الحبيبة م. رباح الصادق في كلمة تدشين الكتب بمناسبة مولد النعمة

الإمام الصادق المهدي في برنامج مصر في يوم

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة تدشين الكتب بمناسبة مولد النعمة

رباح الصادق

الأحباب والحبيبات الحضور،

لكم/ن  التحية، والتقدير، والشكر على مشاركتكم إيانا هذه الوقفة السنوية مع ذات الحبيب الإمام الصادق المهدي، والمناسبة التدشينية لكتب فكرية وتوثيقية نراها مهمة.

في البداية أحيي الحبيب (النعمة) صاحب المولد المبارك بكلمات كتبتها في أغسطس 2002م تصل بين إرث المهدية وما نحن بصدده الآن:

بـــشكــــّر يــا أخــوان *** المهدية التي بي طاعة الرحمـــن

أبرأت القلوب من كل ما قد شان

 شقّت للدروب القاسيـة ما لانـــــت

زي ضو الشمش في كل خير بانت

أصحابا الكرام يدرّجو الشـــــــــانت

والأرض انتشت بي خطوهم زانت

في الأنصاري قول وكمّل الأوزان

عقّب يا صليح لا تطفف الميـــزان

أمرق لي الشهادة وليها لا تختان

مولاي الكريــم يرفع به السودان

**

ندهــــــت أمك يا هذا الود

نذرت بي جيتك تهـدم سد

أديان ألوان لي حد الحـــد

سلخت جلد الفرقة التنهد

صدحت في ضانك أمبايات

نحاس وحراب..  رايــــــات

ومقاديم ورووس ميـــــــات

والقول الجد

والعزم الصبر الجهد

توحيد القول..

صفات الصوفي الورع الزهد

شمّر سموك بعقيقة كرري

 وما بلفوك في ريح الصد

يا ولدا درر لي شعـــــــري

قرّب نكرف فيك ريـح الند

**

مشينا على الدرب

كتمة وهجير في نهارنا

بالليل لا هبب

لا فتلة توقد  نارنا

لطفك يا كريم البوخ حرق لي خدارنا

شفنا الحال صعب

هل جنة تبقى ديارنا؟

هاتف جا وهتف

يغبى العماه الشوف

أب  دقن المنور وشو من الجوف

مسك الدفة حرك

جوفنا من الخوف

مشينا على الخريف

وغمامو عم ابصارنا

***

ما كل البحيكو قلب بجيبو لســـــــان

وما طالو الوصف وصفوك بي الإحسان

لا من نوع ملايكة ولا صنف إنســـــــان

قلوب الناس سيولك تغلب الحبســان

تظهر والدموع تدفع تطل لا بـــــــــرة

كم من عين على مرآك بدت الـــــدرة

ود موسى وضلوعو بعرفو سر الجرّة

وآلاف من وراه صمتا بضوقو الكــــرة

***

وود موسى المشار إليه محبٌ نصبناه نحن محبو الإمام إماماً.

أما الموضوع الذي أحدثكم عنه فإنه متصلٌ بفكرة أن هذه الكتب التي ندشنها اليوم ليست بدعاً بل متصلة بإرث متجذر، فهي امتداد لذهنية غرستها النهضة المهدوية محاولة استنبات الجدوى في أرض كانت منها خلاء. المهدية نتاج العبقرية السودانية، ومن أهم أوجهها خصلة التوثيق التي كان مجتمعنا منها براء.

