الصادق المهدي: المنطقة العربية مقبلة على أكبر صراع حضاري

الإمام الصادق المهدي
سماحة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد للحكماء والرؤساء السابقين المنتخبين ديمقراطياً والمفكر السياسي والإسلامي

 

 

الأخبار (نواكشوط) – اعتبر الصادق المهدي زعيم حزب الأمة السوداني أن المنطقة العربية مقبلة الآن على “أكبر عملية صراع حضاري في العالم”، مضيفا أنه سيكون بشكل خاص حول “مصير العلاقات العربية الإفريقية ودخول إسرائيل على الخط”.

وقال المهدي وهو رئيس المنتدى العالمي للوسطية في مقابلة مع وكالة الأخبار إن موريتانيا والسودان بصفتهما على ثغر من ثغور العلاقة ما بين إفريقيا شمال الصحراء وإفريقيا جنوب الصحراء تتحملان مسؤولية خاصة تجاه هذا الصراع الحضاري، مضيفا أنه “مع استقلال جنوب السودان، ورغبة إسرائيل في أن تعكر هذه المياه، من أجل أن تستغلها في تحقيق بعض أهدافها، ولأن إسرائيل تعتبر نفسها – في ظل الربيع العربي – فقدت الكثير من أصدقائها في تونس ومصر وغيرها من دول المنطقة، وكذلك شعورها بصعود حركات إسلامية محالفة لحماس، ستكون في مواجهة حول هذا الموضوع”.

وفي موضوع الثورة السورية رأى الصادق المهدي أن “ما حصل من قتل في سوريا يدل على أن النظام فقد شرعيته، لأنه لا يمكن لأي نظام أن يبني حكمه، بعد أن قام بما قام به من قتل وتدمير”، مشيرا إلى أنه كما هو واضح “فإن النظام السوري فقد الآن الكثير جدا من الأراضي، الكثير من الأراضي خارج الإدارة التابعة له”.

وأوضح المهدي أنه يعتقد أن “قرار الجامعة العربية حول سوريا مستنسخ من التجربة اليمنية”، مضيفا أن يأمل أن يحصل في سوريا مثل ما حصل في اليمن “من الدخول في فترة انتقالية، يتولى الأمر فيها نائب الرئيس، وحكومة قومية انتقالية، ثم انتخابات تحدد من يحكم سوريا” مؤكدا أن “الوضع في سوريا لم يعد قابلا للحلحلة، أو الحل بالضربة القاضية”، مشددا على أنه “ليس واردا أن يحدث في سوريا مثلما حصل في ليبيا، لأن ليبيا معزولة، وسوريا غير معزولة، بل لها حلفاء في المنطقة، ولن تقبل بتدخل الناتو، ولا الناتو سيتدخل، لأن الناتو تدخل في ليبيا لحصوله على وسيلة لدفع التكاليف من النفط الليبي، وليس لدى سوريا ما تدفعه، كما أنه في سوريا الوضع جزء من المشكلة في إيران، أنا أتصور أن يمتنع الناتو عن التدخل في سوريا”.

وقال المهدي إن ما جرى في اليمن كان حلا “لطريق مسدود، لأنه كان واضحا أن التركيبة القبلية في اليمن والانقسام في القوات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية فيها أيضا أدت إلى استحالة أن ينتصر فريق على آخر بالضربة القاضية”، مضيفا أنه يعتقد “أن فكرة المشروع الذي تقدم به مجلس التعاون الخليجي كانت فكرة معقولة، حيث تقوم على الدخول في إجراءات انتقالية، ثم يترك للشعب – بعد تحقيق الأمن – أن يحدد من يحكمه، عبر انتخابات نزيهة وشفافة”.

وهذا نص المقابلة:

 

الأخبار: كنتم في مؤتمر يتحدث عن الوسطية، ألا ترون أن ثنائية العنف والوسطية – بعد الربيع العربي – أصبحت متجاوزة؟

الصادق المهدي: الذي تدعوا له الوسطية هو نفس الأهداف الثورية بوسائل خالية من العنف، وما من فيه شك أن الطريق التي بها حققت الثورات العربية أو ما نسميه الثورة الناعمة، أهدافها يدخل في إطار الدعوة الوسطية لأنها تحقق أهدافها عن طريق الإعلام الحركي الخالي من العنف، المشكلة في الوقت الحالي، بعد نجاح الثورة الناعمة في تونس ومصر، هي أن النظم المختلفة التي أدركت أن هذا التيار سيعم، اتخذت مواقف مضادة، كما حدث في اليمن وفي ليبيا وفي سوريا، وتحولت العملية من ثورة ناعمة، كما يريد الشباب، إلى حرب أهلية، المشكلة أن سقوط خيار العنف، والعمل على تحقيق دافع الشعوب بواسطة الثورة الناعمة، هذا الهدف للأسف الآن تراجع، لأن كل المواقع المتعلقة بالخيار الثوري تحولت إلى حروب أهلية.

