الجزيرة في مقابلة مع الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

الجزيرة في مقابلة مع الإمام الصادق المهدي

 

 

 

الجزيرة في مقابلة مع الإمام الصادق المهدي

حوار عبد الباقي الظافر الخرطوم

 

في ظهيرة يوم رمضاني، زارت الجزيرة نت الصادق المهدي، “إمام الأنصار” ورئيس حزب الأمة، ورئيس الوزراء المنتخب الذي أطاح به انقلاب الإسلاميين بقيادة الرئيس المخلوع عمر البشير.

كان اللقاء في بيت تحكي كل زواياه عن أسرة ارتبط تاريخها بالسودان منذ فجر الثورة المهدية إلى يوم الناس هذا.

في هذه المقابلة كان الصادق المهدي صريحا وواضحا، بل اكتنف صوته بعض الألم حينما تحدث عن ضرورة إسكات البنادق وإنهاء الحرب في اليمن، ووضْع حد فاصل لأي مشاركة لقوات سودانية في أي حرب خارج الحدود.

بالصراحة ذاتها تحدث المهدي عن الأوضاع في ليبيا، وقدم مناشدة للفرقاء أن يستمعوا لصوت الشعب الليبي، الذي يمثل الضحية التي تكالبت عليها قوى إقليمية ودولية تؤجج الحرب، والنهاية عند الزعيم السوداني تتمثل في انتخابات حرة ونزيهة ومعبرة عن إرادة الليبيين.

وعلى صعيد العلاقات الإقليمية، نادى الصادق المهدي بعقد اتفاق إستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، تكون أقطابه وأركانه الأساسية من العرب وتركيا وإيران، وذلك لتحقيق الأمن والاستقرار، كما دعا إلى تطبيع العلاقات السودانية الإيرانية التي قطعها النظام المعزول.

لكن الجديد الذي يمكن أن يمثل جدلا كبيرا جاء عندما تحدث الصادق المهدي عن الأمن المائي، واختلاف وجهات النظر بين السودان ومصر وإثيوبيا حول سد النهضة؛ إذ يطرح المهدي فكرة مؤتمر دولي واتفاق جديد حول مياه النيل، يشمل كل دول حوض النيل.

وفي هذا الخصوص، يشير الإمام إلى أن اتفاقية عام 1959، التي قسّمت مياه النيل بين مصر والسودان كانت خطأ كبيرا، معربا عن أمله ألا يتجدد عن طريق اتفاق ثلاثي جديد يهمل بقية دول حوض النيل.

وفي الحوار -الذي لم يهمل القضايا الداخلية- قدم المهدي هدية لجنرالات الحكومة الانتقالية الذين شاركوا في ثورة ديسمبر الشعبية، عندما دعا لمنحهم عفوا عن جرائم الماضي تقديرا لانحيازهم للشعب، بل رحب بهم في الساحة السياسية بعد أن يخلعوا البزة العسكرية.

كما تحدث بمرارة عن زملاء حزبيين في تحالف الحرية والتغيير، تسللوا إلى مجلس الوزراء، وطالب بتصحيح الأوضاع، كما لم يبد المهدي رضاه عن أداء الحكومة الانتقالية، خاصة في ما يتعلق بالعلاقات الخارجية التي وصفها بأنها تدار بارتجالية، بعيدا عن أي إستراتيجية وطنية.

 

وفي ما يلي نص الحوار:

 

إلى أي مدى عبرت الحكومة الانتقالية عن شعارات البعد عن المحاور وإعلاء المصلحة الوطنية؟

الوضع الحالي مضطرب؛ النظام السابق أورثنا فوضى وانتهازية في العلاقات الخارجية، تارة يفاوض الأميركان، وفي اللحظة ذاتها يطلب الحماية من الروس، لذلك طالبنّا بمؤتمر قومي للعلاقات الخارجية يحدد مبدأ أن تكون علاقات السودان العربية والأفريقية متوازنة، وألا يكون للسودان أي دور في أي حروب خارج السودان.