فالناظر لتاريخ السودان يجد غياباً شبه كامل للتوثيق فيما عدا بعض المنقوشات والمكتوبات الراجعة للعهود النوبية والمروية القديمة.. فترة الممالك الزرقاء خلفت وثائق قليلة جداً إذا ما قورنت بحجم التعليم الشائع حينها وبطولها[1]. هنالك نوع من التوثيق صحب الديوانية في العهد التركي، ولكن ربما كانت المهدية نسيج وحدها في التاريخ السوداني من حيث الاهتمام بالتوثيق، والاعتماد على الكلمة المكتوبة في المنشورات والإنذارات والخطابات وفي السلك الإداري. فإذا قارنا عمرها القصير نجد توثيقاً دقيقاً لكل أوجه النشاط الحربي والإداري والمالي والخطاب الإعلامي والفكري والوعظي.. فالوثائق التي خلفتها المهدية في مدة لا تتجاوز الأعوام التسعة عشر فاق ما تركته كل الحقب السابقة لممالك استمرت قروناً، بل لا يقارن به. ذكر المرحوم دكتور محمد سعيد القدال أن التوثيق في المهدية كان أحد أسباب تمدد بيت المال كمؤسسة وذلك للحاجة إلى “حفظ وثائقه واتساع مدى الكتابة”[2]. وفند الدكتور القدال رحمه الله مقولات للأستاذ مندور المهدي عن بيت المال حيث ادعى أنه “لم يكن للحسابات نظام خاص أو دفاتر ترصد فيها الأموال الواردة والصادرة” قائلاً: بل العكس هو الصحيح. فقد كان بيت المال دقيقاً في ضبط حساباته وحفظ دفاتره، ويشهد على ذلك الوثائق الخاصة به ودقتها. وأكد أن الدولة المهدية لم تكن نظاماً فوضوياً متخلفا كما يذهب بعض كتاب التاريخ، وأن النظام الإداري والمالي كانت فيهما روح العصر. [3] وقال إن خطورة كلمات مندور تكمن في أنها وردت في الكتاب المقرر على طلبة المرحلة المتوسطة، يقول: “يبدو أن مصدر هذه الملاحظة الخاطئة أن المؤلف اعتمد على كتابات متحيزة ضد الدولة المهدية باعتبارها دولة لم تعرف النظام. ولا شك أن إعادة طبع الكتاب للمرة الخامسة دون تغيير فيه تجاهل لبعض الدراسات التي صدرت عن الدولة المهدية في العقدين الماضيين.[4]

وفي الآثار الكاملة للإمام المهدي نجده مهتماً بالتوثيق من ناحيتين: الحث على التوثيق بشكل مستمر لكل عملائه، مثال على ذلك خطابه للأمير عثمان دقنة يشيد بمجهوده الحربي ولكن يحثه على الكتابة إليه بكل ما يحدث مرفقاً تقارير من خالد زقل بكردفان مطالباً الاستهداء بنهجه في كتابة كل ما يدور. وبالفعل استجاب أمير الشرق لتلك المطالبة وكان نتاج ذلك تقارير تفصيلية نشرها المرحوم أبو سليم تحت عنوان (مذكرات الأمير عثمان دقنة).  والناحية الثانية اهتمامه بتجويد الخط في الكتابة ارتقاء بمستوى التوثيق وجودته. اي اهتمام بالوثائق شكلاً ومضموناً.

إن آثار الإمام المهدي في أربعة أعوام فقط أخرجها المرحوم أبو سليم في سبعة مجلدات! ونفس الشيء بالنسبة للخليفة عبد الله الذي سار على خطى التوثيق، بل بفضله تم حفظ تلك الوثائق لأنه اهتم بمطبعة الحجر وتطويرها وأعاد طباعة ونشر كافة منشورات وإنذارات وخطابات المهدي عليه السلام.

هذا الأثر لم  يمح مع الدولة. الإمام عبد الرحمن المهدي، بالرغم من أن تحصيله العلمي كان أقل من أبيه، إلا أنه كان كذلك مهتماً بتدوين أفكاره ورؤاه وبعض تحركاته في أوراق ضاع جزء كبير منها واستطاع حبيبنا النعمة إنقاذ بعضها وجمعه في كتاب (جهاد في سبيل الاستقلال)، وتحت إشرافه قام السيد عبد الله محمد أحمد بجمع مذكرات السيد علي المهدي بعنوان (جهاد في سبيل الله)، وصدرت كتب كثيرة مثل سعادة المستهدي للكردفاني تؤرخ كذلك لسني المهدية.. ثم كان نهج الشيخ بابكر بدري المنطلق من المهدية وعبر (حياتي) و(الأمثال السودانية) وثق لحياته الشخصية وللثقافة السودانية بنهج مفارق لمجتمع لم يألف التوثيق على ذلك النحو.

ونجد (السودان للسودانيين) للمرحوم عبد الرحمن علي طه وهو مجهود توثيقي لخطوات نيل الاستقلال عبر عملية التطور الدستوري التي اختارها الاستقلاليون سبيلاً للتحرر وأنجزوه عبرها.

