وتظل ثابتة مهما تغيرت الحكومات وهذا ما بادرت بطرحه أن يكون تعامل شعب مع شعب وهذا يحتاج لذكاء من الحكومات، وإذا حدث نظام ديمقراطي في مصر واستمر وكذلك في السودان فهذا أفضل مناخ للتباحث لأن الديكتاتور لا يعطى لوزرائه أي صلاحيات بل يعتبر نفسه هو السلطة.. فالشاهد مثلاً أن البلاد الأوروبية تتعامل بمنطق المصلحة العامة وتوزيع السلطات أما الديكتاتور فلا يعرف ذلك نحن في أمس الحاجة لنظرة جديدة للعلاقات بعضنا مع البعض، نظرة لا تتوقف على وجود اخوان هنا واخوان هناك لكن تتوقف على ديمقراطية هنا وأخرى هناك.

 

كيف تتحقق هذه العلاقات الجديدة؟

هذا يتم عن طريق مبادرات شعبية تكون ميثاقا ومحادثات بين رجال الأعمال، رجال أعمال يتحدثون عن المصلحة الاقتصادية وهم قادرون بالفعل على القيام بعمل كبير جداً لكن هناك أشياء يجب أن تفعلها الحكومات من بنية تحتية ودساتير.. أعتقد أن المجال انفتح الآن للبناء على أسس سليمة، فمصر والسودان وجنوب السودان العلاقة الثلاثية بينهم ضرورية جداً ولا نحاول أبداً أن تأتى العلاقة بين السودان ومصر على حساب العلاقة بالجنوب لأننا محتاجون جداً للجنوب.. الجنوب إما أن نحتضنه أو تأخذه اسرائيل والصراع حول هذا الأمر سيكون في رأيي أكبر صراع حضاري على الإطلاق ونحن كشعب سوداني على وعى تام بذلك لكن هناك قصر نظر لدى الحكومة السودانية.. الآن مصر والسودان في حاجة لإقامة علاقة تكاملية مصرية سودانية وكذلك مع الجنوب تكون هناك علاقة منفتحة مع إفريقيا جنوب الصحراء وإذا لم نقم بذلك فينطبق علينا قول: من رعى غنماً في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد..

مع التفكير بشدة في جذب الأموال العربية للاستثمار في افريقيا.

 

<كيف يمكن جذب البلاد العربية للاستثمار في افريقيا؟

<<البلاد العربية عندها حوالى 50 مليار دولا سنوياً توجهها لاستيراد أغذية هذا الاستيراد الغذائي يمكن أن يوجهوه حقيقة للاستثمارات في افريقيا .. العالم يواجه صراعا كبيرا جداً على كل الموارد هذا الصراع جعل الأنظار تتجه إلى افريقيا فهي أكثر قارة (بكر) فيها كل هذه الامكانات وسوف يكون هناك تنافس بين الغرب أوروبا وأمريكا وآسيا الصين والهند والبرازيل حول موارد افريقيا.. العرب عندهم اكبر فرصة لثلاثة أسبابا أولاً لأنهم الوحيدون الذين لديهم في الوقت الحالي سيولة نقدية وهذه السيولة ثبت أن استثمارها في أوربا وامريكا خطر لسببين أنهم يستثمرون في دول عندها القوى الأعلى فيمكن أن تجمد أرصدتها في أي وقت كما حدث من قبل مع إيران والعراق، الخطر الثاني هو أن الرأسمالية الغربية وصلت لدور الشيخوخة واقتصادها يقوم على المضاربات والفقاعات لذلك جاءت الفجعة التي أنتجت كارثة 2008 وهناك تقدير بأن الصناديق السيادية العربية والأفراد فقدوا حوالى 3 تريليونات دولار فلو أن لديك اقتصادا حقيقيا من أراض زراعية وبشر ومنتجات (منظومة تكاملية) فمن المتروض أن يفكر العرب في اتجاه استثماراتهم نحو افريقيا، ونحن في السودان وفى مصر يمكن أن نلعب دور الوسيط في هذه النقطة على أساس أننا أفارقة وعرب معاً وعندنا القدرة للعب هذا الدور.

