الإمام الصادق المهدي في الحلقة الثامنة من شهادته على العصر

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الثامنة من شهادته على العصر
الجريدة الثلاثاء 6 أكتوبر 2015 العدد 1538 الصفحة 4
الجريدة الثلاثاء 6 أكتوبر 2015 العدد 1538 الصفحة 4

 

تُوثق قناة الجزيرة القطرية عبر ( برنامج شاهد على العصر) الذي يقدمه الإعلامي أحمد منصور للإمام الصادق المهدي، ولازالت الحلقات متواصلة وشيقة ولتسيير المتابعة رأت (الجريدة) نشر الحلقات ..وافق مكتب الإمام مشكوراً على ذلك وأرسل الحلقات محررة وهي جديرة بالإهتمام لمافيها من معلومات ثرة تتوفر لأول مرة.

أحمد منصور: ولد الصادق المهدي في العباسية بأم درمان في السودان في الخامس والعشرين من ديسمبر عام ۱۹۳٥م، والده هو الصديق المهدي مؤسس حزب الأمة وإمام الأنصار خلفاً لجده عبد الرحمن المهدي، التحق الصادق المهدي بداية في جامعة الخرطوم لدراسة الهندسة الزراعية لكنه تركها وانتقل لدراسة الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعة أوكسفرد في بريطانيا، التي تخرج منها عام ۱۹٥۹م (الإمام تخرج في ۱۹٥۷ – المكتب الخاص للإمام)، انغمس بعد عودته للسودان في العمل السياسي، وكان من أبرز المناهضين لنظام عبود العسكري حيث تولى رئاسة الجبهة الوطنية الموحدة المعارضة (الجبهة القومية المتحدة- المكتب) للنظام العسكري حتى سقوطه في العام ۱۹٦٤م، شارك في صياغة ميثاق ثورة أكتوبر عام ۱۹٦٤م، كما اختير في نوفمبر من نفس العام رئيسا لحزب الأمة. انتخب رئيساً لوزراء السودان للمرة الأولى في شهر يوليو عام ۱۹٦٦م وبقي في منصبه حتى منتصف مايو عام ۱۹٦۷م. ترأس الجبهة الوطنية المعارضة لنظام جعفر نميري بين عامي ۱۹۷۲م و ۱۹۷۷م. شارك في ثورة أبريل عام ۱۹۸٥م التي أطاحت بنظام نميري العسكري. انتخب مرة أخرى رئيساً لوزراء السودان في السادس من مايو عام ۱۹۸٦م، وبقي في منصبه حتى أطاح به الانقلاب الذي قاده عمر البشير في الثلاثين من يونيو عام ۱۹۸۹م، يتولى الصادق المهدي إمامة الأنصار علاوة على رئاسته لحزب الأمة. ولم يتوقف نشاطه السياسي بعد الإطاحة به. وقد أدى نشاطه السياسي لاعتقاله عدة مرات. نتابع في هذه الحلقة والحلقات القادمة شهادته على عصر السودان الحديث..

الإمام الصادق المهدي في حواره مع أحمد منصور:

الحلقة الثامنة الجزء الأول

منصور خالد هذا أنا دائماً أصفه بأنه صانع الطغاة في السودان

تعززت علاقتي مع الأزهري لأنه وقف مع والدي ضد انقلاب الفريق إبراهيم عبود

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الثامنة من شهادته على العصر

الثلاثاء 6 أكتوبر 2015

منصور: شكلت في شهر يوليو من عام ۱۹٦٦م حكومتك الأولى، وكانت بين حزب الأمة جناح الصادق المهدي لأن الحزب انشق إلى نصفين، والحزب الوطني الاتحادي الذي كان يرأسه إسماعيل الأزهري. أنا وجدت أكثر من تاريخ لكن، في تاريخ يقول أول يوليو وتاريخ ۲٦ يوليو، وتاريخ ۲۷ يوليو…  تفتكر ۲٦، ۲۷ يوليو؟

الإمام: نعم.

منصور: هل كان واضحاً لديك أولاً كيف شكلت الحكومة؟

الإمام: ما كانت هناك مشكلة في تشكيل الحكومة، السيد إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة، ومعه تمثيل للقوى السياسية الأخرى، وأنا رئيس مجلس الوزراء ومعي تمثيل للقوى السياسية الأخرى، واتفقنا على برنامج كما قلت: أولوية للدستور، ولعملية حل مشكلة الجنوب، وعلاج المشكلة الاقتصادية.

منصور: يعني معنى كدة إنك عندك برنامج واضح لحكومتك.

الإمام: نعم، واتفقنا عليه، واستطعنا، استطعت في فترة وجيزة جداً أن أطور مشروع المائدة المستديرة ولجنة الإثنى عشر إلى مؤتمر جميع الاحزاب، ودعونا كل الأحزاب بمن فيها في المعارضة، واتفقنا على صيغة لحل مشكلة الجنوب. ثانياً اخترتُ لوزارة المالية على حساب نصيب حزب الأمة شخص خبير اقتصادي، السيد حمزة ميرغني، مستقل، ولكن خبير اقتصادي، وفعلاً لعب دوراً مهما في إزالة آثار الوزير الذي سبقه الذي كان أمياً من الناحية الاقتصادية والمفاهيم الاقتصادية، وثالثاً استطعتُ في الفترة الوجيزة التي قمت بها أن أطوف السودان كله، وبهذا أن أذهب في كل منطقة لمعالجة مشاكلها ميدانياً، هذه الإجراءات التي قمت بها أزعجت كل الحرس القديم في الأحزاب. الدليل على ذلك نحن كنا في الطواف (نقابل) حشوداً شعبية غير مسبوقة، وكذلك كنا نعقد ندوة الأربعاء في دار الأمة وكانت باستمرار حاشدة للغاية، والدليل كذلك أن نوابي الذين دخلت بهم في الائتلاف كانوا ٦۰ صاروا ۸٦…

منصور: انضم لك من المستقلين أم من أحزاب أخرى؟

الإمام: من الأحزاب ومن المستقلين. فهذا ولّع خطر للحرس القديم كله، ولذلك فكروا يتآمروا ضدي.

منصور: أنا وجدت الدكتور منصور خالد هنا بيقول عليك كلام كويس، بيقول إيه؟ ولا يختلف كثيراً عما تقوله، بيقول (من الناحية الايجابية بالنسبة للصادق المهدي لاقت الشعارات التي رفعها مثل الفصل بين الدين والسياسة وتمييز المقدس عن الدنيوي هوى في نفوس الشباب حتى أن العديد منهم لقبوا الصادق المهدي بأنه أمل الأمة).

الإمام: المهم، هذه الظاهرة، أهم الشعراء صاروا يلهجون بهذه المعاني مثلاً حسن طه، وهو شاعر المؤتمر السوداني (مؤتمر الخريجين) هذا المؤتمر السوداني كان بادرة اليقظة السياسية في السودان ويمثل الخريجين: لو تجمعون خياركم في واحد هيهات أن تأتوا بمثل الصادق..

منصور: ديل شعراء النفاق اللي بينافقوا أي حاكم بيجي..

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الثامنة من شهادته على العصر

الإمام: لا، يا حبيب ما علشان كدة أنا داير أقولك، هذا جاء لي بالحسد والتآمر. بعدين أبو القاسم عثمان: ستظلُّ شمساً حية تهب الضياء ولا تغيب/ ستظل شاباً دائماً إن المكارم لا تشيب.. هذه المعاني، على التغيير الذي حصل في البرلمان، على الإنجازات التي حصلت..

منصور: لا إنجازات إيه دة انا جايلك دة فيه تخبط كبير..

الإمام: ما أنا قلت لك الإنجازات هي: الإصلاح الاقتصادي، وتكوين لجنة الدستور، ومؤتمر الأحزاب السياسية السودانية.

منصور: انت كيف استطعت أن تدير الحكومة والصراعات تدور من حولك من أول يوم انت بقيت فيه طوال التسعة أشهر حتى تم إسقاط حكومتك؟

الإمام: أصلا لم يكن هناك في الحكومة التي رأستها يوماً واحداً اختلاف، وما حصل أصلاً، يعني تستطيع أن تعود، كل القرارات كانت بالتراضي، وبالإجماع..

منصور: القرارات آه، بس اللي حواليك بيتآمروا..

الإمام: لا ما قلتلك، التآمر جاء لأني نجحت، فالحرس القديم خاف..

