الإمام الصادق المهدي يكتب: يسألونك عن الدين والدولة

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله وآخر رئيس وزراء شرعي ومنتخب للسودان ديمقراطياً

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

يسألونك عن الدين والدولة

الإمام الصادق المهدي

 

 

محتويات

مقدمة

الدولة في الإسلام

الإسلام والدولة الحديثة

الإسلام وحقوق الإنسان:

تجارب التشريع الإسلامي المعاصرة

الدين والدولة في السودان

 

 

                                                         مقدمة

ما كتبت في قضية وتابعتها مثل قضية الدين والدولة. ولم تكن مجرد اجتهادات نظرية، بل تعرضت جراءها للحبس، وللتكفير، والتخوين مرات عديدة.

الدين الإسلامي محمول عقدي وعملي لهداية البشر. ولكن الاحتلال الأوربي للمجتمعات الإسلامية سعى لاستنساخ تجربته في عوالمنا لتكون على غرار مجتمعاته الأم في أوربا التي دخلت منذ عهد التنوير في مواجهة مع الكنيسة وقررت إبعاد الدين من الحياة العامة، على نحو ما شرحت في مقالي “يسألونك عن العلمانية“. فالعلمانية اشتقاق على غير قياس من عالم ومعناها الفلسفي أن الحقائق هي موجودات الزمان والمكان. هذا فيما يتعلق بما ندركه بحواسنا وعقولنا. هذا ما تناوله أعظم فلاسفة الغرب عمانويل كانط في كتابه “نقعد العقل النظري”. ولكنه استأنف الموقف فيما لا تدركه العقول وسماه “نقد العقل العملي”. العلمانية الأصولية جائرة فيما تقوله عن عالم الغيب: عالم ما وراء الطبيعة مما لا تدركه العقول. ومؤخراً صارت بعض ظواهره تدرس في علم الباراسيكولوجي. أما في تنظيم علاقة الدين بالدولة فقد بينتُ أن دعوات العلمانية لم تبلغ هدفها في الغرب حيث توصلت دوله إلى معادلات يلعب فيها الدين دوراً ما في الحياة العامة خاصة في الولايات المتحدة.

لقد نبتت مقولة العلمانية في مجتمعاتنا من أصلين: الأول النقل الأعمى من التجربة الغربية لأن الإسلام ليس فيه سلطة كهنوتية. والثاني التجارب المعيبة للتطبيق الإسلامي. وقد بلي السودان بتجربتين على يدي طغاة أرادوا استغلال الدين في الكسب السياسي: تجربة قوانين سبتمبر (1983م- 1985م)، وتجربة النظام المباد (1989م-2019م). لكن السودان حظي كذلك بتجربة ثرة في حل قضية الدين والدولة على معادلة توفيقية بين متطلبات التحديث والتأصيل.

الاجتهادات في قضية الدين والدولة في مجتمعاتنا كثيرة، وهي تنتمي لواحد من ثلاثة تيارات:

  •       تيار الذين يغلبون مطالب التأصيل بتقليد دولة الخلافة التاريخية، واعتناق كل معالم الفقه المرتبط بها.
  •       تيار الذين يغلبون مطالب التحديث باستعداء الدين ونقل العلمانية من تجارب عالم الشمال غربه وشرقه بدون تدبر للاختلاف في الحالة الإسلامية، ولا اعتبار بتطور التجربة ومفرداتها في الغرب.
  •       تيار التوفيقيين الذين يسعون لحل جدلية الأصل والعصر بإبداعية تحيط بالواجب وتدرك معطيات الواقع وتزاوج بينهما.

إن الوصفات الجاهزة المنقولة من الماضي أو الغرب أو الشرق لا تجدي بل تدخل المجتمع في دوامة الاستقطاب والاستقطاب المضاد. فمقولات الانكفاء على الماضي، والاستلاب لتجارب الشمال تدخلنا في صراعات صفرية يخسر فيها الجميع.

قبل اندلاع ثورات الربيع العربي وفي عام 2006م قدمتُ ورقة بعنوان “الدولة في الإسلام ومنظور الديمقراطية وحقوق الإنسان“، وكانت قراءتي للحال في عالمنا هي أن نظم الحكم في العالم العربي الإسلامي محاصرة بجبهات داخلية عديدة لكل منها مطالبها: التيارات الحركية الإسلاموية، التيارات اللبرالية العلمانية، وتيارات الصحوة الإسلامية، إضافة لحصار خارجي مفاده تعرية التطورات الاستراتيجية في عدة مواقع لنظمها الرسمية، وتصاعد المطالب العالمية بالديمقراطية، ونهاية رضا الغرب عنها بعد أحداث سبتمبر 2001م التي كشفت أنها نظم تفرخ الإرهاب والهجرة غير الشرعية وغير ذلك من أسلحة الضرار الشامل. وقلت إن استمرار الحال مع هذا الحصار كما هو عليه مستحيل. وأن الاحتمالات هي: (حيثما توجد مؤسسات مجتمع مدني قوية يمكن حدوث ثورات، أو حدوث انقلابات عسكرية بدعم أجنبي، أو تحول سلمي ديمقراطي).

وبالفعل تعرضت المنطقة لثورات الربيع العربي التي فضلت تسميتها: الغيث العربي، ولحركات الغلاة والعنف.

إن دينامية الأوضاع في منطقتنا الأفريقية، العربية والإسلامية حبلى بالكثير، وما سوف يحدث فيها يعتمد إلى درجة كبيرة على وعينا بمتطلبات النهضة، وحلنا لجدلية الأصل والعصر.

لقد قاومنا محاولات العلمنة القسرية مثلما عارضنا محاولات الأسلمة الفوقية بقوة.

قاومنا نظام مايو 1969م وشعاراته العلمانوية الشيوعية في بدايته، وفندنا المقولات العلمانوية حيثما سادت في عوالمنا.

ومنذ أعلن الجنرال ضياء الحق في باكستان برنامج الأسلمة مستغلاً الشعار لصنع شرعية زائفة في ثمانينات القرن العشرين قمتُ بدراسة التشريع الإسلامي ووسائله في العصر الحديث ما أثمر كتابي “العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي” الذي اكتمل أثناء اعتقالي بكوبر، بعد إعلان رفض قوانين سبتمبر 1983م، وسربت من كوبر نقدي لتلك القوانين في كتاب (النظام السوداني وتجربته الإسلامية) عام 1984م، وكتبتُ لاحقاً: النهج الإسلامي بين الاستقامة والتشويه.

أما الكتابات في نقد تجربة النظام المباد فبلا عد. كانت خطب الجمع والأعياد مناسبة لفضح زيف التجربة، إضافة لكتب ومحاضرات وأوراق أصلت لمفهوم الدولة المدنية وأبطلت دعاوى الحق الإلهي، من ذلك “الدولة في الإسلام” 1992م، جدلية الأصل والعصر 2001م، نحو مرجعية إسلامية متجددة 2004م. في تلك الأدبيات وفي غيرها، وبموجب اجتهادات إسلامية كانت منكرة ولكن صارت مقنعة في نطاق واسع أوضحنا:

  •     أن الله هو رب العالمين طوعاً وكرهاً لكافة الموجودات, وأن تعبير السيادة تعبير سياسي يوجب المشاركة والمساءلة. لذلك النص الصحيح هو أن تكون السيادة للشعب. (نقد فكرة الحاكمية كما وردت في دستور الإنقاذ لسنة 1998م).
  •     أن الإيمان مسألة اختيارية لا تقبل الإكراه لذلك لا عقوبة لمن يمارس حقه في حرية الضمير والفكر والدين.
  •     بشرنا بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان كمرجعية تصلح لحسم الجدل الحقوقي في مجتمعاتنا.
  •    اقترحنا الفصل بين تشريعات المواطنة والانتماء الديني، وحرية التطلع لتشريعات ذات التزام ديني ما دامت تسن ديمقراطياً، وتحترم حرية العقائد والمواطنة للكافة.
  •     وقدنا فكرة عقد مؤتمر قومي دستوري يحسم قضية الدين والدولة وبصورة تكفل المواطنة المتساوية وتحقق مشاركة عادلة في السلطة والثروة وتعترف بالتعدد الديني والثقافي.
  •     وقدنا فكرة أن مناخ التراضي الوطني يوجب أن تعترف الجماعات السودانية المعنية بواقع الاستعلاء الثقافي في الماضي وضرورة الاعتذار عنه لتنقية الضمائر، وطالبنا بلجنة للحقيقة والمصالحة تفتح الملفات منذ 1956م.
  •     واجتهدنا ضمن عملنا الجبهوي في مقاومة النظام المباد لتنزيل تلك الرؤى في مواثيق تكون هادية للتجربة السودانية الديمقراطية العائدة والراجحة بإذن الله.

ههنا وعبر النقاط التالية أناقش مفردات قضية الدين والدولة في الإطار الإسلامي، وأرصد ثمار الاجتهاد السوداني الذي لعبنا فيه دوراً مفتاحياً للوصول لصيغ إبداعية تصير نبراساً للديمقراطية المستدامة التي دشنتها ثورة الشعب المجيدة في ديسمبر 2018م.

