الإمام الصادق المهدي في الحلقة الخامسة من شهادته على العصر

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الخامسة من شهادته على العصر

 

جريدة الجريدة الثلاثاء 8 سبتمبر 2015 العدد 1516 الصفحة 4
جريدة الجريدة – الثلاثاء 8 سبتمبر 2015 العدد 1516 الصفحة 4

 

تُوثق قناة الجزيرة القطرية عبر ( برنامج شاهد على العصر) الذي يقدمه الإعلامي أحمد منصور للإمام الصادق المهدي، ولازالت الحلقات متواصلة وشيقة ولتسيير المتابعة رأت (الجريدة) نشر الحلقات ..وافق مكتب الإمام مشكوراً على ذلك وأرسل الحلقات محررة وهي جديرة بالإهتمام لمافيها من معلومات ثرة تتوفر لأول مرة.

أحمد منصور: ولد الصادق المهدي في العباسية بأم درمان في السودان في الخامس والعشرين من ديسمبر عام ۱۹۳٥م، والده هو الصديق المهدي مؤسس حزب الأمة وإمام الأنصار خلفاً لجده عبد الرحمن المهدي، التحق الصادق المهدي بداية في جامعة الخرطوم لدراسة الهندسة الزراعية لكنه تركها وانتقل لدراسة الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعة أوكسفرد في بريطانيا، التي تخرج منها عام ۱۹٥۹م (الإمام تخرج في ۱۹٥۷ – المكتب الخاص للإمام)، انغمس بعد عودته للسودان في العمل السياسي، وكان من أبرز المناهضين لنظام عبود العسكري حيث تولى رئاسة الجبهة الوطنية الموحدة المعارضة (الجبهة القومية المتحدة- المكتب) للنظام العسكري حتى سقوطه في العام ۱۹٦٤م، شارك في صياغة ميثاق ثورة أكتوبر عام ۱۹٦٤م، كما اختير في نوفمبر من نفس العام رئيسا لحزب الأمة. انتخب رئيساً لوزراء السودان للمرة الأولى في شهر يوليو عام ۱۹٦٦م وبقي في منصبه حتى منتصف مايو عام ۱۹٦۷م. ترأس الجبهة الوطنية المعارضة لنظام جعفر نميري بين عامي ۱۹۷۲م و ۱۹۷۷م. شارك في ثورة أبريل عام ۱۹۸٥م التي أطاحت بنظام نميري العسكري. انتخب مرة أخرى رئيساً لوزراء السودان في السادس من مايو عام ۱۹۸٦م، وبقي في منصبه حتى أطاح به الانقلاب الذي قاده عمر البشير في الثلاثين من يونيو عام ۱۹۸۹م، يتولى الصادق المهدي إمامة الأنصار علاوة على رئاسته لحزب الأمة. ولم يتوقف نشاطه السياسي بعد الإطاحة به. وقد أدى نشاطه السياسي لاعتقاله عدة مرات. نتابع في هذه الحلقة والحلقات القادمة شهادته على عصر السودان الحديث..

الإمام الصادق المهدي في حواره مع أحمد منصور:

الحلقة الخامسة

بعد وفاة الوالد مباشرة، كثير من الناس كتبوا مذكرة أن أكون أنا الإمام..!!!

نظام الفريق إبراهيم عبود كان نظاماً عسكرياً كلاسيكياً، ولذلك أخطاؤه أخطاء النظم الكلاسيكية العسكرية

 

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الخامسة من شهادته على العصر

 

الثلاثاء 8 سبتمبر 2015

أحمد منصور: يبدو أن فترة الانقلاب العسكري الأول في السودان حددت كثيراً من المشاكل التي لا زالت عالقة. في الحلقة الماضية تحدثت عن أزمة مياه النيل، وكيف أن الانقلاب لعب دوراً رديئاً بالاشتراك بينه وبين عبد الناصر في تهميش باقي الدول، مما أدى إلى الأزمات القائمة الآن. هناك مشكلة أيضاً كبيرة ادت إلى شق السودان إلى نصفين وهي مشكلة جنوب السودان: (لقد كان نظام عبود بحق نموذجاً للاستبداد والطغيان في الشمال والجنوب، ففي الشمال لم يحتمل النظام وجود أي معارضة أما في الجنوب فقد هدته حكمته إلى أن السبيل الوحيد للتغلب على الصراع الجنوبي هو القمع والمزيد من القمع، وكان من أهم نتائج هذا القمع شيئان: انتقال الجنوبيين للمرة الأولى بقضيتهم إلى الدول الأفريقية المجاورة مما أعطى المشكلة السودانية الداخلية بعداً إقليمياً، وبروز المعارضة المسلحة في أشكال مختلفة تطورت في النهاية إلى حركة « أنيانيا »، كما أصبح موقف المنظمات السياسية الجنوبية أكثر تشدداً نحو الانفصال، ومن جانبهم اصطحب التبشيريون الحقيقة معهم إلى الخارج.. وقاموا بتعبئة الرأي العام ضد النظام لحربه ضد المسيحية)، هذا منصور خالد في كتابه عن السودان صفحة ۲۳۸.

الإمام: نظام الفريق إبراهيم عبود كان نظاماً عسكرياً كلاسيكياً، ولذلك أخطاؤه هنا هي أخطاء النظم الكلاسيكية العسكرية: القمع، وهي نظم أمنجية، ليس فيها اجتهاد سياسي. ولذلك هذا الخطأ نعم هو قد ارتكبه وهو جزء من أخطاء النظم الأمنجية العسكرية التي منيت بها المنطقة، ولكن في إدارته للشان الدبلوماسي وللشأن الاداري كان تقليدياً ولم يصب بهاجس أيديولوجي. ولكنه ارتكب في رأيي ثلاثة أخطاء دخلت في سجل الويلات المدمرة للوطن. أولها أنه عندما استولى على السلطة، وحل الأحزاب السياسية، وحل البرلمان وحل مجلس السيادة؛ بالنسبة للجنوب هذا وقع وقعاً أكثر حدة، لأن السياسيين الجنوبيين كانوا يشتركون في الشأن العام في مستوى مجلس السيادة، وفي مستوى مجلس الوزراء، وفي مستوى البرلمان، وعندهم أحزابهم، كان عندهم هذا الوجود. بعد أن حلت هذه الأجهزة، كل هؤلاء منذ اللحظة الأولى لجأوا إلى خارج السودان: يوغندا، كينيا، الكونغو، إلى آخره. هذا من البداية خلق مراكز تظلم وغبن جنوبي، كونوا هناك ما سمي سانو وهو Sudan African National Union. هذا هو الحزب السياسي الذي كونوه.

