الجواب النبوي على السفه الدنماركي

بسم الله الرحمن الرحيم

الجواب النبوي على السفه الدنماركي

6 فبراير 2006م

 

نشرت صحيفة دنماركية تصويرا للنبي (ص) يصفه بالإرهاب مكررة مقالات بعض سفهاء الغرب قديما وحديثا. قال جيري فولويل أحد رجال الدين الأمريكيين وأحد أعلام المسيحية الصهيونية “إن المسلمين يولدون إرهابيين بالفطرة” وقال: “إن نبي المسلمين هو نبي إرهاب”.

ما فعلته الصحيفة الدنماركية قابله المسلمون باستنكار تلقائي واسع النطاق من مظاهرات غاضبة واحتجاجات ثائرة. هذا الانفعال التلقائي شعور طبيعي حيثما مست المقدسات وقد شهدت أمثاله المجتمعات الغربية حيثما مست مقدساتهم لذلك شرعت بعض دولهم أحكاما تجرم الإساءة للمقدسات.

الاعتقاد الديني والانتماء الثقافي من حقوق الإنسان والنيل منهما تلطيخا وتشويها ليس من الحرية في شيء. الحرية توجب احترام حقوق الاخرين وإلا صارت فوضى ينتصر فيها كلٌّ لحقه بيده. هذا هو ما أكدته مؤسسات حقوق الإنسان القومية الأوربية اليونانية والأيرلندية والدنماركية والفرنسية التي اجتمعت في كوبنهاجن في بداية هذا الشهر فقد أعلنت أن كل حقوق الإنسان يجب أن تمارس بشكل لا ينتهك حقوق الآخرين، وأن التاريخ الأوربي يزخر بالدروس حول النتائج الخطيرة للغاية لتراكم الأحداث التي تؤدي للفصل بين الأغلبية والأقليات الإثنية والدينية. هذا الفصل يزرع الكراهية والعنف المدمرين لأي مجتمع، وأن نشر الرسومات ورد الفعل الناتج عنها يجب أن ينظر له في خلفية جدل فيه ما فيه من التوتر والاستقطاب.

الإسلام اليوم هو الدين الثاني في الغرب بعد المسيحية وهو الديانة الأسرع انتشارا فيه حتى بلغ عدد المسلمين بين المواطنين الأصليين والمهاجرين الذين اكتسبوا حق المواطنة بلغ عشرات الملايين في الولايات المتحدة وأروبا.

هنالك عناصر كثيرة في الغرب غير راضية عن هذا التمدد الإسلامي في ظروف التعايش بين الأديان والحريات العامة. بعض هؤلاء ينطلقون من أسباب دينية وثقافية ظهرت بوضوح في أسباب معارضتهم لضم تركيا للاتحاد الأوربي. ولكن آخرين ينطلقون من أسباب استراتيجية لاتخاذ الإسلام عدوا بديلا للاتحاد السوفيتي المباد. هؤلاء يقولون بوجود أسباب بنيوية لحتمية العداء بين الإسلام والغرب مروجين لنظرتهم هذه بما يخدم طائفة من الأغراض:

  • ترسيخ الهوية الغربية في وجه عدو مشترك، وتبرير أعلى درجات الاستعداد العسكري الذي تتطلبه الآلة الصناعية العسكرية الغربية.
  • تبرير السيطرة على منطقة تمكن السيطرة عليها من وضع اليد على حقول البترول بصورة مباشرة أو غير مباشرة. سيطرة مطلوبة للهيمنة على العالم.
  • تبرير استمرار التماهي بين الولايات المتحدة واسرائيل لتواصل الأخيرة دورها المعهود أثناء الحرب الباردة ولتبرير تطلعات المسيحية الصهيونية التي تدعي التمهيد لعودة المسيح عليه السلام.