 

 الدولة في الإسلام

 

جاء الإسلام بهدى إلهي أنار خطى البشرية بقيم تتطابق مع مبادئ حقوق الإنسان العالمية التي صيغت في القرن العشرين مثلما سوف نوضح أدناه.

ولكن فيما بعد الصدر الإسلامي الأول قامت الدولة الإسلامية الواحدة على شرعية القوة وفارقت عملياً أغلب الأسس الإسلامية للحكم كالعدل والشورى، ولكن على الصعيد النظري نشأت نظريات في فقه الجمهور حول الدولة الإسلامية أهمها نظريتان:

  •       السنية التي حددت معالم الدولة الإسلامية قياساً على تجربة عهد الخلفاء الراشدين. وقد فصلها على اختلاف في التفاصيل الإمام الشافعي في كتابه (الأم)، وابن قتيبة في كتابه (الإمامة والسياسة)، والماوردي في كتابه (الأحكام السلطانية). الخليفة الذي يقود هذه الدولة هو خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وينبغي أن يكون عالماً مجتهداً، شجاعاً، سليم البدن والحواس، قرشي النسب وأن يختاره للخلافة أهل الحل والعقد. هذه الآراء لم تطبق ولم تقم بموجبها مؤسسات بل ظلت محض نظرية لأن الحكام منذ الخليفة معاوية بن أبي سفيان أقاموا سلطانهم على القوة لا على الشورى وتداولوا السلطة بموجب الوراثة. هذا النهج اعترف به جمهور الفقهاء. وألزموا الناس طاعته خوف الفتنة. مؤخراً جاء الشيخ أبو الأعلى المودودي بنظرية “الحاكمية لله” في الإطار السني وهي تجعل ولاية الأمر ثيوقراطية، وقد وجدت رواجاً وسط العديد من الحركات في عالم السنة.
  •        الشيعية وهم فصائل أشهرها الاثنا عشرية التي ترى أن قيادة الأمة أي الإمامة ركنٌ من أركان الدين وهي اختيار إلهي مثل النبوة لا يفرقها منها إلا الوحي. والإمام معصوم مطاع على الأمة أن تطيعه مثلما تطيع النبي صلى الله عليه وسلم، والإمامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويليه في هذا المنصب أحد عشر إماماً محددون آخرهم غاب منذ نيف وألف سنة وسوف يعود يوماً وهو المهدي المنتظر قائم آل محمد. وفي غيبة الإمام وعلى مر الأيام نشأت مؤسسة شيعية يقودها مراجع التقليد وهم فقهاء علماء يسمون آيات الله الكبرى وعلى الجمهور تقليدهم في غيبة الإمام.  وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران أصبحت المؤسسة الشيعية هي المسئولة سياسياً ودينياً عن قيادة إيران. وتبنى الدستور الإيراني نظرية ولاية الفقيه التي دعا إليها آية الله الخميني، الفقيه صاحب الولاية صلاحياته مثل صلاحيات الإمام الغائب تولاها آية الله الخميني حتى وفاته ثم آية الله خامئني.

إن نظام ولاية الفقيه له جذوره في الفهم الشيعي للقيادة الدينية ولكنه لن يجد قبولاً في النطاق السني وإن كانت فكرة الحاكمية التي نادى بها المودودي تلتقي مع ولاية الفقيه في كثير من الجوانب. ولكن حتى في الإطار الشيعي توجد تحفظات على ولاية الفقيه – تحفظات جهر بها آية الله شريعة مداري وآية الله محمد منتظري وآخرون.

هاتان النظريتان السنية والشيعية لا تصلحان أساساً لدولةٍ عصرية للأسباب الآتية:

أولاً: لأن مبادئ الإسلام، وحقائق التجربة التاريخية لا تقول بوجود دولة إسلامية معينة ملزمة للمسلمين في كل زمان ومكان، وقد عددتُ الشواهد على ذلك في الكتابات المذكورة.

ثانياً: لأن ضرورات العدالة اليوم لا تسمح لشخص واحد أن يجمع في يده كل السلطات، فالتطلع لإمام واحد بالتعيين الإلهي، أو لخليفة واحد بصلاحيات الخلافة التي عددها الماوردي يجمعا في أيديهما كل سلطات الدولة ويمارسانها على كافة الشعوب الإسلامية تطلع يناسب الظروف التاريخية الأبوية ولا يناسب النظم المؤسسية الحديثة في إدارة الشأن العام، والاتفاق على شخص واحد ليقود المسلمين حتى في الأمور الدينية وفي الوطن الواحد غير ممكن، وفرضه بالقوة مستحيل لأن الاجتهادات الدينية متعددة، كذلك الفرق والمذاهب. والمتاح في كل هذه الأمور هو التراضي والتعاون عبر مؤسسات.

ثالثاً: إن مبادئ الإسلام السياسية تجعل المسلمين مسئولين عن اختيار الحاكم وهم المسئولون عن محاسبته أي أنه حاكم مدني مفوض أمره للجمهور. وتجعل العدل شرطاً أصيلاً في الحكم. قال ابن تيمية: “وأمورُ الناس تستقيمُ في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراكُ في أنواع الإثم، أكثر مما تستقيمُ مع الظلم في الحقوق، وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيمُ الدولة العادلة وان كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وان كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام.” كما تقبل مبادئ الإسلام السياسية الفصل بين سلطات الدولة، قال القاضي أبو يعلي في كتابه (الأحكام السلطانية): “القاضي إذا ولاه الإمام صار ناظراً للمسلمين لا عن من ولاه فيكون القاضي في حكم الإمام في كل بلد”. هذا مبدأ استقلال القضاء إذن مبادئ استقلال القضاء، ومدنية الدولة، والفصل بين السلطات توجد متناثرة في اجتهادات فقهاء السلف، ولكن التجربة الدستورية الغربية هي التي أجْلَت هذه المفاهيم وأقامت لها المؤسسات وضبطت ممارستها وبما أن العدل من أهم مقاصد الشريعة وإن الفصل بين السلطات من أهم شروط العدل فيجب قبول مبدأ الفصل بين السلطات لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

 

الإسلام والدولة الحديثة

 

أي تخطيط لهداية الإسلام في الشأن العام ينبغي أن يحيط بالتالي:

أولاً: إن الدولة الحديثة كما نعرفها اليوم (سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وشعب، وأرض) حدث جديد في العالم ولا يوجد في تاريخ الإسلام مثلها.

ثانياً: ليس في الإسلام دولة معينة يلزمنا الإسلام أن نقيم مثلها في كل زمان ومكان بل هناك مبادئ سياسية إسلامية عامة: كالشورى والعدل والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، والنصيحة، والصدق، وسيادة أحكام الشريعة، والقيادة الرشيدة، والرعاية الاجتماعية. وشرائع محددة فالواجب هو الالتزام بهذين الأمرين، أما فيما عداهما فإن شكل الدولة التراثية الإسلامية ومؤسساتها وأجهزتها وسائل عرضية تاريخية، يمكن تجاوزها دون حرج وتبني النظم الدستورية الحديثة مع الالتزام بالمبادئ والشرائع الإسلامية. وما دام الإسلام حياً فسيكون له دوره في الحياة عبر العقيدة والعبادة والشريعة وعبر مبادئه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقيمه الخلقية.

ثالثاً: التطبيقات الإسلامية توجب اجتهاداً متجدداً في الأحكام يراعي ظروف الزمان والمكان كما يراعى التدرج المسنون فلا توجد تعريفة واحدة ملزمة للناس في كل زمان ومكان. وما دام المجتمع حيا فسوف يحترم حقوق كافة مواطنيه الدينية والإنسانية والاجتماعية وسوف يطلع على منجزات وتجارب الإنسانية ويستصحبها بطريقته. وسوف يستطيع المجتمع الحي التوفيق بين هذه التطلعات والمطالب عبر اجتهاده وحركته فالأمة منذ ختم الوحي هي مناط التكليف. إن ختم رسالات الوحي معناه استخلاف الإنسان في تأويل نصوص الوحي بالتدبر والحكمة ومراعاة الزمان والمكان والحال ومراعاة المستجدات.

رابعاً: الاجتهاد المؤسسي: في كتابي “العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي“، أكدت أن الوسيلة الأفضل في ظروفنا المعاصرة لتطوير الفقه الإسلامي وجعل أحكامه مادة للقوانين هي تكوين مؤسسة تضطلع بالاجتهاد المؤسسي الذي يزاوج بين العلوم الشرعية والوضعية ويعرض اجتهاداته على هيئة تنوب عن الأمة نيابة صحيحة وحرة.

خامساً: إن واقع الحال اليوم لا يسمح ببسط دولة واحدة سلطانها على كل المسلمين وهي ظاهرة اختفت من دنيا المسلمين منذ سقوط الدولة الأموية في 150 هـ وبعدها تعددت الدول التي حكمت المسلمين قبل أن يتسلط عليهم الحكم الأجنبي ويرسخ تفرق دولهم. نعم للتطلع للوحدة على أساس اختياري وتعاهدي.