أحمد منصور: ومعناه الاتحاد السوداني الافريقي..

الإمام: خطأ ثاني: كان العسكريون الذين اشتركوا في تمرد عام ۱۹٥٥م، وكما قلت بعد ذلك هدأ الجنوب تماماً، واشترك الجنوبيون بصورة طبيعية في كل العملية السياسية، ولكن العسكريين الذين تمردوا كعسكريين، حوكموا محاكمات عادلة، وسُجنوا. عندما همّ السيد إبراهيم عبود أن يذهب كرئيس للوفد السوداني لأديس أبابا، للاشتراك في افتتاح منظمة الوحدة الأفريقية، قام بخطوة اعتبرت في نظره نوع من التصالح، خطوة تصالحية.

أحمد منصور: ما هي؟

الإمام: أطلق سراح هؤلاء العسكريين، ولكن عادة في كل عمليات فيها عسكريين يُطلق سراحهم يؤخذ في الحسبان أن هؤلاء جماعة مدربة، ولا بد أن تعطى شيئاً، إما أن تستوعب في عمل عسكري أو تعطى عمل مدني، ولكن لا يتركوا..

أحمد منصور: يتفننوا في ازاي يتسخدموا قدراتهم..

الامام: أيوة، والذي حصل أن هؤلا خرجوا، واجتمعوا مع السياسيين الذين كانوا في الخارج..

أحمد منصور: الجنوبيين..

الإمام: الجنوبيين، وكونوا حركة أنيانيا المسلحة، فكانت المعارضة إلى حد كبير سياسية تحولت إلى عسكرية، فصارت عسكرية سياسية. هذا في رأيي فتح باباً منذئذٍ لأمرين صحبا مشكلة الجنوب حتى آخر عهدها، والأمران هما اللجوء للحل العسكري، واللجوء للاستنصار بالأجنبي..

أحمد منصور: ده هنا في هذا الوقت تماماً استنصروا بالولايات المتحدة، وفرنسا وبريطانيا والدول الغربية..

الإمام: بناس كثيرين جداً بما فيهم إسرائيل.

أحمد منصور: على إنهم مسيحيون مضطهدون من المسلمين الشماليين.

الامام: نعم، وطبعاً زاد الطين بلة في هذا الموضوع، والذي عظم دور البعد المسيحي هو أن النظام العسكري قرر توحيد التعليم في السودان..

أحمد منصور: شمالاً وجنوباً وكل شيء..

الإمام: نعم.. كله.

أحمد منصور: بلد فيها ۲٥۰ لغة، وفيها أكثر من خمسمائة قومية..

الامام: ولذلك اتخذوا كذلك قراراً بالتعريب، وكذلك إجراءات مثل تحويل يوم الإجازة الأسبوعي من الأحد إلى الجمعة في الجنوب.

أحمد منصور: لقد قلت لنا هذا من قبل لكيلا نعيده من جديد.

الإمام: المهم في هذا إنه خلق الظروف التمردية المسلحة المدعومة من جهات أجنبية.

أحمد منصور: نحن هنا نحاول أن نفهم جذور قصة الجنوب التي وصلت إلى انفصاله في عام ۲۰۱۱م.

الامام: نعم، كما قلت لك البذرة الأولى هي السياسة الإمبريالية، سياسة الاحتلال الأجنبي التي أقامت العلاقة بين الشمال والجنوب على أساس (ابارتايد)، على أساس الفصل، جاء النظام العسكري وأضاف لبنة أخرى لهذه السياسات. والموضوع الثالث والمهم كما قلت هو التأسيس لتحالف مضاد للسودان ومصر في..

أحمد منصور: إفريقيا؟

الإمام: في دول المنبع.. ففي رأيي هذه الأخطاء الثلاثة هي الموروثات السامة من النظام العسكري الأول في السودان، وكان لها ما لها من دور في تسميم التجربة السياسية السودانية.

أحمد منصور: فضيلة الإمام، هنا في نقطة مهمة جداً، آمل من كل الشعوب أن تفهمها والذين يتابعون البرنامج، وهي أن كثيراً من المشكلات التي نعايشها الآن هي نتاج لسياسات ربما بدأت قبل خمسين أو ستين أو مائة عام، وأخطاء تراكمت لم تعالج وبقيت حتى وصلت إلى هذه المرحلة التي لا حل لها.

الامام: نعم، نحن في كلامنا سنتابع هذا الموضوع، ونرى كيف أن هذه البذرة الخبيثة تطورت عبر الظروف المختلفة، ولعبت دورها في انفصال الجنوب.

أحمد منصور: أنت كلمتني في الحلقة الماضية عن أن نظام عبود قام بالقبض على كل السياسين الذين يجتمعون مع والدك إلا
والدك، وقد تم ذلك في ۱۱ يوليو ۱۹٦۰م، كان من بينهم محجوب وأحمد سليمان، وعبد الخالق محجوب، ونقد لله، ونفاهم لمدة سبعة أشهر في جوبا عاصمة المنطقة الاستوائية في السودان، وعزلوا تماماً عن الدنيا حتى أن محجوب يقول لم نكن حتى نستمع إلى الراديو، لا نعلم ماذا يحدث.

الإمام: تمام.

أحمد منصور: أنا هنا من خلال متابعتي للوثائق الأمريكية لاحظت أمرين: الأول هو أن كل الدبلوماسيين الغربيين بمستوياتهم المختلفة عبارة عن جواسيس. لو قابلت أحدهم في إشارة مرور وقلت له سلام عليكم، سيبعث تقرير إن الصادق المهدي قابلني في إشارة المرور وقال لي السلام عليكم. الشيء الآخر هو أن العسكر دائما يتحالفون مع المثقفين العلمانيين ويستخدمونهم كواجهة لترسيخ الوجه المدني لانقلاباتهم، وهذا ما فعله عبود.

الإمام: ليس مع العلمانيين وحدهم. العسكريون يتحالفون مع القوى السياسية المستعدة كلها. فيها إسلاميون، فيها قوميون، فيها كل هذه الأشياء، وفي الواقع للأسف الشديد اتضح تماماً ضعف الطبقة المثقفة أيا كانت انتماءاتها الفكرية في قبول التعاون مع العسكريين.

أحمد منصور: ما هو مصير من يتعاون مع العسكر، ويصبح –عفواً- ماسحة لحذاء العسكر؟ وفي النهاية يقذف به في أية لحظة إلى الخارج ويجتر الندم طوال حياته.