 

الأخبار: كان هذا هو سؤالنا الثاني، ما هو موقفكم الآن مما يجري في سوريا واليمن مثلا؟

الصادق المهدي: الذي جرى في اليمن – بلا شك – هو حل لطريق مسدود، لأنه كان واضحا أن التركيبة القبلية في اليمن والانقسام في القوات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية فيها أيضا أدت إلى استحالة أن ينتصر فريق على آخر بالضربة القاضية، ولذا أعتقد أن فكرة المشروع الذي تقدم به مجلس التعاون الخليجي كانت فكرة معقولة، حيث تقوم على الدخول في إجراءات انتقالية، ثم يترك للشعب – بعد تحقيق الأمن – أن يحدد من يحكمه، عبر انتخابات نزيهة وشفافة، أنا أعتقد أن ما حصل الآن من قرار للجامعة العربية – بالنسبة لسوريا -هو مستنسخ من التجربة اليمنية، البعض يرجوا من النظام السوري أن يقبل بهذه القرار، طبعا مشكلة النظام السوري أنه عنده ظهير في المنطقة، يعني أن ظهيره في المنطقة مستعد لدعم مواقفه، ولكن -كما هو واضح – فإن النظام السوري فقد الآن الكثير جدا من الأراضي، الكثير من الأراضي خارج الإدارة التابعة له.

ثانيا: واضح أن ما حصل من قتل وتدمير يدل على أن النظام فقد شرعيته، لأنه لا يمكن لأي نظام أن يبني حكمه، بعد أن قام بما قام به من قتل وتدمير، وبعد العدد الهائل من الجرحى، الواحد يأمل أن ما يحصل في سوريا يبقى استجابة لقرار الجامعة العربية، وأنا علمت أن قرار الجامعة العربية يكاد يكون بالإجماع، حيث تحفظت عليه لبنان، باعتبار لبنان وضعها حساس، لكن بقية الدول أيدت القرار، الواحد يأمل بأن يحصل ذلك، إذا حصل ذلك، سيكون فيه تكرار ما حدث في اليمن، من الدخول في فترة انتقالية، يتولى الأمر فيها نائب الرئيس، وحكومة قومية، انتقالية، ثم انتخابات تحدد من يحكم سوريا، ونأمل أن يحصل هذا، لأن الوضع في سوريا لم يعد قابل للحلحلة، أو الحل بالضربة القاضية، والكل يعتقد أن الأمر سيستمر بالقتل والقتل المضاد، وليس واردا أن يحدث مثلما حصل في ليبيا، لأن ليبيا معزولة، وسوريا غير معزولة، بل لها حلفاء في المنطقة، ولن تقبل بتدخل الناتو، ولا الناتو سيتدخل، لأن الناتو تدخل في ليبيا لحصوله على وسيلة لدفع التكاليف من النفط الليبي، وليس لدى سوريا ما تدفعه، كما أنه في سوريا الوضع جزء من المشكلة في إيران، أنا أتصور أن يمتنع الناتو عن التدخل في سوريا.

 

الأخبار: التقيتم بالرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، كيف كان هذا اللقاء؟

الصادق المهدي: يعني كان جديا، نحن التقيناه وأبدينا ترحيبنا حبنا بحديثه عن احترام الرأي الآخر، واستعداده للحوار مع مخالفيه، استعداده لأن يدخل في حوار وطني حتى تزول كل الخلافات الوطنية داخل موريتانيا، ونحن أيضا هنئناه على قطع الصلة بإسرائيل؛ قطع العلاقات الموريتانية الإسرائيلية.