سادساً: الدولة الوطنية الحديثة شكل سياسي جديد نتج عن التطور في أوربا بعد حروب كثيرة انتهت إلى صلح وستفاليا في عام 1648م وهذا التكوين اكتسب وجوداً ودوراً مفيداً في تحقيق الأمن وكفالة سبل المعيشة والتنمية، والنظرة السليمة للرابطة الوطنية هي أنها تطوير لرابطة الأسرة والقبيلة وهي تكوين صالح لأداء وظائف أمنية وتنموية معينة وقابل لاستيعاب وحدات جهوية أصغر، وقابل للتطور إلى وحدات تضم أكثر من دولة لأغراض ترضاها الدول الأعضاء. وينبغي عدم النظر للرابطة الوطنية بريبة، وعدم وضعها في مقابل الولاء للأمة الأكبر. وللحفاظ على الوحدة الوطنية لا بد من الالتزام بالمبادئ التالية:

  1.     المساواة في المواطنة.
  2.     المواطنة أساس الحقوق الدستورية.
  3.     حرية الانتماء الديني والهوية الثقافية، ولهذه ثلاثة شروط: لا تنال أية مجموعة امتيازاً بسبب انتمائها الديني أو الإثني أو الثقافي، ولا تجور على حقوق غيرها، وتحقق تطلعاتها بآلية ديمقراطية لا تحكماً.
  4.     التكوينات السياسية التي تسعى لتداول السلطة تكون بحكم دستورها والدستور القومي مفتوحة لكل مواطن.
  5.     أساس العلاقة: عهد المواطنة مكتوبا أو غير مكتوب.

سابعاً: القومية: في رحاب الأمة الإسلامية قوميات عديدة، الإسلام لم ينف الانتماء القومي بل استصحبه بصورة جعلت العرب يحققون بالإسلام أمجد أيامهم، كذلك حققت القوميات الأخرى الطورانية، والفارسية، والهندية، والأفريقية، بالإسلام أمجد أيامها وأفضل عطائها.  إن علينا الاعتراف بأهمية الانتماء القومي لا سيما على أساس ثقافي ولغوي لا عرقي، وهذا بالفهم المرن لا يتعارض مع انتماءات أوسع للأمة، ولا أضيق للوطن، اللهم إلا إذا ارتبطت القومية بالعصبية، العصبية هي الشعور الذي يمقته ويرفضه الإسلام. الفهم الحصري أي الذي ينفي غيره هو الذي يؤدي للتناقض في الانتماء الوطني والقومي والإسلامي، ولكن الفهم الذي يزاوج بين الواجب والواقع يسمح بتكامل هذه الروابط.

ثامناً: نظام الأمم المتحدة: واقع المسلمين اليوم تحكمه دول قُطرية تقوم على أساس المواطنة، وهي مسئولة عن الإدارة والمعيشة وحفظ الأمن. وهذا الواقع يقوم عليه ويدعمه نظام الأمم المتحدة. إن المواطنة التي تقوم عليها الدولة القُطرية عهد، كذلك مواثيق ونظم الأمم المتحدة تقوم على عهود، وليس في هذه العهود الملزمة ما يمنع قيام اتحادات بين الدول لتحقيق مصالح معينة أو لتحقيق مبادئ معينة، ولكنها اتحادات سوف تقوم على التراضي والمصلحة المشتركة.

تاسعاً: الحكم الراشد: الحكم الراشد قيمة تطلع إليها الإنسان عبر العصور، وهو يقوم على أربعة أركان: المشاركة، المساءلة، الشفافية وسيادة حكم القانون. هذه القيم كلها توجد في النصوص القطعية الإسلامية. إنها تتطابق مع مبادئ الإسلام السياسية. أخرج الطبري في تاريخه وابن سعد في الطبقات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لسلمان الفارسي: أملك أنا أم خليفة؟ قال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة. فاستعبر عمر: بكى. وأخرج ابن سعد عن عمر أيضاً أنه قال: “والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟” فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم! قال قائل: يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقاً. قال ما هو؟ قال: “الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ولا يضعه إلا في حق. وأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا”[1].

هذه شواهد من ثقافتنا الإسلامية. والشواهد من الثقافة الإنسانية كثيرة. قال اللورد جون دلبرج اكتون وهو مؤرخ بريطاني شهير: إن حس الإنسان الخلقي يضمر كلما زادت سطوته. وقال: “عندما تتركز السلطة في أيدٍ قليلة غالباً ما يسيطر رجال بذهنية العصابات، هذا ما أثبته التاريخ”، وقال: “كل سلطة تفسد، والسلطة المطلقة إفساد مطلق”.

والنصوص الإسلامية التي تؤكد مبادئ الشفافية وتحرص على نقاء ذمة الحكام وانتفاء المحسوبية وغير ذلك من مصدات الفساد كثيرة، وحيثما افتقد المسلمون هذه المبادئ طالبوا بها واحتجوا على الحكام.

عاشراً: المسألة الثقافية: الاجتهاد الإسلامي المنكفئ يحصر المعرفة في استنباطات الفقهاء، ويفسر النصوص بصورة يستحيل معها التعايش مع الآخرين، الثقافة كما يعبر عنها هؤلاء ستعرقل التنمية البشرية. الأصولية العلمانية تحصر المعرفة في عالم الشهادة، والفكر الغربي منذ القرن التاسع عشر وأتباعه في الشرق يبشرون بانقراض الثقافات، وهو ما ظهر زيفه في أواخر القرن العشرين. الصحيح أن نعترف بمصادر الوحي وبعطاء الإنسان بالعقل والحكمة والتجربة والمصلحة لفهم الحقائق، وأن نعترف للثقافة بمكانتها فمهمشو الثقافة يعزلون قضيتهم. المطلوب هو تحقيق ثورة ثقافية منطلقة من مقومات ذاتية وليست صدى لمطالب وافدة في بناء عصري مؤصل.

يمكن للحضارة الغربية أن تعاكس هذه الثورة بسيادة تيارات الاستعلاء فيها، أو تساعدها بسيادة الاستنارة التي تعترف بدينها للحضارات الأخرى وبدور تلك الحضارات، وطوعية أقلمتها لمنجزات الحضارة الغربية، وتقبل الحوار معها. إن ما حدث عقب أحداث 11 سبتمبر من ازدياد شعبية المواقف المتشددة في الغرب وفي الشارع الإسلامي ينذر بتصاعد حوار أحمق يدخل العالم في عهد ظلامي. اللهم إلا إذا برز الرأي الغربي المستنير والرأي الإسلامي الصحوي واستطاعا أن يخلقا خياراً كسبياً.

 

الإسلام وحقوق الإنسان:

 

انفرد الإسلام بين كافة الأديان العالمية بالاعتراف بالإنسان كإنسان إذ قال تعالي: (ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)[2]. وفي كتابي “الإنسان بنيان الله” 2011م أثبت أن مبادئ حقوق الإنسان العالمية الخمسة: الحرية والعدالة والمساواة والكرامة والسلام؛ جزء من هداية الإسلام التي أثرى بها تجارب العالمين.

كانت التجربة الغربية على العكس من هذا تماماً. فالمسيحية تحبس الإنسان في الخطيئة الأولى التي تجرده من أية كرامة ما لم يؤمن بفداء السيد المسيح عليه السلام، واليهودية تقسم البشر إلى قسمين: بني إسرائيل وهم المختارون، والأميين وهم المفضولون. وتجربة الغرب مع الإنسان كانت في غاية الفظاعة، فالشعب الأحمر في أمريكا أبيد إلا قليلاً، والشعوب السوداء التي سيقت في التجارة عبر المحيط الأطلسي واجهت قسوة واضطهاداً لم تعرف الإنسانية مثله، والحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت والطوائف الأخرى كانت الأكثر دموية وديمومة.

إن تراث الاقتتال الغربي لا يماثله شيء في كل التاريخ الإنساني، وقد بلغ قمته في الحرب الأطلسية الأولى (1914 –1918) والحرب الأطلسية الثانية (1939-1945). كانت التجربة الأمريكية والأوروبية والغربية كما في هاتين الحربين، وكما في احتلال وإخضاع الشعوب، وكما في النازية، وكما في الشيوعية، قمة الإهدار لكرامة الإنسان، وسفك دمه، وتحقيره وإذلاله.

إن فظاعة هذه التجربة الطامة هي التي أيقظت الضمير الإنساني في أمريكا وأوروبا والغرب، فاندفع ليكفر عنها ويعترف بكرامة الإنسان وحقوقه. هكذا اتجهت حقوق الإنسان في التجربة الغربية من الحرمان والإنكار إلى الاعتراف والتقنين الذي توج بإبرام ميثاق الأمم المتحدة في 1945، وانطلاقاً من مبادئ تضمنها الميثاق صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948م. وهو مكون من 30 بنداً جسدت المبادئ الإنسانية كما تصورها الفكر اللبرالي الغالب على مثقفي تلك المرحلة. ولكن بعد الحرب تمدد نفوذ الطبقات العمالية وعلت أصوات المثقفين الاشتراكيين فتطورت المعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان لتجسد هذه التطورات فصدر في عام 1966 عهدان: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي فصل بصورة أكبر هذه الحقوق، والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المدفوع بالفكر الاشتراكي. وكانت الإضافة الحقيقية فيه هي مسألة العدالة الاجتماعية (صار هذان العهدان، بإضافة البروتوكولين الملحقين بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والإعلان العالمي، يشكلون الصكوك الدولية المرجعية فيما يسمى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان).