الإمام: الذي حدث بالنسبة لهذا الانقلاب في السودان أن عدداً كبيراً من المدنيين والمثقفين بالفعل انخرطوا مع النظام، ولكن كذلك القوى السياسية التي عارضت كان حجمها كبيراً، ووجدت رعاية من تنظيمات عندها شعبية أهمها حزب الأمة، لأن حزب الأمة منذ البداية وحتى النهاية اتخذ موقفاً معادياً. والدي في أثناء احتضاره..

أحمد منصور: والدك اصيب بذبحة صدرية كانت نتيجة لإصابته، مثل جدك، أصيب وتوفي سنة ۱۹٥۹م، والدك وجدك ضحايا للانقلاب.

الإمام: نعم، ما في شك في ذلك.

أحمد منصور: والدك تأثر بأحداث المولد الشهيرة في ۲۱ أغسطس ۱۹٦۱ ، والتي قتل فيها ۱۷ من الانصار هل تتذكر هذه الأحداث؟

الامام: نعم اتذكرها جداً، لأنها كانت مهمة جداً في تأكيد دور المواجهة الاستقطابي بيننا وبين نظام الفريق إبراهيم عبود.

أحمد منصور: هنا برضه كعبرة للشعوب. الشعب السوداني، لأنني تابعت فترة عبود متابعة دقيقة، بشكل شبه يومي، الشعب السوداني سجل صموداً تاريخياً ضد الانقلاب العسكري لمدة ست سنوات حتى أسقطه.

الامام: نعم هذا صحيح، وليس هذا فقط. الشعب السوداني طبعاً كان رائداً في مسائل الانتفاضة والتخلص السلمي من الانقلاب العسكري في السودان.

أحمد منصور: أنا حاجي ليها، بس مش عاوز استبق الأحداث، أنا معك واحدة واحدة.. أنا هنا في والدك وأحداث المولد الشهيرة، ولأن والدك هنا أصبح على فراش المرض، بشكل سريع سأعطي المشاهدين نبذة صغيرة عنه: الصديق المهدي هو الرئيس لحزب الأمة وزعيمه، ولد في أم درمان ۱۹۱۱م، تخرج من كلية الهندسة في كلية غردون، كان ضمن وفد الجبهة الاستقلالية الذي ذهب إلى مجلس الأمن في نيويورك ۱۹٤۷م. حينما توفى جدك الإمام عبد الرحمن المهدي في ۲٤ مارس ۱۹٥۹ أصبح والدك إمام الانصار وزعيم حزب الأمة. بعدما أصيب بالذبحة الصدرية توفي في ۲ أكتوبر ۱۹٦۱م. ما الذي تذكره من وصية والدك كما كنت تريد أن تقول وهو على فراش الموت؟

الامام: وفاة والدي لو ذكرت لك تفاصيلها أشبه بمسرحية، أنا نفسي ما كنت أصدق أنه محتضر.

أحمد منصور: احكي لنا تفاصيل هذه المسرحية.

 

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الخامسة من شهادته على العصر

 

الإمام: الوالد أحس بشيء في صدره بعد ٤۰ يوماً من حوادث المولد التي حزت في نفسه بصورة كبيرة لما فيها من ضيم. لأن هذه كانت مجموعة مدنية هُجم عليها وقُتل منها من قتل، وهو ما كان بيده ما يفعله لحمايتهم. وكانوا في المولد! لكن..ما حدث كان في يوم ۲۱ أغسطس..

أحمد منصور: هل هذا مولد الجد؟

الإمام: لأ، مولد الرسول صلى لله عليه وسلم. في آخر يوم في شهر سبتمبر، أي بعد أربعين يوماً..

أحمد منصور: يعني قبل ثلاثة أيام من وفاته..

الإمام: أيوة.. أرسل لي الصباح، ( وقال لي: ) الصادق انا شاعر بزمّة في صدري، اذهب إلى منصور علي حسيب وهو كان طبيب (دكتور) دفعته، ليأتي. مشيت جئت بدكتور منصور علي حسيب. كان اليوم سبتاً، المهم الوالد بعد ذلك
تدهورت صحته بسرعة.

أحمد منصور: خلال ثلاثة أيام..

الإمام: في ۲ أكتوبر قال لي، وكان واضحاً من احساس الأطباء أنه يحتضر. الغرفة كان فيها كان فيها ما لا يقل عن مائة
شخص، أي كان المشهد مشهد مأساوي كبير جداً. قال لي اذهب ونادي فكي (الفقيه) عبد الله اسحق ليقرأ الراتب. وعندنا قراءة الراتب دائماً بعد صلاة العصر وبعدها حزب من القرآن.

أحمد منصور: ما هو الراتب؟

الإمام: هو راتب الإمام المهدي، هو أوراد..

أحمد منصور: آه، أوراد، أذكار.

الإمام: نعم، فقرأها الفكي عبد الله اسحق، وقرأ حزب القرآن..

أحمد منصور: الحزب أربعة أرباع، نصف جزء.

الإمام: نصف الجزء. قال لي يا صادق: خيركم من مات على وصية. والناس موجودة كلها، و(قال): ليس منا من مات ووصيته ليست تحت وسادته، الأيام لم تمهلني، تعال جيب قلم وورقة واكتب، وأخذ يملي علي الآتي: نحن ليس لدينا مصلحة ولا مطلب خاص، مطلبنا الحريات للشعب السوداني..

الأستاذ أحمد منصور بدأ يقرأ نص الوصية: (إننا لا نكن عداء خاصاً لأحد، وليس لدينا مطلب خاص، وإن مطلبنا هو مطلب البلاد قاطبة في أن تحكم بالشورى والديمراطية، وأن يعطى الناس الحريات الأساسية، فاحرصوا على تحقيق هذه المطالب مهما كلفكم الحرص).

الإمام: نعم، بعدين الأنصار..

أحمد منصور قرأ باقي الوصية: (بعد وفاتي يتألف مجلس شورى برئاسة السيد عبد الله الفاضل المهدي، وعضوية السادة الهادي ويحي وأحمد والصادق المهدي، ويرعى هذا المجلس شئوننا الدينية والسياسية بكلمة موحدة حتى تنقضي الظروف الحالية في البلاد، وعندما تلتفتوا لأمر اختيار الخليفة الذي يكون إماماً يكون ذلك عن طريق الشورى بقرار الأنصار).

الامام: بعد أن قال هذا الكلام، كان كلما يتكلم الأطباء يقولون له يا سيد اسكت، ليس من مصلحتك أن تتكلم. يقول لا أنا عليَّ مسئولية. بعد أن فرغ من هذا الكلام كله، انتهينا من هذا الكلام، وأنا كتبته، وانتهى الحزب من القرآن، قال لي: الفاتحة على حياة والدك،

أحمد منصور: من؟ هو؟ أبوك الذي يسألكم الفاتحة؟

الإمام: أيوة، في السودان عندنا العزاء هكذا (رافعا يديه بالفاتحة).