لا بد أن نطالب أهلنا في أفريقيا والعالم العربي بإسكات البنادق، وهذا يتوافق مع قرارات الاتحاد الأفريقي بإسكات البنادق في 2020. ما يحدث من حروب في المنطقة العربية يتسبب في ضرر مباشر لشعوب تلك المناطق، وأنا كرئيس لمنتدى الوسطية العالمي أصدرت بيانا ناشدنا فيه كل البلاد العربية وقف الحروب وإجراء مصالحات عامة.

 

ماذا عن استيعاب هذه المفاهيم في علاقات السودان الخارجية؟

الحكومة الحالية في السودان لم تتخذ القرارات المطلوبة حول هذه القضايا. وربما أمر العلاقات الخارجية لم يحسم بعد، ونحن نقول ونؤكد أن السياسات المطبقة حاليا في مجال العلاقات الخارجية ارتجالية وغير منسوبة للإستراتيجية الوطنية، لهذا طالبنا في وثيقة العهد الجديد أن تقوم العلاقة الخارجية على تبادل المصالح والتوازن.

 

تحدثت عن سحب الجيوش السودانية من الحروب الخارجية ولدينا جيش كبير في اليمن.. ماذا ترى؟

نحن نطالب بوقف الحرب في اليمن، ولهذا رحبنا بموقف السعودية بوقف إطلاق النار في اليمن، وكذلك رحبنا بسحب الإمارات بعض جيوشها من اليمن.

وهذا يمضي في مسار الحلول السلمية؛ فالحرب في اليمن جلبت الضرر لكل الأطراف المشاركة فيها، وكذلك الحرب في ليبيا وسوريا، نحن حريصون على مصلحة الأمة العربية، لهذا نناديهم بوقف هذه الحروب. ومن المدهش أن الأمم المتحدة تطالب كذلك بوقف هذه الحروب ونحن ندعم هذا الاتجاه.

 

ماذا عن ليبيا؟ وكيف يمكن الخروج من المأزق؟

نحن أيدنا ملتقي برلين الذي قدم رؤية متقدمة على اتفاق الصخيرات، لهذا ينبغي التأسيس على ما اتفق عليه في برلين، فقد اتضح تماما أنه لا سبيل لحسم الحرب في ليبيا بسبب التدخل الأجنبي، فكلما ضعف طرف تمت مناصرته عبر طرف أجنبي حتى لا يخسر.

والقوى الدولية الكبيرة منقسمة حول ليبيا؛ لهذا أنا أناشد الأخوين حفتر والسراج التصرف بسرعة لعقد اتفاق سياسي لإيقاف الحرب، وإقامة انتخابات حرة في ليبيا ليحدد الشعب الليبي من يحكمه.

 

لديكم إلمام كبير بالشأن الليبي، كما أنك رئيس منتدي الوسطية، لماذا لا تقومون بدور في ليبيا؟

سأفعل ذلك مع مجموعة من 24 شخصا، يمثلون قيادات في العالم العربي، وسأبحث مع هؤلاء الخطوات العملية التي ينبغي اتخاذها، وعلينا ألا نقف موقف المتفرج، وسنسعى لوقف كل الحروب في أفريقيا والعالم العربي.

 

هنالك الآن حديث عن أراض محتلة بواسطة الإثيوبيين شرقا، بالإضافة إلى حلايب في الشمال، كيف ينظر الإمام لملف حدود السودان؟

معظم حدودنا مع جيراننا فيها تجاوز، علينا اتخاذ المواقف التالية: أولا لا تراجع عن أي أرض سودانية، ثانيا لا نسعى لاسترداد حقنا بالقوة، بل نلجأ إلى محكمة العدل الدولية في كل قضايا الحدود المختلف عليها، وهذه المحكمة أقيمت لحسم التنازع بين الدول المختلفة كبديل للحرب.

 

ماذا عن حلايب، هل يشملها الموقف ذاته؟

نعم، يشملها الموقف. ثم ضاحكا: “ما في سوداني يقول حلايب مصرية ولا مصري يقول حلايب سودانية”. هذا يعني وجود خلاف فقط علينا إبعاد الأجندة الحربية.