وأثناء الحرب الباردة برزت مشاكل عالم الجنوب وبرز الاهتمام بحقوق الإنسان الجماعية في تقرير المصير، والتنمية، والهوية الثقافية. وبهذا دخل الإنسان مرحلة تمثل حقوق الإنسان الجماعية التي تمثل الجيل الثالث لحقوق الإنسان. واعتبرت الحقوق البيئوية والحق في السلام حقوق الجيل الرابع التي تسعى للحفاظ على ايكولوجيا الأرض.  الإنسان اليوم يتطلع لكفالة حقوقه بأجيالها الأربعة: اللبرالية، والاجتماعية، والجماعية، والايكولوجية. هذا التطور تجسده اليوم مواثيق ومعاهدات دولية تشكل مع بعضها الآخر منظومة حقوق الإنسان العالمية.

الدول الإسلامية جزء من النظام العالمي المعاصر ولكن أمامها وأمام شعوبها تساؤل مهم: هل يجيز الإسلام للمسلمين قبول هذه الأدبيات الحقوقية الإنسانية أم لا؟!

في دراسة قدمتها أمام ندوة نظمتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان بجنيف عام 1998م بعنوان “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من منظور إسلامي“، بحثت ردود كثير من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية الذين يجيبون على سؤالنا أعلاه بالنفي ويستشهدون بتناقض بعض ما جاء في هذه الإعلانات والمواثيق وبين أحكام إسلامية معينة، ويحتجون بالخصوصية الثقافية مانعاً لهم من قبول ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وأكدت أن النظم الاستبدادية في عالم اليوم ترفض كثيراً من بنود الميثاق العالمي لحقوق الإنسان لأنها تسلبهم امتيازاتهم الاستبدادية ويحتجون بالخصوصية الثقافية. نعم هناك خصوصية ثقافية ولكنها ليست جامدة فالإسلام الذي جاء بنصوص واضحة في الكتاب والسنة أوجب على المسلمين مراعاة الحكمة، والعقل، والمصلحة، وظروف الزمان والمكان: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[3].

نعم هناك تناقض بين بعض ما جاء في المواثيق الدولية في حقوق الإنسان وبين أحكام إسلامية استنبطت في الماضي وكرسها اجتهاد بعض الأقدمين ولكن اجتهادهم مع صحته في ظروف الماضي ليس ملزماً في الحاضر ولا في المستقبل.

وقلت: على الأقل هناك نقطة واحدة في مقدمة الإعلان وخمسة في متنه تتناقض مع فقه الجمهور. أما النقطة في المقدمة فهي تلك التي تنص على ضرورة إقامة العلاقات بين الأمم على المودة. أما البنود الخمسة في أصل الميثاق فهي البنود 4، 5، 16، 18، و19. وبينتُ أن اجتهادات الجمهور مرتبطة بظروفها ولا يصح نقلها للعصر الحديث، موضحاً فهماً جديداً للعلاقات الدولية يؤكد أن حقائق الوحي الإسلامي تحث على قيام المعاملات بين المسلمين والآخرين على المودة والبر والعدل. نعم هنالك مسلمون لا يرون ذلك. وهنالك تجارب تاريخية بين المسلمين والآخرين لم تلتزم بذلك. فبعض المسلمين يرون أن جهاد الطلب واجب، وأن الإسلام انتشر بالسيف، ويرون العالم مقسماً بين دار سلام ودار حرب، وأن الاختلاف في الاعتقاد هو مبرر القتال. الحقيقة هي أن الإسلام انتشر بوسائل سلمية، وأن الاختلاف في العقيدة لا يتطلب القتال، بل العدوان هو مبرر القتال جهاداً.

وفندت حجج التناقض فيما يخص تحريم الرق، وضمان حقوق المرأة، وحرية العقيدة، وما يظن من تناقض الحدود مع الإعلان، مؤكداً استناداً للنصوص الإسلامية والاجتهادات المنيرة لدى السلف أن حقوق الإنسان المذكورة لا تناقض الفهم المقاصدي، ولكن التناقض الحقيقي هو ما بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومصالح الدولة البوليسية في عوالمنا العربية والإسلامية والأفريقية.

ففي عالم اليوم إذ تنحسر اعتبارات السيادة أمام اعتبارات حقوق الإنسان، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يشكل تهديداً سياسياً للدول التي تقيم نظامها على أساس الدولة البوليسية. هذه الدول تجد نفسها في الحصار وفي قفص الاتهام أمام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إنها ترفض فكرة عالمية حقوق الإنسان وتحتج بالهويات الدينية والثقافية لتحتمي بها وتختفي وراءها من مقتضيات ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

لقد آن الأوان ليستمع العالم لأصوات الشعوب المغلوبة على أمرها ويتضامن معها في وجه الدولة البوليسية الحديثة التي تمارس الظلم والقهر والاضطهاد للشعب وتحاول أن تحتمي وراء مزاعم عن السيادة الوطنية والخصوصية الدينية والثقافية.

نعم لقد اكتسبت مزاعم تلك الدول بعض الصدقية لأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صدر في وقت كانت فيه دول كثيرة غائبة من الأسرة الدولية.

كذلك إن المناخ الفكري السائد يومئذٍ مناخ تهيمن عليه العلمانية بمدرستيها الرأسمالية والشيوعية. في ذلك الوقت كانت الانتماءات الدينية والهويات الثقافية نسبياً مهمشة.

اليوم ونحن في الألفية الثانية نجد تزايداً في اهتمام الإنسان بمعنى الحياة ومصيرها. عالم اليوم يشهد صحوة روحية وخلقية، واهتماماً أكبر بالبيئة الطبيعية وتحديات الإيكولوجيا. المطلوب أن نراجع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لدعمه باعتبارات الصحوة الروحية والخلقية والأيكولوجية لأخذ مصلحة الأجيال الإنسانية وحقوقها في الاعتبار.

إذا لم تتمكن قوى الاستنارة الإنسانية من السعي نحو القوى الروحية والثقافية التي يدين لها الناس بالولاء والانتماء فإن هذا التقصير يتيح الفرصة للقوى الظلامية لمحاولة استغلال الأديان والثقافات وتوفير الحماية للجلادين والطغاة.

إن أهم نقاط ضعف العلمانية أنها تغفل الغايات ولا تهتم بالمقاصد ومعاني الحياة. الإنسان لا ينفك مشغولاً بالغايات ومعاني الحياة. لذلك سوف يكون الإنسان باحثاً مستمراً عن معنى الحياة متعلقاً بما يجد من إجابات. الدين للإنسان ضرورة حياتية. التجارب التاريخية الإنسانية أكدت أنه كلما طرد الدين من الحياة، كما تقول علمانية معادية للدين، عادت الحماسة الدينية بصورة أكبر.

يجب أن تتنادى الأديان التي يلتف حولها ولاء الإنسانية لتحقيق عهد استنارة جديد. ينبغي أن توجه الوكالة المناسبة من وكالات الأمم المتحدة الدعوة لمؤتمر ديني جامع لدراسة حقوق الإنسان بصورة مشتركة والاتفاق على إثرائها روحياً وخلقياً والحصول على مباركتها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد إثرائه روحياً وخلقياً.

إن مثل هذا اللقاء الجامع يمكن أن يحقق:

  •      إثراء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان روحياً وخلقياً.
  •      قفل الباب محكماً أمام الطغاة من جلادي الإنسان لكيلا يجدوا لأنفسهم ونظمهم ملجأ في ساحة الخصوصية الدينية والثقافية.

 

 تجارب التشريع الإسلامي المعاصرة

 

في يونيو 2001م دعتني منابر بحثية في نيجريا لمخاطبة الرأي العام الإسلامي هناك حول تطبيق الشريعة في العصر الراهن نظراً لمحاولات التشريع الإسلامي التي أعلنها هناك بعض الولاة النيجريين المنتخبين ديمقراطياً. تطرقت في محاضرتين لقضيتي: الدين والوحدة الوطنية، والدروس المستفادة من تطبيقات الشريعة المعاصرة. وفي المحاضرة الثانية بحثت أهم تجارب التشريع الإسلامي في النصف الثاني من القرن العشرين في كل من باكستان، وأفغانستان، وإيران وفي السودان على مدى تجارب ثلاث: التجربة المايوية (1983-1985م)، وتجربة النظام الديمقراطي على عهد الديمقراطية الثالثة (1986-1989م)، وتجربة “الإنقاذ” (منذ 1991م)، وقد بينت أن تجربة سبتمبر 1983م المايوية كانت معيبة في تصورها ومغرضة في دوافعها حيث جاءت لفك الحصار عن نظام مأزوم وظالم، مثلها مثل تجرية ضياء الحق في باكستان التي سبقتها في رفع الشعار الإسلامي لإضفاء شرعية لنظام يفتقدها.  لذلك لم نتردد في لفظ التجربتين باعتبارهما استغلالاً مذموماً للشعار الإسلامي وتشويهاً له.

