الإمام الصادق المهدي في حواره مع الدستور

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس نداء السودان وآخر رئيس وزراء شرعي ومنتخب للسودان ديمقراطياً

 

 

الإثنين 16 سبتمبر 2019

عبير سليم

 

قال الصادق المهدى، رئيس وزراء السودان الأسبق رئيس حزب الأمة، إن الثورة أعادت الروح للسودان مرة أخرى، بعد أن تعرضت مؤسسات الدولة للتشويه وانهار الاقتصاد وذلك خلال حكم النظام السابق.
وأضاف «المهدى»، فى حواره مع «الدستور»، أن علاقات السودان الخارجية يجب أن تكون مبنية على التوازن سواء فى العلاقات مع الدول العربية أو الإفريقية أو الأسرة الدولية، مشددًا على أن بلده يجب ألا ينضم لأى من المحاور المتصارعة، بل يجب أن يكون لاعبًا ومساهمًا فى حل المشاكل بالوسائل السياسية.
وتناول «المهدى» العديد من الملفات أبرزها مصير «البشير»، وإشراك الحركات المسلحة فى العملية السياسية خلال الفترة الانتقالية، ملقيًا الضوء على ما يحدث داخل حزب الأمة وإدارته المشهد الحالى ومشاركته جميع الأطراف والتيارات الأخرى لتجاوز المرحلة الراهنة.

 

■ بعد تشكيل مجلس السيادة والحكومة الجديدة.. هل تجاوز السودان النظام السابق رسميًا؟
السودان تعرض لتدمير كامل خلال الثلاثين عامًا الماضية. فالحروب خلقت عداوات كبيرة جدًا والاقتصاد دمر والعلاقات الخارجية صارت انتهازية وتفتقر لمبادئ ثابتة، الحصيلة لهذا كله كان «سودانًا مدمرًا»، لذا أنا أرى أن الثورة التى خلعت «البشير» بمثابة «عودة الروح» للجسد، حيث كان فيها تصميم وفدائية واندفاع شبابى رجالى ونسائى كبير، سيواجه بصورة أساسية كل مشاكل الماضى، التى تشكل تحديات كبيرة جدًا فى هذه المرحلة.
وأرى أن التصميم والتفاؤل الموجود والتأييد العربى والإفريقى والدولى للسودان فى هذه المرحلة الانتقالية، كافٍ للتغلب على التحديات ونجاح المرحلة.

■ هل تتخوف من «محاولات ردة» يخطط لها حلفاء النظام السابق؟
هناك «ردة» من جماعات النظام السابق وظهرت فى محاولات الانقلاب العسكرى قبل الدخول فى المرحلة الانتقالية، وقد تستمر هذه المحاولات لأن النظام السابق شوه مؤسسات الدولة، كما وضع الحزب الحاكم محسوبيه فى كل المؤسسات من «الخدمة المدنية» و«الخدمة الدبلوماسية» و«المؤسسات المالية» إلى آخره، فضلًا عن خلقه مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة الرسمية كـ«دفاع شعبى وسلطة شعبية.. إلى آخره»، هذا الإرث سيشكل فى رأيى «احتمالات ردة»، لأن هذه القوى لن تكون راضية عن التغيير الذى تم.

■ على ماذا تراهن فى نجاح المرحلة الانتقالية؟
أراهن على التيار الشعبى القوى الذى صمد وأطاح بـ«البشير»، وفى رأيى هذا التيار لن يسمح بالمساس بالثورة التى دفعت فيها الأرواح، ولا بالفترة الانتقالية التى ستفضى إلى اختيار رئيس.
ندرك جيدًا أن الحكومة الانتقالية تضم العديد من الوطنيين، لكن بعضهم يفتقد التجارب والخبرة، فهم أشبه بنشطاء أكثر من كونهم ساسة، وينظرون للمشكلات بنظرات رومانسية أكثر من النظر بواقعية وموضوعية، وفى رأيى «حزب الأمة» يُشكل حاضنة لكل هذه المشاكل، فهو يساعد جدًا فى ترشيد هذه الرومانسية، إضافة إلى مواجهة «الردة».