 

لكن مصر ترفض خيار اللجوء إلى محكمة العدل الدولية والمحكمة لا تنظر في قضية إلا بموافقة الطرفين؟

سنظل نقول لكل الأطراف نحن لن نتنازل عن حقوقنا، ونتجنب الحل العسكري، ونناشد كل الأطراف التي لها خلافات حدودية قبول قرارات محكمة العدل الدولية.

المياه باتت حاضرة في كل العلاقات الدولية، والآن هنالك خلافات بين مصر والسودان وإثيوبيا حول ملف المياه وقيام سد النهضة، ما رؤية حزب الأمة؟
هنالك أخطاء ارتكبت في إدارة المياه في حوض النيل، مثلا اتفاقية مياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان لم تشرك بقية دول حوض النيل، وكان ذلك خطأ.

الآن الخلاف حول مياه النيل لا ينبغي أن يكون محصورا بين ثلاث دول؛ فالنيل وحدة مائية لا بد من قيام مؤتمر دولي يشمل كل دول حوض النيل لإبرام اتفاقية دولية حول مياه النيل، خاصة أن مياه النيل لا تقف عند حد راكد؛ فترعة جونقلي مثلا يمكنها تزويد مياه النيل بعشرين مليار متر مكعب إن تم تنفيذها، ولدي كتاب أوضحت فيه ذلك.

 

ماذا عن العلاقة مع إيران في بعديها: مع السودان والعالم العربي؟

أنا قلت أكثر من مرة لا بد من صلح سني شيعي، وذلك لأن الشيعة والسنة يعيشان في مناطق مشتركة، وهذه القضية عمرها 14 قرنا، ولا يمكن حسمها بالجدل ولا بالحرب. الأوروبيون بعد ثلاثين سنة من الحرب عقدوا اتفاق وستفيليا، الذي أوقف الحروب الدينية في أوروبا، ونحن ينبغي أن نتجاوز المواجهات السنية الشيعية.

وأمضي إلى أكثر من ذلك، فقال الشرق الأوسط الكبير يحتاج لاتفاق أمني إستراتيجي عربي تركي إيراني، وهذا الأمر يحتاج لمبادرات عقلاء في المنطقة، فلا توجد إمكانية لمحو أي من هذه المكونات الثلاثة.

 

ماذا عن العلاقات السودانية الإيرانية؟

علينا ألا نتلاعب في هذا الموضوع كما كان يفعل النظام المخلوع، الذي اعتمد على إيران في كل شيء. (ثم ابتسم) أنا شخصيا أيام الاعتقال قالوا لي نحن تعلمنا وسائل تعذيب من الإيرانيين سنطبقها عليك، لكنهم لم يفعلوا، المهم لا بد من تطبيع العلاقات مع كل الدول.

 

بما فيها إيران؟

نعم، كل الدول إلا إسرائيل، نحتاج لعلاقات طبيعية مع كل الدول، ومع التطبيع نراعي مصالح بعضنا البعض.

 

لماذا استثنيت إسرائيل؟

نحن ضد أي عداء مع اليهود، ولدينا مشروع “نداء الإيمانين” ويشمل كل الملل الإسلامية والمسيحية واليهودية، وذلك للتعايش مع كل الأديان، وفيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل هناك عيبان: إسرائيل أجازت قرار يهودية الدولة، وبها 20% من السكان عرب، هذا الأمر يحرمهم من حقوق المواطنة، وهنا إسرائيل مثل جنوب أفريقيا السابقة دولة تفرقة عنصرية.

الأمر الثاني مشروع “صفقة القرن”، ونحن نرفض الصفقة لسبب واضح، حيث اعتبرت أنه لا حق للفلسطيني، وهذا يتناقض مع قرارات مجلس الأمن، ويعني تمكين اليمين الإسرائيليين من ضم الضفة الغربية وغور الأردن.

 

رغم هذه التحفظات تواصلت الحكومة السودانية مع إسرائيل عبر زيارة كمبالا، حيث عقدت قمة نتنياهو والبرهان؟

نحن رفضنا ذلك لتلك الأسباب المبدئية؛ لا مصلحة وطنية في التطبيع مع إسرائيل، ولا نحتاج لمؤتمر للتطبيع مع دولة عنصرية.

