الكلمة التي دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس المنتدى العالمي للوسطية في الندوة الدولية: العالم وتحدي الإرهاب

الإمام الصادق المهدي في برنامج مصر في يوم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الندوة الدولية: العالم وتحدي الإرهاب

جدلية العلاقة بين أسباب الإرهاب والمآلات

(الأسباب الداخلية والخارجية)

السبت: 19/12/2015م- الأردن

الإمام الصادق المهدي

 

الأخ الرئيس

أخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي حاضرين ومحاضرين،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد-

أقول: أمتنا تواجه تحديات كثيرة في شتى المجالات.

أزماتنا اليوم تفوق كافة الأزمات الحديثة. نواجهها وكلمتنا مفرقة، والتدخل الأجنبي في شؤوننا على أشده. ومن أفدح العيوب أننا لا نتفق على تشخيص مشترك لهذه الأزمات، وبالتالي أبعد ما نكون عن وصف الدواء.

أبدأ بإزالة الأخطاء حول موضوعنا:

عبارة إرهاب ترجمة خاطئة لعبارة ترورزم. فإرهاب في التعبير القرآني معناه القوة المهابة التي تمنع العدوان. ولكن المعنى المراد هو العنف المخيف الذي يجبر الآخر على الامتثال لإرادة فاعل الإرهاب. هذا المعنى تدل عليه عبارة إرعاب أو ترويع ولكن من باب الخطأ المشهور لا مانع أن نستخدم عبارة إرهاب ما دمنا نقصد الترويع لا إرهاب بالمعنى القرآني.

وخطأ آخر هو أن الترويع غالباً ما يقصد به الترويع الأهلي، مع أن حكومات كثيرة تستخدم تعذيب وإرعاب مواطنيها. بل يستخدم كثيرون العبارة لإدانة خصومهم السياسيين فيطلقون العبارة لوصف المعارضة. لذلك صارت عبارة إرهاب فضفاضة يدخل فيها الترويع المقصود، وتدخل فيها حركات التحرير المشروعة، وتدخل فيها معارضة الحكام.

ضحايا الإهارب الرسمي الذي ترتكبه الدول الاستبدادية وإسرائيل من مدنيين وأبرياء يبلغ مئات الآلاف ويستحق بحثاً مفصلاً لأنه في حد ذاته خطير ويولد ردود فعل مضادة تغذي دوامة العنف.

العالم العربي الإسلامي متهم بتفريخ الإرهاب. إرهاب لسياسيات دولية ظالمة دور مهم في صنعه. في مقال في مجلة السياسة الخارجية عدد يناير/ فبراير 2008م كتب غراهم فولر مقالاً بعنوان: “عالم بدون الإسلام” جاء فيه: قد يتمنى البعض اليوم أن يكون العالم بدون إسلام ولكن الأزمات الحالية نتيجة لمظالم محددة أحصاها ونسبها لمصادرها، وقال لذلك في عالم بدون إسلام فإن النزاعات والخصومات والأزمات لن تكون مختلفة جداً من تلك التي نعانيها اليوم. أي المظالم التي تعاني منها شعوب هذه المنطقة سوف تستولد التطرف والإرهاب حتى لو لم تكن تلك الشعوب تدين بالإسلام.

قال جاك سترو وزير خارجية بريطانيا السابق مؤكداً هذا المعني: أحد العوامل التي ساعدت على نشأة الإرهاب هو الغضب الذي تشعر به شعوب كثيرة في المنطقة. كذلك نسبت وزيرة الخارجية السويدية ظاهرة التطرف والعنف لظلم إسرائيل للفلسطينيين.

وهنالك إرهاب أهلي مثلما في الولايات المتحدة وجله مرتبط بظروف خاصة بأمريكا إذ تقع جرائم إرهابية عديدة الضحايا في المتوسط كل يوم.

ههنا سوف أقصر حديثي على أصناف محددة من الإرهاب أعرفها وأبين أثرها الخطير على السلام داخل الأوطان وعلى الصعيد الدولي.