■ ماذا عن دور الأحزاب الأخرى؟
حزبنا ليس كأى حزب فى السودان، فهو الأقوى والأقدم وله مؤهلات معينة، لأنه الوحيد الذى استمر أمام «الوعد والوعيد» متماسكًا منذ عهد الاستقلال، لديه مؤسسات قوية و١٨ مقرًا فى ١٨ ولاية بالبلاد، وهذا يعنى أن له مركزية، إضافة إلى أنه يخاطب السودانيين الموجودين بالخارج عبر ٧٣ مكتبًا حول العالم.
السودانيون فى الخارج يمثلون ربع عدد سكانه، وهو ما يعنى أننا أمام «جسم قوى» يستطيع مواجهة احتمالات «الردة»، ونحن حريصون على ذلك بصورة خالية من أى حرص على منفعة حزبية أو أى حصة حزبية، وسندعم المرحلة الانتقالية فى أن تستمر متماسكة تحقق السلام والإصلاح الاقتصادى وانتخابات عامة حرة.

■ هل تأملون فى نجاح الفترة الانتقالية للفوز بالانتخابات الرئاسية؟
نستعد للفوز بهذه الانتخابات من الآن، ولكن لا بد أن نظهر بصور مقنعة، ومراحل الثورة السودانية ثلاث، الأولى ولاية المجلس العسكرى التى انتهت فى ١٧ أغسطس الماضى، والثانية الحكم المدنى الانتقالى وهى مرحلة «شراكة مدنية عسكرية» وغير مؤكد مدتها الزمنية بغض النظر عن مدتها باتفاق تقاسم السلطة، حيث يمكن ألا تستمر فترة الـ٣٩ شهرًا المحددة إذا حدث نوع من الاضطراب وهو ما سيعجل بالانتخابات.
أما المرحلة الثالثة فتشهد تحقيق أهداف الثورة بحكم مدنى ديمقراطى، ونحن نعمل على المشروع بمراحله الثلاث، واجتهدنا لإنجاح المرحلة الأولى، وسنجتهد لإنجاح المرحلة المدنية العسكرية المشتركة، وكذلك سنجتهد لكى تنجح المرحلة الثالثة.

■ أيهما تفضل.. نجاح المرحلة الانتقالية أم التعجيل بالانتخابات؟
الاستمرار فى الطريق المرسوم، فنحن نجحنا فى المرحلة الأولى وسنعمل- كما قلت- على إنجاح المرحلة الثانية مهما كانت الصعوبات التى سنواجهها، ونستعد للمرحلة الثالثة من الآن للفوز بالانتخابات بصرف النظر عن موعد انعقادها.

■ لماذا رفض حزبكم «المحاصصة» فى تشكيل مجلس السيادة والحكومة.. وهل هذا سبب الخلاف مع مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير؟
المحاصصة كانت أحد أسباب الخلاف الداخلية فى التحالف «تحالف قوى الحرية والتغيير». فهناك نظرة واقعية وأخرى رومانسية كما قلت سابقًا، ويضم التحالف أشخاصًا أشبه بالنشطاء عن كونهم ساسة يتحدثون بلغة رومانسية، ونحن نرى الواقع. فمثلًا منهم من نادى بعدم الاعتراف بالمجلس العسكرى ومثلما سقط «البشير» يسقط المجلس العسكرى، رغم أنه فى حقيقة الأمر لولا المجلس العسكرى ما صار التغيير، ثم أعلنوا استعدادهم للتعاون، إذن فهذا أمر غير مقبول.
كما رفع البعض شعار «لا للهبوط الناعم»، وفى الأصل الحكاية كلها «هبوط ناعم»، لأن المجلس العسكرى عزل «البشير» ثم فتح باب الحوار والتفاوض، نحن قمنا بثورة شعبية كبيرة وانحازت القوات المسلحة لها، فصارت هناك ضرورة لمشاركتها فى بناء السودان الجديد، ناهيك عن دور العسكريين الوطنى الذى جاء فى الوقت المناسب بوقوفهم فى وجه «البشير»، وهذا موقف يُحسب لهم.
نأتى لقصة المحاصصة، نحن طالبنا بتوزيع المقاعد على خبراء مستقلين عن الأحزاب، ونعتقد أن هذا شىء ضرورى خصوصًا أننا نرى الأشخاص الذين تولوا مناصب الآن فى المجلسين، يجب ألا يترشحوا فى الانتخابات التى ستعقد بانتهاء الفترة الانتقالية، حتى لا يستغلوا مناصبهم، ولذلك نادينا بـ«لا للمحاصصة»، وللأسف هناك أحزاب صغيرة ليست لها شعبية ولا تطمع فى وجود كبير فى انتخابات حرة رأت أن سلطتها تترجم فى هذه الفترة وليس فى المستقبل، فحرصوا على المطالبة بالمحاصصة رغم تناقضها مع المبدأ الذى وضعناه من البداية، واستخدمت الإعلام كسلاح وفى النهاية تغلبنا على الأمر برمته.