 

<كيف تكون الخطة للعب هذا الدور الوسيط؟

أولاً البلاد العربية بلاد نفطية عندها تخوف كبير جداً من بلاد الربيع العربي التي حررت شعوبها كلها، والشعب العربي موحد الوجدان يستمع لفضائيات واحدة ولغة واحدة ولذلك كل الشعب العربي في كل مكان في العالم استقل وانعتق، والخليج يجب أن ينظر لهذا الأمر على أنه خير ويحاول دعم هذا الاتجاه بأن يتم عمل صندوق عربي أقوى من (المارشال بلان) لدعم التنمية في البلدان العربية ذات الربيع العربي وذلك لتحقيق ثلاث مصالح أولها أنك بذلك ستكون متحالفاً مع الربيع العربي وهناك نظريتان في هذا الأمر .. انت تستطيع أن تكسبه بأن تكون ممولاً للتنمية لأنه في هذه البلدان في شمال افريقيا هذه البلدان التي حدث فيها الربيع هي بلدان كثيفة السكان وفقيرة فلابد أن تكون أنت المساهم في حل المشكلات بها كالبطالة وغيرها فإذا أخذت موقفاً ايجابياً فكأنك بذلك أصبحت حليف هذه التحولات، ومن الممكن أن تأخذ موقفاً رجعياً تحاول عمل ثورة مضادة أو تحاول أن تكسب القوى السياسية ذاتها.. في رأيي هذا كله خطأ لأن هناك دولاً في الخليج لا داعى لذكرها كل دولة بحثت لها عن جهة داخل بلدان الربيع العربي وصارت تدعمها وهذا خط غير صحيح.. الخط الصحيح ان نظرتهم يجب أن تأخذ بعين التنمية فعندنا مصلحة عربية مشتركة ومشروع نهضوي عربي مشترك وفى سبيل ذلك ندعم تكوين مشروع صندوق سيادي عربي لعملية تشبه (مارشال بلان) فخطة مارشال بأمريكا بعد الحرب الثانية فكرت أنه ستكون هناك مشكلة كبيرة جدا في أوروبا، وأوروبا من الممكن أن تتجه للاتحاد السوفيتي لذلك عملوا مارشال بلان وصرفوا بليون دولار كي يستنهضوا الدول الأوروبية وبالفعل نهضت الدول الأوروبية، فهذه خطة في رأيي مستنيرة وهى بالطبع أفضل من الخطة الثانية (دعم الثورة المضادة ومحاولة العرقلة).. بنفس المنطق نفعل صندوقا سياديا تنمويا لإفريقيا بتريليونات الدولارات فالمسألة ليست مسألة (بوكت مان) هذا تفكير محدود، أنا افكر في كلام استراتيجي لأننا نريد ان ندعم التنمية في هذه البلدان والعائد ليس سياسياً فقط بل اقتصاديا لأنه من الأفضل أن تستثمر هنا أم في أمريكا؟ إذا استثمرت في امريكا فستكون عرضة للخسارة في أي وقت.. الغربيون يعاملونك بالخير فقط إذا كانوا راضين عنك أما إن انقلبوا عليك فإن لديهم وسائل يؤدبونك بها لذلك من الممكن أن يقولوا لأسباب معينة (عفواً جمدنا الأرصدة) والأسباب موجودة طبعاً من تمويل إرهاب أو غسل اموال ولا أحد يستطيع أن يتكلم ولو تكلمت ما الفائدة؟ هم عندهم القوة والقنابل الذرية لذا فهم مسيطرون استراتيجياً والقوة تفرض منطقها لذا فمن الأفضل للبلدان العربية أن تستثمر في جهات تستطيع التعامل معها بندية.

