الحبيب الإمام الصادق المهدي في حوار مع الجزيرة نت

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

 

 

المهدي: لم أتخابر مع إسرائيل.. ولن نستغل خصومات البشير

الاثنين 4/5/1436 هـ – الموافق 23/2/2015 م

مواقف تؤكد على عمق الأزمة السياسية في السودان، تلك التي أدلى بها زعيم حزب الأمة السوداني الصادق المهدي في حواره مع الجزيرة نت، إذ تحدث عن مستقبل الحوار وأزمات الخرطوم مع الخارج.

حاوره بالبريد الإلكتروني: عماد عبد الهادي

نفى زعيم حزب الأمة السوداني المعارض الصادق المهدي أن يكون قد تخابر مع إسرائيل، داعيا لعقد محاكمة تاريخية له إن ثبتت هذه التهمة بحقه.

 وأكد المهدي في حوار مع الجزيرة نت على أن المعارضة السودانية لن تستغل وجود تناقضات حقيقية بين القاهرة والخرطوم حول المواقف في ليبيا، وسد النهضة الإثيوبي، وجماعة الإخوان المسلمين، ودولتي قطر وجنوب السودان.

وتاليا نص الحوار معه:

 لنبدأ من اعتقالكم الأخير، ما سببه، وهل أفرج عنكم ضمن صفقة؟

 كنت قد وجهت في مؤتمر صحفي نقدا لسلوك قوات الدعم السريع (التابعة للحكومة) وذكرت معلومات عن تكوينها وسلوكها، وهي معلومات ذكرها لنا أعضاء الحزب الوافدين من مناطق العمليات، وقلت إن هذه التهم تتطلب تحقيقا عادلا وسريعا، وإلا فإن هذه المخالفات سوف تستدعي تدخلا دوليا.

 هذا الأمر دفع جهاز الأمن لفتح بلاغ في مواجهتي تحت المادة 50 من القانون الجنائي (تقويض النظام الدستوري) والمادة 63، وهي تعني أنني حرضت على إسقاط النظام بالقوة الجنائية، وتوجب المادة 50 أن يحبس المتهم حتى محاكمته. وهذا البلاغ الأخير كان كيديا ولا مبرر له من أقوالي.

 وقد جرى تحقيق شكلي معي ذكرت خلاله أن والي شمال كردفان وناظر البديرية قالوا مثلما قلت نقدا لقوات الدعم السريع مما يجعلهما شهودا في المحكمة، فاتصلت بهما السلطات ليغيروا أقوالهما فقالا: لا سوف نشهد بما قلنا وما نعلم، وهذا أبطل تدبير القضية، وأدرك النظام أن قضيته خاسرة، ولكن مع الإعلام الزائف الذي طبلوا به صاروا محتاجين لما ينفي عنهم الحرج.

 هل كتبت اعتذارا للحكومة عن اتهامك لقوات الدعم السريع؟

 اتصل بي من جاء بفكرة أن ألتقي رأس الدولة ونصدر بيانا مشتركا. رفضت ذلك وقلت لن يصدر عني أي شيء وأنا في الحبس وليس أمامكم إلا المحاكمة، فتدخل وسطاء وتحدثوا مع السيد علي قيلوب رئيس الهيئة المركزية لحزب الأمة، واتفقوا أن يعلن أنني اتهمت وطالبت بتحقيق وهو عين ما قلت، وقررت السلطات إطلاق سراحي ونسوا تماما البلاغ الكيدي بأنني حرضت على إسقاط النظام بالقوة، وهو البلاغ الذي برروا به اعتقالي.

بعد إطلاق سراحكم كنتم تتحركون ببطء نحو الحوار الوطني، وهناك من اتهم نظام الحكم بأنه أقدم على الاعتقال للشيء ذاته، ما تفسيركم؟

 النظام لم يقدم على الحوار بمحض اختياره، فقد كانت قياداته تقول إننا وصلنا للحكم بالقوة، ومن أراد منازلتنا فليفعل، كما كرروا أنهم لا يحاورون إلا حملة السلاح، مع أن العقلاء في العالم كله يقولون لا نحاور إلا من تخلوا عن السلاح.