منصور: ليه في ٦\۱۲ بدلت في الحكومة، عملت تغيير؟

الإمام: ما أصلاً زي ما قلت لك أنا في تلك الفترة استطعت أن أحافظ على ثقة وتأييد البرلمان حتى آخر لحظة، حتى لما حصل التصويت بعد أن تأكد لي تآمر الحرس القديم، وكلهم وقفوا مع بعض، الحصل إيه؟ الثقة التي طلبتها لأواصل برنامجي هذا، أخدت ۸٦ صوتاً وضدي ۱۰۱ صوتاً.

منصور: أنا جاي الوقت ليها (فترة حكم الصادق المهدي الأولى كانت مخيبة للآمال ففي أول خطاب له أمام البرلمان هيج مشاعر السودانيين غير المسلمين، كما أثار مخاوف الجنوبيين)..

الإمام: (ضاحكاً) من هذا (القائل)؟

منصور: منصور خالد. هو مدحك في الأولانية بس خبطك هنا..

الإمام: شوف يعني الحقيقة انتهت كما قلت لك وأصوات الرأي العام المستقل تقول هذا أنجح رئيس وزراء مر على السودان.

منصور: بس فين دة انا ما لقتش حد بيقول الكلام دة؟ انا قعدت اقلب ما لقتش.

الإمام: ما بقول لك..

منصور: دول الشعراء دول يتبعهم الغاوون.

الإمام: مش الشعراء، أنا بقولك الكلام بتاع الصحف المستقلة.

منصور: صحابك بيجاملوك.

الإمام: ما اصحابي، ولا عندي صداقة مع هؤلاء، ما اصحابي.

منصور: (كان الصادق المهدي يتخبط كثيراً، فهو يقفز دون أن يفكر أين سيقع حتى أضحى بأفكاره المتخبطة ووساوسه الغريبة على رجل عصري، مثل رجل غرز رجلاً واحدة في القرن التاسع عشر، في حين ظلت رجله الأخرى معلقة في الهواء). مش دول بيمدحوك؟ أهو دة كمان بيقيم.. منصور خالد..

الإمام: ما انا بقول لك..السيد منصور خالد هذا أنا دائماً أصفه بأنه صانع الطغاة في السودان. وقف مع السيد عبد الله خليل في الفترة التي فيها السيد عبد الله خليل اختلف مع حزبه، ثم وقف مع السيد جعفر نميري في الوقت الذي فيه..

منصور: كان وزير خارجية نميري..

الإمام: في الوقت الذي فيه نميري يمارس الطغيان، ثم وقف مع الدكتور جون قرنق، هو على طول خطه يصنع الطغاة لكي يجد منهم الحظوة.

منصور: لكن هو في كتابه له مرجعيات كثيرة مش بيقول رأيه الشخصي دايماً.. إيه أهم التحديات التي واجهتك خلال
 إدارتك للحكومة الأولى بين يوليو ٦٦ ومايو ٦۷.

الإمام: قلت لك هي الاقتصاد والدستور ومشكلة الجنوب، وهذه حققت فيها انجازات معلومة ومحددة كما قلت لك، بعد ما انتهت الحكومة كان هناك اعتراف بأن هذا أنجح رئيس وزراء مر، مش مسألة السن..

منصور: علاقتك بعبد الناصر كيف كانت؟

الإمام: الحقيقة لم تكن ودية، لأنه نحن انتقدنا الدخول في ٦۷…

منصور: حرب ٦۷..

الإمام: بدون..

منصور: إعداد لها.

الإمام: إعداد لها، والتوجه بأننا دايرين نحل مشكلة كأنها مسألة سياسية بينما هي مسألة عسكرية. ولكن في النهاية بعد أن التأم الموقف مع حزب الأمة بعد أن اتحدنا ذهبنا الإمام وانا للقاهرة والتقينا مع الرئيس جمال عبد الناصر واتفقنا من الآن فصاعد نفتح صفحة جديدة.

منصور: في الأثناء دي بعض العسكر انتهز فرصة الصراعات والتقلبات الموجودة، وهناك محاولة انقلابية في ۲۸ ديسمبر ٦٦ ، بس مش داخلة دماغي نهائي لما قريتها من كل المصادر لأنه بيقولوا هناك ملازم اسمه خالد حسين الكد هو الذي قام بها أو الذي سعى للقيام بها وكان ومن المتورطين فيها جعفر نميري، هل يعقل ملازم في جيش فيه ضباط برتب كبيرة يعمل محاولة انقلاب؟

الإمام: أيوة، هناك أوبنة في القوات المسلحة فيها هذا التطلع، هناك أحدهم محجوب برير محمد نور ضابط كتب مذكراته وقال للأسف نحن منذ البداية حتى في الكلية الحربية نجتمع ونقسم على المسدس بأننا نستولي على السلطة في السودان، وفي رأيي هذا الفيروس جاءنا من حركة الضباط الأحرار في مصر.

منصور: يعني عبد الناصر هو الذي صدر لكم هذا الفيروس وللعالم العربي كله؟

الإمام: نعم، هذا الفيروس صار موجود لدى الضباط، وطبعاً بعد هزيمة ٦۷ كانت القيادة المصرية محتاجة إلى تجديد الثقة القومية فيها، ولذلك شجعوا انقلاب نميري في الخرطوم، وشجعوا أيضاً انقلاب القذافي في ليبيا، وكانوا بيستشهدوا مع أن الديمقراطية في السودان خدمت جداً القيادة المصرية بمؤتمر الخرطوم واللاءات، لكن مع ذلك الذين اشتركوا في انقلاب نميري كان منهم من هم محسوبون للاتجاه القومي العربي واليسار.

منصور: في ٦ ديسمبر ۱۹٦۸م أنت قمت بإعادة تشكيل الحكومة مرة أخرى، هل صحيح أن إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة فرض عليك بعض الوزراء دون علمك، فوجئت بهم خلال أداء قسم اليمين؟

الإمام: لا ليس دون علمي. السيد إسماعيل الأزهري كانت علاقتي معه جيدة للغاية وكان يتعامل معي كأني ابنه. والمدهش جداً أنه بعد أن توفي السيد مبارك زروق، وهو كان دينمو الحزب كانت عند السيد إسماعيل الأزهري فكرة أن نتفق ونندمج وأنا أصبح الأمين العام لحزبه.

منصور: يعني انت حزب الأمة جناح الصادق المهدي يندمج مع الحزب الاتحادي بقيادة إسماعيل الأزهري.

الإمام: نعمل تكوين مشترك، يعني أنا داير أقولك العلاقة بيني وبين السيد إسماعيل الأزهري حتى الآخر كانت من أحسن ما تكون، ثم تعززت هذه العلاقة لأنه وقف مع والدي ضد انقلاب الفريق إبراهيم عبود، فكانت العلاقة بيني وبينه من أفضل ما يكون، وكذلك والدي كان..

منصور: فرق السن بينك وبينه مضاعف تقريباً.

الإمام: أنا يا أخي كنت في تلك السن الصغيرة في كل المجالات أصادق من هم أكبر مني كثيراً لأني أعتقد أن في ذلك فائدة لي، ولذلك كنت فعلاً أصادقهم و..

منصور: (مقاطعاً) معنى كدة انك مانتش لاقي حد وانت في هذا السن أطال الله عمرك تصادقه؟

الإمام: لا، لأني كنت أعتقد أنه في تلك السن استفيد من تجاربهم وفعلا هم كانوا يرحبون بي جداً ويتعاملوا معي كابنهم الصغير، والغريبة أني مع السن صرت أميل لصداقة الشباب، يعني في تلك السن كنت أميل لصداقة الشيوخ والكهول، ثم هبط سن الذين (أصادقهم) يعني دلوقتي أنا أصادق من هم في سن أبنائي وبناتي.

منصور: انت بتقول ما كانش عندك مشاكل، لكن لقيت وثيقة أمريكية في ۱٤ ديسمبر ٦٦ بتقول: (بالإضافة إلى مشكل الصادق المهدي مع عمه الإمام الهادي المهدي، يواجه الصادق المهدي مشاكل مع إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة وزعيم الحزب الاتحادي حليف الصادق في الحكومة، ففي ۱٤ ديسمبر أدى القسم أمام الأزهري كرئيس لمجلس السيادة الوزيران الجديدان من حزب الأمة: أحمد المهدي وخوجلي، لكن فاجأ الأزهري الصادق والآخرين باستدعائه عبد الماجد أبو حسبو من قادة الحزب الاتحادي لأداء القسم كوزير للتجارة).