 

<الشركات المصرية لا تقل كفاءة عن نظيرتها الأجنبية خاصة في مجال الزراعة فلماذا لم يكن لنا نصيب من خير السودان؟

<<هذا كله يجب أن يوضع ضمن الخطة الاستراتيجية التي يجب وضعها شعبياً وحكومياً وكقوى سياسية ومقترح حتى أن مصر يمكن أن تزرع في السودان باعتبار أن الفلاح المصري عنده خبرة منذ آلاف السنين يجب النظر للموضوع بمنظور المصلحة المشتركة وليس بمنطق كأنه منحة من الحكومة بل هي حقوق ومصلحة الشعوب ويجب التوافق عليها، وأنا أقترح تنظيم مؤتمر شعبي مصري سوداني غير حكومي يضع المصلحة المشتركة والتنمية أساساً ويتفق على أساس هذه الأمور والظروف مواتية له الآن نحن بحاجة لمشروع تنموي ومصيري بين شعبين يوضع أمام الحكومة لكن لا تنحصر عليها بل يشارك الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة والقوى المدنية تشترك فيه جميعاً على أنه مشروع مصيري على مستوى الشعب والحكومة.

 

<كنت رئيساً لحكومة السودان لفترة طويلة .. لماذا تمت عرقلة مشاريع التنمية المشتركة مع مصر؟

<<المشكلة كانت ببساطة في ذلك الوقت أن النميري عمل علاقة مع مصر كي يحتمي بها من شعبه ولما جئنا في السلطة وحتى العناصر الاتحادية قلنا لابد من إعادة خطة تكامل لما فعله النميري على أساس جديد ، لكن الحكومة في مصر غضبت وأصرت ألا نراجع ما فعله النميري . هذه كانت العرقلة الأساسية التي حالت دون تنفيذ ما يجب أن ينفذ .. على كل حال أنا في رأيي الآن في إطار ان هناك حرية في مصر نأمل أن تكون هناك حرية في السودان كي نستطيع أن نوظفها لمصلحة الشعوب وليس الحكومات فقط ولابد أن نفكر بالمنطق الجديد ونتفق على ان هناك مصالح مشتركة لكل القوى السياسية الحاكمة والمعارضة ونتفق على ان هذا الموضوع لا هو حكومي ولا معارضة فقط هي مصالح مشتركة.

 

<ولكن كيف يمكن الاستثمار في بلد تشهد قلاقل سياسية؟

< لكي تحدث تنمية من الضروري جداً إنهاء الحروب وتحقيق الاستقرار من اجل التنمية ونحن نسعى لذلك ومصر نفسها يجب أن تلعب دورا في ذلك ومن ضمن الأشياء المهمة أن امريكا والاتحاد الأوروبي كلهم يساهمون في انهاء الحروب داخل السودان أما البلاد العربية فهي بعيدة تماماً عن الصورة، ولم يحاولوا أصلاً .. الحروب تشكل أزمة فعلاً ولا يمكن تحقيق التنمية إلا بالسلام، وداخل الشمال نفسه توجد حروب وكذلك الحال في الجنوب، الحرب قائمة ولابد من إنهاء الحرب وهذا ليس بالأمر المستحيل، وأنا هنا أتكلم على انه بافتراض أننا استطعنا تحقيق هذا الاستقرار وإنهاء الحروب في السودان وترسيخ الديموقراطية بافتراض ان هذا ممكن فبالتأكيد يؤدي ذلك لتطور العلاقات المصرية السودانية على أساس تكاملي يشمل كل هذه الأشياء، لكن الآن في هذه المرحلة بالذات مصر نفسها واقعة في مشكلة والسودان في مشكلة .. والحديث عن أن هناك نظريتين في هذا الموضوع هل تحقيق التكامل الاقتصادي يؤدي إلى استقرار شامل أم العكس؟ أقول أولاً العالم كله يسعى للاستثمار في السودان لكن لن يستطيع ذلك إلى في وجود السلام والاستقرار وهناك دول عربية مثل قطر وغيرها قالوا أنهم مانحون وفي اكثر من لقاء أبدوا استعدادهم لدفع حتى 6 مليارات دولار استثمارا ، لكن لابد أن يسبق هذا السلام، فكيف تستثمر إذا كان أي حامل لأي استثمار عرضة للضرب فلا شك أن السلام يسبق الاستثمار .. صحيح أنه في البداية الذي جاء بالحروب هو التدهور الاقتصادي لكن الآن لابد من عمل اتفاقية سلام توقف الحرب ثم نفعل التنمية، وصحيح أن قلة التنمية جاءت بهذه الظروف العصيبة لكن الآن مادام كانت الحرب فليس هناك حل إلا أن تنتهي الحرب من أجل التنمية، والتنمية ممكنة حيث وفرة الموارد البشرية بالتساوي في مصر والسودان وكذلك الموارد الطبيعية.