هذا الإجراء نعتقد أنه ينسجم مع المنطقة العربية لأنه لا يمكن أن تقوم أي علاقات مع إسرائيل ما دامت تحتل أراض عربية، وأيضا تحدثنا عن مشاركتنا في مؤتمر الوسطية في موريتانيا، وعن افتتاح منتدى الوسطية لفرع في موريتانيا، نأمل أنهم يرحبوا بذلك والرئيس يرحب بذلك، وأيضا تحدثنا في مواضيع أخرى، هي أنه في الوقت الحالي، تظل السودان وموريتانيا على ثغر من ثغور العلاقة ما بين إفريقيا شمال الصحراء وإفريقيا جنوب الصحراء، والآن مع استقلال جنوب السودان، ورغبة إسرائيل في أن تعكر هذه المياه، من أجل أن تستغلها في تحقيق بعض أهدافها، لأن إسرائيل تعتبر نفسها – في ظل الربيع العربي – فقدت الكثير من أصدقائها في تونس ومصر وغيرها من دول المنطقة، وكذلك شعورها بصعود حركات إسلامية محالفة لحماس، وستكون في مواجهة حول هذا الموضوع، وكذلك فقدت علاقات خاصة مع تركيا، وحتى مع موريتانيا، ولذلك هي الآن تحاول تعويض ذلك، بعلاقة خاصة مع جنوب السودان، ويعني أنها ستثير كل مشاكل العلاقات العربية الإفريقية، وتستغلها، ونحن في السودان وفي موريتانيا سنضع أنفسنا أمام تحد جديد، ونحن نقرأ في السودان أن الذي سيحصل في المنطقة الآن هو أكبر عملية صراع حضاري في العالم، حول مصير العلاقات العربية والإفريقية ودخول إسرائيل على الخط.

 

الأخبار: ما هي أهم مشاهداتكم في موريتانيا؟

الصادق المهدي: حقيقة، أن موريتانيا تشبه السودان بشكل مدهش، فيه أشياء كثيرة تظهر هذا التشابه الذي هو بالنسبة لي مدهش، لأننا لسنا جيران، لذلك أتساءل عن أسباب هذا التشابه، نتشابه في العمامة، وفي الثوب النسائي (الملحفة) وهكذا في العديد من المعالم الأخرى، وأيضا في السلم الموسيقي الخماسي، وكذلك كل الألوان يوجد فيها تشابه.

 

الأخبار: في الشأن الداخلي السوداني، هل لكم تحالف غير معلن مع النظام؟

الصادق المهدي: ليس هناك أي تحالف، لا معلن ولا غير معلن، نحن نعارض النظام، إلا أننا فقط مختلفين قليلا عن المعارضين الذين يريدون أن يتصرفوا دون احتساب العواقب، نحن معارضين بفكرة أن هناك قضايا لا بد من حسمها وعلاجها، ووضعنا هذه القضايا في أجندة، هي الأجندة الوطنية، ولن نتعامل مع النظام ما لم يقبل بهذه الأجندة، لأنه بدون وجود هذه الأجندة لن تحل قضايا السودان، لكن هذا أيضا لا يعني أننا قطعنا حوارنا مع النظام، لا، نحن نواصل حوارنا مع النظام، لأننا نعتقد أن ظروف السودان في الوقت الحالي خطيرة، مثلا هناك حراك سمى نفسه الحركة الثورية، وهي حركة جاءت للإطاحة بالنظام بالقوة، سواء نجحت أو لم تنجح، ستخلق استقطابا حادا في السودان، بين إثنياته المختلفة، نحن نتجنب هذا النوع من الاستقطاب وننظر في حل لا يقوم على الضربة القاضية، وإنما يقوم على الاتفاق على برنامج تحول ديمقراطي.

نفس الشيء نحن نعتقد أن السودان يعاني من هشاشة باعتبار أنه فيه حركات كثيرة، غير الموجودة في الجنوب، يمكن أن تتحول إلى حركات انفصالية، إذا استمر هذا التوتر، ولذلك نحن حريصون على أن لا يحصل أي نوع من هذا، أيضا نحن حريصين على أن لا توظف المشاكل الداخلية في السودان، والمشاكل الداخلية في الجنوب أن لا توظف هذه في حرب بين البلدين، وهكذا دواليك، إذا حصل هذا سيقضي على مشروع الإصلاح، ونتحول إلى دولتين متحاربتين، كما حصل في الهند وباكستان، وكوريا الجنوبية والشمالية، وتبقى الحرب – تقريبا – علاقة دائمة، وهذا مؤكد فيه ضرر بالغ جدا بين دولتي السودان، ولذلك نحن نتعامل مع النظام بوعي بهذه المشاكل، وبأمل أننا نعمل على إصلاح سياسي جذري، بعبارة أخرى نحقق أهداف الربيع العربي من منطلق أننا معارضين وليس من منطلق أننا متحالفين.

 

الأخبار: كيف تتصورون حظوظ السودان من الربيع العربي؟

الصادق المهدي: في رأينا أن السودان لديه مقومات تفرض أن يحقق أهدافه بوسيلة ناعمة، نعتقد أن ذلك ممكن، لأن النظام يواجه ضغوطا شديدة جدا، حتى من داخل الحزب الحاكم، هذه الضغوط كفيلة بأن تؤيد أجندتنا الوطنية، وإذا حصل هذا برأينا نكون قد حققنا أهداف الربيع العربي، من دون أن نمر بميدان تحرير.