الإمام: لم يفاجئني، لكن هو قال لي إنه هذا من أنصاري ومؤيدي في الحزب، وأنا أريد إدخاله واتفقنا على إدخاله، كما قلت لك..

منصور: لكن هنا الوثيقة الأمريكية دي بتقول ان العلاقة بينك وبين الأزهري أو بين جناحك جناح حزب الأمة الصادق المهدي وبين الاتحادي برئاسة الأزهري اهتزت في ذلك الوقت حينما أعيد تشكيل الحكومة في منتصف ديسمبر ٦٦.

الإمام: غير صحيح، اهتزت العلاقة حقيقة لأن الشريف حسين الهندي كان صديقاً للسيد محمد أحمد محجوب، وكان يعتقد أن نجاح حكومتي سيكون على حساب مستقبل الحزب الوطني الاتحادي لذلك حصلت المشاكل، لكن مع السيد إسماعيل الأزهري بالذات لم تكن هناك مشكلة بالمرة، حتى حصل ما حدث، كانت دائماً كما قلت لك علاقته معي أشبه بالأبوة منها للتنافس.

منصور: هناك تهمة تاريخية كبيرة ضدك حينما كنت رئيساً للحكومة بين يوليو ٦٦ ومايو ٦۷ . في ۲۲ ديسمبر ۱۹٦٦ المحكمة العليا في السودان أصدرت حكماً برفض قرار البرلمان السوداني الذي تكلمنا عنه قبل كدة بحل الحزب الشيوعي السوداني. قاضي المحكمة العليا صلاح حسن أعلن أن بنود الحريات في المادة الخامسة من دستور السودان المؤقت والمعدل
لسنة ٦٤ لا يجوز الحد منها بتشريع أو تعديل دستوري، ثانياً عدم دستورية التغييرات التي أجراها البرلمان في الدستور يوم
۲۳ نوفمبر ٦٥ وإلغاء أي قانون له صلة بهذه التغييرات، حكم تاريخي لتأصيل الحقوق والحريات المدنية في السودان. لكن الكارثة أنك أنت رئيس الحكومة رفضت الانصياع لهذا الحكم القضائي.

الإمام: مش أنا. يا أخي كان ائتلاف. ما دايرين تفهموا الحكاية دي ليه؟

منصور: انت رئيس الحكومة رئيس الائتلاف. الأمور تلصق بك أنت وليس بالآخرين.

الإمام: لا، ما الحزبان كونا هيئة قانونية لتناقش هذا الموضوع، الهيئة القانونية كان يمثلنا فيها السيد محمد إبراهيم خليل الذي هو أستاذ القانون في الجامعة. هؤلاء قالوا هذا الكلام. الحزب تبنى مش الصادق، الحزبان الوطني الاتحادي و..

منصور: انت هنا في سابقة هناك محكمة عليا تصدر حكماً، ينفع حزب سياسي يعدل عليها؟

الإمام: الذي حصل أن هذه الأحزاب قالت نحن عندنا الصلاحية التشريعية وليست عند القضاء.

منصور: الصلاحية التشريعية تكون قبل الحكم وليس بعده، أصدر ال.. الآن القضاء أصدر حكماً، امتثل للحكم وبعدين اعمل تشريع.

الإمام: يا أخي، كان في ذلك الوقت هؤلاء القضاة مسيسين، والسيد حسن هذا نفسه الذي أصدر هذا الحكم كان شيوعياً، هذه هي المشكلة، نحن كنا بنقول وما زلنا عشان يكون هناك استقلال القضاء لازم يكون هناك حيدة القضاء.

منصور: يعني نحن لما جينا نتكلم عن ثورة ٦٤ تكلمنا عن مكانة القضاء السوداني ودوره في هذا الأمر.

الإمام: نعم..

منصور: وحينما أجريت الانتخابات وأنا سالتك عن القضاء السوداني قلت كان هناك استقلال قضائي في السودان،

الإمام: صحيح.

منصور: الآن المحكمة العليا حينما أصدرت حكما ضدك بقت محكمة سياسية ومسيسة والحكم بقى مسيس؟

الإمام: لا، الواقع هو هناك السيد بابكر عوض لله والسيد صلاح حسن هؤلاء كانوا منسوبين لتيارات سياسية معينة. وأنا كنت أقول وما زلت نحن نريد حماية واحترام استقلال القضاء على أن الجزء المفروض يتم أن تكون حيدة القضاء، أما أن يستغِل قضاة وضعهم كقضاة لمسألة سياسية هذا الذي أثار خلافاً جعل الأحزاب ترفض هذا القرار..

* رصد وتحرير وتحقيق المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي.

الجريدة

الجريدة الأربعاء 7 أكتوبر 2015 العدد 1539 الصفحة 9
الجريدة الأربعاء 7 أكتوبر 2015 العدد 1539 الصفحة 9

 

تُوثق قناة الجزيرة القطرية عبر ( برنامج شاهد على العصر) الذي يقدمه الإعلامي أحمد منصور للإمام الصادق المهدي، ولازالت الحلقات متواصلة وشيقة ولتسيير المتابعة رأت (الجريدة) نشر الحلقات ..وافق مكتب الإمام مشكوراً على ذلك وأرسل الحلقات محررة وهي جديرة بالإهتمام لمافيها من معلومات ثرة تتوفر لأول مرة.

أحمد منصور: ولد الصادق المهدي في العباسية بأم درمان في السودان في الخامس والعشرين من ديسمبر عام ۱۹۳٥م، والده هو الصديق المهدي مؤسس حزب الأمة وإمام الأنصار خلفاً لجده عبد الرحمن المهدي، التحق الصادق المهدي بداية في جامعة الخرطوم لدراسة الهندسة الزراعية لكنه تركها وانتقل لدراسة الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعة أوكسفرد في بريطانيا، التي تخرج منها عام ۱۹٥۹م (الإمام تخرج في ۱۹٥۷ – المكتب الخاص للإمام)، انغمس بعد عودته للسودان في العمل السياسي، وكان من أبرز المناهضين لنظام عبود العسكري حيث تولى رئاسة الجبهة الوطنية الموحدة المعارضة (الجبهة القومية المتحدة- المكتب) للنظام العسكري حتى سقوطه في العام ۱۹٦٤م، شارك في صياغة ميثاق ثورة أكتوبر عام ۱۹٦٤م، كما اختير في نوفمبر من نفس العام رئيسا لحزب الأمة. انتخب رئيساً لوزراء السودان للمرة الأولى في شهر يوليو عام ۱۹٦٦م وبقي في منصبه حتى منتصف مايو عام ۱۹٦۷م. ترأس الجبهة الوطنية المعارضة لنظام جعفر نميري بين عامي ۱۹۷۲م و ۱۹۷۷م. شارك في ثورة أبريل عام ۱۹۸٥م التي أطاحت بنظام نميري العسكري. انتخب مرة أخرى رئيساً لوزراء السودان في السادس من مايو عام ۱۹۸٦م، وبقي في منصبه حتى أطاح به الانقلاب الذي قاده عمر البشير في الثلاثين من يونيو عام ۱۹۸۹م، يتولى الصادق المهدي إمامة الأنصار علاوة على رئاسته لحزب الأمة. ولم يتوقف نشاطه السياسي بعد الإطاحة به. وقد أدى نشاطه السياسي لاعتقاله عدة مرات. نتابع في هذه الحلقة والحلقات القادمة شهادته على عصر السودان الحديث..

الإمام الصادق المهدي في حواره مع أحمد منصور:

الحلقة الثامنة الجزء الثاني

محمد أحمد محجوب لعب دوراً في إنشقاق الحزب لا يليق بقيادة سياسية ليبرالية

مافي انقلابيون تعاملوا مع رئيس وزراء بهذه الطريقة

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الثامنة من شهادته على العصر

الأربعاء 7 أكتوبر 2015

منصور: الآن المحكمة العليا حينما أصدرت حكما ضدك بقت محكمة سياسية ومسيسة والحكم بقى مسيس؟

الإمام: لا، الواقع هو هناك السيد بابكر عوض لله والسيد صلاح حسن هؤلاء كانوا منسوبين لتيارات سياسية معينة. وأنا كنت أقول وما زلت نحن نريد حماية واحترام استقلال القضاء على أن الجزء المفروض يتم أن تكون حيدة القضاء، أما أن يستغِل قضاة وضعهم كقضاة لمسألة سياسية هذا الذي أثار خلافاً جعل الأحزاب ترفض هذا القرار..