 

<فيما تتمثل تلك الإمكانات وكيف يمكن تفعيلها؟

<<نحن في السودان نعتقد مثلاً إن كان دفق مياه النيل 84 مليار متر مكعب، نحن نعتبر المياه السطحية التي تسقط على السودان في السنة تبلغ ألف مليار متر مكعب هي موجودة لكنها تحتاج إلى حصاد، وإمكانية حصاد المياه بوسائل غير النيل كثيرة .. ثانياً فيه المياه الجوفية هذا كله مخزون وافر، كما أن مصر والسودان لابد أن ينتقلوا من الري بالغمر إلى الري بالتنقيط والرش وهذا يجعلنا نوفر 40% من مياه النيل لأن الري بالغمر يجعل المياه تتسرب وتتبخر بنسبة تشكل 40% من المياه لذلك يجب منع الري بالغمر فهذه كلها فرص تحتاج لإرادة سياسية وإدارة كفء، وأنا شخصياً في النهاية متفائل فالموارد موجودة والطاقة البشرية موجودة والاستثمار الخارجي موجود (مال، قوى عاملة، أرض) يتبقى فقط إرادة سياسية وإدارة واعية بها كفاءة، هذا ما يكمل الصورة لكن من ناحية أن الأمر موجود فهو موجود بالفعل ويمكن أن يتحقق.

 

<ماذا عن سد النهضة الاثيوبي؟

<<هناك لجنة فنية ثلاثية بها خبراء من مصر والسودان وأثيوبيا بالإضافة إلى أربعة خبراء أجانب يبحثون الأمر، لكن أقول هذا السد فيه فوائد وفيه مضار، أما الفوائد فبدلاً من أن تفيض مياه النيل بطريقة فوضوية ، السد سوف يضبط هذا الفيضان وسيقوم بمهمة السد العالي للنيل كله وليس لمصر فقط بل الجزء الجنوبي أيضاً . هذه واحدة، الثانية أن السد سيولد طاقة كهربائية أضعاف أضعاف ما تحتاجه مصر والسودان واثيوبيا مما يجعل امكانية استيراد الطاقة الكهربائية بثلث تكاليفها الآن أمراً متاحاً ذلك لأن الأرض هناك عالية جداً وبقدر علوها توضع توربينات توليد الكهرباء، ثالثاً أن أي مياه تُحجز هناك أفضل من أن تُحجز في أي مكان آخر من ناحية البخر لأن الطقس هناك معتدل ولذلك تقلل جداً نسبة البخر وهذا يكسبنا كمية كبيرة من المياه لأن جزءا من المياه كما قلنا يضيع في البخر، وكل هذه النقاط يجب أن ُتناقش لزيادة الحصة وستكون هناك كهرباء بتكاليف أقل وتخزين مياه. رابعاً أن السد سيقلل من تراكم الطمي وهذا له فوائد وفيه ضرر .. الفائدة ان الطمي يقلل كفاءة الخزانات ويطول عمر السد العالي لأنه يتراكم أما الضرر انه يقلل من الطمي الذي يخصب التربة الزراعية، فقد ظهرت في السودان دلتا بها مليون فدان من الطمي الذي احتجزه السد العالي .. المشكلة ان اثيوبيا سوف تتحكم في دفق المياه لحين امتلاء البحيرة وراء سد النهضة، ثانياً أنها تتحكم في مواعيد إطلاقها فلو أن هناك عداوة سيكون هناك ضرر لذا يجب أن تكون هناك علاقات طيبة مع اثيوبيا للتقليل من الخسائر ولنزيد من المنافع، وفي اثيوبيا حتى هذه اللحظة يقولون ذلك ويتحدثون بلغة التفاهم وهذا الأمر يتوقف على الدبلوماسية في مصر والسودان في التعامل مع هذا الملف، يجب أن نقيم علاقات طيبة مع افريقيا حتى لا يأخذوا موقفاً مشتركاً ضد مصر والسودان لأن الاتفاقات القديمة تمت على حسابهم وعندما وقعنا اتفاقية 1959 غيبناهم من حساباتنا بنظرة استعلاء، كل المعاني يجب تجاوزها بالعلاقات الطيبة التي تقوم على المصلحة المشتركة والتعاون .. وبالمناسبة كتابي (مياه النيل الوعد والوعيد) وطبعته الأهرام ونشرته على حلقات كان أمراً يثير الدهشة لأن في ذلك الوقت كان ممنوع الكلام عن ملف المياه في مصر وكان الحديث في هذا الشأن أمر حساس كأنك تتحدث عن أفيون مثلاً، هناك مصلحة استراتيجية واعتقاد أنها مسألة أمن قومي آنذاك، ونحن بحاجة لتفكير جديد، كيف نكسب دول الحوض والمنبع؟، وفي رأيي هم لديهم استعداد لكن إذا لم نكسبهم سوف تكسبهم اسرائيل، واسرائيل تسعى بأي ثمن أن تدخل بأي طريقة للتحكم في حوض النيل.