وفي الديمقراطية قدنا محاولة للتشريع الإسلامي المعاصر يهتدي بالموجهات التالية:

المبدأ الأول: أن يكون التشريع بوسائل ديمقراطية.

المبدأ الثاني: أن يراعي التشريع الإسلامي الظروف المتغيرة في العصر الحديث وأن يستصحب اجتهاداً جديداً.

المبدأ الثالث: ألا تقام العلاقات الخارجية على تلك الأسس التي صاغها الفقهاء في الماضي والتي تقسم العالم إلى معسكرين: دار الإسلام ودار الحرب.  بل على قاعدة: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِم)[4].

المبدأ الرابع: مناقشة الأسس الدستورية مع المواطنين غير المسلمين والضمانات المطلوبة لتطمينهم على حقوقهم الدينية والمدنية.

ولكن قبل الانتهاء من هذه المهمة اغتصب انقلاب عسكري السلطة في السودان في يونيو 1989م. لقد كان نقدهم الأساسي هو استبطاء برنامجنا في التطبيق الإسلامي. أما تجربتهم الإسلامية التي صيغت باسم (المشروع الحضاري) والتي برزت بعد عام ونصف من الانقلاب، فقد واجهناها منتقدين شرعيتها الانقلابية. قال عمر رضى الله عنه: “مَن بَايَعَ رَجُلًا عن غيرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فلا يُبَايَعُ هو ولَا الذي بَايَعَهُ”[5]. وقد أظهرت الخطأ في التنظير للتجربة وفي التطبيق في عدة مخاطبات منبرية لنصح الحكام، وفي كتابات مختلفة أشرت لبعضها آنفاً.

أما تجربة الأسلمة الأفغانية فقد قامت على أكتاف حركة طالبان التي استطاعت بالدعم الرسمي الباكستاني وبالعصبية الباشتونية القبلية أن تستولي على الحكم، وأظهرت درجة عالية من الإقدام والحماسة الإسلامية ولكن إلمامها بالمعارف الإسلامية كان محدوداً كذلك إلمامها بالسياسيات الدولية كان قاصراً، ويمكن أن نقول إن التجربة الإسلامية الطالبانية صفحة من أعماق التاريخ غريبة على العصر الحديث.

تمثل الثورة الإسلامية في إيران انتفاضة أصيلة ضد الظلم الداخلي والتبعية الأجنبية. كذلك مثلت استعادة راديكالية لهوية البلاد الإسلامية. ومثلت ميلاً نحو العدالة الاجتماعية وخطوات على طريق الديمقراطية. وهي تمثل التعبير الأكثر جدية والأكثر أصالة والأكثر وضوحا للقوة الشعبية من بين التجارب الإسلامية المعاصرة ولكن الفشل في استيعاب الآخر قاد لتواصل جولات العنف. القيد الآخر الذي كبح التجربة من الانطلاق هو التزام النظام العميق بالقيد المذهبي إذ التزم بمذهب شيعي محدد. ويواجه النظام تناقضات معينة مثل التناقض بين الملالي وأصحاب التعليم المدني، وبين المحافظين والإصلاحيين ولكن بصورة خاصة بين ولاية الفقيه وولاية الجمهور.

لاحقاً في كتاب “حالنا ومآلنا” الصادر عام 2015م حللت نشأة القاعدة وداعش والدولة الإسلامية، ومظاهر التشدد بين مسلمي أفريقيا جنوب الصحراء كبروز بوكو حرام في نيجريا.

الدولة التي أقامتها داعش كانت خارج التاريخ وخارج العقل لكنها لأسباب ذكرتها جذبت شباب المسلمين المهاجرين في أوربا حتى أن صحيفة التايمز قالت في (31/10/2014م) إن واحد من كل سبعة من الشباب المسلم البريطاني يتعاطون مع داعش. النسبة في فرنسا واحد من كل أربعة. لقد كانت القاعدة في أرض الرافدين وجبهة النصرة السورية كلاهما تعتبران جزءاً من تنظم القاعدة. ولكن القاعدة لم تر أن وقت تكوين الخلافة قد حان، بينما داعش سبقت إلى ذلك وصار أسلوبها مسك الأرض وضمها لدولة الخلافة. فاندلع بينهما تنافس على قيادة “الجهاد” العالمي، ونشأت بينهما خلافات فقهية تدل على أن داعش أكثر تشدداً في أحكامها، ولكن أهم فرق بينهما في السياسة أن القاعدة تعطي أولوية لقتال الأمريكان بينما داعش تعطي أولوية لقتال الشيعة. وبينتُ في الكتاب أن تطبيق الأحكام التقليدية، كما فعلت طالبان في أفغانستان وكما فعلت (الخلافة) في أراضيها، وأساليب بوكو حرام وغيرها من حركات التشدد اللا معقول، يجافي مقاصد الشريعة، ويصد المسلم المدرك للمقاصد، وينافي الذوق السليم، ومنطق العصر بلا شك. فالأمر يتطلب أن نعرف الواجب اجتهاداً والواقع إحاطة، ثم نزاوج بينهما. قال ابن القيم في أعلام الموقعين: “الواجب شيء والواقع شيء، والفقيه من يطبق بين الواقع والواجب وينفذ الواجب بحسب استطاعته، لا من يلقى العداوة بين الواجب والواقع، فلكل زمان حكم، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم.”. هذا ينطبق على الأحكام المدنية، والأحكام الجنائية، وأحكام المرأة، وأحكام الرق وغيرها.

 

الدروس المستفادة من هذه التجارب:

  1.        تطبيق الشريعة ملزم شرعاً للمسلم.
  2.        تطبيق الشريعة في النطاق الخاص والشخصي أمر يتعلق بالمجتمع المتدين.
  3.        مسألة الشريعة مسألة مهمة للغاية وخطيرة، ويجب الشروع فيها بعد جهد مكثف لوضع البرنامج الذي يمكن تحقيقه، والأولويات التي يجب اتخاذها، والتطمينات المطلوبة. ذلك أن فشل تلك التجارب يرجع إلى أسباب منها أنها رفعت شعارات دون أن تضع برامج مسبقة من ثوابت الإسلام فجاء العمل سابقاً للفكر.
  4.        استغلال الإسلام لخدمة الطموحات السلطوية إساءة بالغة للإسلام.
  5.        لا وصاية لأي شخص أو حزب لفرض برنامجه على الآخرين، ولكن يجب أن يحصل على ذلك التفويض من الشعب ويسعى للتغيير المطلوب بالوسائل الديمقراطية.
  6.        ولكن في النطاق العام هناك جوانب يجب مراعاتها مثل: تغير الزمان والمكان، حقوق غير المسلمين، أحوال المجتمع الدولي وغيرها. وعلى المسلم أن يعي بأنه في مثل هذه الأمور فإن هامش التطبيق واسع يجعل بعض الالتزامات ضرورية في حالات معينة وبعضها أقل ضرورة وأخرى غير ضرورية لأنها قد تضر بمقاصد الشريعة النهائية. إن نص الإسلام الموحى (القرآن) يسمح للمسلم في بعض الأحيان بالتصريح بالكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وفي أحيان أخرى يتوقع منه اتباع كل المبادئ والتعاليم. والقرآن يشير إلى تقوى الله ما استطعنا وكذلك إلى تقواه حق تقاته. وهو يتحدث عن: (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ[6]) في مكة، وعن مواجهة الظلم في المدينة، وهكذا. على المسلم بلا شك الرجوع للنصوص، ولكن عليه أيضاً استخدام ملكات ومواهب وهبها الله له مثل الحكمة والميزان والقسط. قال الإمام ابن الجوزي في “تلبيس إبليس”: “اعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد، وفي التقليد إبطال منفعة العقل لأنه إنما خلق للتأمل والتدبر، وقبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة”.

.. هذه التجارب حبلى بالدروس فهناك جهات عديدة داخلياً وخارجياً ينبغي تطمينها، وهناك مصالح كثيرة ثابتة يجب أن توضع في الحسبان، لقد اقترحت على عدد من المؤتمرات العلمية الإسلامية عقد مؤتمر خاص يبحث الدروس المستفادة من تجارب تطبيق الشريعة المعاصرة وليضع تحليلاً موضوعياً للتجارب ويصدر إعلاناً ليكون موجها للعالم الإسلامي قاطبة.

وخلاصة ما توصلت إليه دراستي لنصوص الإسلام وللتجارب الحديثة أنه لا يوجد في الإسلام نص على دولة معينة. هنالك مبادئ سياسية إسلامية يجب أن تراعى في إقامة النظام السياسي، وتشريعات يجب تطبيقها. وهنالك طائفة من الموجهات التي ينبغي أن توضع في الاعتبار لدى بحث استهداء دولنا الحديثة بالإسلام.