منصور: فضيلة الإمام اسمحلي هنا، من حق القاضي أن يعتنق ما شاء من أفكار لكن في النهاية هناك قانون هو يطبقه أياً كان فكره.

الإمام: ما كان واضح أن هذا..

منصور: هذا اعتداء كان، منع الحزب الشيوعي الرجل قال هذا اعتداء على الحريات.

الإمام: نعم، لكن كان واضحاً لدى القوى السياسية التي كانت تحكم في ذلك الوقت بتوصية من لجنة فنية قانونية أن هذا السيد القاضي السيد صلاح حسن كان كادراً سياسياً.

منصور: يعني انت مش ناوي تعترف انكو اخطاتوا في موقفكم هذا؟

الإمام: لا انا قلت ان نحن اخطانا، أنا قلت إن هذا خطأ تاريخي، ولكن ليس شخصي، وهذه هي النقطة، كان الموقف.

منصور: في النهاية هي حكومة الصادق المهدي..

الإمام: ما حكومة الصادق المهدي، حكومة الائتلاف.

منصور: التي يرأسها الصادق المهدي، في التاريخ انت المسئول.

الإمام: هو لكن لا ائتلاف بين حزبين، يعني ما في مسئولية فردية.

منصور: ما حدش هنا، ما لقتش حد في كل مصادر التاريخ يلقي بالمسئولية على إسماعيل الأزهري الكل يلقي بالمسئولية
على الصادق المهدي رئيس الحكومة والكل في التاريخ بيقول حكومة الصادق المهدي وليس حكومة ائتلافية.

الإمام: طبعاً لأنه شايفين أنه وضعي السياسي كبير، لكن كما قلت لك، فكرة حل الحزب الشيوعي نفسها كانت بقيادة السيد إسماعيل الأزهري، الفكرة نفسها..

منصور: انت حكيت لنا تفاصيلها..

الإمام: ايوة ولذلك هذه المسألة ليست شخصية انا في رأيي كانت من الأخطاء التي عكرت صفو الحركة السياسية في السودان، ولكن الحقيقة أنها كانت ينبغي أن تنسب للقوى السياسية المؤتلفة وليس لفرد.

منصور: عمك الهادي المهدي وغريمك محمد أحمد محجوب لم ينسوا لك ما فعلته بهم: انشقاق الحزب وانشقاق الأنصار وأنك أصبحت رئيساً للوزراء، أسقطت حكومتهم الأولى، فأخذ الصراع يتفاقم، في شهر فبراير ٦۷ ، قدمت الميزانية للبرلمان، ولكنهم تصدوا لك فيها.

الإمام: نعم، مش مسالة شخصية، أنا في رأيي الحقيقة في هذا الموضوع الذي حدث وأدى إلى انشقاق الحزب هو خلاف فيه السيد محمد أحمد محجوب لعب دوراً لا يليق بقيادة سياسية ليبرالية، أنه عندما تمت المساءلة مع الهيئة البرلمانية نقل الموضوع لولاء طائفي، وقال أنا لا تحاسبني الهيئة البرلمانية يحاسبني الإمام، وهذا في رأيي أكبر خطأ من شخص مفروض يكون بعرف القانون ومفروض يكون ليبرالي، وكان، يعني هو في مذكراته الأخيرة يتحدث بلغة الليبرالية ولكنه في ذلك الوقت، في مدحه للإمام عبد الرحمن، مثلاً: العيد وافى فأين البشر والطرب والناس تسأل أين الصارم الذرب، وفي النهاية: يا أبا الصادق الصديق (لأبي) أنت لها بعد الإمام ونحن الجحفل اللجب! وكذلك في علاقته مع السيد الإمام الهادي أنك أنت الذي تختار وليست الهيئة البرلمانية.

منصور: الهادي المهدي يبدو أنه قرر أن يختار فعلاً، قرر أن يدعو النواب الذين أيدوك إلى العودة والتوبة والأوبة، في
فبراير ٦۷ عقد مؤتمر في جزيرة أبا معقل الأنصار ليشدد على أنه إمام الانصار وزعيم حزب الأمة وأنك أصبحت من
الخوارج من الأنصار والحزب..

الإمام: نعم، يعني حصل هذا النوع، لكن طبعاً في ذلك الوقت أنا ما كنت ضد أن الإمام هو الإمام.. يعني ما نافست في الإمامة بالعكس أنا الذي أيدت الإمامة كما ذكرت لك في الموضوع، لكن..

منصور: هم في هذا المؤتمر خططوا للإطاحة بك.

الإمام: نعم، هو المشكلة كما قلت لك صارت هناك غيرة على نجاحاتي، فمش هم وحدهم، حصل تآمر كل الحرس القديم ضد حكومتي.

منصور: في ۱٤ فبراير أبرق السفير الأمريكي في السودان لوزير الخارجية وقال له إن وزير الخارجية في حكومتك عبد الرحمن نقد الله أبلغه أن الصراع بين جمال عبد الناصر والملك فيصل آل سعود انعكس على علاقات عبد الناصر مع
السودان، وأن عبد الناصر يخطط لاسقاط حكومة الصادق المهدي إما بانقلاب عسكري أو أن يدعو الميرغني للتحالف مع الأزهري حليفك.

الإمام: يعني كانت هناك كثير مؤامرات لكن في رأيي المشكلة لدى الامريكان ولدى المصريين ولدى الحرس القديم أنني كنت أحرص على استقلال القرار السوداني، وهؤلاء جميعا عايزين استغلال القرار السوداني. هذا في رأيي الموقف..

منصور: جاء في هذه الوثيقة أيضاً أن عبد الناصر غاضب جداً من وجود ديمقراطية على حدوده الجنوبية، خاصة وأنه
كان يستعلي على السودانيين، فإذا بالسودانيين يقيمون ديمقراطية تحاسب الحكومة وتقيل الحكومة وتذهب وتاتي حكومة وانتخابات حرة نزيهة..

الإمام: ليس هذا فقط، أكثر من هذا، كل الجمعيات العربية: الأطباء والمهندسين والشباب وحقوق الإنسان كلها كانت تختار الخرطوم عاصمة لها، باعتبار أنها بلد ديمقراطي، هذا كان مزعجاً لكل المنطقة، في ذلك الوقت كانت أفريقيا نفسها في الغالب ديكاتوريات، ولذلك هؤلاء جميعاً كانوا قلقين جداً من أن هناك في السودان ديمقراطية: استقلال القضاء، حرية تامة، حرية الصحافة، حيدة الخدمة المدنية، قومية القوات المسلحة، فكانوا فعلاً يعني منزعجين جداً من هذه التجربة، وكانوا يأملون، وهذا استمر بالمناسبة، حيثما يكون هناك ديمقراطية في السودان كثير من هذه الدول غير الديمقراطية كانت تتآمر ضد الديمقراطية لأنه لما حصل مثلاً الانقلاب الأخير في ۸۹ ، كانت الحكومة المصرية ترحب بما حدث لأنها نهاية للديمقراطية في السودان.

منصور: أنا عايز بس أصحح حاجة يبدو (أني) قلتها بالخطأ، أن حكومتك كانت من يوليو ٦٦ الى مايو ٦۷ . في شهر مارس ٦۷ برضه عبد الناصر شغال عليك، جاءك هجوم حاد ولكن من مؤتمر اتحاد المحامين العرب، الذي عقد في القاهرة اتهموك بأنك تتعاون مع الإمبريالية الصهيونية، وأنك تعمل ضد حركات التحرر في أفريقيا، وأنك تحرم الشعب السوداني من الحرية والعدل، وتقيم نظاماً استبدادياً ظالماً..

الإمام: يا حبيبي، إذا كان أنا عضو من ائتلاف فيه الوطني الاتحادي، كل هذا الكلام كلام فارغ، لأنه سياسة الحكومة كانت مشتركة مش الصادق، كانت مشتركة كل هذا كلام فارغ هذه الاجهزة كانت مستغلة للاستخبارات المصرية، وتسيرها الاستخبارات المصرية، وبذلك في الواقع تريد أن تسيرنا ونحن حريصون على أن يكون قرارنا مستقلاً، وفي هذا مستقلاً ليس قرار الصادق بل قرار الائتلاف الذي يجمع بيني وبين الوطني الاتحادي.

منصور: مؤتمر جزيرة أبا يبدو أنه اتخذ قراراً بالهجوم عليك وإقصائك وكان يقوده عمك الهادي المهدي، حتى يسترد الحزب منك والزعامة، حكومتك الأولى كان أمامها تحدي كبير جداً وهو انجاز الدستور الذي لم تفلح في إنجازه..