 

<هل هناك أدلة على المساعي الاسرائيلية للتحكم في حوض النيل؟ وما الذي ينقص قياداتنا لإيقافها؟

<<إسرائيل قامت بكل الدراسات الممكنة لذلك وتسعى لتفكيك كل الشعوب المعادية لها فهي تريد تفكيك السعودية إلى 5 دول والسودان إلى 5 دول أيضاً ومصر إلى 3 دول، وبعد تفكيكها يسهل السيطرة بحكم وجود الأقليات، ثانياً اسرائيل تسعى لأن يكون هناك عداءً بين افريقيا جنوباً وشمالاً .. بين العرب والأفارقة.. ويقومون بالتدخل في كل شئ، وكلما ظهر أي عداء بين افريقيا جنوب الصحراء وافريقيا شمال الصحراء يكون بالنسبة لهم نعمة كبري .. أنا كرئيس حكومة سابق أرى أن هناك فجوة وأحياناً نقول أشياء ولا نفعلها .. القرار السياسي في مصر والسودان صادرته جهات جاهلة ومحدودة الأفق ومستبدة.

 

<ماذا عن زيارة الرئيس محمد مرسي إلى السودان؟ وإثارة ملف حلايب وشلاتين في هذا التوقيت؟

<<لظروف داخلية لم يكن هناك استعداد لعمل أي شيء، في النهاية كانت مجرد زيارة علاقات عامة لم تناقش شيئا ، فقط تبادل الطرفان الغذاء والعشاء والفطور، لم يكن هناك هدف واضح وأثاروا ملف حلايب وشلاتبن بدلاً من التفكير في حل مشاكلنا للوصول إلى ديموقراطية وحرية .. وعن حلايب وشلاتين فهناك رجل سوداني هو مساعد الرئيس البشير يقول أنه من هذه المنطقة وهو من المتشبثين بالسودان واثارها في وقت اعتبر نفسه أنه قام بعمل بطولي .. وأنا شخصياً أرى أن هذه الزيارة كان من المفترض أن يتم التحضير لها جيداً وأن نتفق على هدف واضح من الزيارة خاصة وأنت تمثل دولة بحجم مصر، كان يجب وضع أولويات لتطوير العلاقات ومناقشة ملف مياه النيل وتدارس العلاقة مع الجنوب ودوره والاتفاق على شكل العلاقة والسياسة المشتركة حتى حكاية جونجلي كان يجب التحدث بشأنها لنستأنف العمل فيها، فالجنوبيون مهتمون بالدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في موضوع الأمن في السودان خاصة أن هناك أشخاص منهم موجودون هنا في مصر وكل ما تستطيع عمله الحكومة السودانية أن تقول لحكومة مصر “اطردوهم” وهذا ليس بالحل الصحيح فأين دور مصر؟ كان من المفترض أن تساعد في المصالحة، فعلى سبيل المثال كان هناك شخص اسمه خليل ابراهيم هو قائد حركة العدل والمساواة بالسودان جاء إلى هنا بالقاهرة في عهد الرئيس السابق وأراد أن يقيم بها لكن الحكومة السوادنية طلبت من الحكومة المصرية أن تطرده فذهب إلى ليبيا التي استخدمته ككارت صنعت به مشاكل كبيرة جدا في دارفور، فلو أنه مكث في القاهرة كان من السهل السيطرة عليه وكم نادينا أن يستضيفوا خليل ويتحاوروا معه لحل المشاكل.. مصر يمكنها أن تلعب دورا في السلام في السودان وجنوبه وهذا كان أفضل مهما كان فمصر هي التي ستستفيد خاصة أنه ليس هناك أرض مشتركة كما هو الحال في ليبيا ودارفور لذا من السهل أن تلعب مصر دورا في السلام .

 