وفي المقابل يوجد بين المسلمين من يرون أن الغرب هو العدو الصليبي للإسلام وليس بيننا وبينه إلا المنازلة الحتمية. هؤلاء هم:

  • القائلون بأن سورة براءة وآيات السيف فيها وضعت حدا نهائيا للعلاقة بين المسلمين والآخرين وفحواها ألا نقبل منهم إلا اتباع الإسلام أو الامتثال للجزية.
  • حركات إسلامية أثارها وجود قوات غربية في البلدان الإسلامية بإذن أو بدون إذن حكوماتها. هؤلاء أعلنوا حربا “جهادية” ضد الغرب متحللين من ضوابط الجهاد المعروفة بحجة أن الشعوب المعنية تنتخب حكوماتها وتمولها بالضرائب وتنخرط في جيوشها فالكل عدو محارب مستباح الدم والمال.
  • هنالك بعض الحكومات في البلدان الإسلامية تواجه حصارات دولية لأسباب معلومة. هؤلاء يستغلون أية فرصة لتفسير أنهم مستهدفون عداء للإسلام.

هذه الجهات الست استقبلت حادث الإساءة للنبي (ص) -وربما خطط له بعضهم – لتغذية  الأجندة الصدامية ويسعون لتوسيع الأمر من نطاق معاقبة الجاني أو نطاق الدعوة لسن قوانين لاحترام الدين الإسلامي ومنع الإساءة إليه، إلى مواجهة الدنمارك شعبا وحكومة ومعها كافة البلدان الغربية واعتبار الأمر مواجهة بين الإسلام وحرية التعبير أو بين الإسلام والصليبية أو بين الإسلام والغرب وغيرها من الرؤى التي تخرج من حدود الواقع إلى آفاق الأيديولوجية.

أمامنا نحن الأغلبية المسلمة والغربية الانسياق وراء أجندة الصدام هذه حتى آخر غاياتها الظلامية أو أن نواجه الموقف بصورة مختلفة تضع الحادث في حجمه، وتعاقب الجناة، وتمنع تكرار الجناية، وتضع أساسا عادلا للتعامل.

هنالك ثلاثة إجراءات مطلوبة بإلحاح:

أولا:  إدراك الاتحاد الأوربي أنه الآن يضم شعوبا متعددة الأديان والثقافات ومع أن واجبها أن تحترم الدساتير الديمقراطية التي تحكم البلدان الغربية فإن حقها أن تنعم بالاعتراف بهويتها الدينية والثقافية ضمن معادلة توفق بين الحقوق والواجبات. وللحيلولة دون الاستقطاب والمواجهات ينبغي أن تجرم التشريعات أية اساءة للمقدسات.

ثانيا: تطور الوعي العالمي بحقوق الإنسان الدينية والثقافية بصورة توجب إبرام معاهدة تلحق بمعاهدات الحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية، معاهدة خاصة بالحقوق الدينية والثقافية تلتزم بها الدول.

ثالثا: كثير من المجتمعات الغربية جاهلة بحقيقة محمد (ص) نبي الرحمة الذي انفردت رسالته:

  • بالاعتراف للإنسان بقيمة وكرامة من حيث هو إنسان.
  • بالاعتراف بالتعددية الدينية.
  • بمحتوى اجتماعي جعل العدالة الاجتماعية تالية في الأهمية للتوحيد.
  • الالتزام بأحكام وأخلاق حتى في ظروف القتال حماية للنساء والأطفال والمسنين أي حماية للمدنيين.

وكان نبي الرحمة (ص) إنساني المعاملات توقيرا للكبير وعطفا على الصغير وتكريما للمرأة. هذه المعاني غابت عن كثيرين بسبب الجهل وغيبت عن كثيرين بسبب الغرض وساعد على ذلك مقولات بعض المسلمين فقد سمى هؤلاء سيرته “المغازي” مع أنه حقق أهم إنجازاته سلميا: إقامة الدولة في المدينة- واستمالة القبائل العربية في عامي الحديبية- وفتح مكة.

ومن المسلمين قديما وحديثا من أصدر فتاوى إكراه وعدوان وتدمير يبرأ الإسلام منها. ويبرأ الإسلام من ذبح الضحايا أمام الكاميرات دون محاكمة شرعية عادلة. إن علينا أن نحمي ديباجة الإسلام الناصعة من هؤلاء مثلما نحميها من الآخرين.

ولا يفوتنا أن نذكر ونحن نعبر عن غضبتنا واستنكارنا حكمة العز بن عبد السلام: “كل عمل يأتي بنتائج تناقض مقاصده باطل”. وفوق ذلك كله الرشد الرباني يوجب (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[1] و(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[2].

[1] سورة  المائدة الآية (8 )

[2]  سورة الأعراف الآية (199)