الربيع العربي .. تأصيل للديمقراطية العربية المعاصرة

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

 

 

مقدمة:

نحن المسلمين وطن حقوق الإنسان المتفرعة من خمسة أصول هي: كرامة الإنسان – الحرية – العدالة – المساواة – السلام. ولكن عبر عهود من الاستبداد غيبنا هذه المبادئ بينما العالم حولنا وعبر نضالات شعوبه اهتدى لمنظومة حقوق الإنسان العالمية التي تطابق الأصول الخمسة التي نزل بها الوحي على نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.

ومع أن قيام الحكم على المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون من مبادئ الإسلام السياسية فإن تجربتنا التاريخية لم تقم مؤسسات لتطبيق تلك المبادئ. التجربة الإنسانية التي خطتها الحضارة الحديثة أنشأت مؤسسات ديمقراطية لتطبيق تلك المبادئ الراشدة.

هذا بينما وقعت بلداننا تحت نظم حكم غيبت تلك المبادئ حتى وصفت أمتنا العربية بالاستثنائية لأن العالم حولنا في أكثر أقطاره شهد تحولاً ديمقراطياً عبر أربع موجات ديمقراطية.

1. في عام 2002م صدر تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي أعده عدد من الخبراء والعلماء العرب وكان أهم حقائقه أن البلدان العربية في ذيل العالم من حيث الحوكمة الراشدة التي تلتزم بحقوق الإنسان وبالمبادئ الديمراطية.

2. وفي عام 2004م نشطت كثير من المنظمات العربية غير الحكومية ومن أهم نتائج ذلك النشاط إصدار وثيقة الاستقلال الثاني وفيها تطلع لتحول ديمقراطي في المنطقة العربية.

3. وفي عام 2008م صدر نداء البحر الميت الذي اصدره نادي مدريد بمشاركة وفود من 19 بلد عربي وفيه أشارة لحالة الاحتقان الماثل بين الشعوب والحكومات والدعوة لحوار جاد للاتفاق على إصلاح سياسي يحقق تطلعات الشعوب للديمقراطية ويزيل الاحتقان.

4. قبيل حركات الثورة العربية الديمقراطية الراهنة كان واضحا أن شعوب المنطقة تعاني من علل مشتركة هي:

  •  الاستبداد وقرينه الفساد.
  •  الظلم الاجتماعي ونتائجه: الفقر والعطالة.
  •  الإخفاق في إدارة العلاقات الدولية إما بالتبعية أو العداء.
  •  شعور عام بامتهان كرامة المواطن والوطن.

لذلك عم المنطقة كلها على اختلاف النظم تطلع مشترك لأفق جديد معالمه:

  •  حكم راشد يكفل حقوق الإنسان ويحقق المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون.
  •  اقتصاد يحقق التنمية والكفاية والعدل.
  •  علاقات خارجية تقوم على احترام كرامة الوطن والندية والمصالح المشتركة.
  •  توجه فكري يوفق بين التأصيل والتحديث.
  •  صار واضحا أن مواقف الشعوب العربية في المنطقة من رفض القهر والتطلع للحرية واحد للتخلص من هذا الاحتلال الداخلي مثلما كانت مواقف الشعوب واحدة من رفض الاستبداد الاجنبي.
  •  الحقيقة التي عمت الساحة هي أن التطلع للحرية والديمقراطية كان عاما انخرطت فيه كل التيارات الفكرية والفصائل السياسية وصار واضحا أنه مع كل ممارسة ديمقراطية انتصرت شعوب المنطقة للتوجه الإسلامي. وذلك:
  • * لرسوخ التطلع الإسلامي في عقول وقلوب الشعوب.
  • * لأن النظم الاستبدادية مارست قهرها بشعارات وضعية كالقومية، والاشتراكية.
  • * النظم المعنية ساهمت في دعم شعبية التيارات الإسلامية لأنها اضطهدتها واستخدمتها كفزاعة لدى الغرب.