 

تحدثت عن شروط عودة الإسلاميين لممارسة العمل السياسي في السودان، ماذا عن الحركات الإخوانية في العالم العربي والإسلامي؟

أتحفظ على تعبير الإسلاميين، فلا يوجد إسلام سياسي، بل سياسة إسلاميين، وعندما كنت في مصر وتم الحكم بإعدام المرحوم محمد مرسي ومحمد بديع ناشدت الرئيس السيسي أن يصدر عفوا، وذلك لأن هناك وجهتي نظر بين الحركة الإخوانية؛ فهناك من رأى الاستمرار في بيعة المرحوم محمد مرسي ويجيز الاغتيال قصاصا.

في حين قال السيد إبراهيم منير نائب مرشد جماعة الإخوان لا قصاص، ودعا لحلول سلمية، وأكد موقف الجماعة الوسطي، لهذا تدخلت وناشدت السيسي. والخلافات قديمة بين الإخوان، بين مدرستي الهضيبي المتسامحة وسيد قطب المتشددة.

هذا يعني أن الحركات الإخوانية تحتاج لمراجعات فكرية، وعليها أن تستهدي بتجربة أردوغان في تركيا، الذي تعايش وتصالح مع العلمانية، وكذلك تجربة الإسلاميين في تونس وفي المغرب، التي تقبل الرأي الآخر والتعددية والاحتكام للديمقراطية، وهذه مراجعات ضرورية للتصالح مع المستقبل.

وعليهم الاستفادة من تجرب إخوان السودان، خاصة أن جماعة الإخوان كانت ترفض تطبيق الشريعة عبر القوة حتى قبل استيلاء فرعهم على السلطة في السودان. على العموم، الحركة الإخوانية متجذرة في بلاد كثيرة، لكن من المهم فتح مجال للمصالحات مع الآخرين.

 

لماذا العلاقة مع حلفائكم في الحرية والتغيير متوترة لدرجة أن حزبكم جمّد عضويته في هذا التحالف التاريخي؟

التغيير في السودان كان مفاجئا وصحبته حركات من بينها ترحيب القيادة العامة للجيش بالاعتصام، وكذلك انحياز اللجنة الأمنية المعدة للبطش للشعب. هذه التطورات المفاجئة أدت إلى ترتيبات عاجلة في الحرية والتغيير، وهو تحالف فيه درجة عالية من التنوع. هذا المجهود نجح في الفترة السابقة، لكن هناك عيوبا كثيرة كان ينبغي أن تعالج من منصات قومية، مثل العلاقات الخارجية والاقتصاد والتعليم والسلام.

لكن حدثت تصرفات ارتجالية، مما خلق نوعا من الإحباط أدي إلى تشجيع قوى الردة للتفكير في الإطاحة بمكاسب الشعب.

كما أن هناك جماعات لها تفكير انتقائي محدود، حاولت استغلال هذه العيوب لتحقيق مكاسب حزبية، وهناك جهات خارجية تهتم جدا بما يحدث في السودان، وتسعى للتأثير عليه بصورة تتناقض مع مصالح الشعب السوداني؛ لكل ذلك قمنا في حزب الأمة بدراسة الأمر، وقدمنا رؤية عنوانها “نحو عقد اجتماعي جديد لبناء الوطن”.

 

ما أبرز ملامح هذا العقد الاجتماعي الجديد؟

هذا العقد اقترحنا مناقشته بصورة موسعة، وتشترك فيه الحرية والتغيير وقوى أخرى حددناها لتنفيذ هذا العقد الاجتماعي، وأرسلت خطابات للسيد رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك والفريق محمد حمدان حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة، وزملائنا في الحرية والتغيير، واقترحنا هذا الحل. والتجميد كان خطوة أولى، نتحدث الآن عن مولد جديد يشترك فيه حزبنا مع الآخرين.

 

من تقصد بالقوى الأخرى؟

هناك قوى كثيرة اشتركت في الثورة ووقعت إعلان الحرية والتغيير، لكنها لم تشارك في ترتيبات الفترة الماضية، كذلك هناك قوى تقليدية أخرى مثل الزعامات القبلية والقيادات الصوفية بجانب منظمات مجتمع مدني.