أحمد منصور: نعم، حتى في مصر.

الإمام: العزاء بالفاتحة. الفاتحة على روح والدك. يعزيني في نفسه..

أحمد منصور: الفاتحة في الزواج والوفاة وكل شيء..

الإمام: يعزيني في نفسه!

منصور: سبحان لله!

الإمام: الفاتحة على حياة والدك، والآن دعوني ارتاح. قلع ال.. كانوا عاملين له..

أحمد منصور: أوكسجين..

الإمام: أوكسجين وما بعرف إيه حاجات زي دي، وجلوكوز عاملين ليه الأنابيب دي، قلع الاشياء دي وقال: الآن دعوني ارتاح، ورقد.

أحمد منصور: كانت رقدة الموت!

الإمام: كانت رقدة الموت! يعني كما أقول وهذا طبعاً في مشهد من الناس، كان هناك ۱۱ طبيب، وغير الأطباء هناك كل الأسرة والأهل والأنصار، كلهم موجودون. ففي مشهد كبير جداً تاريخي قام بهذا العمل. أنا لغاية ما رفع الفاتحة ما كنت مصدق أنه وصل لهذا الألم وهذه النهاية. في واحد اسمه استاذ مورغان، كان يتكلم مع واحد من أصدقاء الإمام، قال له وهو طبعا مورغان لا أظنه مؤمن بهذه المسألة، قال له: لو هناك جنة، فصاحبكم هذا سيذهب إليها مباشرة، لأنه من شدة ألم هذه الذبحة، سيكون إما مخدر لا يستطيع أن يتكلم أو متالم لا يستطيع يتكلم. أما أنه غير مخدر وغير متألم لكي يتكلم فهذه بالنسبة له حاجة غريبة.

أحمد منصور: كيف وقع الاختيار على عمك الامام الهادي المهدي ليكون إماماً للأنصار؟

الامام: الحقيقة أنه بعد وفاة الوالد مباشرة، كثير من الناس كتبوا مذكرة أن أكون أنا الإمام..

أحمد منصور: (متعجباَ!) كنت صغير السن.

الإمام: نعم، هذا كان رأي هؤلاء، طبعاً لأنهم كانوا حريصين على استمرار الخط السياسي..

أحمد منصور: ۳٦ سنة كان عمرك؟ ۲٦ سنة..

الإمام: ۲٦ سنة.. المهم. اجتمعنا في بيت عمي الهادي، أحمد الخامس كان غائباً، فاجتمعنا عبد الله والهادي ويحي وأنا.. وقرأت عليهم الوصية لأنها كانت عندي أنا وليست عندهم.

أحمد منصور: كانوا حاضرين والدك يوميها؟

الإمام: السيد عبد الله لم يكن حاضراً، الثانين كانوا حاضرين، أحمد كان غائباً، السيد عبد الله كان سافر ماشي لموسكو عنده عمل تجاري، وكان بيعمل ترانزيت في روما، فعُمل له ترتيب يرجع بسرعة بعد وفاة الإمام، حضر الاجتماع الأول لنا كمجلس خماسي، مجلس وصية، وهو رئيس هذا المجلس بحسب الوصية. فقال..

أحمد منصور: هو عمك..

الإمام: هو عمي، عبد الله الفاضل المهدي.

أحمد منصور: أنت الوحيد الابن والبقية أعمامك؟

الامام: نعم أنا الوحيد والبقية أعمامي.

أحمد منصور: يعني أربعة من إخوان والدك وانت فقط الابن..

الإمام: نعم. السيد عبد الله قال لا يجوز أن ننتظر، نحن في ظرف معادٍ، واذا انتظرنا ستدخل مؤامرات، ولذلك يجب أن نختار نحن الإمام وليس الأنصار.

أحمد منصور: كان والدك دفن ولا لسة؟

الإمام: لسة ما دفن.

أحمد منصور: يعني انتو اجتمعتوا..

الإمام: وهو لسة ما دفن.. كلام عمي عبد الله أن التقليد عندنا في السودان أن من يُختار خليفة يصلي هو على جنازة المتوفي،

أحمد منصور: الخليفة المتوفي..

الإمام: لذلك نحن حسب التقاليد نختار. أنا عارضت، قلت إن الامام الصديق أدخل قاعدة جديدة في الخلافة، وهي الخلافة الشورية بمشاركة القاعدة الشعبية. عماي الآخران أيدا كلام عمي الكبير، وهو السيد عبد الله، فصرت واحداً قصاد ثلاثة.

أحمد منصور: طول عمرك متمرد.

الإمام: (ضحك)، واحد قصاد ثلاثة. السيد عبد الله قال أنا لا أريد أن أكون الإمام..

أحمد منصور: بقيت انت واثنين من أعمامك.

الإمام: أيوة، ثم خاطب يحي (قال له) انت يا يحي لا يمكن ان تتطلع واخوك الأكبر موجود، يحي قال نعم.

أحمد منصور: إذن ..

الإمام: قال إذن هي بين الهادي والصادق.

أحمد منصور: الهادي عمك الأكبر.

الإمام: نعم عمي الأكبر، أنا كان واضحاً لي أنني صرت أياً كان السند الشعبي الذي عندي، أنني بين أعمامي في أقلية. فقلتُ أسهل لي أن أتبع عمي من أن يتبعني عمي، أنا مستعد أن أؤيد إمامة عمي الهادي بشرطين.

أحمد منصور: ما هما؟

الإمام: الأول أن أعلن على الملأ أن دستور الامامة هو الانتخاب..

أحمد منصور: قاعدة جديدة..

الإمام: ونحن خالفناها مؤقتاً..

أحمد منصور: آه، باختياركم هذا..

الإمام: ونقول نحن خالفناها، أنا أقول أننا خالفناها لأنني الأمين عليها. ثانياً ألا يتغير الخط السياسي ضد النظام العسكري.

أحمد منصور: انت كنت خايف عمك يغير الخط؟

الإمام: المهم أنا كنت عاوز أعمامي كلهم يؤيدون الاستمرار، لأن والدي مؤكد وضوح رؤيته في موضوع الديمقراطية كان واضحاً جداً..

أحمد منصور: أعمامك كلهم كانوا بيعملوا في السياسة؟

الإمام: نعم طبعاً كانوا بيعملوا في السياسة.

أحمد منصور: هل كان عندهم نفس وضوح رؤية والدك وجدك وأدائهم أم..