ورافق النزال مع نظام عبود كتاب (جهاد في سبيل الديمقراطية) الذي أعده الحبيب النعمة، كما رافق الانشقاق في الستينات (الانشقاق في حزب الأمة بالوثائق)، وللنزال المايوي، صدر كتاب المصالحة الوطنية، و(التجربة الإسلامية في السودان)، ورافق نزال الإنقاذ كتاب (أدبيات الحل السياسي الشامل) الذي أصدره حزب الأمة في 2002م، وللتوثيق لانسلاخ المشاركيين في حزب الأمة كتاب (الاختراق والانسلاخ في حزب الأمة)، ولعملية السلام (ميزان المصير الوطني في السودان)، ولانتخابات 2010م (انتخابات أبريل 2010م في الميزان)، وهكذا..

كتب دكتور عبد الله حمدنا الله عن (أدبيات الحل السياسي الشامل) فناقش ما يعتبره البعض مفارقة بين نشاط الحبيب الإمام الصادق المهدي الفكري الثر وفكرة أن حزب الأمة عبر تاريخه حزب الأميين وغير المثقفين، وأن النشاط الفكرى للسيد الصادق المهدى ناتج عن شعوره بالنقص الفكرى في تاريخ الحزب فهو تعويض مجهود شخصى وليس تخطيط حزب.. فقال معترضاً: (إن الحركة الاستقلالية وليست الاتحادية هي حركة المثقفين، وأن ما تحت أيدينا من مصادر الدراسات السودانية يعطى الحركة الاستقلالية مركزيتها في الثقافة السودانية من خلال رموز الفكر السودانى، فالصحافى الأول حسين شريف، وأبو الصحافة السودانية أحمد يوسف هاشم، وأشهر مجلة أدبية في تاريخ السودان المعاصر مجلة الفجر، ومؤرخ السودان الأول محمد عبد الرحيم، ورائد تعليم المرأة بابكر بدرى، ومؤسس معهد أم درمان وشيخه الأول أبو القاسم أحمد هاشم.. الخ، وهولاء جميعاً من الحركة الاستقلالية) وأضاف: (بالرغم من هذا، وبسبب هذا لا نعتقد أن المحصول الفكرى للسيد الصادق المهدى محصول تعويضى) وقال إن الحركة الاتحادية مهتمة بالتوثيق من خلال المذكرات بينما الحركة الاستقلالية اهتمت بالقصة التاريخية، وبالوثائق والتوثيق[5].

من هذا المنطلق نقول.. إننا على خطى التوثيق، أحد أهم متطلبات مراكمة التجارب، والتحديث المؤصل نواصل جهود النشر التي لم تبدأ بنا..

نحن اليوم نعيد تدشين سفرين مهمين للحبيب الإمام الصادق المهدي:

كتاب أيها الجيل.. وهو كتاب فيه عصارة فكر الإمام الصادق المهدي، وقد ظل يبشر به منذ سبعينات القرن العشرين، ككبسولة فكرية تخاطب تحديات هذا الجيل كافة، منطلقاً من ضرورة التوازن والوسطية وأن الجدية تعني الإحاطة بجميع حاجات الإنسان وإشباعها بشكل موزون.. صدر الكتاب في 2012م عن دار مدارك وهذه هي الطبعة الثانية له بدار المصورات. هذا الكتاب يخاطب الجيل ب(أيها الحبان.. أيها الشبان) ويتطرق لمرحلة الطفولة (مشتل الإنسانية) والواجب على الوالدين فيها، ثم يخاطب جيل الشباب بالتحديات أمامهم ويفرد لكل حاجات الإنسان العشر بابا: الحاجة الروحية، المادية، العقلية، الأخلاقية، العاطفية، الاجتماعية، الرياضية، الجمالية، الترفيهية، والبيئية.. ويتطرق للتحديات التي تواجه السودانيين في المهاجر، وللإنسانيات السودانية وعثراتها..

حينما تم تدشين الكتاب أول مرة في عام 2012م استمعنا لنشيد من الحبيبة المادحة فيحاء محمد علي من تأليف الحبيب محمد صالح مجذوب وشخصي.. ولا ضير أن نستمع له الآن..