هذا المنطق هو الذي نشر ثقافة العنف في السودان، وجعل كل صاحب قضية يسلح نفسه مطالبة بحقوقه، والحقيقة أن كل تفاوض أو حوار أجراه النظام على طول عمره الطويل في الظلم كان مع مسلحين، كذلك كانت كل اتفاقاته مع مسلحين.

 حتى نحن في نداء الوطن ما حاورونا إلا لأننا كنا نحمل سلاحا على سنة النظام الذي لا يعرف حقا إلا لمن يحمل سلاحا قبل أن يمسك عن الوفاء بوعوده، فأغلقنا باب التواصل معه وقررنا أن نواصل العمل من أجل نظام جديد بوسائل الجهاد المدني.

 وقدمنا لأجل ذلك عدة أطروحات، ومن ثم لم يعبأ النظام بموقفنا ولكنه تعرض لمجموعة انتكاسات جعلته ينقل موقفه من خانة التبجح إلى خانة الحوار.

 ماذا عن لقاءاتكم مع الرئيس عمر البشير؟

 زارني رأس الدولة في أغسطس (آب) 2013، وأصدر معي بيانا بأن قضايا الحكم والسلام والدستور قضايا قومية ينبغي أن تبحث في آلية قومية لا تعزل أحدا، ولا يهيمن عليها أحد، ثم أعلن رأس الدولة مبادرة الوثبة في يناير (كانون الثاني) 2014.

 لذلك تجاوبنا معها ولم نعبأ كثيرا بما في نفس النظام، فقد رأينا أن الحقائق الموضوعية المذكورة هنا كفيلة بدفع أي عاقل ينشد النجاة من مقصلة التاريخ أن يبحث عن هبوط ناعم.

 أعتقد أن النظام حقا أراد مخرجا من العوامل التي تحاصره، ولكن بمنطق الطامعين، أراد أن يفصّل المخرج على مقاسه، ولو كنا مثله تجار سياسة لوافقناه على أن يكون الحوار برئاسته لتكون النتيجة مثل اتفاقيات السلام التي أبرمها على طول عهده، اتفاقيات فيها منافع لموقعيها ومكاسب مالية وشهود دوليون وإعلام واسع يبشر الناس بفجر كاذب، ولكنه أدرك أننا نطالب حقاً وصدقاً بنظام جديد وسلام عادل شامل، فأصغى لأصوات أصحاب المصالح الذاتية في وظائف نالوها غير مستحقة، وأموال اكتنزوها منهوبة، فهو أراد أن يشتري بعيراً بثمن دجاجة، وأخيراً وجد قوماً لا يملكون بعيراً مستعدون أن يقبلوا صفقة الدجاجة.

تحجيم الدور

 يقول معارضون إن المؤتمر الوطني يتحرك بأياد متعددة لتحجيم دوركم، كما أننا قرأنا أن مصر قد رفضت إقامة بعض أنشطتكم بل تعتبر وجودكم فيها أصبح غير مرحب به؟

 أنت وغيرك يشهدون كيف أن النظام السوداني صارت تحركاته وأقواله مجرد ردود أفعال لما نفعل منذ صدور “إعلان باريس” في أغسطس (آب) 2014، نزور القاهرة فيهرعون للقاهرة ليقولوا لها نفعل ما تريدون.

نزور الإمارات فيذهبون للإمارات ويقدمون آيات الولاء والطاعة، ثم نطرح على مبيكي خريطة طريق فيقبلون جوهرها مع تغيير في بعض الألفاظ.

يقول لهم محاورهم ضمن المعادلة السبعية أن لا فائدة في حوار بلا الأمة، فيشتمون في الأمر (إعلان باريس)، فلا يجدون مفراً سوى الكذب والقول إن إعلان باريس كان غطاء لعمل مسلح، كأن السامعين مغفلون وهكذا.