الإمام: مش ضروري، ما كان عندهم.. يعني السيد عبد الله كانت عنده مؤكد كان يقود بعض الوفود لمصر خصوصا لأنه كانت لديه علاقات خاصة بمصر، وكانت عنده صداقة أيضاً بمحمد نجيب، وكان عنده نعم دور سياسي، وحتى كان مرشح في الانتخابات، ولكن لم يكن عنده وضع قيادي ما في تركيبة حزب الأمة.

أحمد منصور: قل لي بصراحة ووضوح وللتاريخ، رغم إن عمرك كان ۲٦ سنة، ألم تكن تتوق للخلافة والإمامة في ذلك الوقت؟

الامام: أبداً، ولو كنت كذلك، كنت أعلم أن هناك مذكرة مكتوبة من كثيرين كنت أتمسك بها، ولكني بسهولة جدا قلت لا أنا، وأنا طبعا ما عاوز يحصل انقسام في صفوفنا ونحن مواجهين عدو مشترك.

منصور: ووالدك لسة ما اتدفنش.

الإمام: لسة ما اتدفنش. فوافقوا على ذلك، ولذلك بينما والدي يدفن نُصب لي مايكروفون، وقلت فيه الآتي: أقرأ عليكم وصية الإمام، وقرأتها، وستكون هذه الوصية ما نحرص عليه في المستقبل، ولكننا في المجلس الخماسي لمصلحة رأيناها، لم أدخل في أننا انقسمنا ولا ما انقسمنا، لمصلحة رأيناها رأينا أن نقدم عمي الإمام الهادي إماماً، وأن الخط السياسي سيكون كذا وكذا وكذا، وقرأت الكلام المتعلق بالمستقبل. فوافق الناس كذلك.

أحمد منصور: بايعوا عمك.

الإمام: نعم، وبويع عمي إماما للأنصار بعد والدي.

 

جريدة الجريدة الأربعاء 9 سبتمبر 2015 العدد 1517 الصفحة 4
جريدة الجريدة – الأربعاء 9 سبتمبر 2015 العدد 1517 الصفحة 4

 

الحلقة الخامسة الجزء الثاني

تُوثق قناة الجزيرة القطرية عبر ( برنامج شاهد على العصر) الذي يقدمه الإعلامي أحمد منصور للإمام الصادق المهدي، ولازالت الحلقات متواصلة وشيقة ولتسيير المتابعة رأت (الجريدة) نشر الحلقات ..وافق مكتب الإمام مشكوراً على ذلك وأرسل الحلقات محررة وهي جديرة بالإهتمام لمافيها من معلومات ثرة تتوفر لأول مرة.

أحمد منصور: ولد الصادق المهدي في العباسية بأم درمان في السودان في الخامس والعشرين من ديسمبر عام ۱۹۳٥م، والده هو الصديق المهدي مؤسس حزب الأمة وإمام الأنصار خلفاً لجده عبد الرحمن المهدي، التحق الصادق المهدي بداية في جامعة الخرطوم لدراسة الهندسة الزراعية لكنه تركها وانتقل لدراسة الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعة أوكسفرد في بريطانيا، التي تخرج منها عام ۱۹٥۹م (الإمام تخرج في ۱۹٥۷ – المكتب الخاص للإمام)، انغمس بعد عودته للسودان في العمل السياسي، وكان من أبرز المناهضين لنظام عبود العسكري حيث تولى رئاسة الجبهة الوطنية الموحدة المعارضة (الجبهة القومية المتحدة- المكتب) للنظام العسكري حتى سقوطه في العام ۱۹٦٤م، شارك في صياغة ميثاق ثورة أكتوبر عام ۱۹٦٤م، كما اختير في نوفمبر من نفس العام رئيسا لحزب الأمة. انتخب رئيساً لوزراء السودان للمرة الأولى في شهر يوليو عام ۱۹٦٦م وبقي في منصبه حتى منتصف مايو عام ۱۹٦۷م. ترأس الجبهة الوطنية المعارضة لنظام جعفر نميري بين عامي ۱۹۷۲م و ۱۹۷۷م. شارك في ثورة أبريل عام ۱۹۸٥م التي أطاحت بنظام نميري العسكري. انتخب مرة أخرى رئيساً لوزراء السودان في السادس من مايو عام ۱۹۸٦م، وبقي في منصبه حتى أطاح به الانقلاب الذي قاده عمر البشير في الثلاثين من يونيو عام ۱۹۸۹م، يتولى الصادق المهدي إمامة الأنصار علاوة على رئاسته لحزب الأمة. ولم يتوقف نشاطه السياسي بعد الإطاحة به. وقد أدى نشاطه السياسي لاعتقاله عدة مرات. نتابع في هذه الحلقة والحلقات القادمة شهادته على عصر السودان الحديث..

الإمام الصادق المهدي في حواره مع أحمد منصور:

لمصلحة رأيناها قدمنا عمي الهادي إماماً، وقرأت الكلام المتعلق بالمستقبل. فوافق الناس كذلك

عبود قعد يتسائل: كل هؤلاء الناس ضدي؟ وطبعاً هو ليس سياسياً …فأجاب، إذن أنا لا يمكن أن استمر… فحل المجلس الأعلى وحل مجلس الوزراء

 

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الخامسة من شهادته على العصر

 

الأربعاء 9 سبتمبر 2015

أحمد منصور: هل كان عندهم نفس وضوح رؤية والدك وجدك وأدائهم أم..

الإمام: مش ضروري، ما كان عندهم.. يعني السيد عبد الله كانت عنده مؤكد كان يقود بعض الوفود لمصر خصوصا لأنه كانت لديه علاقات خاصة بمصر، وكانت عنده صداقة أيضاً بمحمد نجيب، وكان عنده نعم دور سياسي، وحتى كان مرشح في الانتخابات، ولكن لم يكن عنده وضع قيادي ما في تركيبة حزب الأمة.

أحمد منصور: قل لي بصراحة ووضوح وللتاريخ، رغم إن عمرك كان ۲٦ سنة، ألم تكن تتوق للخلافة والإمامة في ذلك الوقت؟

الامام: أبداً، ولو كنت كذلك، كنت أعلم أن هناك مذكرة مكتوبة من كثيرين كنت أتمسك بها، ولكني بسهولة جدا قلت لا أنا، وأنا طبعا ما عاوز يحصل انقسام في صفوفنا ونحن مواجهين عدو مشترك.

أحمد منصور: ووالدك لسه ما اتدفنش.