حالنا ومآلنا

الثاني: كتاب حالنا ومآلنا، وقد صدر بالتزامن مع احتفائنا ببلوغ الحبيب الإمام الصادق المهدي الثمانين العام الماضي من مطبوعات مكتبة جزيرة الورد ويصدر الآن عن دار المصورات كذلك، ولعل غالب الحضور اليوم كان معنا يومها واستمع للحوار الثر حول الكتاب، وهو يناقش أزمة الأمة العربية والإسلامية اليوم بدءا بقضية التطرف وحواضنه الدينية والثقافية، ثم القاعدة وداعش والدولة الإسلامية نشأة وتطوراً، وأحوال أفريقيا جنوب الصحراء، وتركيا وإيران وعلاقتهما ببؤر التطرف، وحال الأمة الإسلامية اليوم كـ(قصعة تتداعى عليها الأمم) وفي النهاية خريطة الطريق للتغيير المطلوب. هذا الكتاب فيه قراءة للجيوبوليتيكا الإسلامية العربية الأفريقية انطلاقاً من أطروحات الحبيب الإمام التي تسبكت عبر السنين حول مطلوبات النهضة، وجدلية الأصل والعصر، ومفهوم الوسطية، والمرجعية الإسلامية المتجددة، والثورة الثقافية، وهي عناوين لكتابات سابقة تصب كلها  في شعاع الضوء الذي يلقيه الإمام على ظلاميات متضافرة لرؤى سائدة في مجتمعاتنا.

السيرة والمسيرة

كما ندشن سفرين آخرين للمرة الأولى في سلسلة (سيرة ومسيرة الإمام الصادق المهدي) التي ابتدرتها العام الماضي حيث دشنت ثلاثة أجزاء..

الجزء الأول (بينج ماريال) وهذا اسم اطلقه أهلنا الدينكا على الحبيب الإمام لدى طوافه على الجنوب أثناء حكومته بستينات القرن الماضي. وتعني الزعيم ماريال.. تطرق لسيرته منذ المولد وحتى قيام انقلاب مايو 1969م.

الجزء الثاني (ظلام أب عاج) غطى فترة الدجى المايوي، ومعلوم أن اب عاج لقب اطلق على المشير الراحل نميري لعصا العاج التي كان يحملها ونسجت حولها القصص والمعتقدات.

الجزء الثالث (الصادق أمل الأمة .. ولكن) تطرق لفترة  الديمقراطية الثالثة ووصف الآمال التي علقت بالسيد الصادق المهدي والمبشرات التي رآها كثيرون حتى خارج حزب الأمة لما مثله من قيم ونقلة في العمل السياسي وما شكلته التجربة الديمقراطية في كرتها الثالثة من عبور لعقبات كثيرة ولكنها أجهضت عمداً بانقلاب الثلاثين من يونيو 89 في شكل معتدل مارش ضد مسيرة التاريخ.

أما الجزئين اللذين يدشنان اليوم فهما:

الجزء الرابع: الثقب الأسود، يغطي عقد الإنقاذ الأول في الفترة من 1989 وحتى عودة الحبيب الإمام الصادق المهدي من هجرته في نوفمبر 2000م. الثقب الأسود في علم الفلك منطقة من الزمكان تمنع فيها جاذبيتها كل شيء من الإفلات، فإذا كان الثقب نجماً شاخ وفقد وقوده الدافع فإنه في نهاية عمره ينفجر ومن ثم يتحول إلى ثقب يجذب إليه كل شيء حوله بما فيه ضوءه. يصير جرماً محطِّما لما فيه وما يمر قربه. ونرى انقلاب (الإنقاذ) هو ذلك الانفجار العظيم لنجم حركة تمددت وكبرت بسرعة فائقة وأظهرت ميزاتٍ كثيرة تنظيمية وإعلامية وتخطيطية، ومن ثم ابتلعت وطناً وضوءها وجعلت بلادنا مسرحاً للعبث والخبال! هذا الجزء يصف كيف كان التحول للثقب الأسود، وبعض ويلات ذلكم التحول المضعضع للمسيرة الوطنية.

يتكون هذا الجزء من ثلاثة أبواب: الأول(نجمٌ يهوي) تتبع الطريق نحو الثلاثين من يونيو والشورى التي ذبحت الديمقراطية، شورى الحركة والجبهة الإسلامويتين، ولجنة السبعة بقيادة الراحل دكتور حسن الترابي التي خططت للسقوط، ثم قصة السيد الصادق منذ خروجه من بيته فجر الثلاثين من يونيو ثم اعتقاله بكوبر وتكوين التجمع الوطني الديمقراطي في اكتوبر 1989م.