<في رأيك كيف يكون تحضير الرئيس لزيارة لسودان؟

<<كان من المفترض أن يزور الجنوب واثيوبيا مع السودان، فالمصلحة تقول أن هناك أولوية أولي وهي التحدث عن ملف مياه النيل، ثانياً مناقشة امكانية العلاقة التي يجب أن تقوم بين الدول الثلاث ، كان يجب أن يخرج الرئيس مرسي من الخرطوم متجهاً إلى جوبا وذلك لمناهضة فكرة الاستقطاب، ثالثاً بدلاً من طرد الجماعة الدارفورية أن تتم استضافتهم ومناقشتهم ولعب دور في السلام. أعتقد أن هذه كانت الأجندة التي يجب أن تحضر لها مصر،هم موجودون هنا في مصر والحكومة السودانية تقول اطردوهم والسفير السوداني قال في مؤتمر صحفي: نستنكر وجودهم في مصر ويجب طردهم، وأنا أقول لا تكرروا هذا الخطأ .. الحقيقة كان ممكن لهذه الزيارة أن تخرج بفوائد ونتائج قابلة للتحقيق حيث الطرق ومناطق التجارة الحرة والحريات الأربعة والطريق الدولي وغيرها من المشروعات المشتركة .. كانت الزيارة كلاماً خالياً من العمل في حين أن رؤوس الأموال والسياحة لم تتأثر في السودان والاستثمارات لم تُطرد من السودان لدينا استقرار وعندنا 20 مليار دولار استثمارات مصدرها السودانيين وهناك مصانع سودانية وسياحة نهرية وتعدينية لكن السياحة المصرية السودانية غير مرنة بسبب مصر..

 

<من المعروف أن السودان به ثروة حيوانية هائلة .. هل يمكنها سد الفجوة الموجودة في مصر؟

<< نعم بل يمكنها أن تحقق لمصر الأمن الغذائي والمسائل الاقتصادية فالمجال واسع .. والقصور في هذا الشأن يمكن التغلب عليه بإرادة سياسية وإدارة واعية .. الحقائق موجودة والسودان قادر على ملءالفجوة الغذائية فعندنا 150 مليون رأس من المواشي نسميها ثروة البترول الأحمر لأنها تتوالد، النعجة تنجب مرتين في السنة فهناك فرص كثيرة جداً، والفرص الآن أفضل بكثير جداً، وهناك تنازع بين الشرق والغرب على الاستثمار في السودان وإذا ما قمنا بحل مشاكله الاقتصادية سوف يتسرب ما سميته أسلحة الفرار الشامل من الهجرة غير الشرعية وخلافه والتفلت وعدم المسئولية الصحية والسكانية وفيه اضرار كثيرة يمكن أن تصيب دول العالم الثالث تُكسر بها فإذا لم نحل مشاكلنا فستزحف إلينا ..