 

الأخبار: ما يعرف الآن بالإسلام السياسي، وصل إلى الحكم، أول ما وصل، في السودان، كيف ترون تجربته؟

الصادق المهدي: تجربة فاشلة، ونحن نقول إن على الأنظمة التي وصلت إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، في تونس وفي مصر أن تضع التجربة السودانية أمام أنظارها لتتجنب أخطاءها، لأنها – بالنسبة لنا – كانت نتائجها وخيمة جدا، ولذا نحن سننظم مؤتمرا في مصر – ممكن الشهر القادم – هذا المؤتمر الهدف منه هو دعوة كل الحركات الإسلامية التي لها وجود في الساحة من أجل أن تجيب على سؤالين، ونحن كذلك في منتدى الوسطية العالمي، سنساهم في الإجابة على السؤالين الذين هما: ماذا تعني دولة مدنية بمرجعية إسلامية، ماذا يعني هذا، لأن هناك كلام كثير جدا حول هذا السؤال، السؤال الثاني: ما هي الدروس المستفادة من التجارب المعاصرة للتطبيق الإسلامي، في السودان، في أفغانستان، في باكستان، في إيران، في تركيا، في ماليزيا، في أندونسيا، في غزة، في كل المناطق التي حدثت فيها حديثا تجارب سميت بالإسلامية، فنحن سنجيب من خلال هذا المؤتمر على سؤال ماذا تعني دولة مدنية بمرجعية إسلامية، وما هي الدروس المستفادة من هذه التجارب، ونأمل أن يساعد هذا، في إنجاح تجارب الذين وصلوا إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع – وطبعا هذه وسيلة جيدة جدا، حيث لا انقلابات ولا عنف – لكن نرى أن هذه التجارب ممكن أن تفشل، ونحن نراهن على نجاحها، ولذلك لا بد وأن نساعد بما استطعنا من أفكار من أجل أن لا تفشل، لأنها لو فشلت ستعزز عبارة تقول إن الحركات الإسلامية تنجح في المعارضة “لأن وز البر عوام” لكنها لما تصل إلى السلطة تفشل، وارد أن يحصل هذا طبعا، لكن من حقه أن لا يحصل أيضا، بالتالي يجب أن نستفيد من تجاربنا كلها، خصوصا تجربة السودان، من أجل أن نتجنب ما وقعت فيه، التجربة السودانية هي تجربة ذات الحكم الانقلابي الغلط، وانقسمت وهذا أيضا خطر، وحاولت أن تقفز فوق المراحل الاجتماعية، ولذلك أصيبت بإخفاقات، فنحن سنذكر كل هذا الكلام، وكل أدبيات ما حدث في السودان، وفي أفغانستان، وفي إيران، وفي العراق، وفي تركيا، على أساس أن كل ذلك عبارة عن دروس يستفاد منها في التجربة.

 

الأخبار: تحدثتم خلال إجابة سابقة عن ضرورة حسن العلاقة مع الجنوب، هل لكم تصور واضح حول هذا الموضوع؟

الصادق المهدي: نعم نحن عندنا تصور أساسي، إن ما حصل في السودان، إلى حد كبير، كانت نتيجة لردود فعل سياسية، وكان يمكن تجنبه.

ثانيا نحن كشمال لا بد وأن نتصرف تصرف الأخ الأكبر، من أجل أن نحل مشاكلنا، لأننا إذا لم نقم بذلك فإن أعدائنا الإستراتيجيون سيستغلون سوء العلاقة.