الباب الثاني بعنوان الرهينة  يتتبع أحواله منذ تحويله الى الاعتقال المنزلي ببيت بروفسر الشيخ محجوب جعفر ثم اطلاق سراحه، وما تلا ذلك من تمتين للبناء الذاتي و(التجربة المرة) التي عاشها من ملاحقات واعتقالات ببيوت الأشباح وتهديدات حتى خروجه في تهتدون في ديسمبر 1996م.

الباب الثالث: الغربة أقسى نضال، يروي سنوات الهجرة الأولى الأربع في عهد الإنقاذ 96-2000م والعمل الحزبي، والوطني من داخل التجمع الوطني الديمقراطي، وملابسات تغير لغة النظام ولقاء جنيف ثم نداء الوطن في نوفمبر 1999م وقرار العودة للعمل بالداخل، حتى العودة فعلا في نوفمبر 2000م، متطرقاً لمحطات مهمة من أوراق وكتابات ومجاهدات.

يحتوي هذا الجزء على عدد من الوثائق المرجعية كملاحق مثل بقية الأجزاء.

الجزء الخامس  بعنوان: الفجر الكذوب، يغطي الفترة منذ تفلحون 2000م وحتى توقيع اتفاقية سلام نيفاشا في يناير 2005م. ويثبت أن هذه الاتفاقية وإن رأى كثيرون فيها أملاً محضاً إلا أن السيد الصادق كان من القلائل الذين أبصروا الشجر المتحرك ونبهوا إلى أنها بشكلها الكائن لن تحقق السلام ولا الوحدة ولا الديمقراطية. لقد كانت فجراً كذوباً. يحوي الجزء قصة الكدح الذي قاده السيد الصادق المهدي وحزب الأمة عبر مبادرة الأمة للتعاهد الوطني، وقبلها عبر تأييد المبادرة المشتركة الليبية المصرية، وعبر المطالبات المستمرة بتطوير عملية سلام الإيقاد، لتلافي إجهاض الأمل بدون جدوى.

يحتوي هذا الجزء كذلك على 3 أبواب: الباب الأول: العودة والأصابع المفقودة، يستعير تعبير الحبيب الإمام الصادق المهدي: إذا سلمت على هؤلاء القوم، جماعة الانقاذ، فعد أصابعك! وصفاً لميلهم الأزلي نحو اختراق المحاور أو المعاهد أو العدو.. يفصّل الباب اختراق النظام لحزب الأمة عبر فريقه المفاوض وانخراط الفريق في النظام مشاركاً ثم تفتته الى سبع فتافيت.

الباب الثاني: تتواصل المسيرةـ يصف تحركات الحبيب الإمام الصادق المهدي منذ القرار حول المشاركة الذي اتخذه حزب الأمة في فبراير 2001م وحتى توقيع بروتوكول مشاكوس 2002م. وكيف أدرك أن تقرير مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية الأمريكي 2001م يعني تحولاً أساسياً ورافعاً دولياً مقتدراً لعملية السلام السودانية، مع تخوفه من الاتجاه للتضحية بالديمقراطية والتركيز على السلام وحده، ومخاطباته المستمرة لتلافي ذلك وتأكيد ضرورة الربط بينهما، أي السلام والديمقراطية كشرط لاستدامة السلام نفسه.

الباب الثالث: إجهاض الأمل. يصف عملية السلام منذ تجدد عملية سلام الإيقاد، وانفجار دارفور، ومؤتمر هيئة شؤون الأنصار الأول ومؤتمر حزب الأمة السادس، وزيارة الإمام في وفد ضخم لدارفور، والعديد من الأنشطة الفكرية داخل وخارج  السودان. وكيف تم تجاهل كل نصائح الإمام وتحركاته لإنقاذ عملية السلام وجعلها مجدية.

في هذا الجزء أيضاً عدد من الوثائق المهمة ذات الصلة بالأحداث المرصودة.

في هذين الجزئين ركزت، بخلاف الأجزاء الثلاثة الماضية، فقط على وثائق حزب الأمة والأنصار وكتابات الحبيب النعمة الداخلية والمنشورة نظراً لكبر حجمها، ويرجى أن تكتمل الصورة التوثيقية بإدلاء الآخرين كذلك بدلائهم.