 النظام لم يفلح في تحجيم دورنا الذي تعاظم حتى صار عاصفة، ولكنه أفلح في إثبات أنه بلا إستراتيجية ويتخبط بردود الأفعال.

 أما قصة منع نشاطي في مصر فهي ضمن الإعلانات التي يخدع بها النظام نفسه حتى صار إعلامه الذي يطبل “نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع” أضحوكة، لأن استيراد المواد الغذائية والمصنعات زاد أضعافاً مضاعفة فقال الناس: نضحك مما نسمع.

 وعن حكاية التضييق أود أن أشرح بأن صالون الإبداع في القاهرة نظم مناسبة في ذكرى ميلادي في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهمّوا بإقامتها في صالة نادي قوات الطيران، ووجدوا أن الترتيبات المطلوبة معقدة لذلك غيروا الموقع في صالة أكبر وفي موقع أفضل وهو حديقة دار العلوم، وأقيمت المناسبة التي حضرها كثيرون.

 ففكرة أن المؤتمر الوطني يمكن أن يحجم نشاطنا في الخارج مضحكة، فالمؤتمر الوطني منبوذ في الخارج وعديم الأصدقاء، وأقول لك هذا عن علم، وحتى من يقابلهم يعتقدون أنه يكذب عليهم.

 يقال إنكم عملتم على تحريض مصر ضد نظام الحكم في السودان؟

نحن لا نحرض مصر على النظام السوداني، وكل ما فعلنا في هذا الصدد هو أننا بموجب إعلان باريس خطونا خطوة تعيد التوازن، فنص الإعلان على أن يكون لمصر دور في الشأن السوداني مثلما لدول القرن الأفريقي من متابعة وحرص على وقف الحرب وتحقيق الاستقرار، كما نص إعلان باريس أن يكون للجامعة العربية دور أسوة بالاتحاد الأفريقي.

 ولكننا نعلم أن بين الحكومتين السودانية والمصرية دوافع للتعاون حول مسائل الأمن، والتجارة، وحركة المواطنين بموجب الحريات الأربع، ومياه النيل، وهي تتطلب تعاوناً وتفاهماً نحن نعرفه ونقدره. وكلنا نعلم أيضاً أن ثمة تناقضات حقيقية ندركها ولا نحاول استغلالها، وهي التناقض حول الموقف في ليبيا، فالحكومة السودانية تقف مع طرابلس والحكومة المصرية تقف مع طبرق.

إضافة للتناقض حول الموقف من سد النهضة الإثيوبي، وحول الموقف من جماعة الإخوان المسلمين أبناء عمومة نظام السودان والمصنفون إرهابيين في مصر، وحول الموقف من قطر، والتناقض حول الموقف من جوبا.

 وبالتالي فإن محاولة عزلنا داخل السودان أو خارجه تستعصي بما لا يقاس على بؤساء الخرطوم.

الانتفاضة الناعمة

تراهنون على الانتفاضة الناعمة، وهناك من حلفائكم من يراهن على العمل المسلح، فأيهما ترى أنه الأنجح؟ وكيف؟

 حلفاؤنا جميعاً أعلنوا الالتزام بإعلان باريس ثم بنداء السودان ثم بخريطة الطريق التي وقعوها مع السيد ثابو مبيكي وهي نسخة معدلة من إعلان باريس، وأبدوا حسن نية بلا حدود لوقف إطلاق النار من جانب واحد، وطلاق سراح أسرى من جانب واحد.

 وقد قلت للسيد مبيكي أنا كفيل بالتزام الجبهة الثورية بما وقعت عليه إن استطعتَ أن تكون كفيلاً بالتزام الخرطوم بما وقعت عليه، ولكن الخرطوم ما برحت تدق طبول الحرب وتكرس الدكتاتورية، والمدهش أنهم صاروا يحاربون بقوة غيرهم، القتال حتى آخر “جنجويد”، أليست هذه حماقة؟

أكرر ما قلته للسيد مبيكي: تكفل بالتزام الخرطوم بوقف الحرب واعتماد خريطة الطريق للنظام الجديد الذي لا يعزل أحداً ولا يهيمن عليه أحد، وسوف أتكفل بالتزام الآخرين.