المسلم المعاصر المفاخر بدينه المتحمس له يمكنه أن يتبنى طائفة من القيم والمؤسسات الحديثة بدون حرج، بل إن بعضها مثل الديمقراطية تيسر له إنزال مبدأٍ إسلامي عزيزٍ هو الشورى، كما يمكنه أن يؤيد جوهر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بل يمكنه بحق أن يقول إن لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرابط إسلامية تمنحها جذوراً خلقية وروحية وتجعلها أبقى وأقدس وأعصى على الإهدار.

كذلك فإن سعي المسلم لتطبيق مبادئ دينه السياسية في الحياة واجب يسعى لتحقيقه مستهدياً بطائفة من المبادئ والأسس الضرورية لجعل تطبيقاته مطابقة لمقاصد الشريعة ومحققة لها، لأن الحماسة غير المدروسة يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية، وكل أمر يؤدي إلى نقيض مقاصده باطل، قال العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام: “قَاعِدَةٌ: كُلُّ تَصَرُّفٍ تَقَاعَدَ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ”.

انطلاقاً من هذا الفهم كان دورنا في الوصول لمواثيق تحقق الاحتكام لحقوق الإنسان، وتتيح لمجتمعاتنا الالتحاق بقاطرة التحديث بدون أن تخون جذورها، أي تحقق مستقبلاً له وفاء.

 

الدين والدولة في السودان

 

 

أثارت قضية الدين والدولة جدلاً في السودان عشية انقلاب مايو 1969م إذ طغى الاتجاه داخل البرلمان بالنص على الشريعة الإسلامية ضمن مصادر التشريع في مسودة دستور السودان الدائم لسنة 1968م، وهو ما أثار حفيظة قوى اليسار العلمانية وجعلها تكون جبهة لمناهضة الدستور الإسلامي، وانتهى بها المقام إلى هندسة انقلاب مايو 1969م الذي جاء بشعارات شيوعية وارتبط بالمعسكر الشرقي وتحالفاته أثناء الحرب الباردة. فكانت مقاومتنا للانقلاب في مهده مرتبطة برفضنا فرضه للعلمانية ورفعه للشعارات الشيوعية وبدفاعنا عن التأصيل الإسلامي كما عبر عنه الإمام الشهيد الهادي المهدي والأنصار بالجزيرة أبا في وجه الطاغية: لا سلام بلا إسلام.

ولكن ما لبث النميري أن انقلب على نفسه فبطش باليسار وارتبط بأمريكا والمعسكر الغربي في السياسة الدولية. ولاحقاً تبنى قوانين سبتمبر 1983م الشائهة التي استخدم فيها الشعار الديني للجم المعارضة وقهر الخصوم عبر قانون البغي، وقد وصفنا موقفنا من تلك التجربة أعلاه، فكانت مقاومتنا له في النهاية مرتبطة برفضنا تجربته الإسلاموية الفوقية بأقوى صورة.

أثناء الديمقراطية الثالثة خاض حزب الأمة القومي الانتخابات ببرنامج “الصحوة الإسلامية” منادياً بالتأصيل بشكل مستنير، وقال بضرورة إلغاء قوانين سبتمبر وإنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به، ولكن تعذر إلغاؤها بسبب اتفاق ثنائي بين الجبهة الإسلامية القومية والاتحادي الديمقراطي، مفاده: لا لإلغاء قوانين سبتمبر، لا لإعلان كوكادام، ولا لمحاكمة سدنة مايو. وكانا أكبر كتلتين في البرلمان بعد حزب الأمة. نتيجة لذلك سعى الحزب لتجميدها عملياً، وخاض عملية تشريعية بديلة تجعل التأصيل الإسلامي مقتصراً على المسلمين، ملتزماً بحقوق المواطنة ومراعياً لمطالب الآخرين وتحفظاتهم، وفي النهاية جدول نقاش القضية ضمن المؤتمر القومي الدستوري الذي حدد له سبتمبر 1989م، ولكن أجهض انقلاب يونيو 1989م العملية الدستورية الديمقراطية المبرمجة لحل كافة القضايا القومية، وأحل محلها رؤى الجبهة القومية الإسلامية الضيقة والأحادية.

 

تجربة النظام المباد

 

كان الحزب الإخواني الذي انقلب على الديمقراطية الثالثة يرفع بمسمياته المختلفة شعار الإسلام، وينشر رؤى فطيرة استندت على تأجيج العواطف ووصم الخصوم أكثر من استنادها لخبرة فقهية أو علمية رصينة. ولكنه بعد الانقلاب صمت عن هويته الإسلاموية تقية عاماً ونصف.

ارتبطت بالتجربة أوجه عديدة: وجه اجتماعي صفى دولة الرعاية الاجتماعية وهجّر حوالي 12 مليون مواطن قسرياً، ووجه سياسي جاء بالبيعة البعدية للبشير، وشن الحرب الجهادية، وأسس للأحادية السياسية في نظام المؤتمر الوطني ورفض التعددية الحزبية، ودستور 1998م الذي نص على أن الحاكمية لله ليضفي على حكمهم بعداً ثيوقراطياً ويقهر معارضيه باعتبارهم كفاراً مارقين عن الدين، كما ارتبط النظام بالإرهاب العالمي وصار بذلك وبالانتهاكات وجرائم الحرب والإبادة في مناطق النزاع محطاً لـ62 قرار مجلس أمن دولي كثير منها وفقا للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

ويهمنا هنا أن نفصل الوجه القانوني الذي لا تزال بعض ذيوله قائمة: فقد سنوا تباعاً عدداً من القوانين المنطلقة من فقه إسلاموي منكفئ:

  1.     القانون الجنائي لسنة 1991م. عدل عدة مرات وأبقى على اجتهاداته المنكفئة وزاد طينها بلة.
  2.    قانون تنظيم العمل المصرفي لسنة 1991م، عدل في 2003م. وقانون بنك السودان لسنة 2002م، أقاما تجربة المصرفية الإسلاموية المعيبة والاستغلالية والتي حطمت الاستثمار.
  3.    قانون الزكاة صدر سنة 1990م، ثم عدل في 2001م. جعل الزكاة مجرد ضريبة مزدوجة على المسلمين، خالية من شروطها الشرعية من حولان الحول وبلوغ النصاب بل صارت تخصم من رواتب الموظفين قبل استلامهم لها.
  4.    قانون الأحوال الشخصية للمسلمين سنة 1991م، وينص على زواج الطفلات، وعلى سلطة الولي في العقد وغيرها من الرؤى المنكفئة التي لا تناسب العصر بل تقع خلف الرؤى السودانية التقليدية بمسافة.
  5.    قوانين النظام العام الولائية، في ولاية الخرطوم لسنة 1996م وفي القضارف لسنة 2007م، وما استندت عليه من نصوص مجحفة طبقت على النساء بشكل خاص فصارت المجلودات سنوياً عشرات الآلاف.
  6.    قانون الثراء الحرام والمشبوه وما استند عليه من فكرة (التحلل) من المال العام لمن يقبض عليه من محاسيبهم وتعارض إدانة الشريعة القصوى للغلول من المال العام.

هذه التجربة الظالمة جعلت الشعب السوداني كله يصطف ضدها منذ تباشيرها الأولى. وربط بعض المعارضين بين رفضها ورفض الشعار الإسلامي من أساسه فنادوا بتكوين جبهة علمانوية. أما حزبنا فقد قاد عملية فضح التجربة على أسس إسلامية وقدمت منابرنا أقوى الحجج في تفنيدها، كما قدنا محاولات عديدة للوصول لتفاهمات حول علاقة الدين بالدولة تبعد عن الاستقطاب الأيديولوجي بما يسمح بحل جدلية الأصل والعصر على أساس توافقي، وهذه أبرز المحطات:

 

إعلان نيروبي:

 

في أغسطس 1992م وبعد فشل مفاوضات أبوجا الأولى بين النظام المباد والحركة الشعبية لتحرير السودان، كتبت ورقة بعنوان “مشروع نحو سلام عادل في السودان” شخصت فيها المشكلة في جولة مفاوضات أبوجا الأولى والمتمثلة في موقف النظام وجمود تصوره للمشاكل وحلها على اجتهاد الجبهة الإسلامية القومية في عام 1987م وميثاق السودان الذي طرحته، وفي مواقف الحركة الشعبية المستند لقراءات تاريخية من جانب واحد، وفي النهاية قدمت مقترحاً لاتفاق من سبع نقاط أجازته مؤسسة حزبنا بالداخل وأرسل للقيادة بالخارج ليكون هادياً في الوصول لاتفاقيات مع بقية فصائل المعارضة. كان فحوى الرأي المجاز أن مفتاح الحل يكمن في الاتفاق على ميثاق لحقوق الإنسان السوداني يكفل حقوق المواطن الإنسانية: “السودان وطن متعدد الأديان والأعراق والثقافات، وتقوم العلاقات بين المجموعات الوطنية فيه على التسامح والتعايش السلمي، ولكفالة حقوق المواطنة، ومنعاً لتجني فئة على أخرى توضع وثيقة يلتزم الجميع باحترامها تنص على حقوق المواطن السوداني”. وأن يكون التشريع ديمقراطياً “ولكل مجموعة وطنية الحق في الدعوة للبرنامج التشريعي الذي تريده مع مراعاة عاملين: مقتضيات وثيقة حقوق المواطن، ومقتضيات اللامركزية”. وأن يكون نظام الحكم ملتزما بحقوق الإنسان وبحرياته الأساسية.