 

قمت من قبل بعرض وساطة لتجميع الفرقاء في مصر وتم رفضها من قبل الرئاسة.. لماذا رُفضت وهل تسعى لعرضها مجدداً؟

<< بكل سرور أسعى لها مرة أخرى، والحقيقة الرئاسة لم ترفض الفكرة ولم تقبلها، نحن نلبي نداء الكنانة والفكرة هي انه لا يمكن لأحد من الطرفين أن يلغي الاخر، هذا الاستقطاب ليس فيه إمكانية إلغاء الاخر. ثانياً الاخوان سلطة موجودة حالياً ليس لها تجربة حكم مسبقة جاءت مفاجِئة بالسلطة وتصرفوا بطريقة بها قدر عالِ جداً من العشوائية، لكن إذا رحل الاخوان وجاءت السلطة المعارضة ستكون مشاكلها اكبر لأن المعارضين كفاءتهم في المعارضة أكبر من كفاءتهم في الحكم، لذلك لابد من التعايش دون أن يلغي احد الطرفين الآخر مع ضرورة إيجاد قبول للتعددية دون أي اصرار على إلغاء الاخر، حالة تشبه الزواج، والزواج تراضي، وليس هناك أي طريقة اخرى والكلام عن تولي الجيش للسلطة (كلام فارغ) فالشعب ذاق طعم الحرية وميدان التحرير جعل استحالة حكم العسكر والشعب انطلق وكل الشباب بالفيسبوك كلهم صاروا ثورة محتملة ولذلك أي شخص يطلب السلطة ويقول أنا سوف أحكم كما حكم مبارك لا يوجد هذا الاحتمال لذلك لابد من التراضي وحصلت تجارب اتجاهات اسلامية توصلت إلى أنه يجب أن تتراضى مع التيار المدني ونوع من القبول للتوفيق بين التوجه المدني والمرجعية الاسلامية .. صحيح في مصر لا يوجد ذلك، لكن أكثر القوى الاسلامية الآن في الغالب خارج العصر ويتحدثون بلغة خارج العصر والقوى الأخرى خارج الوجدان، فهؤلاء المتحكمون في الوجدان وخارج العصر لابد أن يقبل بعضهم البعض ، انت لا تستطيع أن تستورد مفاهيم امريكية للشعب المصري، لن يقبله، انت يهمك انك تتعامل مع الشعب المصري بوجدانه فيجب أن نبحث عن طريقة للتعايش .. في عام 1998 جاءني حسب الله الكفراوي وزير التعمير والاسكان الأسبق وقال سأخبرك بشيء قد تقول عني بعده انني مجنون، قال نحن في مصر نتوقع مواجهة ما بين التيار الاسلامي والمعارضة وإذا لم تحل ستؤدي في النهاية إلى حرب اهلية لأن الجانبين لهم سند قوة اجتماعية هائلة جداً .. صحيح هناك أفراد في مصر واعيين لذلك ، لكن القوى السياسية ليس لديها هذا الوعي، وقال انت لديك هذا الفكر تعال اعمل حزب في مصر ويوم أن تفعل هذا الحزب في مصر سأجلب لك إمضاء 4 ملايين مشترك كي تدعو لشيء من هذا الفكر يمكن أن يعمل نسيج ما بين هاتين الفكرتين لأنك على وعي تام بهما، ثم نحل في مشاكل السودان لأن لو مصر سقطت سوف تجر الجميع وراءها، لذلك نحن لدينا مصلحة في الاستثمار مع بعضهم البعض .. هذا الكلام نبوءة في رأيي صحيحة لكن نحن من نخطئ في قراراتنا دائماً، أدعو فعلاً لمستقبل تكاملي بين مصر والسودان مع محاولة إيجاد نظرة ذات مرجعية إسلامية وذات وعي بالعصر وهذه هي القضية المهمة.