الإرهاب كما سوف أتناول دراسته وآثاره مر بأربعة أطوار:

الأول: الإرهاب النمطي وهو العنف المباغت الذي يستهدف المدنيين، وحراسهم من النظاميين، وممتلكاتهم. وهو نشاط محصور جغرافياً وذو أهداف قطرية مثل: حركة الباسك في أسبانيا، والألوية الحمراء في اليابان، وبادر ماينهوف في ألمانيا، والجماعة الإسلامية في مصر، والفهود السود في أمريكا. وهي حركات تستخدم إرعاب وتخويف خصومها لتحقيق أهداف سياسية معينة وتشمل أساليبها الاغتيالات، والتفجيرات، والاستقتال الذي سموه التفجير الانتحاري. هذا هو الإرهاب النمطي وقد وقع تحت شعارات كل الأديان، وكل الثقافات، وفي كل القارات في ظروف احتقان طائفي، أو فكري، أو اجتماعي معين. إنه يستخدم العنف بلا ضوابط أخلاقية أو دولية، إنه سلاح جماعات في مواجهة مجتمعات أقوى منهم. ولما فيه من غدر وسفك دماء الأبرياء يجد إدانة وطنية ودولية.

الطور الثاني: لا يمكن وصف القتال في أفغانستان لإجلاء الغزاة السوفيت بأنه إرهاب. لقد استدعى غزو السوفيت لأفغانستان في 1979م مقاومة جهادية لبت نداءها زرافات من المجاهدين. هذا الجهاد وجد دعماً كبيراً عربياً وغربياً ونجح في تحقيق أهدافه فأخلى السوفيت أفغانستان في 1989م. كان د. عبد الله عزام مشرفاً على مكتب خدمات المجاهدين ولكنه قتل غيلة بعد 9 شهور من جلاء القوات السوفيتية. عقيدة القتال التي التزم بها المجاهدون هي إجلاء القوات الأجنبية من بلاد المسلمين. خلف الشيخ أسامة بن لادن د. عبد الله عزام وسمى المركز قاعدة الجهاد لقتال الصهيونية والصليبية. هذه القاعدة خطت خطوتين نحو الإرهاب هما: إعلان التخلي عن ضوابط القتال في الإسلام باستباحة القتل دون استثناء للأطفال والنساء والشيوخ. والخطوة الثانية: إصدر فتوى في عام 1998م أن قتل الأمريكان نظاميين ومدنيين في كل مكان في العالم فرض عين على المسلم.

الطور الثالث: كونت القاعدة فروعاً في بعض أنحاء العالم الإسلامي، وقبلت انضمام حركات لها تجمعهم أهداف محددة: إجلاء القوات الأجنبية من بلاد المسلمين، والإطاحة بالنظم الحاكمة فيها، وإقامة ولاية إسلامية عامة، وتطبيق الشريعة. تكونت القاعدة في جزيرة العرب، والقاعدة في أرض الرافدين، والقاعدة في المغرب والتحقت بها حركات ذات أهداف مماثلة.

لتحقيق هذه الأهداف استباحت القاعدة لنفسها الوسائل الإرهابية، والتمست لها شرعية من بعض أحداث الصدر الإسلامي الأول المنتقاة بصرف النظر عن صحتها وعن تعارضها مع نصوص قرآنية. لا تصلح صفة الإرهاب النمطي لوصف القاعدة لأنها استندت على تأويلات رأتها وتجد قبولاً لدى بعض المسلمين. ولا يمكن وصفها بالجهاد لأنها لم تراع أحكامه. إنها إرهاب جهادوي.

الطور الرابع: احتلت الولايات المتحدة أفغانستان لأنها رفضت تسليم الشيخ أسامة بن لادن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن. واحتلت العراق بذريعة كاذبة في عام 2003م. ومهما كانت مظالم النظام البعثي في العراق فإن الاحتلال الأمريكي واجه رفضاً بعضه شيعي كالتيار الصدري، ولكن جله سني وفيه نشطت القاعدة في مقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق. والنظام السياسي الذي أقامه الأمريكان في العراق ميز موقف المكون العراقي الشيعي والكردي ما أشعر أهل السنة إزاءه بتهميش. مصعب الرزقاوي زعيم القاعدة في العراق وجه قتاله نحو الشيعة، وبما أن للشيعة في العراق دولة فإنه سمى جماعته دولة العراق الإسلامية. أي أن الدافع المهم لذلك هو اعتبار دولة العراق طائفية.