الإمام: وضعت اللجنة.. الإخفاق كانت حكومة المحجوب التي لم تكون اللجنة القومية، نحن كونا اللجنة القومية وقد اتخذت الخطوات التي في حكومة محجوب الثانية أثمرت، ولكن كان محجوب يهمل في أثناء حكمه، يهمل تكملة الموضوع الخاص بالجنوب بعد لجنة الاثني عشر، ويهمل تماماً لجنة الدستور.. هذان الأمران استطعنا أن ننجزهما ولذلك كان الإنجاز في هذا المجال تكوين اللجنة القومية للدستور التي فيما بعد أثمرت وضع الدستور الدائم للبلاد.

منصور: كان البرلمان ۹۰ و ٦۷ تنتهي مدته، لجنة إعداد الدستور أو المقرر أن تنهي، وانت حاولت التمديد للهيئة التأسيسية ولكن رفض هذا الأمر وكان هناك مأزق حقيقي في ذلك الأمر حتى أن السفير الأمريكي يقول إنه سالك عن المخرج فقلت له لا أدري، يعني كانت هناك أزمة..

الإمام: لا، كان واضح المخرج أن الجمعية التاسيسية تمدد في عمرها إلى أن يكتب الدستور لأنها هي الجمعية التأسيسية
لوضع الدستور، ولكن هنا وقعت المؤامرة،

منصور: المؤامرة كان مشارك فيها القوميون، الناصريون، الشيوعيون، حزب الميرغني الختمية، والجناح الآخر لحزب الأمة، الكل اجتمعوا ضدك حتى يسقطوك بعد تسعة أشهر فقط.

الإمام: أيوة، ما هم اجتمعوا كلهم كل بمنطلقه..

منصور: الأخوة الأعداء..

الإمام: أيوة، كل بمنطلقه.. حتى يعني..

منصور: حتى الأزهري قرر ان يبيعك لصالحهم..

الإمام: مش يبيعني، انت ما واضح لك الكلام.

منصور: واضح.

الإمام: الحرس القديم خاف من هذا الإنجاز الخطير لجيل جديد، تآمروا..

منصور: هل التآمر كان على الصادق المهدي ام التآمر على معطيات ثورة ٦٤ التي قام بها الشعب السوداني؟

الإمام: لا التآمر على أننا نحن صرنا نمثل قوى جديدة، وحتى كونا شيء سميناه مؤتمر القوى الجديدة..

منصور: قلت لنا عليه دة..

الإمام: ولكن للأسف.. الناصريون، والبعثيون بمنطقهم القومي، ولكن الحرس القديم تآمر..

منصور: انت كيف استطعت أن تجمع كل هذه العداوات ضدك في خلال فترة وجيزة من وجودك في السلطة؟

الإمام: ما انا قلت لك وجودي في السلطة زاد من الشعبية فوق رؤوس الأحزاب، هذا الذي جاء بالغيرة، تحولت المجموعة التي تؤيدني في البرلمان من ٦۰ الى ۸٦ ، هذا مقياس، كذلك المقياس القوى الشعبية التي برزت، الحرس القديم شعر بأن البساط قد سحب من تحت أرجلهم ولذلك كان لا بد من يوقفوا القوى الجديدة من أن تواصل انتصاراتها، لذلك تآمروا.

منصور: هنا، حينما نجد هذه الكثرة من الأنصار الذين وقفوا معك وأيدوك ضد الإمامة الدينية للأنصار التي كانت في عمك الهادي المهدي، هل الولاء الديني للأنصار هنا، للقيادة الروحية، اهتز لصالح قيادة سياسية شابة تقود الحزب؟

الإمام: الحقيقة أنا أصلا ما طرحت موقفي كشيء ضد الامام، حاولت أفهمك هذا الكلام. نحن كنا نتحدث..

منصور: (مقاطعاً) لا مش تفهمني أنا، تفهِّم الإمام لأن الإمام كان يعتبرك إنك انت خارج عليه، وفي مؤتمر أبا الكلام كان واضح جداً..

الإمام: بقولك، ما خارج عليه، خارج على أن يكون القرار في يد شخص خارج المؤسسة، وأنا جئت بمنشور من الإمام عبد الرحمن سنة ۱۹٥۰ أن القرار قرار حزب الأمة لا يتدخل فيه الراعي، فالمسألة كانت أصلاً هكذا، وطبعاً الدليل على صحة موقفنا فيما بعد لما جمعنا حزب الأمة مرة واحدة ووحدنا حزب الأمة، توحد على أساس هذه المبادئ.

منصور: عمك الهادي المهدي عقد مؤتمر صحفي في ۱۲ أبريل ٦۷ دعا لحل البرلمان مدعياً أن السودان يتعرض لمؤامرة شيوعية ومصرية، والهدف الأساسي هو الإطاحة بك وبحكومتك.

الإمام: نعم، في ذلك الوقت في رأيي حدث تآمر ضد القوى الجديدة ومفاهيم المؤسسية، لأنه سترى أننا فيما بعد كل العلاقات الأبوية وهذه كلها غيرناها، حتى هيئة شئون الأنصار حولناها إلى مؤسسة، والإمامة انتخاب وهكذا، هذه المفاهيم كانت مفاهيم جديدة في الساحة السياسية السودانية، لم يكن أصلاً في كلامنا أننا ضد الإمام الهادي، لكن ضد أن يكون القرار السياسي خارج مؤسسة السياسة، هذا هو الكلام.

منصور: هل أدركت حينما طرحت الثقة في حكومتك في ۱٥ مايو ٦۷ انك سيتم الإطاحة بك؟

الإمام: نعم ما أنا كان واضح لي أنه هناك تآمر من الحرس القديم لأنهم أدركوا هذه الروح الجديدة الفتية المجددة، ولذلك
تآمروا ضدها، وتآمروا لأنه هذا الخط نجح وليس لأنه فشل.

منصور: غريمك محجوب يقول إن السبب في الإطاحة بك ليس كما تقول أنت الآن، وإنما لأنك فشلت في إدارة الحكومة
وإدارة الدولة والحصول على الثقة (عندما مثل الصادق المهدي أمام المجلس التأسيسي في ۱٥ مايو ٦۷ طالباً الثقة بعد خلافات عديدة مع الوزراء وتمريغهم إياه في الوحل طرحت الثقة فهزم واضطر الصادق المهدي إلى الاستقالة فورا).

الإمام: يا حبيب كما قلت لك..

منصور: كلامه هو انا ماليش دعوة..

الإمام: ما خلينا من كلامه هو، يهذي، الذي حدث هو أن مجلس الوزراء لم يختلف أصلاً، والذي حدث أن الحكومة زاد سندها.

منصور: مش في وزراء في البرلمان وقفوا ضدك في التصويت؟

الإمام: دة بعدين حزبياً، لكن لغاية ذلك الوقت كانوا معنا وكما قلت لك أنا كنت السبب في ترقية هذا الشباب ليدخل الحكومة.

منصور: ما هي الاخطاء التي وقعت فيها خلال فترة رئاستك الاولى للحكومة؟

الإمام: ما قلت لك أنا نجحت!

منصور: يعني ما غلطتش؟

الإمام: يعني انت عايزني ادعي لك؟

منصور: مافيش حد بدون اخطاء.

الإمام: أنا عارف مافيش حد بدون أخطاء، كل واحد ليه أخطاء، لكن مافي خطأ معين، الخطأ الحقيقي الذي أعتقد أنه شملنا جميعا هو مسألة قرار المحكمة العليا.

منصور: الخاص بالحزب الشيوعي.

الإمام: نعم، لأن التعامل مع هذا الموضوع بهذه الطريقة بذر بذرة الانقلاب. كان من ضمن الاشياء التي بذرت بذرة الانقلاب.

منصور: بتاع نميري بعد كدة.

الإمام: أيوة، لأنه جعل عناصر شيوعية اشتركت في التآمر ضد الديمقراطية.

منصور: ما هي أهم الدروس التي استفدتها سياسياً وانسانياً ومن كل النواحي من خلال فترة وزارتك الأولى التي استمرت تسعة أشهر وكنت في الثلاثين من عمرك في ذلك الوقت؟

الإمام: في رأيي أنه أنا ما قيس أدائي بسني وإنما قيس بمستوى الإنجاز واعتقد أنه لما انتهت الحكومة كنت كقوى سياسية في السودان أكبر حجما من عام ٦٥.