ونقترح في الوقت الحالي من ضمن الأشياء التي نقترحها – صحيح أنه من الصعب استعادة الوحدة بين السودان وجنوب السودان، لكن بعد أن تحل المشاكل الثنائية – نفكر في إطار وحدة أوسع، نتكلم عن وحدة عربية إفريقية، تضم مصر وليبيا وتضم جنوب السودان، في إطار مثل هذا، لأنه هناك مشاكل كثيرة جدا سنواجهها، في حوض النيل، إذا كان حصل استقطاب، الآن هناك مشاكل بين المنبع، وبين الدول المصب لحوض النيل، فأعتقد أننا لا بد أن نفكر تفكيرا استراتيجيا أوسع، نحن في حزب الأمة نفكر بالمنطق هذا الآن، نحن كنا أكثر الناس ضد العلاقة الوحدوية مع مصر، لكن الآن نقول بمراجعة الخط، باعتبار أن هناك عوامل تفرض علينا أن نكون جميعا في خندق واحد، تفرض علينا أن نفكر بمنطق وحدوي، وليس بمنطق تباعدي أو استقطابي، أعتقد أننا في هذا الإطار يمكننا مراجعة العلاقة بين الشمال والجنوب، لأنه هناك عوامل كثيرة جدا تجعل العداء بين الشمال والجنوب خطة انتحار للاثنين، قبائلنا – القبائل المترحلة التي هي القبائل “البكارة” الرعوية – تعيش في أطول حدود بيننا وبين الجنوب (2200كلم) وتتوقف دورة حياتهم على أنهم في الصيف يمشون في “المرايا” في الجنوب، هذه لا يمكن لأحد أن يغيرها، سوق منتجات الشمال، 200 سلعة تعتمد عليها الناس في الجنوب لـتأمين حياتهم، الجنوب بينه وبين الشمال كذلك البترول.

البترول هذا موقعه غريب جدا هو يقع الآن شمال الجنوب وجنوب الشمال، يفرض علاقة تكاملية لأنه مستحيل تصديره إلى كينيا لأن التوبوغرافيا في المنطقة تسير نحو الأعلى، وبالتالي يصعب التصدير إلى هناك، ثانيا لو كان جنوب الجنوب كان ممكن أن يكون أقرب، لكن هو شمال الجنوبـ، وإذا أقرب إلى بور سودان، توجد عوامل كثير جيوسياسية، من هذا النوع، كذلك الشمال يشكل سوق للمنتجات الاستوائية للجنوب نفس المنتجات هذه موجودة في كينيا أوغندا ولذلك لا توجد لهم سوق في الجنوب، سوقهم في الشمال، وهكذا في عوامل كثير من هذا النوع تجعل هناك حتميات جيوسياسة، وهذا السبب الذي منع الانجليز من فصله، أصلا لانجليز كانوا يريدون أن يفصلوا الجنوب عن الشمال، لكنهم رأوا أنهم لو فصلوه سيواجهون مشاكل من هذا النوع، لذلك قالوا نحن نقبل الحقائق جيوسياسية التي هي موجودة، ولذلك جعلوا الجنوب موحدا مع الشمال، مع أنه كان بإمكانهم سنة 1947 أن يفصلوه، كما كانت خططهم.

 

الأخبار: كيف تصفون حال دار فور الآن، وهل ترون سلامة تفسير قضيته اعتمادا لنظرية المؤامرة؟

الصادق المهدي: لا، لا.. دار فور مشكلتها أخطاء من الحكومة المركزية في الشمال، كان ممكن أن تحل قضيتها بكل سهولة، لكنها سمح لها بأن تتعقد، تتقعد لغاية أن صارت مشكلة دولية، نحن نعتقد أن حلها وارد لأن دار فور ليس عندها تطلع ولا إمكانية لها في أن تفكر بمنطق انفصالي، دارفور مندمجة في بقية السودان بصورة لا تقبل الانفصال، لكن ممكن أن تتحول إلى مشكل كبيرة إذا لم تحل قضيتها.

وعموما نحن نتصور حلها من خلال اعتماد أمور محددة، فيما يتعلق بالإقليم، من خلال تحديد علاقاته مع الأقاليم السودانية، وكذا فيما يتعلق بالحكومة وبالإدارة، وباختصار يمكن حل كل هذا بالعودة لما كان موجودا في الإقليم 1989.

كما لا بد من حل يعتمد تعويض اللاجئين من الإقليم، فقد لجأ عدد كبير من أبناء الإقليم بسبب الأحداث التي يعرفها.

ولا بد لسكان الإقليم من حضور يوازي حجمهم في السلطة والثورة. فضلا عن معاقبة المتورطين في الجرائم التي ارتكبت بحقهم.

من التجارب في هذا المجال اتفاق الدوحة، وقد استوعب جزءا من هذه المطالب، لكن مشكلته أن جهات من الدارفوريين كانت خارجه، ولم يزالوا خارج الاتفاق، ونتيجة لعدم مشاركتهم فيه قاموا بأنشطة ضده، ومن المؤسف أن الاتفاق اعتبرهم غير مهمين أو غير معنيين.

لذا لا بد من تعديل الدستور ليشمل حدود الدارفوريين.

وللوصل إلى حل لهذا المشكل لا بد من أن يكون هناك اتفاق شامل للجميع، يؤدي إلى أمن في المنطقة لأنه لا تنمية ولا ازدهار بدون أمن.

 

الأخبار – وكالة أنباء موريتانية