الزرقاوي قتل في عام 2006م وخلفه أبو عمر البغدادي. دولة العراق الإسلامية أعلنت في أكتوبر 2006م واتخذت من الأنبار عاصمة لها وانضمت إليها عناصر كثيرة من مكونات المقاومة والقبائل. هذه الدولة أسقطتها صحوات الانبار وطردتها من عاصمتها في عام 2007م.

اتخذ رئيس الوزراء نوري المالكي نهجاً سياسياً طائفياً، واستهدف الصحوات وقضى عليها، وعندما نظمت جماعات من أهل السنة معارضة مدنية بالاعتصامات أمر المالكي بفضها بالقوة في يناير 2013م.

كان أبو عمر البغدادي قد قتل في عام 2010م وخلفه أبو بكر البغدادي في حركة انتقلت لدولة.

الربيع العربي في سوريا الذي بدأ سلمياً واجه بطش السلطة، والمواجهات التي اندلعت اتخذت طابعاً طائفياً وكان فرع القاعدة في سوريا باسم جبهة النصرة.

غالبية جبهة النصرة انضمت لبيعة البغدادي فكونوا معها دولة الإسلام في العراق والشام أي داعش. وبعد ذلك انضمت لهم إمارات أخرى فكونوا الدولة الإسلامية بقيادة أمير المؤمنين البغدادي. طالب البغدادي أيمن الظواهري أن يبايعه فقد مسك أرضاً تساوي بريطانيا حجماً وقدم لتأهيله نسباً قرشياً. الظواهري رفض بيعة البغدادي وطعن في إقامة الخلافة دون الشورى. وبين القاعدة والخلافة المزعومة اختلاف في بعض التفاصيل وصارا يتنافسان على قيادة الجهاد العالمي.

إن لهذه الخلافة طبيعة غير مسبوقة أهم معالمها:

  • أنها شدت إليها مجندين من مائة دولة.
  • أنها حصلت على تمويل لم يحصل لمثلها أهمه: تسويق البترول في السوق الأسود، ضرائب، الفدية من أسرى ومخطوفين، بيع الآثار، ولفيف من المتبرعين يعتقدون في صحة برنامجها.

إن الأعداد الكبيرة من 5 إلى 10 ألف الذين انضموا إليها من أرويا وأمريكا فروا مما يعتقدونه حياة مترفة فارغة للمشاركة في حملة “رسالية”.

  • أنها تمثل للبعض تلبية لأشواق الخلافة وتطبيق الشريعة “السلفية” الخالصة.
  • أنها تمثل تعبيراً لغضبة أهل السنة مما أصابهم من تهميش بحيث صار بعض وكلاء البغدادي من ضباط ومسئولين بعثيين سابقين، وتأييد صوفي نقشبندي. قال أحد المراقبين للمشهد جوناثان بويل: ما لم نفلح في إزالة تظلم أهل السنة لا نستطيع حل مشكلة هذه الخلافة.

طبيعة هذه الخلافة هجين بين أيديولوجية تاريخية منكفئة على شكل خلافة مارقة بنهج الخوارج، تطبيق الشريعة بصورة تقليدية خارج منهاج التدبر، وتتبع أساليب عسكرية، وإعلامية، واتصالاتية حديثة للغاية، وتستخدم أعلى درجة من الترويع والتخويف لمحاصرة الدولة الوطنية القطرية وتحدي النظام الدولي. أساليب هذه “الخلافة” تصنفها مارداً مارقاً من تيار التاريخ مروقاً شبيهاً بما فعله التتار بقيادة جنكيز خان في التاريخ الوسيط. وشبيهاً بما فعله الخمير الحمر بقيادة بول بوت في التاريخ الحديث. ومهما كانت أساليبها وحشية فإن حواضنها الدينية، والسياسية، ووسائلها الحديثة في الاتصال والإعلام وصخبها الدرامي جذب إليها شباباً من مائة دولة ومكنها من الصمود في وجه عشرين ألف غارة أمريكية. وما زالت هذه الخلافة المارقة بعد عامين من تأسيسها تواصل نهجاً هجومياً يتمدد في الفراغات التي تتيحها النزاعات كما في اليمن. وأضافت لاستهدافها العدو القريب استهداف للعدو البعيد على حد تعبيرهم.