■ ننتقل للحديث عن ملف السلام و«الجبهة الثورية» أو الحركات المسلحة عمومًا.. لماذا يشاع أنكم تخليتم عنهما؟
نحن لم نتخل عن الجبهة الثورية، والإعلام ضخم مسألة إجرائية وصورها بتخلينا عنها، فالحركات المسلحة جزء أصيل من الكفاح والثورة ضد النظام البائد وهى معنا فى تحالف «نداء السودان»، والذى حدث أن التفاوض عندما بدأ بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية، كان معنيًا به الموجودون داخل السودان مع أخذ مصلحة الغائبين فى الحسبان، ولكن البعض تفهم الأمر أنه تخل، ونحن تواصلنا معهم ووضعنا أمامهم تصورنا، إضافة إلى أننا نرى أن الاستجابة لمطالبهم فرصتها أكبر مع الحكومة المدنية.

■ ما رأيك فى توقيع الحكومة السودانية و«الجبهة الثورية» على اتفاق بناء الثقة فى جوبا؟
ما زلنا نعتقد أن الطريق إلى السلام يبدأ بتكوين مفوضية للسلام، وهذه المفوضية تدعو إلى مؤتمر وطنى جامع للسلام وليس مع بعض القوى، وما حدث فى «جوبا» أنا أنظر إليه كنوع من العمل التمهيدى، ولكن يجب ألا يكون هناك حديث عن مشروع سلام إلا بصورة مدروسة وجامعة تبدأ بتكوين المفوضية، والخطوة الحقيقية نحو السلام يجب أن تبدأ بالمفوضية ومنتظر تكوينها فى الأيام المقبلة، حيث إنه أولوية عمل مجلس الوزراء.

■ متى تتوقع الانتهاء من هذا الملف وتحقيق السلام كما نصت عليه أوراق الاتفاق السياسى؟
الفكرة أن كل هذه المفاوضات وما يعقبها يجب أن تنتهى خلال فترة الـ٦ أشهر الأولى من عمر الفترة الانتقالية، وأنا متفائل؛ حيث مقومات السلام واضحة للجميع وهى تعنى إزالة الأسباب التى أدت إلى الحرب وهى معروفة، لكن النظام السابق كان يراوغ ولذلك استمرت. فبدلًا من الاهتمام ببناء السلام كان يهتم فقط بوقف الحرب وهذا هو الخطأ.

■ هل هناك اتفاق بين رئيس الوزراء والحركات المسلحة يقضى بالمشاركة فى هياكل السلطة؟
لو حدث ذلك سأرحب به. فالفترة الانتقالية ستشهد شراكة على مستوى السيادة وحكومة مدنية تنفيذية، وبالتالى أى اقتراحات تؤدى إلى تأييد أى قوى من الحركات المسلحة فى الفترة الانتقالية شىء إيجابى، ولكن المهم أن يكون ذلك متفقًا عليه.

■ هل تتخوف الأحزاب السياسية من استحواذ الحركات المسلحة على السلطة؟
أولًا: ليس هناك حديث عن الأحزاب السياسية، فهى مختلفة فيما بينها من الأساس وليس لها أى موقف موحد، أتحدث عن حزب الأمة أولًا وهو أكثر حزب تحالف وتعاون مع الحركات المسلحة وكونت معنا «نداء السودان»، لذلك نحن نعتبر هذه الحركات حلفاءنا فى المرحلة الماضية، وهو ما دفع «البشير» لرفع ١٠ بلاغات ضدى باعتبارى رئيس «نداء السودان» الذى تحالف مع الحركات المسلحة.
ثانيًا: نحن لا نعتقد أن هناك قوى سياسية أخرى لديها إمكانية تتفوق علينا شعبيًا، وحزبنا كان له موقف ثابت ومستمر ضد النظام البائد، وفى السودان حدثت ٦ انتفاضات سبقت الثورة الأخيرة، وكان حزب الأمة بالنسبة لها حاضنة، فالأحزاب السياسية لا معنى لها، ونحن غير متخوفين من الحركات المسلحة.