 

< هل هناك نموذج فعلي لدولة تجمع بين الفكرتين؟

<< تركيا وماليزيا أقرب النماذج لكن مرجعيتهما الاسلامية ضعيفة ونحن نحتاج لمرجعية إسلامية أقوى الآن وتونس تسير على هذا الخط .أما فى مصر فنحن نحتاج لنظرة اسلامية متطورة مدركة للعصر وتفهم الاسلام بصورة فيها اجتهاد، الفهم الظاهري للنصوص الجامدة يحتاج مراجعة.

 

أخيراً ما هو المطلوب عمله لإقامة التكامل الاقتصادي بين دول حوض النيل؟

<< نحن محتاجون بإلحاح إلى الإجراءات التالية:أولاً: إعادة قراءة تاريخ قارتنا بالصورة التي تؤكد التلاقح الثقافي بين شعوبها، وتعطي معانى ثقافية للتطلع السياسي والاقتصادي للوحدة الأفريقية، ثانياً: العالم اليوم يشهد صراعاً حاداً على الموارد، وأفريقيا فيها موارد طبيعية هائلة، والعالم العربي لديه بموجب البترول والغاز الطبيعي رؤوس أموال هائلة، مثلما لديه حاجة ماسة للأمن الغذائي. هذه الصورة تتطلب قراراً إستراتيجياُ عربياً بأن تدعم استثماراً عربياً كبيراً في أفريقيا، بما يحقق مصالح الشعوب الأفريقية والمنفعة المتبادلة. هذا النهج هو الذي يمكن أن يزاوج بين الموارد الطبيعية ورؤوس الأموال والتكنولوجيا الحديثة لإقامة درب تنموي لمصلحة شعوب المناطق المعنية، ومستقل عن حبال الهيمنة الدولية، ثالثاً: حسم الخلاف حول اتفاق عنتيبي، وذلك بالدعوة لاجتماع قمة لدول حوض النيل للنظر في النقاط الثلاث الخلافية الباقية، وأقترح:بالنسبة للموقف من الاتفاقيات السابقة، تجاوزها على أساس عدم إحداث أذى لأي من دول الحوض، وهذا التجاوز نصت عليه اتفاقية مصر والسودان في عام 1959م نفسها.بالنسبة للتصويت في المفوضية يكون بأغلبية عالية النسبة في المسائل الجوهرية، وبالأغلبية العادية في المسائل الأخرى. أن يكون الإخطار المسبق بأي مشروعات لسكرتارية المفوضية، رابعاً: حسم الخلاف حول سد النهضة بإقرار توصيات اللجنة الفنية، وبصيغة مشاركة في الإدارة، وقد قدمتُ دراسة متكاملة للضوابط المطلوبة لتعميم فائدة السد، خامساً: العلاقة بين السودانَيْن لا تخص الدولتين وحدهما، وقد ساهم مجلس السلم والأمن الأفريقي والأمم المتحدة في الدفع نحو السلام والتعاون. والحقيقة كما قدمتُ في محاضرة بجامعة أوكسفورد في نوفمبر من العام الماضي، فإن دولتي السودان إما أن تتعاونا تعاوناً تكاملياً، وإما أنهما سوف تندفعان لانتحار متبادل. إن حسن العلاقة بين دولتي السودان أمر يهم دول الكوميسا، ودول حوض النيل بصورة أساسية، سادساً: إذا استطعنا تخطي تلك العقبات فإن أهداف الكوميسا التكاملية يمكن أن تتحقق. كذلك وفي ظل مناخ تكاملي بين دول الكوميسا يمكن للقطاع الخاص أن يقوم بدور تنموي وتجاري عظيم. صحيح سوف تواجه التحرير التجاري مسائل التباين التنموي في البلدين، ولكن هذه يمكن حلها في إطار خريطة تنموية تخصص لكل بلد ما يتوافر فيه من امتياز نسبي،مع الأخذ في الاعتبار أن إنجازنا سيكون متواضعاً. لذلك ينبغي أن نتجه لتشخيص جذري للمسائل، ونهج ثوري لحلها، هذا ممكن، بل هذا واجب.

 

 

الاهرام الاقتصادي