هذه الخلافة لا يصلح نعتها بأنماط الإرهاب المعروفة وبما أنها تمثل رفضاً لنظم الدولة القطرية، وللنظام الدولي المعاصر فإن أفضل وصف لها هو أنها ثورة بأيديولوجية منكفئة، وأساليب إرهابية مخيفة، ووسائل تقنية حديثة.

ومنذ 15 شهراً تكون تحالف من 63 دولة بقيادة الولايات المتحدة لهزيمة هذه الدولة دون تحقيق هذا الهدف. ومؤخراً بعد إسقاط الطائرة الروسية المدنية في سيناء في 31/10/2015م، وبعد مذبحة باريس في 13/11/2015م، قررت روسيا المشاركة في ضربها. وبعد مذبحة باريس تبنت تكوين تحالف دولي آخر ضد دولة الخلافة.

ولكن العمل المضاد لدولة الخلافة حافل بتناقضات تؤثر سلباً على جدواه: التحالف بقيادة أمريكا يركز على إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد. ولكن التحالف الروسي الفرنسي يعامل الأسد حليفاً ضد الإرهاب. الحملتان تظهران دولة الخلافة هدفاً لتدبير صليبي. وحتى إذا أفلحتا في تدمير مؤسسات هذه الدولة فإن ديانة الدولتين، وما يتعرض له المدنيون من خسائر بشرية ومادية عوامل تزيد من التعاطف مع دولة “الخلافة” تماماً مثلما حدث في أفغانستان حيث تعرضت طالبان لحرب بقيادة حلف الناتو واشتراك 150 ألف جندي لمدة 15عاماً دون القضاء على طالبان بل موضوعياً طالبان منتصرة.

وبينما تتعرض دولة الخلافة في أرض الرافدين لهذا القصف المكثف، فإن انهيار الدولة في ليبيا أفسح مجالاً واسعاً لحلفاء دولة الخلافة للتمدد على أرض ليبيا.

كذلك الحرب الطائفية المستعصية على الحسم في اليمن فتحت مجالاً واسعاً لتمدد الخلافة والقاعدة في اليمن. الحرب الطائفية في اليمن لم تقض على التحدي الحوثي والصدام فتح أوسع الفرص للقاعدة ودولة “الخلافة”.

إن حدة التوتر الطائفي في الأقطار الإسلامية، وفيما بينها، سوف تحرك الجماعات الطائفية ضد بعضها بعضاً. إن الاستقطاب حول حرب اليمن يمكن أن يشعل هذه المواجهات على نطاق واسع.

الدول الكبرى ليست كبرى بالحكمة بل بقوتها النارية، والخطر المحتمل هو أن يؤدي خلافها في كيفية الحرب ضد دولة الخلافة إلى حرب بينها  فيشهد العالم الإرهاب الأعظم أي قتل ملايين المدنيين وتدمير الحضارة الإنسانية.

الاقتتال الطائفي داخل الأقطار وفيما بينها لا يمكن حسمه عسكرياً. هذه الحروب الأهلية إذا اتسعت سوف تجعل من المنطقة موزاييك من حروب تسفك دماء المدنيين الأبرياء وتدمر  العمران.

إن الحرب على الإرهاب دون استئصال أسبابه ستكون من نتائجها المحتملة الإرهاب الأعظم الذي تمارسه آلة الدمار الشامل المتوفرة للدول الكبرى، ومن نتائجها كذلك اشتباكات واسعة النطاق في المنطقة. اشتباكات وقودها الناس والعمران.

هذه الثورة المنكفئة مشتعلة الآن في أكثر من عشرة أماكن: دولة الخلافة، والقاعدة، والعقاب اليمني، وإمارة سيناء، وإمارة ليبيا، وشباب الصومال، وبوكو حرام، وإمارات آسيا الوسطى وهلم جراً. هذا كله استجد بعد إعلان الحرب العالمية على الإرهاب على لسان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.

إن هذه الإمارات حتى إن لم تتحد تنظيمياً فإن هدفها واحد هو القضاء على الدولة القطرية، وإقامة الخلافة التاريخية، وتطبيق الشريعة، وتدمير إسرائيل، والتحرر من الهيمنة الدولية.