منصور: بعد ثلاثة أيام فقط من الإطاحة بحكومتك شكل غريمك محمد أحمد محجوب حكومة جديدة تضم جناح الهادي المهدي في حزب الأمة، وثلاثة أحزاب هي حزب الأزهري الذي كان حليفك تخلى عنك وباعك وراح تحالف مع الآخرين،
وحزب الميرغني العدو اللدود التاريخي للأنصار، والجنوبيون وانتقلت انت للمعارضة.

الإمام: وكانت هذه أفشل حكومة في تاريخ السودان التي وقع في عهدها الانقلاب المشئوم.

منصور: هم يقولون كانت حكومة ضعيفة.

الإمام: فاشلة سيبك من ضعيفة.

منصور: حتى نفسه محمد أحمد محجوب يعترف أنها لم تكن مثل حكومته الأولى كانت أقل منها.

الإمام: لا فاشلة، كانت فاشلة والدليل على فشلها، السيد محمد أحمد محجوب كان وهو رئيس الوزارة لا شك غير متحمس للحكومة، الدليل كان وهو رئيس الوزراء كان لما وقع الانقلاب الانقلابيون تعاملوا معه بصورة ناعمة جداً، مافي انقلابيون تعاملوا مع رئيس وزراء بهذه الطريقة. ثانياً السيد محمد أحمد محجوب في فترة مايو قدم استقالة خلق فراغاً في رأيي انتهزه الانقلاب، لأنه حتى حينما اختلف مع الهيئة البرلمانية لم يقدم استقالة، قدم استقالة لما في رأيي أراد أن يخلق فراغاً. المسألة الثالثة المهمة حينما شعر لأنه لو حصلت، زي ما قال، لو حصل أجيز الدستور واجريت انتخابات رئاسية ستكون المنافسة أنا خارجها لأنه زي ما قال لي هو، نحن جميعاً عزلناك، المؤامرة الثانية، نحن جميعاً عزلناك يعني حرصنا على أنه، يعني عشان تكون رئيس وزراء ۳۰ سنة كفاية، لكن عشان تكون رئيس جمهورية لازم تكون ٤۰ سنة، فأنت خارج اللعبة، وعارف إنه إذا كانت رئاسة الجمهورية للإمام أو للسيد إسماعيل الأزهري فهو يفقد دوره التنفيذي لذلك في رأيي صار يائساً من أنه (يحكم)، خصوصا لما عرض علي وأنا رفضت..

* رصد وتحرير مكتب الامام الصادق المهدي

الجريدة

الجريدة السبت 10 أكتوبر 2015 العدد 1542 الصفحة 9
الجريدة السبت 10 أكتوبر 2015 العدد 1542 الصفحة 9

 

الحلقة الثامنة الجزء الثالث والأخير

تُوثق قناة الجزيرة القطرية عبر ( برنامج شاهد على العصر) الذي يقدمه الإعلامي أحمد منصور للإمام الصادق المهدي، ولازالت الحلقات متواصلة وشيقة ولتسيير المتابعة رأت (الجريدة) نشر الحلقات ..وافق مكتب الإمام مشكوراً على ذلك وأرسل الحلقات محررة وهي جديرة بالإهتمام لمافيها من معلومات ثرة تتوفر لأول مرة.

أحمد منصور: ولد الصادق المهدي في العباسية بأم درمان في السودان في الخامس والعشرين من ديسمبر عام ۱۹۳٥م، والده هو الصديق المهدي مؤسس حزب الأمة وإمام الأنصار خلفاً لجده عبد الرحمن المهدي، التحق الصادق المهدي بداية في جامعة الخرطوم لدراسة الهندسة الزراعية لكنه تركها وانتقل لدراسة الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعة أوكسفرد في بريطانيا، التي تخرج منها عام ۱۹٥۹م (الإمام تخرج في ۱۹٥۷ – المكتب الخاص للإمام)، انغمس بعد عودته للسودان في العمل السياسي، وكان من أبرز المناهضين لنظام عبود العسكري حيث تولى رئاسة الجبهة الوطنية الموحدة المعارضة (الجبهة القومية المتحدة- المكتب) للنظام العسكري حتى سقوطه في العام ۱۹٦٤م، شارك في صياغة ميثاق ثورة أكتوبر عام ۱۹٦٤م، كما اختير في نوفمبر من نفس العام رئيسا لحزب الأمة. انتخب رئيساً لوزراء السودان للمرة الأولى في شهر يوليو عام ۱۹٦٦م وبقي في منصبه حتى منتصف مايو عام ۱۹٦۷م. ترأس الجبهة الوطنية المعارضة لنظام جعفر نميري بين عامي ۱۹۷۲م و ۱۹۷۷م. شارك في ثورة أبريل عام ۱۹۸٥م التي أطاحت بنظام نميري العسكري. انتخب مرة أخرى رئيساً لوزراء السودان في السادس من مايو عام ۱۹۸٦م، وبقي في منصبه حتى أطاح به الانقلاب الذي قاده عمر البشير في الثلاثين من يونيو عام ۱۹۸۹م، يتولى الصادق المهدي إمامة الأنصار علاوة على رئاسته لحزب الأمة. ولم يتوقف نشاطه السياسي بعد الإطاحة به. وقد أدى نشاطه السياسي لاعتقاله عدة مرات. نتابع في هذه الحلقة والحلقات القادمة شهادته على عصر السودان الحديث..

الإمام الصادق المهدي في حواره مع أحمد منصور:

حل الجمعية التأسيسية كان تآمراً ضدي لأنهم كانوا يعتقدون حينما يعملوا انتخابات بالطريقة التي عملوها أنا سأعتزل

صحيح أنا سقطت في هذه الدائرة، ولكن حزبي والجماعة الذين معي نالوا أغلبية (مقارنة بجماعة الإمام) في البرلمان

السبت 10 أكتوبر 2015

منصور: هل التآمر كان على الصادق المهدي أم التآمر على معطيات ثورة ٦٤ التي قام بها الشعب السوداني؟

الإمام: لا التآمر على أننا نحن صرنا نمثل قوى جديدة، وحتى كونا شيء سميناه مؤتمر القوى الجديدة..

منصور: قلت لنا عليه دة..

الإمام: ولكن للأسف.. الناصريون، والبعثيون بمنطقهم القومي، ولكن الحرس القديم تآمر..

منصور: أنت كيف استطعت أن تجمع كل هذه العداوات ضدك في خلال فترة وجيزة من وجودك في السلطة؟

الإمام: ما أنا قلت لك وجودي في السلطة زاد من الشعبية فوق رؤوس الأحزاب، هذا الذي جاء بالغيرة، تحولت المجموعة التي تؤيدني في البرلمان من ٦۰ الى ۸٦ ، هذا مقياس، كذلك المقياس القوى الشعبية التي برزت، الحرس القديم شعر بأن البساط قد سحب من تحت أرجلهم ولذلك كان لا بد من يوقفوا القوى الجديدة من أن تواصل انتصاراتها، لذلك تآمروا.

منصور: هنا، حينما نجد هذه الكثرة من الأنصار الذين وقفوا معك وأيدوك ضد الإمامة الدينية للأنصار التي كانت في عمك الهادي المهدي، هل الولاء الديني للأنصار هنا، للقيادة الروحية، اهتز لصالح قيادة سياسية شابة تقود الحزب؟

الإمام: الحقيقة أنا أصلا ما طرحت موقفي كشيء ضد الإمام، حاولت أفهمك هذا الكلام. نحن كنا نتحدث..

منصور: (مقاطعاً) لا مش تفهمني أنا، تفهِّم الإمام لأن الإمام كان يعتبرك إنك انت خارج عليه، وفي مؤتمر أبا الكلام كان واضح جداً..

الإمام: بقولك، ما خارج عليه، خارج على أن يكون القرار في يد شخص خارج المؤسسة، وأنا جئت بمنشور من الإمام عبد الرحمن سنة ۱۹٥۰ أن القرار قرار حزب الأمة لا يتدخل فيه الراعي، فالمسألة كانت أصلاً هكذا، وطبعاً الدليل على صحة موقفنا فيما بعد لما جمعنا حزب الأمة مرة واحدة ووحدنا حزب الأمة، توحد على أساس هذه المبادئ.

منصور: عمك الهادي المهدي عقد مؤتمر صحفي في ۱۲ أبريل ٦۷ دعا لحل البرلمان مدعياً أن السودان يتعرض لمؤامرة شيوعية ومصرية، والهدف الأساسي هو الإطاحة بك وبحكومتك.