■ ماذا عن ملف العلاقات الدولية للسودان خلال الفترة الانتقالية؟
علاقات السودان فى العهد البائد شهدت تشويهًا شديدًا، حيث بُنيت على الغش والانتهازية والتناقضات، لذلك نحن فى حزب الأمة ندعو الحكومة الانتقالية قبل اتخاذها أى قرار يتعلق بالعلاقات الخارجية إلى عقد مؤتمر جامع يضع مبادئ هذا الملف المهم، فنحن نريد أن تصبح علاقات السودان مع الخارج مبنية على مبدأ التوازن فى العلاقات مع الدول الإفريقية والعربية والأسرة الدولية.
أن يكون من قرارات هذا المؤتمر تجنب المحورية، أى لا ينضم السودان لأى من المحاور المتصارعة، بل يجب أن يكون لاعبًا ومساهمًا فى حل المشاكل بالوسائل السياسية وليس عن طريق التحارب، باعتبار أن هذه الحروب مدمرة للمنطقة.
السودان سبق أن حل مشكلة عبر مؤتمر الخرطوم بين جمال عبدالناصر والملك فيصل، وتدخل فى وقف إشكال كبير حدث بين الأردن وفلسطين، لذا نحن نطالب ونعمل على ألا تتعاطى الفترة الانتقالية مع موضوع العلاقات الخارجية فى السودان بانفعالات أو تصرفات فردية أو حزبية، نريد ضبطًا قوميًا لهذه المسألة ينطلق من مفهوم قومى للشئون الخارجية، وهذا من أجله نحث الحكومة لعقد مؤتمر لبحث هذه القواعد.

■ لماذا لا يتم إرسال «البشير» للمحكمة الجنائية الدولية؟
السودان وقّع على نظام روما ولم يصادق على ميثاقه، الذى بموجبه كونت المحكمة الجنائية الدولية، والمصادقة تعنى الالتزام بقرارات المحكمة التى أصدرت قرارًا بالقبض على «البشير»، لكن نظام روما فتح المجال لواحد من خيارين، وهما تسليم «البشير» لهم، أو محاكمته داخل السودان، ويتوقف الأمر على مدى توافر نزاهة القضاء داخليًا وهذا الأمر غير متوافر حاليًا.
والجنائية ستحاكم «البشير» فى جرائم معينة وليس على كل جرائمه، وهناك جرائم معينة تحاكم على أساسها المحكمة الدولية، أما الجرائم السياسية والاقتصادية الأخرى التى ارتكبها فلن يُنظر فيها، لذا أرى أن محاكمته يجب أن يشارك فى تحديدها أولًا، رأى أولياء الدم فى «دارفور» الذين ارتكبت بحقهم الجرائم.

■ هل لديك ملاحظات على محاكمته داخليًا؟
نعم، انتقدت أن تكون بداية التهم الموجهة إليه «تخزين الأموال فى منزله»، لأنها أقل جرائمه، وكان من المفترض أن تبدأ محاكمته على أولى جرائمه بالانقلاب العسكرى عام ١٩٨٩، حيث خان القسم الدستورى، ثم ارتكب الجرائم تباعًا خلال فترة حكمه، وأرى أن هناك استخفافًا بالجرائم الأخرى.

■ أخيرًا.. كيف رأيت موقف مصر من الأوضاع فى السودان؟
لا شك أنه كان موقفًا إيجابيًا قدر المطلب الشعبى، ولقد لامسنا ذلك سواء من السلطة أو من الشعب الشقيق أو من المؤسسات الإعلامية، فجميعها كانت مع الثورة ومع ما نادى به الشعب.

 

 

الدستور