 

ماذا عن القوى التي شاركت النظام؟

هؤلاء نحن ناشدناهم القيام بنقد ذاتي والاعتراف بالانقلاب على الديمقراطية، وكذلك الاعتراف بإقامة الشمولية وعزل القوى الأخرى وتشويه الشعار الإسلامي. مثل هذا النقد قامت به كثير من الحركات الإسلامية، بجانب الاستعداد للمثول للمساءلة القانونية عبر قانون من أين لك هذا؟ وكثير من هؤلاء أثروا ثراء فاحشا، في النهاية سيكون هناك قانون العدالة الانتقالية، وهو يحدد كيفية مشاركة هؤلاء في بناء الوطن، وأتمنى أن يتخلى قادة النظام المباد عن التآمر الذي يقوم به بعضهم الآن.

 

هذا يعني أن لديهم فرصة للعودة للمشهد السياسي؟

نحن لا نتحدث عن استئصال هؤلاء باعتبارهم موجودين، لكن العودة تتم عبر قانون العدالة الانتقالية، والذي سيحاسب كل من أفسد، ويخلي سبيل الذي لم يرتكب جرما.

 

ما دمت تحدثت عن الفساد، هل من تحفظات على لجنة تفكيك النظام التي من مهامها محاربة الفساد؟

ببساطة، كان من المفترض أن يتم ذلك عبر مفوضية مكافحة الفساد، وذلك حسب الوثيقة الدستورية، وهذه المفوضية تمنح الإجراءات سندا قانونيا وسندا دستوريا، والآن بموجب هذه الترتيبات من الممكن الاستئناف القانوني، ومن ثم الإفلات من العقاب.

وأرى أن هذا الإجراء ناقص، وعلى العموم حزب الأمة مع تفكيك النظام المباد، ولا خلاف على المبدأ، بل في درجة قانونية هذا الإجراء، وهذا الرأي نابع من توصيات لجنة كوّنت في الحزب لهذا الغرض.

 

مسألة اختيار الولاة المدنيين تظل قضية فيها شد وجذب، لماذا؟

نحن رأينا أن يكون الولاة مؤهلين، ومن أهل الولاية “ما يأتي الوالي بالبراشوت”، وإذا تعذر الاتفاق لأي سبب فلتكن انتخابات على المستوى الولائي، حسب الوثيقة الدستورية الانتخابات العامة وحدها التي تجرى في نهاية الفترة الانتقالية في حين سكتت عن المستويات الأخرى، ولكننا نرى أهمية وضرورة إجراء انتخابات على مستوى المحليات.

 

ماذا عن الانتماء السياسي للوالي؛ هل يجب أن يكون الوالي مستقلا؟

شرط عدم الانتماء الحزبي ينطبق فقط على المشاركة في مجلس الوزراء الانتقالي والمجلس السيادي، ورغم ذلك قامت جهات سياسية “بسرقة الباك”، حيث أتت بأشخاص قليلي التجربة، بعضهم استغل الموقع لخدمة حزبه، وهذه من الأشياء التي نطالب بمراجعتها .

 

كيف سمحتم لهم بهذه السرقة إن جاز التعبير؟

نحن موقفنا في المجلس المركزي للحرية والتغيير كان واضحا ومبدئيا في هذه النقطة، لكن زملاءنا في المجلس المركزي غلبونا بالتصويت، وللأسف لا يوجد صوت مرجح في المجلس المركزي، وتتساوى الأحزاب صغيرها وكبيرها عند التصويت، وهذه تشوهات نطالب بمراجعتها الآن.

 

لكن هناك من يقول إن حزب الأمة موجود داخل مجلس الوزراء، وهناك أسماء بارزة مثل وزير المالية إبراهيم البدوي ووزير الشؤون الدينية نصر الدين مفرح تنتمي لحزب الأمة؟

نحن لم نرشح أيا منهم، وجاؤوا إلى المنصب العام عبر قنوات أخرى، ونحن لم نقدم أي ترشيح لعضوية مجلس الوزراء. صحيح أن هناك أعضاء في مجلس السيادة ومجلس الوزراء منتمين لحزب الأمة، وهذا تم رغم أنف حزب الأمة، وليس بناء على رغبته.