5. نظم الحكم الاستبدادية أحكمت القبضة على الشعوب والرقابة لكل عمل معارض ولكن بعض الأنشطة المعارضة لا سيما الإسلامية تخندقت في أنشطة دينية واجتماعية، ولكن التكنولوجيا الرقمية وآليات الفيس بوك والتويتر أتاحت لفصائل من الشباب وسائل اتصال وتشاور وتنسيق خارج شبكة الاستخبارات فاستطاعوا أن يحشدوا لأنشطة احتجاجية أثارتها أحداث مؤثرة مثل استقتال محمد بوعزيزي في تونس واغتيال خالد سعيد في مصر. فاحتشدت الملايين في مناطق مختلفة وتحققت الثورة الشعبية الديمقراطية في تونس ثم في مصر، ثم عمت الثورة كافة أرجاء الأمة العربية ساعدها على ذلك تغطية إعلامية حرة نقلت الأحداث إلى كل مكان، بل صار أسلوب الاحتجاج المباشر هذا متبعا حتى في بلدان ديمقراطية عريقة احتجاجا على غياب الديمقراطية الاجتماعية، ودكتاتورية المال.

وبكل المقاييس فتحت الشعوب العربية صفحة جديدة لن تهدأ حتى تعم الحرية والعدالة المنطقة لتصير موجة التحول العربي الديمقراطي هي الموجة الديمقراطية العالمية الخامسة بعد أن سبقتها الموجات الأربع في سائر أنحاء العالم.

ويرجى أن تكون نتيجة ذلك في البلدان ذات الحكومات الجمهورية تحولات نحو نظم ديمقراطية بدساتير تحدد وتحمي حقوق الشعوب. كما يرجى أن تكون نتيجة ذلك في البلدان الملكية تحول نحو الملكية الدستورية.

6. كانت التجربة التونسية حتى الآن هي الأفضل من كافة النواحي لا سيما وقد اتفقت القوى السياسية التونسية على وثيقة فحواها:

  • * لا خلاف على هوية الوطن العربية الإسلامية.
  • * اتفاق على القاسم المشترك فكريا وسياسيا على أساس الوحدة الوطنية والديمقراطية.
  • * التفرقة بين الديمقراطية واللبرالية باعتبار أن للديمقراطية بعداً اجتماعياً بينما اللبرالية حرية بلا قيد اجتماعي.

التجربة المصرية قامت منذ البداية على شراكة بين قوى الثورة في ميدان التحرير، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي آلت إليه صلاحيات رئيس الجمهورية بعد تنحيه. وبعد إجراء الانتخابات صار هناك مركز ثالث هو مجلس الشعب المنتخب ولكن بسبب عدم الاتفاق على الدستور ستبقى الأمور في حالة تأرجح إلى أن يكتب ويشرع الدستور.. ولكن مهما تقلبت الأمور فإن التحول الديمقراطي هو موجة المستقبل.

7. الثورة في اليمن، وسوريا، تعثرت لأن الحكام في هذه البلدان استعدوا لمقاومة التطلعات الشعبية. إن حدة ودموية النزاع الداخلي سوف تستدعي تدخلا أجنبياً لا تؤمن عواقبه. وأمام استحالة حسم الأمر بالقوة، ومع وجود عوامل انقسام داخلي فإن الحل الأمثل هو التراضي على أوضاع انتقالية تنفذ خريطة طريق نحو المستقبل.

8. التحديات التي سوف تواجهها الثوارت بعد نجاحها في ولاية السلطة عبر الانتخابات الحرة تحديات جسيمة لأنها ترث أعباء متراكمة من الماضي، وتواجه حركات مطلبية قوية، وتواجه تطلعات كبيرة من شعوب أنهكها الحرمان والإذلال، وعليها أن توفق داخليا بين مرتكزاتها الأيديولوجية والوحدة الوطنية، وأن تحافظ على أسلوب الحكم الديمقراطي، وأن تشبع الحاجات الاقتصادية، وأن تتعامل في السياسة الدولية بصورة تتجنب التبعية الموروثة من عهود سابقة وتقيم العلاقات على أسس جديدة.

9. ملتقى الوسطية الإسلامية العالمية يواصل دوره الرسالي في تنظيم ملتقى جامع للحركات الإسلامية للاتفاق حول تشخيص الحالة بصورة موضوعية وشاملة ولدراسة الملفات الآتية:

  • * ما معنى نظام مدني بمرجعية إسلامية أو دولة مدنية بمرجعية إسلامية؟
  • * ما هي الدروس المستفادة من التجارب الإسلامية الحديثة؟
  • * كيفية مواجهة التحديات أي النهضة بعد الصحوة؟