الإمام: نعم، في ذلك الوقت في رأيي حدث تآمر ضد القوى الجديدة ومفاهيم المؤسسية، لأنه سترى أننا فيما بعد كل العلاقات الأبوية وهذه كلها غيرناها، حتى هيئة شئون الأنصار حولناها إلى مؤسسة، والإمامة انتخاب وهكذا، هذه المفاهيم كانت مفاهيم جديدة في الساحة السياسية السودانية، لم يكن أصلاً في كلامنا أننا ضد الإمام الهادي، لكن ضد أن يكون القرار السياسي خارج مؤسسة السياسة، هذا هو الكلام.

منصور: هل أدركت حينما طرحت الثقة في حكومتك في ۱٥ مايو ٦۷ انك سيتم الإطاحة بك؟

الإمام: نعم ما أنا كان واضح لي أنه هناك تآمر من الحرس القديم لأنهم أدركوا هذه الروح الجديدة الفتية المجددة، ولذلك تآمروا ضدها، وتآمروا لأنه هذا الخط نجح وليس لأنه فشل.

منصور: غريمك محجوب يقول إن السبب في الإطاحة بك ليس كما تقول أنت الآن، وإنما لأنك فشلت في إدارة الحكومة وإدارة الدولة والحصول على الثقة (عندما مثل الصادق المهدي أمام المجلس التأسيسي في ۱٥ مايو ٦۷ طالباً الثقة بعد خلافات عديدة مع الوزراء وتمريغهم إياه في الوحل طرحت الثقة فهزم واضطر الصادق المهدي إلى الاستقالة فورا).

الإمام: يا حبيب كما قلت لك..

منصور: كلامه هو انا ماليش دعوة..

الإمام: ما خلينا من كلامه هو، يهذي، الذي حدث هو أن مجلس الوزراء لم يختلف أصلاً، والذي حدث أن الحكومة زاد سندها.

منصور: مش في وزراء في البرلمان وقفوا ضدك في التصويت؟

الإمام: دة بعدين حزبياً، لكن لغاية ذلك الوقت كانوا معنا وكما قلت لك أنا كنت السبب في ترقية هذا الشباب ليدخل الحكومة.

منصور: ما هي الاخطاء التي وقعت فيها خلال فترة رئاستك الاولى للحكومة؟

الإمام: ما قلت لك أنا نجحت!

منصور: يعني ما غلطتش؟

الإمام: يعني انت عايزني ادعي لك؟

منصور: مافيش حد بدون اخطاء.

الإمام: أنا عارف مافيش حد بدون أخطاء، كل واحد ليه أخطاء، لكن مافي خطأ معين، الخطأ الحقيقي الذي أعتقد أنه شملنا جميعا هو مسألة قرار المحكمة العليا.

منصور: الخاص بالحزب الشيوعي.

الإمام: نعم، لأن التعامل مع هذا الموضوع بهذه الطريقة بذر بذرة الانقلاب. كان من ضمن الاشياء التي بذرت بذرة الانقلاب.

منصور: بتاع نميري بعد كدة.

الإمام: أيوة، لأنه جعل عناصر شيوعية اشتركت في التآمر ضد الديمقراطية.

منصور: ما هي أهم الدروس التي استفدتها سياسياً وانسانياً ومن كل النواحي من خلال فترة وزارتك الأولى التي استمرت تسعة أشهر وكنت في الثلاثين من عمرك في ذلك الوقت؟

الإمام: في رأيي أنه أنا ما قيس أدائي بسني وإنما قيس بمستوى الإنجاز واعتقد أنه لما انتهت الحكومة كنت كقوى سياسية في السودان أكبر حجما من عام ٦٥.

منصور: بعد ثلاثة أيام فقط من الإطاحة بحكومتك شكل غريمك محمد أحمد محجوب حكومة جديدة تضم جناح الهادي المهدي في حزب الأمة، وثلاثة أحزاب هي حزب الأزهري الذي كان حليفك تخلى عنك وباعك وراح تحالف مع الآخرين، وحزب الميرغني العدو اللدود التاريخي للأنصار، والجنوبيون وانتقلت انت للمعارضة.

الإمام: وكانت هذه أفشل حكومة في تاريخ السودان التي وقع في عهدها الانقلاب المشئوم.

منصور: هم يقولون كانت حكومة ضعيفة.

الإمام: فاشلة سيبك من ضعيفة.

منصور: حتى نفسه محمد أحمد محجوب يعترف أنها لم تكن مثل حكومته الأولى كانت أقل منها.

الإمام: لا فاشلة، كانت فاشلة والدليل على فشلها، السيد محمد أحمد محجوب كان وهو رئيس الوزارة لا شك غير متحمس للحكومة، الدليل كان وهو رئيس الوزراء كان لما وقع الانقلاب الانقلابيون تعاملوا معه بصورة ناعمة جداً، مافي انقلابيون تعاملوا مع رئيس وزراء بهذه الطريقة. ثانياً السيد محمد أحمد محجوب في فترة مايو قدم استقالة خلق فراغاً في رأيي انتهزه الانقلاب، لأنه حتى حينما اختلف مع الهيئة البرلمانية لم يقدم استقالة، قدم استقالة لما في رأيي أراد أن يخلق فراغاً. المسألة الثالثة المهمة حينما شعر لأنه لو حصلت، زي ما قال، لو حصل أجيز الدستور واجريت انتخابات رئاسية ستكون المنافسة أنا خارجها لأنه زي ما قال لي هو، نحن جميعاً عزلناك، المؤامرة الثانية، نحن جميعاً عزلناك يعني حرصنا على أنه، يعني عشان تكون رئيس وزراء ۳۰ سنة كفاية، لكن عشان تكون رئيس جمهورية لازم تكون ٤۰ سنة، فأنت خارج اللعبة، وعارف إنه إذا كانت رئاسة الجمهورية للإمام أو للسيد إسماعيل الأزهري فهو يفقد دوره التنفيذي لذلك في رأيي صار يائساً من أنه (يحكم)، خصوصا لما عرض علي وأنا رفضت..

منصور: الآن الحكومة هذه اتهمت، لأول مرة وأنا بقرأ الفترة دي، بلاقي حكومة وزراء كثيرين فيها متهمين بالفساد..

الإمام: نعم.

منصور: لا سيما من حزب الميرغني. وبعض الوزراء حينما كان يكشف فسادهم كانوا بسرعة يرجعوا يلفلفوا الأمور. السياسيون السودانيون من ثورة ۲۱ أكتوبر ٦٤ إلى أن قام النميري بانقلابه في ٦۹ وهم قاعدين ياكلوا في بعض.. يعني مافيش استقرار.

الإمام: يا أخ أحمد الديمقراطية أصلاً فيها الرأي والرأي والآخر.

منصور: لكن ما فيهاش هذه التقلبات والصراعات.

الإمام: فيها لكن المهم، يعني مثلاً لو مسكت حكومتي الأخيرة، مهما كانت الصراعات، آخر تصويت في البرلمان كان بإجماع الجمعية التأسيسية، بالإجماع، صحيح بتحصل خلافات، لكن كان أمكن أننا نجمعها.

منصور: أنا في الفترة دي تحديداً ٦٤ لأني أنا ثورة الشعب السوداني في العام ٦٤ قرأتها بتمعن وعشت أحداثها يعني بعتبرها من الثورات المهمة التي قامت في هذا القرن، الثورات الشعبية المهمة والتي أُغمطت حقها، ولكن فشل السياسيين السودانيين في تحقيق آمال الشعب السوداني أحبطني ويحبط كل سوداني ويحبط كل إنسان يتابع هذا الإنجاز.

الإمام: السياسيون السودانيون الرواد الحقيقيون هم الذين قادوا ثورة أكتوبر وقادوا كذلك ثورة رجب أبريل ۸٥.

منصور: الانقسام المستوطن بين الأحزاب وعجزها الفطري عن العمل معاً ولو لفترة معقولة من الزمن هذا الأمر أدى إلى مشاكل وصلت في النهاية إلى حل البرلمان.

الإمام: لا يُلقى الكلام على عواهنه، ينبغي أن يقال هناك زيد وعمر خانوا الأمانة،

منصور: ما نحن قاعدين نقول زيد وعمر من ساعتها.. بقالنا دلوقتي كم حلقة عمالين نقول..

الإمام: ولذلك هناك ناس أداؤهم أفضل.. مش ممكن أنت تجمل..

منصور: ما هو محجوب عمال يتهمك انك انت تركت السياسة..

الإمام: سيبك من محجوب.