 

لكن المنطق ذاته يمكن أن يقدمه حزب البعث أو الحزب الشيوعي لتبرير وجوده داخل مجلس الوزراء؟

نحن نعرف كيف أتي هؤلاء، جاؤوا بحرص شديد، بل هم صوتوا لإدخال الأسماء الحزبية، ونحن نفهم منطق هؤلاء لأن كثيرا منهم ليست لهم طريقة للولوج إلى الولاية العامة إلا في هذه الفترة الاستثنائية.

 

ماذا عن الانتخابات المبكرة العامة إذا حدث خلاف خلال الفترة الانتقالية؟

انتخابات الولاة والمحليات لم تتحدث عنها الوثيقة الدستورية، وبالتالي هذه قابلة لرؤية جديدة، باعتبار أن الوثيقة لم تتحدث عن كيفية اختيار الولاة أو إدارة المحليات، ونحن نقول إذا تعذر الاتفاق على اختيار الولاة، يكون الانتخاب الوسيلة الأفضل لحسم الأمر.

 

ماذا إذا حدث خلاف خلال الفترة الانتقالية، أو رفضت قوى الحرية والتغيير أطروحة العقد الاجتماعي الجديد الذي تدعون له؟ هل تمثل الانتخابات المبكرة أحد مخارج الطوارئ؟

لكل حادث حديث، لا يمكن أن نتحدث عن افتراضات.

 

أنا هنا أتحدث عن مبدأ العودة للشعب السوداني إذا حدثت خلافات كبيرة قبل إكمال الفترة الانتقالية؟

كل النظم الدكتاتورية حينما سقطت تم إجراء انتخابات؛ حدث ذلك في جنوب أفريقيا وفي تشيلي وفي إسبانيا. اللجوء للشعب لاختيار ممثليه أمر طبيعي ومعروف، ولكن نحن بعد الثورة رأينا أن البلاد ورثت تركة مثقلة، لهذا تم الاتفاق على أن تكون الفترة الانتقالية ثلاث سنوات، وذلك لتفكيك التركة المثقلة، وهذا يفترض نجاح الفترة الانتقالية في القيام بهذه المهمة، لكن إذا وصلنا إلى طريق مسدود فلا بد من استرداد الديمقراطية عبر انتخابات.

 

لكن هناك أصواتا تنادي بتمديد الفترة الانتقالية؟

لا سبيل لتمديد الفترة الانتقالية، بل من الممكن تقصيرها.

 

تحفظتم على منهجية إدارة السلام في المفاوضات الدائرة في جوبا، فما المنهجية المثلى؟

السلام يتطلب تحديد إستراتيجية السلام، التي تعتمد على تحديد أسباب الحرب في المقام الأول، والتي من بينها التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. هذا التهميش كان من الأسباب التي أدت إلى الحرب. وما يجب هو الاتفاق على الأشياء التي أحدثتها الحرب، ثم معالجتها من نزوح ولجوء وحرق للقرى.

 

هل المسار الحالي في السلام لا يؤدي إلى النتائج ذاتها؟

الآن هناك فرصة للتلويح بأيديولوجيات مختلفة لا علاقة لها بأسباب الحرب؛ مثلا جهة معينة تشترط العلمانية مقابل السلام، والعلمانية لم تكن سببا من أسباب الحرب، عندما تأتي الانتخابات لا مانع أن يطرح الجميع كل ما يريد، ثم يترك القرار للشعب. وينبغي أن يكون تحقيق السلام عبر مفوضية، ولا يترك كما الآن لحماسة من يشارك، ثم بعد ذلك تدخل اتفاقية السلام بجملتها في الدستور، وذلك لحمايتها.

 

كيف تتعاملون إذن مع مخرجات جولات السلام الحالية التي أثمرت التزامات في مجال تقسيم السلطة والثروة؟

قلنا بوضوح سندرس هذه النتائج، ونقبل ما يدخل في مشروع السلام ونترك ما يمثل برامج، ولن نقبل أي شيء خارج ذلك، وما يحدث حاليا لا يمثل توافقا قوميا ملزما. بعض الأطراف دخلت السلام بشكل عفوي، وسنقبل كل اتفاقات مشروعة ونرفض ما دون ذلك.