الإمام: لسه ما اتدفنش. فوافقوا على ذلك، ولذلك بينما والدي يدفن نُصب لي مايكروفون، وقلت فيه الآتي: أقرأ عليكم وصية الإمام، وقرأتها، وستكون هذه الوصية ما نحرص عليه في المستقبل، ولكننا في المجلس الخماسي لمصلحة رأيناها، لم أدخل في أننا انقسمنا ولا ما انقسمنا، لمصلحة رأيناها رأينا أن نقدم عمي الإمام الهادي إماماً، وأن الخط السياسي سيكون كذا وكذا وكذا، وقرأت الكلام المتعلق بالمستقبل. فوافق الناس كذلك.

أحمد منصور: بايعوا عمك.

الإمام: نعم، وبويع عمي إماما للأنصار بعد والدي.

أحمد منصور: هنا الحزب سار على نفس النهج المعارض للنظام العسكري أم اهتز؟

الإمام: ما كان هناك حزب كما قلت لك. لكن التيار، الاتجاه..

منصور: الأنصار..

الإمام: وقعت مشكلة

أحمد منصور: ما هي؟

الإمام: اجتمعنا نحن اللجنة التنفيذية للجبهة القومية المتحدة التي فيها أحزاب غيرنا، واتفقنا على صيغة ما ليكون خطاب الإمام في هذه المناسبة، وهي مناسبة الاستقلال يناير عام ۱۹٦۲م أن يكون فيه معان معينة. الإمام الهادي تدخل آخرون لا أدري من هم وغيروا بعض العبارات في هذا الكلام. حينما قرأ الإمام الخطاب دعاني زملائي باعتباري كنت الأمين العام في الجبهة القومية المتحدة وقالوا لي ما التفسير؟ ومنذئذٍ بدأت مشكلة..

أحمد منصور: بينك وبين عمك.

الإمام: ليست بيني وبين عمي، ولكن صارت مشكلة كأنما نحن الأنصار ..

أحمد منصور: اختلف موقفكم.

الإمام: غيرنا موقفنا..

أحمد منصور: لكن هنا كان التصاعد لمواجهة الانقلاب بدأ يزداد في كل القطاعات في كل الاتجاهات. الطلاب لعبوا دورا كبيرا، بزغ نجم الدكتور حسن الترابي كزعيم للأخوان المسلمين في السودان، أصبح الإسلاميون أيضاُ في خط المواجهة. الإضرابات أخدت بعد جديد. محمد احمد محجوب يصف في صفحة ۱۸۹ من مذكراته دور الطلبة في تأجيج ثورة ۲۱ أكتوبر ۱۹٦٤ ، يقول: (وفي الخرطوم وصلت الإضرابات الطلابية أبعاد جديدة بعد أن جاء قرار حكومة عبود بإلغاء قانون جامعة الخرطوم كعارض من أعراض التلف داخل النظام العسكري، فقد حد القرار استقلال الجامعة، ووضعها تحت سلطة وزير التربية الذي كان أحد جنرالات المجلس العسكري، وقد عارض الطلاب والمعلمون على السواء القرار، فأدى ذلك إلى وقوع
اضطرابات في الحرم الجامعي، ومع ازدياد حدة الأزمة في الجنوب اغتنم طلاب جامعة الخرطوم الفرصة لبدء سلسلة من المناقشات حول مشكلة الجنوب، وفي البداية لم تبد اعتراضاً الحكومة، ولكنها عندما قرر الاجتماع الأول بالإجماع أنه ليس بالإمكان إيجاد تسوية قبل استقالة الحكومة العسكرية تدخل المجلس العسكري). الأمور بدأت تتطور، استؤنفت المناقشات علناً، يوم الأربعاء ۲۱ تشرين أكتوبر ٦٤ وقعت مصادمات، أصيب رجال شرطة وأصيب بعض الطلبة، ذهب هو لزيارة المستشفى، قتل أحد الطلبة، واشتعلت.

الإمام: هذا ليس التسلسل الذي حصل، صحيح بعد ذلك استمر الرفض بصورة واضحة. الإمام الهادي نفسه كان يرسل مذكرات ضد العسكر، الحركة الطالبية والحركة العمالية لعبت دوراً مهما جداً خاصة نقابة السكة حديد، وهذا كان يدل على تصاعد التحفز ضد النظام، ولكن الشيء الذي أشعل الفتيل هو أن النظام العسكري طرد القساوسة الأجانب.

أحمد منصور: من جنوب السودان، بس طردهم ٦۲؟

الإمام: لا ٦۳…
أحمد منصور: بس حتى ٦۳ نحن الآن في ٦٤

الإمام: ما انا بقولك إنه طردهم، عاوز اقولك يعني تسلسل الأمور. طردهم وحينما طردهم هم خرجوا وعززوا العمل الخارجي، لما طلعوا..

منصور: ضد الانقلاب..

الإمام: ضد الانقلاب ومع المعارضة. أنا كتبت كتاباً في أبريل ۱۹٦٤م قلت فيه إن مشكلة الجنوب ليست مشكلة أمنية، هي مشكلة ثقافية وسياسية واقتصادية وهكذا، ولا بد أن تناقش بحرية لنتفق على الحل. هذا طلع في كتيب اسمه (مسالة جنوب السودان) وطُبع. لغاية دلوقتي مسألة الجنوب ما أشعلت حاجة، لكن..

أحمد منصور: في ذلك الوقت.

الإمام: استدعاني وزير الداخلية أحمد مجذوب البحاري.

أحمد منصور: ضابط عسكري.

الإمام: ضابط. وزير الداخلية، قال لي لولا رهطك لرجمناك، لولا أهلك لكنا اعتقلناك في هذا الكلام. اسحب هذا الكلام.

أحمد منصور: الكتاب صدر وطبع؟

الإمام: صدر وطبع، في..

أحمد منصور: هم كانوا يقفلون الصحف ويصادرون الرأي وكل شيء.

الإمام: أيوة، ولكن المهم هذا صدر كتيب، الكتيب موجودة منه نسخ الآن يعني. قال لي أنا كان مفروض اعتقلك، لكن دلوقتي انبهك اسحب هذا الكلام. قلت له لن اسحبه، سكت. العسكريون كانوا في ذلك الوقت أعقل ممن أتوا بعدهم. المهم ما عمل شيء. الطلبة في عملهم ونشاطهم في الجامعة طلبوا من الدكتور حسن الترابي، وكان في ذلك الوقت عميداً لكلية القانون. الدكتور حسن جاء قال نفس الكلام الذي قلته في الجامعة.

أحمد منصور: الذي قلته أنت.

الإمام: أيوة، نفس الكلام الذي قلته في أبريل هو جاء وقاله في أكتوبر. في ذلك الوقت المناخ تغير، انا قلته في حديد بارد، هو قاله في حديد ساخن.