لاحقاً قلنا بالاحتكام إلى مواثيق حقوق الإنسان الدولية، وأرسلنا الرأي بذلك لجماعتنا في الخارج، مما أثمر تواثقنا مع الحركة الشعبية لتحرير السودان وبقية فصائل التجمع الوطني الديمقراطي على إعلان نيروبي في 17 أبريل 1993م وجاء فيه فيما يخص علاقة الدين بالدولة:

  •        ينبغي أن تكون المواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية جزء لا يتجزأ من قوانين السودان، وكل قانون يناقضها سوف يعتبر باطلاً وغير دستوري.
  •        سوف تضمن القوانين المساواة الكاملة للمواطنين على أساس المواطنة، واحترام المعتقدات الدينية والتقاليد بدون أي تمييز على أساس الدين، أو العرق، أو النوع أو الثقافة. وكل قانون يناقض النص أعلاه يعتبر باطلاً وغير دستوري.

قام النظام باستثارة علماء سوئه فكفرونا في 1993م، كما فعلوها لاحقاً في 2009م، و2012م وأطلقوا علينا أبواق إعلامهم البذيء.

 

إعلان مبادئ الإيقاد

 

في العام 1994م تدخلت منظمة الإيقاد للتوسط في الحرب في السودان، وتم عقد اجتماع الإيقاد بنيروبي في 17 مارس 1994م بدعوة لجنة أعضاء الإيقاد برئاسة الرئيس الكيني دانيال اراب موي وعضوية رؤساء يوغندا وإثيوبيا وإرتريا بحضور رئيس النظام المباد عمر البشير ورئيس الحركة الشعبية المرحوم د. جون قرنق، ود. لام أكول قائد الجناح المنشق، وفي 20 مايو 1994م، أعلنت دول الإيقاد مبادرتها لحل الأزمة السودانية التي بنيت على إعلان للمبادئ من ست نقاط جاء في البند 3(4) منه: ” إقامة دولة علمانية ديمقراطية في السودان مع ضمان حرية العقيدة والعبادة لجميع المواطنين في السودان بصرف النظر عن أعراقهم ودياناتهم على أساس فصل الدين عن الدولة. على أن تقوم قوانين الأسرة والأحوال الشخصية على أساس الأديان والعرف.” وجعل الإعلان تقرير المصير شرطاً في حال عدم قبول الحكومة بالعلمانية.

وقعت الحركة الشعبية لتحرير السودان على الإعلان باعتباره استجابة لمطالبها، بينما خونته حكومة النظام المباد وكفرت الموقعين، ثم وقعت لاحقاً في 1997م.

من ناحيتنا قمنا بعقد العديد من الاتفاقيات الثنائية للتأكيد على أسس الحل المبرم في إعلان نيروبي، مثلاً: وقعنا اتفاقية شقدوم مع الحركة الشعبية في 12 ديسمبر 1994م وفيها: ” فيما يتعلق بالدين والدولة فإن الطرفين ملتزمان بما جاء في إعلان نيروبي الذي سوف يكون أساساً للتدابير الدستورية في الفترة الإنتقالية.” كذلك وقع حزبنا بالخارج اتفاقين مع كل من الحزب الشيوعي والقيادة الشرعية للقوات المسلحة في يناير 1995م جعلا الاحتكام في الفترة الانتقالية لإعلان نيروبي.

 

مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية

 

في 15 أبريل 1995م أرسلنا ورقة “البيان الديمقراطي السوداني” لقيادة حزبنا بالخارج وعلى رأسها المرحوم د. عمر نور الدائم. حددنا فيها الأسس النظرية للاتفاق على السياسة المستقبلية في السودان. وأقررنا بمشروعية تيارات التأصيل (إسلامية/عربية/ أفريقية) طالما عبرت عن نفسها بفكر وسلوك ديمقراطي. وأنه “لكي يتحقق التوازن، ويحال دون التظلم، فإن مشروعية التأصيل -حتى إذا سندتها أغلبية ديمقراطية- لا تحجب حقوق المجموعات الوطنية المختلفة كما حددتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان”.

وبالفعل استصحب مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية في يونيو 1995م، الفكرة التي تم التواثق عليها في نيروبي وأضاف لها نقاطاً أخرى. كان النص في إعلان أسمرا للقضايا المصيرية حول الدين والسياسة في السودان كالتالي:

  1.  إن كل المبادئ والمعايير المعنية بحقوق الإنسان والمضمنة في المواثيق والعهود الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان تشكل جزءا لا يتجزأ من دستور السودان وأي قانون أو مرسوم أو قرار أو إجراء مخالف لذلك يعتبر باطلاً وغير دستوري.
  2.  يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيسا على حق المواطنة واحترام المعتقدات والتقاليد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة ويبطل أي قانون يصدر مخالفا لذلك ويعتبر غير دستوري.
  3.  لا يجوز لأي حزب سياسي أن يؤسس على أساس ديني.
  4.  تعترف الدولة وتحترم تعدد الأديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمـل على تحقيق التعايش والتفاعل السلمي والمسـاواة والتسامح بين الأديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للأديان وتمنع الإكراه أو أي فعل أو إجراء يحرض على إثارة النعرات الدينية والكراهية العنصرية في أي مكان أو موقع في السودان.
  5.  يلتزم التجمع الوطني الديمقراطي بصيانة كرامة المرأة السودانية ويؤكد على دورها في الحركة الوطنية السودانية، ويعترف لها بالحقوق والواجبات المضمنة في المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الأديان.
  6.  تؤسس البرامج الإعلامية والتعليمية والثقافية القومية على الالتزام بمواثيق وعهود حقوق الإنسان الإقليمية والدولية.

عبر هذه النصوص استطاعت الحركة السياسية السودانية، ولعب حزب الأمة دوراً معلى، في تركيز النقاش بشأن قضية الدين والدولة حول الأسس المطلوبة للتوافق الوطني بعيداً عن مسببات الشقاق الأيديولوجي.

 

اتفاقية السلام يناير 2005م والدستور الانتقالي 2005

 

اتفاقية السلام المبرمة في 2005م جاءت برافع “جزرة وعصا” أمريكي نشط في تثمير دور دول الإيقاد الذي كان عقيماً قبله.

لقد ذكرنا كيف قدمت الإيقاد إعلان المباديء الذي ينص إما على العلمانية أو تقرير المصير. ومنذ تقديم إعلان الإيقاد في مايو 1994م أحجمت الحكومة عن التفاوض ولم تسأنف إلا في الجولة الخامسة، نيروبي، نوفمبر 1997م بعد أن وقعت على الإعلان، وظلت قضية الدين والدولة إحدى أهم عقبات التفاوض في تلك الجولة وفي الجولات اللاحقة في مايو 1998، أغسطس 1998، ويوليو 1999م، والجولات عام 2000، ولكن بعد ذلك تغير المشهد.

ففي تلك الأثناء أفلح النظام في استخراج البترول مما أثر على السياسة الأمريكية.

طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) دراسة وضع السودان فقدمها المركز للإدارة الأمريكية في فبراير 2001م. أكدت الدراسة على أن مسيرة إنتاج النفط منذ 1998م حولت ميزان القوة العسكرية في الحرب بشكل جذري لصالح الحكومة السودانية على حساب الحركة الشعبية. فأوصت بإنهاء الحرب عن طريق تدخل الإدارة الأمريكية، وإلا فإن الحركة الشعبية سوف تُهزم في ميدان القتال وبالتالي تؤول السيطرة لحكومة الإنقاذ. وتبنت الإدارة الأمريكية توصيات الدراسة، وعبر هذا الرافع الدولي الجديد شهدت المفاوضات بين الطرفين عهداً جديداً، أنهى حوارات الطرشان السابقة وأفلح في إبرام اتفاق ميشاكوس الإطاري في 2002م، وما تلاه من مواثيق اختتمت بالاتفاقية الموقعة في يناير 2005م ومن ثم اشتركت الحركة الشعبية لتحرير السودان في الحكم الانتقالي لتنفيذ الاتفاقية.

كان واضحاً لحزب الأمة أن الاتفاقية لن تحقق الوحدة، ولا السلام ولا التحول الديمقراطي، وأنها مجرد عمر إضافي لنظام المؤتمر الوطني بإعطائه شرعية دولية غير مستحقة.