وسوف يتبع هذه الأجزاء بإذن الله جزءان: السادس يغطي الفترة من 2005م وحتى الآن بعنوان (ويبقى الأمل) أرجو أن أصدره قريباً وقبل العيد القادم بإذن الله، ليكون جزءاً من هبة الفأل التي تجتاح ساحة الوطن بتكاتف الصف المعارض المدني والمسلح، ثم أخيراً تكاتفه عبر الأجيال بين من أسماهم الحبيب الإمام قوى المعارضة التليدة، وبين القوى الجديدة التي يمثلها شباب 27 نوفمبر وغيرهم من الجماعات التي تضافرت في حركة العصيان المظفرة الأخيرة.

والجزء السابع يتطرق للمشروع الفكري للحبيب الإمام الصادق المهدي، وللملف الشعري: شعراء في حضرة الإمام الصادق المهدي، وشعرٌ في مدوناته.

وكما ذكرت في المقدمة فإن هدفيّ في السيرة والمسيرة هو إتاحة أكبر قدر من المعلومات الموثوقة والمتسلسلة زمانياً بما يتيح خيوطاً موصلة للباحث المجد والموضوعي، فهي علاوة على مدها بحقائق الأحداث ما استطاعت لذلك سبيلاً، تشير لما دوّنه الحبيب الإمام نفسه  من مصادر منشورة وغير منشورة، ومع كثرة ما كتب إلا أن جمعاً غفيراً حتى من الباحثين لم يأخذوا الصادق الكاتب والمفكر مأخذ الجد، وظلت مصادرهم تركز أكثر على التقارير والحوارات الصحفية المتأثرة بالراهن وبالسياق، بل هي في عهود الديكتاتورية ملغومة بأغراض الإعلام الأمني وأقاصيصه الباطلة. والهدف الثاني تعريف الأجيال الشابة والقادمة بسيرة الإمام عرفانا بجميلها واخذا للعبر وتعرفا على ماضي الوطن وحاضره فقد غيبت المناهج التعليمية المعوجة، والإعلام المضلل، والأسافير المتعجلة كثيراً من الحقائق، وأضافت كثيراً من التشويش على تاربخ بلادنا السياسي والاجتماعي والثقافي. ونصبت الأوتقراطية مشانقها للرموز السياسية والاجتماعية بالبلاد في كل مرة تحكمت، وهي سائدة في غالبية العهد الوطني منذ الاستقلال، وقد نال الإمام الصادق المهدي نصيب الأسد من محاولات التشويه والتقليل والتلطيخ الإعلامي وحملات اغتيال الشخصية.

وقد حاولت وضع السيرة في سياق الأحداث التاريخية المهمة، وحاولتُ استحضار أدبيات وقصائد عاشت معنا خلجاتنا، وحاولتُ التلطف قدر المستطاع باستصحاب ذواكر حية ودقائق وطرائف حدثت.

والأكيد أنه طالما أن قصة الثقب الأسود لم تنته فإن ملفات عديدة تظل مفتوحة وغير قابلة للتاريخ بعد.

أرجو أن يكون في هذا الجهد بعض رد الجميل لصاحبها الجميل. وللشعب السوداني الذي وضع فيه ثقته مرتين. وجلله بآيات المحبة المسموعة والمرئية والمنظورة والمحسوسة في كل مناسبة وأخرى. وقد ظل هو بدوره- أي الحبيب الإمام- يرفده بالمحبة والجهد والاجتهاد على نحو أسطوري وكما قال له الشاعر المحدّث ابو القاسم عثمان في الستينات:

ستظل شمساً حية *** تهب الضياء ولا تغيب

ستظل شاباً دائماَ *** إن المكارم لا تشيـــب

في النهاية، أسال الله تعالى أن يحفظه لنا وللوطن زخراً لدى المحاق، ونورا  للمدلجين ويوفقه في حله وترحاله، ويجعل على يديه وأصحابه الميامين من قادة قوى المقاومة عبر الطيف السياسي والطيف الجيلي، خلاص الوطن.

اللهم آمين آمين آمين

والسلام عليكم ورحمة الله

————————————————————————————————-

 [1] ورقة وثائق مملكة الفونج- كتاب مركز الدراسات

[2]  محمد سعيد القال، السياسة الاقتصادية للدولة المهدية، ص 164

[3] نفسه ص 192- 193. ومن أوجه التوثيق أيضا استخدام الوصولات في التعاملات المالية مثلا للزكاة (القدال ص 145).

[4] نفسه الهامش ص 193

[5] عبد الله حمدنا الله، توثيق أدبيات الأحزاب، نموذج حزب الأمة، صحيفة الصحافة