أحمد منصور: طيب عاوز أقف هنا بين الحديد البارد الذي قلته والساخن الذي قاله وما بينهما.

الإمام: ما بينهما النشاط الطلابي.

أحمد منصور: لأ وفي حاجة تانية كمان، أنا لاحظتها هنا وانت ربما ذكرتها في كتابك الذي لم أقرأه أو هذا الكتيب. الوثائق الأمريكية عن هذه المرحلة كانت حافلة بالنقاشات التي كانت تدور بين أهل السودان في ذلك الوقت عن جانب خطير جداً وهو الأفرقة والعروبة. الصراعات العنصرية بين عرب السودان وأفارقته. وكثير من الناس، وربما كنت أنا منهم في وقت ما أعتقد أن العنصرية هي أوربية وغربية بين البيض والسود، ولكن اكتشفت هنا وأنا أقرأ تاريخ السودان في ذلك الوقت أن هناك عنصرية بائسة بين السودانيين أنفسهم.

الإمام: نعم صحيح، وأنا أعطيك كتابا كتبته مؤخراً اسمه (الهوية السودانية بين التسبيك والتفكيك). التسبيك الوحدة، والمهم تعالج هذا الموضوع أو تخاطب هذه المشكلة.

أحمد منصور: نحن هنا كيف نأتي في مجتمع شبه متقارب فيما بينه في كل شيء. أهل السودان طيبون وبسطاء، حتى الوزير يقعد في الشارع عادي ما حدش يعرف ان هذا وزير إلا اذا حد قال دة وزير. كيف في هذا الجو توجد هذه العنصرية المقيتة؟

الإمام: في كل امتنا العربية توجد هذه العنصرية، ما بين العرب والاكراد، ما بين العرب والأمازيق، هناك مشكلة.. المهم هذه مشكلة..

أحمد منصور: والبدون والمواطنين الخليجيين، يعني حاجات بائسة.

الإمام: المهم هذه مشكلة. المهم في الموضوع الطلبة بعد ذلك اللقاء الذي تم وقال فيه الدكتور حسن الترابي المحاضرة، انتهت تلك المحاضرة بسلام، ولكن الطلبة عقدوا اجتماعاً أو ندوة ثانية في داخلية من داخليات الجامعة، هذه ما كان مخاطبها سياسيين، منهم وفيهم بتكلموا. الداخلية منعت هذه الندوة، ومدير البوليس في ذلك الوقت في رأيي كان إنسان أحمق، تصرف فض هذه الندوة بالرصاص. مات اثنين منهم أحمد قرشي طه الذي صار شهيد الثورة. بعد أن حصل هذا.

أحمد منصور: خليني هنا أقف وقفة.

الإمام: اريد ان أسلسل ما ادى للانتفاضة. قامت مجموعة من النقابات بقيادة القضائية بتنظيم موكب أمام القضائية.

أحمد منصور: هذا القضاء العالي يعني؟

الإمام: المحكمة. القضائية السودانية، والمطلب التحقيق في أحداث الجامعة.

منصور: دة القضاة الذين طالبوا؟

الإمام: القضاة والقانونيون معهم؟

الإمام: نعم.

أحمد منصور: محامين وغيرهم؟

الإمام: أيوة. حصل حدثان.

أحمد منصور: طبعا هذه أحداث الجامعة كانت ۲۱ أكتوبر قتل أحمد القرشي..

الإمام: نعم. حصل حدثان، نحن كقوى سياسية رحنا لأسرة الشهيد وقلنا لهم لا يستلموا الجثمان.

أحمد منصور: ليه؟

الإمام: لأننا نريد أن نشيعه..

أحمد منصور: تشييع ضخم.

الإمام: تشييع شعبي، وهذا أدى لتشييع شعبي كبير من المشرحة إلى..

أحمد منصور: المقابر..

الإمام: لا ليس المقابر، إلى جنوب الخرطوم حيث يذهب الى أسرته..

أحمد منصور: قريته.

الإمام: قريته التي اسمها القراصة، هذا واحد من المشاهد التي كانت عبأت الناس لأننا نحن مشينا كلنا في موكب ولما وضعنا الجثمان..

أحمد منصور: شكله ايه الموكب ده؟

الإمام: كبير جداً، وفيه طلبة، وفيه ناس من كل الجهات التي كانت في الجبهة القومية المتحدة.

أحمد منصور: نحن هنا عاوزين نذكّر المشاهد بحاجة. ثورة ۲۱ اكتوبر لم تاخذ حقها لا من السودانيين ولا من غيرهم.. نحن أمام ثورة شعبية تدرّس في التاريخ. دماء طالب واحد أججت ثورة وأسقطت حكما عسكريا، نحن دايماً نقول الثورة الإيرانية، الثورة الفرنسية، الثورة البلشفية، ولا أحد يتحدث عن ثورة ۲۱ اكتوبر ۱۹٦٤م في السودان رغم أنها ثورة شعبية اسقطت نظام عسكري مستبد بكل المعايير.

الإمام: نعم، بس في السودان أخدت بعدها كله، بل أفرزت قصائد جميلة جداً في الأناشيد وغيرها. يعني كما يقول أحدهم مثلا..

أحمد منصور: ما عرفتوش تصدروها برة، وهذا اخطاءكم انتو السودانيين واخطاءكم انتو السياسيين.

الإمام: معليش اعلامنا ضعيف، لكن كانت فيها: فرحة نابعة من كل قلب يا بلادي. كما في تعبير الهادي آدم: وكذلك نحن إذا ثرنا يوما أو قلنا نحن نريد.. فابحث لسلاحك عن هدف آخر هيهات .. هيهات يفيد.

أحمد منصور: ما الذي بقي في ذاكرتك من ثورة أكتوبر ۱۹٦٤م.

الإمام: ما هو أنا بقول لك إني أعتقد إنها ثورة شعب أعزل استطاع أن يسقط نظام. ولكن لا شك أبداً أن النظام العسكري في ذلك الوقت كان عاقلاً. عندما رأى الحشد الذي تم قرر أن يحل أجهزته ويرسل لنا ضباط للتفاوض.

أحمد منصور: نحن هنا قبل ما يرسل لك الضباط لأنك كنت ضمن الوفد المفاوض..

الإمام: ما هو أنا جاييك عشان أقول لك ما فجر المسألة من ناحية شعبية، فهذا مشهد. المشهد الثاني حينما سار هذا الموكب بقيادة القضاة..