أصدر الحزب نقده للاتفاقيات واحدة تلو الأخرى، وللدستور الانتقالي لسنة 2005م، وأحجم عن الاعتراف بشرعيته فكان الوحيد من بين القوى السياسية الذي فضح لا جدوى الاتفاقية والمشاكل في الدستور الانتقالي القائم على قبضة ثنائية جائرة.

قاد الحزب حركة حثيثة لتصحيح الاتفاقيات أثمرت العشرات من الأدبيات، والاجتماعات الثنائية والجماعية فقدم “مبادرة الأمة للتعاهد الوطني” سنة 2003م بعد اتفاق ماشاكوس، لتصحيح مسار السلام وربطه بالتحول الديمقراطي، ولرفض الرؤى الأيديولوجية للمؤتمر الوطني المضمنة في دستور عام 2005م والقوانين سيئة الذكر التي ظلت تعمل تحته. وقد حرص المؤتمر الوطني على أن يصوغ نصوص وثيقة الحقوق في الدستور بإضافة جملة “بما لا يتعارض مع القانون”، جاعلاً القوانين المشار إليها ضمن برنامج النظام المباد الإسلاموي ذات يد عليا، تسلب باليد الشمال ما يعطيه الدستور باليمين.

وفي مايو 2005م أصدرتُ كتاب: اتفاقيات السلام 2005م والدستور الانتقالي 2005م في الميزان، تناولت عيوب الدستور وهي عيوب كثيرة وهامة منها التناقضات التي حفلت بها النصوص، والافتقار للشمول، والثنائية بين حزبين، والغموض والمناطق الرمادية، وهناك قضايا مهمة غائبة لم يشملها الاتفاق، وهناك نصوص قاصرة. كذلك تضمن نقدنا للدستور قضايا كثيرة هيكلية وموضوعية. وتطرق الكتاب لمعارضة اجتهادات المؤتمر الوطني فيما يخص المصارف المسماة إسلامية.

والحقيقة التي لا مراء حولها أن الجميع انخدعوا بالاتفاقية وبالدستور الانتقالي، إلا حزب الأمة القومي الذي فضح خطل التمكين الثنائي وكيف سوف يستغله حزب المؤتمر الوطني صاحب اليد العليا ليجعل رؤاه وسياساته الحاكمة، لأن الاتفاقية الغبية جعلت التشريع بيد المجلس الوطني ذي الأغلبية للمؤتمر الوطني. لذلك فإن كل التعديلات التي أجريت على القوانين ضمن الإصلاح القانوني المقرر أثناء الفترة الانتقالية جاءت بمزيد من القيود والرؤى المنكفئة.

صحيح إن النظام المباد قبل بعض أطروحات المعارضة منذ اتفاقيات السلام من الداخل في سنة 1997م، واستصحبها في اتفاقيات سلام نيفاشا، وصحيح إن هناك نصوص تبدو معقولة في وثيقة الحقوق المضمنة بالدستور الانتقالي لسنة 2005م، لكنها مصاغة بشكل مراوغ، وقد ساهمت في تعضيد قبضة الشمولية. كما أن هناك نصوص مستندة إلى رؤى المؤتمر الوطني الإسلاموية الأحادية القاصرة. لذلك لا تشكل اتفاقية السلام في نصوصها المعيبة، ولا الدستور الانتقالي أي أساس لحل قضية الدين والدولة في السودان.

من الفجر الجديد إلى إعلان باريس

 

برغم الاتفاق حول علاقة الدين بالدولة في مؤتمر القضايا المصيرية، فقد سعت بعض فصائل المعارضة لمراجعة النصوص المذكورة في اتجاه إبعاد الدين عن الشأن العام، ففي يناير 2013م دعت الجبهة الثورية السودانية لاجتماع في كمبالا شاركت فيه غالبية قوى الإجماع الوطني، خرج بوثيقة الفجر الجديد التي نصت في البند (3) (الدين والدولة) على (إقرار دستور وقوانين قائمة على فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسة). كما نصت الوثيقة في البند 15(11) المؤتمر الدستوري القومي على (إقرار مبدأ الوحدة الطوعية لجميع أقاليم السودان)، وتبنت الكفاح الثوري المسلح ضمن وسائل إسقاط النظام.

ههنا تحرك حزبنا لتصحيح هذه المفاهيم بالتأكيد على وحدة السودان على أسس عادلة، والسعي لإبطال المفاهيم العلمانوية في الوثيقة، ولتأكيد وسائل الجهاد المدني. وتعليقاً على الوثيقة أصدر المكتب السياسي لحزبنا بياناً في 7 يناير 2013م رحب فيه بلقاء القوى السياسية السودانية لإبرام اتفاق قومي يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل، ورفض أية بنود تؤثر سلباً على وحدة السودان، مع ضرورة العمل على أن تقوم وحدة البلاد على العدل والمساواة. وأن (موقفنا المبدئي في العلاقة بين الدين والدولة يقوم على التوفيق بين تطلعات المؤمنين، والمساواة في المواطنة).

بعد ذلك سعينا لتصحيح ما جاء في الوثيقة فأرسلتُ لرئيس الجبهة الثورية آنذاك الأخ مالك عقار طالباً اللقاء بهم، ومع رده بغير حماس أصررنا على التواصل معهم حتى أفلحنا أخيراً في عقد لقاء بين حزبنا والجبهة الثورية في باريس في أغسطس 2014م. كان لقاء حميماً مثمراً مسح التوجس الذي سببته دعاية النظام البائد لزرع عدم الثقة بين فصائل المعارضة.

كان إعلان باريس نصراً مؤزراً للأجندة الوطنية فقد تمسك بوحدة السودان على أسس عادلة، وقصر الوسائل على الحل السلمي والانتفاضة الشعبية، أما فيما يخص علاقة الدين بالدولة جاء في الإعلان: (ناقش الطرفان بعمق علاقة الدين بالدولة كواحدة من القضايا الجوهرية واتفقا على مواصلة الحوار للوصول لصيغة مرضية لكافة الأطراف.)

شارك في ذلك الاجتماع كل قادة الجبهة الثورية التي كانت موحدة حينها، بمن فيهم السادة مالك عقار، وعبد العزيز الحلو، ومني أركو مناوي، وجبريل إبراهيم، وعبد الواحد محمد النور. لقد كان واضحاً في النقاش ضرورة الوصول لصيغة مرضية والابتعاد عن المسميات المرتبطة بالاستقطاب والاستقطاب المضاد.

ما بعد الثورة المباركة

 

مباشرة بعد انتصار الثورة المباركة وتكوين الحكومة الانتقالية قدمنا (مصفوفة الخلاص الوطني) في سبتمبر 2019م، وتحدثنا فيها عن ضرورة إصلاح قانوني فوري: “ينبغي إجراء إصلاح قانوني شامل يزيل كافة مخالب التمكين ويحقق العدالة والمساواة أمام القانون ويزيل الاجتهادات الباطلة التي قامت عليها فلسفة التشريع في النظام المباد”.

وقد عملنا كذلك ضمن قوى الحرية والتغيير على تأكيد إبعاد الصيغ الاستقطابية في “البرنامج الإسعافي” الذي سلم للحكومة في أكتوبر 2019م، إذ برزت من جديد قضية علاقة الدين بالدولة.

والفكرة التي ندافع عنها هي ضرورة الالتزام بالنصوص المؤسسة للتوافق السوداني في الخصوص، وترك التفاصيل لنقاشها في المؤتمر الدستوري، وحسم البرامج الأيديولوجية عبر صناديق الانتخابات أو ضمن الاستفتاء على الدستور. فليس من صلاحيات الحكومة الانتقالية حسم القضايا الخلافية ولا اتخاذ قرار فيما حوله خلاف. إن التفاوض حول السلام عليه أن يقتصر على أسباب النزاع: المظالم الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والثقافية والتهميش في قسمة السلطة والثروة، وعلى إزالة آثار النزاع.

ختام:

إن للسودان تجارب وصايا في حل قضية الدين والدولة بفرض العلمانوية أو الإسلاموية من قبل طغاة على سنة فرعون (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)[7]، كما لديه تجارب حوار وتوافق ثرة بينا جانباً منها.

لن يقبل الشعب السوداني الحر الوصاية مهما رفعت من شعارات، ولا سبيل أمامنا إلا التوافق على أسس ترضي الجميع، ثم يعرض من أراد بضاعته في الانتخابات:

أمامك فاختر أي نهجيك تنهج                  طريقان شتى مستقيم وأعوج

 

__________________________________________

 

[1] ابن سعد الطبقات الكبرى الجزء الثالث- دار بيروت للطباعة والنشر 1957م- صفحة 306- 307. وأيضا في : تاريخ الطبري” تاريخ الرسل والملوك” الطبعة الخامسة دار المعارف الجزء الرابع صفحة 283.
[2] سورة الإسراء، الآية رقم (77).
[3]  سورة محمد الآية رقم (24)
[4]  سورة الممتحنة الآية رقم (8).
[5]   أخرجه البخاري وأحمد
[6]  سورة النساء الآية رقم (77)
[7]  سورة غافر الآية رقم (29)