منصور: لا ما سبنيش من رئيس حكومة كان بيحكم وبيقول ان انت، والراجل مات وانا بمثله هنا. يقول انك انت قمت تركت كل شيء وكان كل همك ان تسقط حكومته لأنه اسقط حكومتك وجاء مكانك، وقمت بمحاولتين كبار لإسقاط الحكومة، واحدة في نوفمبر ٦۷ والثانية في فبراير ٦۸ في وقت كان هناك محاولة في فبراير ٦۸ لدمج حزب الأمة وإذا بك تسعى لإسقاط الحكومة مما أدى إلى حل الجمعية التأسيسية في ۷ فبراير وتم تحديد ۲٦ أبريل ٦۸ لقيام الانتخابات.

الإمام: حل الجمعية التاسيسية كان تآمر ضدي لأنهم كانوا يعتقدون حينما يعملوا انتخابات بالطريقة التي عملوها أنا سأعزل، وإذا بالتصويت ٦۸ يأتي بأن الإمام وأنا في الحكاية دي (الانتخابات)، أنا معي ثلثين القوى الشعبية..

منصور: أنا لسة جاي لك، لما قفلوا البرلمان ومنعوك من دخوله انت والأعضاء، اجتمعت بأعضاء حزبك تحت ظل شجرة.

الإمام: نعم وقلنا إن هذا غلط، وخاطبنا القضاء..

منصور: أنا في اكثر من مصدر حاولت اشوف انت اجتمعت مع كم واحد بس لقيت مصدر بيقول انك انت اجتمعت بأكثر من ۱۰۰ حضروا يعني حتى غير حزبك ناس أيدوك من أعضاء البرلمان..

الإمام: نعم، هو الذي حدث أنا بقول نحن عاوزين فعلا تقييم، انا اقترحت حسة في الأيام الأخيرة دي، انا اقترحت نعمل لجنة للحقيقة منذ ۱۹٥٦ عشان نحدد في كل هذا من الذي فرط في المسؤولية الوطنية؟ ومن الذي تآمر ضد مصالح الشعب إلى آخره لأنه أنا أعتقد هناك كثير ممن كتبوا ويلقون الكلام على عواهنه ويدافعون عن أنفسهم..

منصور: ما انت ما كتبتش..

الإمام: لا كتبت كيف؟

منصور: مذكراتك!

الإمام: مين قالك أنا كتبت مائة كتاب،

منصور: كتبت كتب بس ما كتبتش مذكرات سياسية..

الإمام: ما كتبت مذكرات لكن هناك كتاب كبير ضخم اعطيك نسخة منه اسمه ميزان المصير الوطني فيه كل هذا الكلام مش مذكرات لكن فيه تعرض لكل هذه الأشياء، ما عارف مكتبنا اعطاك نسخة منه أم لا لكن فيه تعرض لكل هذه الأشياء بصورة
أكثر موضوعية لأنه يا أخ أحمد نحن، في مكتبي، تستطيع تقول الجهة الوحيدة التي عندها كلام موثق، كل الأوراق، الآن هذا الكلام الذي أقوله لك كله مدعوم ومكتبي الآن يصدر على جزئين يصدر كل هذه الأشياء موثقة: الانشقاق في حزب الأمة كيف حدث، بالوثائق، فأنا اعتقد بالنسبة لنا كشخص جاي بمفهوم حديث مش السياسة العشوائية والسياسة التلقائية وانما السياسة المخططة، فكل شيء موجود وموثق.

منصور: قبيل الانتخابات التي جرت في ۲٦ أبريل ٦۸ في السودان الحزب الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي بقيادة الأزهري والميرغني اتحدوا تحت حزب واحد سموه الحزب الاتحادي الديمقراطي،

الإمام: نعم

منصور: معنى كدة ان الأحزاب ديت مافيش صراعات ومافيش خلافات جوهرية بيناتها إنما هي زعامات شخصية.

الإمام: يا أخي انا مستغرب لأنه يدان، أصلا في السياسة هناك عنصر شخصي وعنصر سياسي وعنصر صدفة، كل السياسة فيها هذا الكلام لكن المهم السياسة السودانية فيها درجة عاالية جدا من التسامح.

منصور: طيب ليه انتو فشلتم، هم اتحدوا وهم حزبين متناقضين، وانتو كجناحي حزب الأمة فشلتم في الاتحاد في ذلك الوقت.

الإمام: هم الذين قادوا الانشقاق قبلنا، هم انشقوا، هم كانوا الحزب الوطني الاتحادي الذي كونه السيد محمد نجيب في القاهرة.

منصور: بعد ٥۲.

الإمام: هم الذين انشقوا قبلنا، واتحدوا..

منصور: وانتو ليه فشلتو بقى في الاتحاد؟

الإمام: انشقينا واتحدنا تاني.

منصور: لا بس ما دخلتوش ليه الانتخابات متحدين؟ دخلتوا الانتخابات منشقين.

الإمام: ما كانت الانتخابات وردت في ظل الدستور الجديد، ما هو الدستور كان بيكتب، فكان حصل اتفاق ما بين حزب الأمة الجناحين واتفقنا. يعني حصل انشق الوطني الاتحادي إلى حزبين ثم اندمجا وحصل انشق حزب الأمة إلى جناحين ثم اندمجا.

منصور: اندمجتوا متى؟

الإمام: كيف! اندمجنا في عام ٦۸.

منصور: لا بعد الانتخابات مش قبلها.

الإمام: لا اندمجنا في عام ۱۹٦۹م.

منصور: يعني انتو دخلتو الانتخابات التي كانت في ۲٦ أبريل ٦۸ منشقين، الاتحادي الديمقراطي حصل على ۱۰۱ مقعد، جناح الهادي المهدي حصل على ۳۸ ، جناح الصادق المهدي حصل على ۳٥ مقعد، حزب سانو ۱٥ ، المستقلون ۱۰ ،  الأخوان المسلمون..

الإمام: ٤٥ مقعد نحن..

منصور: انتو ٤٥ مقعد؟ انتو خدتو اكثر منهم في الانتخابات؟

الإمام: ايوة نعم خدنا اكثر منهم، ونحن الجناحين فقدنا ۲۰ دائرة بسبب التنافس بين الجناحين.

منصور: بس الهزيمة الأكبر كانت سقوطك انت في الانتخابات.

الإمام: ما سقوطي، الحصل هو الآتي، الأنصار كأنصار عندهم تركيز خاص في النيل الأبيض والخطأ بتاعي أنا أني ترشحت في النيل الأبيض، والترشيح في النيل الأبيض تأثر أكثر من غيره بإشارة الإمام، وصحيح أنا سقطت في هذه الدائرة، ولكن حزبي والجماعة الذين معي نالوا أغلبية (مقارنة بجماعة الإمام) في البرلمان.

منصور: رغم أن الأغلبية كانت للمهدي والميرغني، لكن الصفقة أبرمت بينهم أن يكون إسماعيل الأزهري في الرئاسة وان يصبح غريمك محمد أحمد محجوب رئيس حكومة للمرة الثانية،

الإمام: نعم.

منصور: طبعا كان الأداء مليء بالمشاكل ولم يتوقف السياسيون السودانيون عن المشاكسة مع بعضهم البعض.. انت كنت برة البرلمان..

الإمام: نعم لكن كنت مع اني برة البرلمان، زي ما حكيت لك، يدرك السيد محمد أحمد محجوب أنه وزننا السياسي كان الأكبر في الساحة السياسية السودانية، وهسة الان أنا برة البرلمان وبرة السلطة لكن السلطة تعرض علي في يوم والثاني والثالث المشاركة بأي مستوى أنا عايز، لأنهم يدركوا بأنه عندنا شرعية شعبية، يعني مش ضروري يكون عندك مركز رسمي، لكن الشرعية الشعبية موجودة.

منصور: بينما كان السياسيون السودانيون يتشاكسون، كان العقيد جعفر نميري الذي تلقى دورة تدريبية في الولايات المتحدة لمدة عامين بين عامي ٦٤ و ٦٦ يعد للقيام بانقلاب قام بتنفيذه بالفعل في ۲٥ مايو ۱۹٦۹م، وبقي في السلطة ۱٦ عاماً، في الحلقة القادمة أبدأ معك من..

الإمام: نتحدث عن أسباب الانقلاب وأداء الانقلاب

* رصد وتحرير وتحقيق المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي

الجريدة

تاريخ بث الحلقة الثامنة في قناة الجزيرة يوم الأحد 13 سبتمبر 2015