إن لهذه الخلافة رغم غرابة فكرها وأساليبها تأييداً في بعض الأوساط ولكنها وبالمقاييس الموضوعية تغرد خارج سرب الحياة المعاصرة. وبقدر ما تستقطب الغاضبين لتأييدها فإنها تخلق ضدها رفض غالبية المسلمين والأسرة الدولية.

ولكن القاعدة، وداعش، والدولة الإسلامية، وغيرها من مظاهر الانكفاء الثوري الترويعي لم تأت من فراغ بل من ظروف إذا لم تتغير فإنها كفيلة بإنتاج أمثالها.

إرهاصات انفجار الأوضاع في الدولة الوطنية القطرية متوفرة. ففي 2002م نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرا بعنوان: التنمية البشرية في البلاد العربية” وثق لضعف التنمية البشرية، كما يدل عليها غياب الحكم الراشد الذي يقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون.

وفي عام 2006م قمنا في إطار نادي مدريد بدراسة الموقف السياسي في 6 دول عربية. ثم عقدنا مؤتمراً شاركت فيه 19 دولة عربية بوفود تمثل حكاماً ومعارضين. صدر من هذا المؤتمر (إعلان البحر الميت) في يناير 2008م. هذا الإعلان ركز على حقيقة الاحتقان بين الحكومات والشعوب. وجاء فيه: ما لم يجر حوار جاد بين الحكام وممثلي الشعوب يحقق إصلاحاً فالأمر ينذر بالانفجار.

ولكن الحكم الاستبدادي في المنطقة بعد أن استخدم كل أساليب الفاشستية الحديثة في السيطرة، أغفل الحاجة للإصلاح إلى أن انفجرت الأوضاع في ثورة الربيع العربي. ظروف الربيع العربي لم تحقق الأهداف الثورية المنشودة، وباستثناء محدود صارت نتيجته بالقياس لأهدافه سالبة. ما عزز رأياً غربياً: إن هذه المنطقة غير قابلة لتغيير ايجابي. وبسبب تحكم الاستبداد مقولة: الاستثناء العربي. حالة أوحت للكتاب والشعراء استنتاجات فيها كثير من جلد الذات:

آفة الشرق حاكم معبود

وشعوب تروعهن قيود

(الكيلاني)

الكابوس أمامي قائم.

قمْ من نومكَ

لست بنائم.

ليس، إذن، كابوساً هذا

بل أنت ترى وجه الحاكم!

(أحمد مطر)

ثورة الربيع العربي تشابه الثورات الديمقراطية التي عمت كثيراً من أنحاء العالم وهي استجابة منطقية لتطلعات الشعوب مع قصورها عن تحقيق أهدافها.

على الصعيد النظري التطرف ينشأ لعدد من الأسباب: عرقية، يسارية، يمينية، دينية وهلم جراً.

مؤسسات الحكم قد تتيح وسائل سلمية لإدارة الاختلافات أو تسد كل الطرق لذلك فتدفع للتطرف والتمرد.

الانتماء الديني، و الفكري، والثقافي وحده لا يؤدي للتطرف والإرهاب. ولكن الظلم مع سد الآفاق هو الذي يؤدي لهما.

وجود مظالم داخلية في البلدان بسبب غياب المشاركة، والمساءلة، والقهر الطائفي، والظلم الاجتماعي يتيح فرصاً للتطرف والإرهاب المقترن به، وفي إطار الأمة الإسلامية فإن معارك التظلم في فلسطين، والشيشان، والفلبين، ومينامار، وغرب الصين، والقرن الأفريقي، وغرب أفريقيا، والمواجهات الطائفية وظهور ولاة الأمور عاجزين عن أي تحرك إيجابي للتصدي للأمر أعطى فرصة كبيرة للدعوة الجهادية العالمية أن تقدم نفسها بديلاً للدولة الوطنية، وللنظام الدولي مستخدمة الإرهاب وسيلة للتعبير عن مواقفها.. وسيلة تنبذها أغلبية الشعوب والأسرة الدولية ولكنها تجد تأييداً لدى شرائح اجتماعية معينة، مثلاً مقولة: هذا هو الدين والمخالف له كافر والكافر لا يستحق الحياة دمه هدر. وأدلى عدد من العلماء بفتاوٍ مثلاً: ما قاله الشيخ وجدي حمزة الغزاوي بعد حادث نيويورك في أكتوبر 2001م قال: الإرهاب المسموح به في الإسلام هو ضد المتخاذلين والمنافقين والعلمانيين عقاباً لهم كما تأمر شريعة الله. معنى كلمة إرهاب الذي يستعمله الإعلام هو الجهاد في سبيل الله.