 

ماذا عن مستقبل الجنرالات الذين انحازوا للشعب في ثورته؟

هؤلاء الجنرالات ينبغي أن يشملهم عفو عن أي جرائم ارتكبوها خلال عملهم مع النظام المباد، وذلك بسبب انحيازهم للشعب ورفضهم الانصياع لقرارات الرئيس المخلوع عمر البشير.

وثانيا بعد نهاية الفترة الانتقالية يمكن لمن أراد الاستمرار في السلك العسكري أن يستمر، ومن أراد أن يلعب دورا سياسيا يقوم به من منطلق مدني. وهذه إجراءات مهمة لترتيبات الانتقال من الفترة الانتقالية إلى ما بعدها، وهم مواطنون لهم الحق في تكوين أحزاب أو الانضمام للأحزاب الموجودة.

 

هل يشمل ذلك الأخطاء والجرائم التي حدثت أثناء الفترة الانتقالية مثل فض الاعتصام؟

هناك لجنة مستقلة للتحقيق في فض الاعتصام، وبناء على نتائج التحقيقات سنتخذ الموقف “الحقاني” السليم. لكن علينا التمييز بين الجرائم التي ارتكبت بعد الثورة والتي حدثت قبل ذلك؛ جرائم ما بعد الثورة تخضع للمساءلة، ومن يحدد ذلك اللجنة المستقلة المكلفة بالتحقيق.

 

رحبتم في حزب الأمة بمقدم بعثة أممية تكون ولايتها على كل السودان؟

معلوماتك خاطئة؛ رئيس الوزراء (عبد الله حمدوك) كتب خطابا لمجلس الأمن في 27 يناير/كانون الثاني الماضي ونحن أصدرنا بيانا نرفض فيه ذلك باعتبار أن التدخل يمس السيادة الوطنية، ولكن حينما صحح حمدوك الأمر بخطاب ثانٍ في فبراير/شباط الماضي قمنا بتأييده، بعد أن تم استيعاب جميع ملاحظاتنا، وخلا الخطاب الثاني من كل ما يمس السيادة الوطنية.

 

ماذا عن العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، هنالك من يرى خطوات بطيئة في هذ الملف؟

السودان مظلوم في هذا الأمر، حيث وٌضع في القائمة الأميركية للإرهاب في عهد نظام كان يرعى الإرهاب، وكل الأسماء الكبيرة في عالم الإرهاب مرّت على السودان، ومنحت جوازات دبلوماسية، فكانت المساءلة وقتها مشروعة، فكان من المفترض عقب سقوط نظام البشير أن تُشطب كل هذه الاتهامات تلقائيا باعتبار ميلاد سودان جديد ديمقراطي خال من أي رعاية للإرهاب.

 

لكن لماذا لم يحدث ذلك؟

لا أدري، لكن في الأمر ظلم، وربما جُعل الأمر كذلك للضغط على السودان، وعلى السودان الحر أن يرفض أي مساءلة عن جرائم نظام البشير، بما في ذلك دفع التعويضات للمتأثرين من هذه الجرائم. نحن ضحايا فكيف ندفع تعويضات.

والوضع الأمثل أن تدفع تلك التعويضات من أموال الغرامات التي فرضت على المصارف التي تعاملت مع السودان خلال فترة النظام السابق، حيث دفع بنك فرنسي واحد أكثر من ثمانية مليارات. والخيار الثاني أن تؤخذ التعويضات من الأموال التي سرقها قادة النظام السابق، و”هم عارفين القروش موجودة وين”.

 

هل أنت راضٍ عن أداء الحكومة الانتقالية إجمالا؟ وماذا عن كفالة الحريات في السودان؟

الحكومة الانتقالية ارتكبت أخطاء كبيرة، أما ما يتعلق بمجال الحريات فهي مكفولة للجميع، رغم أن بعض أنصار النظام المخلوع يحاولون استغلال هذه الحريات للإجهاز على المكتسبات الديمقراطية، وهذا أمر مرفوض.

 

 

الجزيرة نت