أحمد منصور: شاركوا في الجنازة؟

الإمام: لا لم يشاركوا في الجنازة إلا كأفراد. لكن الموكب المهم الذي نظموه هو أن يسير هذا الموكب ليسلم مذكرة للمطالبة بالتحقيق..

أحمد منصور: القضاة؟ عشان كدة دجنوا القضاة بعد كل الحكومات العسكرية كلها.

الإمام: نعم القضاة وآخرين. هؤلاء القضاة قادوا هذا الموكب. الموكب لم يكن مطلبه زيادة من التحقيق للإنصاف فيما حدث في أحداث الجامعة. الحقيقة جاء..

أحمد منصور: (مقاطعاً) يعني هنا القضاء كان مستقل في السودان؟

الإمام: ما في شك في ذلك. عبد المجيد إمام كان نائب رئيس القضاء. جاء ضابط بوليس بأمر الداخلية قال لهم في الموكب: تفرقوا. في السودان حسب القانون عندنا القاضي هو الذي يأمر البوليس.

أحمد منصور: في ذلك الوقت..

الإمام: نعم في ذلك الوقت. القاضي قال لضابط البوليس: انصرف. لم ينصرف، حصلت مشادة زي كأنها نزاع بين التنفيذي والقضائي. بعدئذٍ قرر الموكب الإضراب العام.

أحمد منصور: القضاة..

الإمام: نعم، هذا الموكب بمن فيه من قضاة وغيرهم. في ذلك الوقت..

أحمد منصور: كل هذا كان يوم ۲۲ أكتوبر؟ ففي ۲۱ قتل القرشي.

الإمام: بعده. بعد ذلك الجماعة الذين كانوا في الموكب كونوا لأنفسهم قيادة في نادي الأساتذة، وكونوا حاجة سميت جبهة
الهيئات. فصارت جبهة الهيئات قيادة. نحن القوى السياسية اجتمعنا في بيت المهدي وكونا جبهة أخرى هناك.

أحمد منصور: يعني الهيئات التي هي الهيئة القضائية، والهيئة كذا والهيئة كذا شكلوا.

الإمام: كل الهيئات التي اشتركت.

أحمد منصور: يعني العمال شكلوا والطلبة شكلوا، الأساتذة شكلوا. انتم السياسيين شكلتم.

الإمام: نعم، فصار هناك مركزين، واحد في الخرطوم في نادي الأساتذة وواحد في أم درمان بيت المهدي. حصل هذا الموقف، وكلنا استطعنا أننا نعزز الإضراب العام، ونعزز مظاهرات تسير في الشوارع لمدة أربعة أيام.

أحمد منصور: في كل أنحاء السودان. من يوم ۲۲ أكتوبر وحتى ۲٦ أكتوبر.

الإمام: نعم. لما الموضوع بلغ كده، عبود قعد يتساءل: كل هؤلاء الناس ضدي؟ وطبعا هو ليس سياسياً ولا.. (الناس ديل كلهم ضدي؟).. آي.. إذن أنا لا يمكن أن استمر. حل المجلس الأعلى وحل مجلس الوزراء، حل كل هذه الأشياء..

أحمد منصور: ما رجعش الدبابات وال؟

الإمام: لا أبداً، حل الحاجات دي كلها، وأرسل لنا ضابطان.

أحمد منصور: من هما، تفتكر؟

الإمام: نعم سأذكرهما لك دلوقتي. المدهش أنه حتى ذلك الوقت هم افتكروا أنهم يتفاوضون معنا وليس مع جبهة الهيئات، لأنهم بيفتكروا جبهة الهيئات فيها روح شيوعية، وفيها عناصر شيوعية وهم عندهم موقف وحساسية شديدة منهم. ولذلك أرسلوا لنا ضابطان واحد الطاهر عبد الرحمن المقبول والثاني اسمه عوض عبد الرحمن صغير، وكانا من أبناء الانصار.

أحمد منصور: الاثنين!

الإمام: الاثنين، وهما لواءات. جاءوني في بيت المهدي.

أحمد منصور: يوم ۲٦ أكتوبر؟

الإمام: أيوة.. (قالا) انتو عاوزين إيه؟ قلت لهم نحن عاوزين ديمقراطية. طيب.. نحن مستعدين نتكلم معاكم. المدهش في ذلك الوقت بالذات جاء وفد من جبهة الهيئات التي كانت تريد أن تعزلنا.

أحمد منصور: أنتم السياسيون.

الإمام: كانت عايزة تعزلنا وتتولى هي الأمر. جاءونا في بيت المهدي، فأنا قلت لهؤلاء الضباط نحن لن نتفاوض بينا وبينكم، بل سنتفاوض نحن وانتم وجبهة الهيئات، فوافقوا، وعملوا لنا ميعاد بكرة. كونا وفد من حسن الترابي، وأحمد سليمان..

أحمد منصور: أحمد سليمان شيوعي؟

الإمام: شيوعي..

أحمد منصور: حسن الترابي أخوان مسلمون.

الإمام: نعم، وبابكر عوض لله رئيس القضاء، ومبارك زروق، اتحادي.

أحمد منصور: كان وزيراً.

الإمام: وأنا أرسلت للختمية قلت لهم مع إنهم لغاية آخر لحظة كانوا مع النظام، فلول يعني مع النظام. أرسلت لهم لكي يرسلوا مندوباً فأرسلوا مندوبا أحمد السيد حمد، وذهبنا إلى القصر.

أحمد منصور: أبدأ الحلقة القادمة معك بتفصيلات التفاوض في ثورة ۱۹٦٤م التي قام بها الشعب السوداني، وأسقط فيها نظام عبود العسكري بعد ست سنوات من الانقلاب، والتي قاد التفاوض فيها ممثلون عن الشيوعيين، عن الإخوان المسلمين، عن القضاة، عن الختمية، وعن الأنصار وعن حزب الاتحاد الذي يرأسه الأزهري، حتى يعرف الناس كيف يمكن أن تنجح الثورات بكل مكونات المجتمع، وليس بفئة واحدة منه. تفاوضكم درس سياسي تاريخي أبدأ به الحلقة القادمة.

الإمام: إن شاء لله..

أحمد منصور: شكراً جزيلاً لك، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم في الحلقة القادمة إن شاء لله نواصل الاستماع إلى شهادة الإمام الصادق المهدي إمام الأنصار في السودان، زعيم حزب الأمة، ورئيس الوزراء الأسبق، في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج وهذا أحمد منصور يحييكم، والسلام عليكم ورحمة لله وبركاته.

 

* رصد وتحرير وتحقيق المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي

الجريدة

تاريخ بث الحلقة الخامسة في قناة الجزيرة يوم الأحد 23 أغسطس 2015