 فالعمل المسلح هو بضاعة الانقلابيين الذين سرقوا السلطة بليل ويحافظون عليها حتى الآن بالبطش.

 بالمناسبة، ما حكاية اتهامكم بالتخابر مع إسرائيل؟ وهل ستعتذرون عن اتفاق نداء السودان لأجل العودة للبلاد وفق شرط البشير لعودتكم؟

 إذا صح أننا نتخابر مع إسرائيل أو أننا أبرمنا إعلان باريس كغطاء لعمل مسلح يبدأ باحتلال دارفور كما زعموا، فالموقف محاكمة تاريخية لا مجرد اعتذار، ولكن الذين أطلقوا الاتهامات يعلمون أنها كاذبة فيتحدثون عن اعتذار.

الحقيقة أن الذين أطلقوا تلك الاتهامات هم الذين من واجبهم الاعتذار أو مواجهة المحاكمة على القذف السياسي.

 فالنظام البائس قطع شعرة معاوية عندما رماني باتهام بالباطل تحت المادة 50 وهو يعلم أنه بلاغ كيدي، تم اعتقالي مع أنني وزملائي تحملنا ضرراً كبيراً لمجرد أننا وصفناهم بـ”حسن الظن”.

 هذه الحكومة بعيدة كل البعد عن أخلاق الإسلام التي تقول “المسلم أخو المسلم”، وتقول: “ليس المؤمن بالطعّان، ولا اللعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء”. وبعيدة كل البعد عن أخلاق أهل السودان الذين عرفوا بإنسانيات أهمها التواضع، والتسامح. فاستحقوا تساؤل المرحوم الطيب صالح: من هؤلاء ومن أين أتوا؟

تطرحون بديلاً قومياً لنظام الحكم، لكنكم صرحتم من قبل بعدم وصول أطراف المعارضة حتى الآن لاتفاق حول شكل ذلك البديل، فكيف الوصول إلى ذلك؟

 في24 يناير (كانون الثاني) الماضي أرسلت خطابا وافياً لكل فصائل إعلان باريس، ونداء الوطن، وآخرين من دعاة سلام عادل شامل وتحول ديمقراطي كامل، اقترحت لهم ميثاقاً محدداً بعنوان “التنوع المتحد”، وفصلت فيه أساس الدستور الجديد وآلية ديمقراطية لإجازته، واقترحت لهم برنامجا لفترة انتقالية ومدة لها وحكومة قومية انتقالية أثناءها، واقترحت لهم هيكلاً ينسق بين أطراف كافة القوى المتطلعة لسلام عادل شامل وتحول ديمقراطي كامل، ويقيم آلية عليا لاتخاذ القرارات وآليات لتنفيذ القرارات ممتدة داخل السودان وخارجه، ويرجى أن يجتمع ممثلون عن هذه القوى في ألمانيا أو في جنوب أفريقيا لمناقشة هذه المقترحات والاتفاق على ما يراه المجتمعون.

 نقل أن نجلكم عبد الرحمن قد أوفد إليكم سراً لتليين موقفكم والعدول عما يصفه المؤتمر الوطني بنهج المواجهة الذي تقودونه، فما صحة ذلك؟

 ابني عبد الرحمن، بل كافة من عنده وعي وطني أو ضمير، أمامهم الآن خياران: جر المؤتمر الوطني لقبول الأجندة الوطنية كما أوضحناها هنا وخريطة الطريق لسودان السلام والديمقراطية والتأصيل المتصالح مع التحديث، أو أن يستقيلوا في وجه عناد النظام وانفراده بالقرار من موكب الهلاك الوطني الذي يقوده.

 

الجزيرة نت