وقال: الجهاد الذي يدافع عن المسلمين وأرض الإسلام أو الذي يوسع رقعة الدين هو إرهاب في نظر أعداء الله.

وقال الشيخ سليمان بن ناصر العلوان: الهجمات على مركز التجارة العالمي فعل جهاد. وأوردت مجلة  نيوزويك الأمريكية بتاريخ 22/7/2002م خبراً مفاده أن وكالة المخابرات الداخلية السعودية أمرت بإجراء استطلاع سري في صفوف الرجال السعوديين الذين تتراوح أعمارهم بين 25-41 عاماً حيث تبين أن 95% منهم استحسنوا مواقف أسامة بن لادن.

في المرافعة لهذه المدرسة قال الظواهري: دعوة سيد قطب للإخلاص والتسليم الكامل لحاكمية وسيادة النهج الرباني كانت وما زالت شرارة البدء لإشعال الثورة الإسلامية في الداخل والخارج.

وألف عبد العزيز بن صالح جربوع كتاباً جاء فيه: إن أسامة بن لادن استمرار طبيعي للشيخ محمد بن عبد الوهاب.

هذا كله معناه أن القاعدة وداعش يمثلون طوراً جديداً من خطر الإرهاب بل مؤسسة جديدة إذ يعتمدون على مدرسة فقهية إسلامية ويستجيبون لتطلعات كامنة في نفوس بعض المسلمين. ويستمدون من قوى اجتماعية معينة ويقدمون لمجنديهم ضمانات دنيوية وأخروية مغرية، ويتحدون أوضاعاً قطرية ودولية معيبة، ويستغلون التناقضات داخل البلدان وفيما بينها.

والخلافة انتظمت في نظام اقتصادي تضخ 200 ألف برميل بترول يومياً يحصد منه حوالي 2 مليون دولار يومياً ويقال أن ثروة داعش (الخلافة) من تجارة الآثار تقدر 6 مليار دولار.

إذا صح هذا التشخيص فإن تسليط قوى دولية عبر تحالفات عسكرية لقصف القاعدة، ودولة الخلافة ليس مجدياً وحده حتى إذا دمرت دفاعات الخلافة كما حدث لطالبان في أفغانستان. الإرهاب يعتمد على ثلاثة عوامل: دوافع وإمكانات مالية وإمكانات تقنية. إذا توافرت الدوافع فإن الإمكانات المالية والتقنية سوف يحصلون عليها بل يطورنها. ففي عام 1989 من القرن الماضي نشرت كتاباً جاء فيه بيان لمظالم عالم جنوب الكرة الأرضية وقلت إنه: إذا لم تزل تلك المظالم فإن عناصر من شعوب الجنوب سوف تستخدم أسلحة الضرار الشامل وهي سبعة وأهمها الإرهاب والهجرة غير القانونية نحو عالم الشمال وخرق ضوابط انتشار أسلحة الدمار الشامل.

المهم إزالة الدوافع لهذه التصرفات فما العمل إذا حصل أصحاب هذه الدوافع على أسلحة نووية تكتيكية وطيارات بدون طيار؟ التركيز على المواجهة العسكرية يدفع الطرف الآخر لتطوير إمكاناته التقنية.

في مراحل ماضية بدأ كأن اللبرالية، أو القومية العربية أو الاشتراكية، أو الاخوانية، وغيرها من الشعارات سوف ترسم مصير هذه الأمة.

ولكن لأسباب معلومة لم تحقق تلك الشعارات وعودها ما خلق فراغاً جعل المدرسة الإنكفائية الجهادوية تحاول ملأه بفكرها ووسائلها الإرهابية التي يحاولون إسنادها على مرجعية صدر الإسلام بمقولات أهمها:

أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: “بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي”[1].

وقوله: “أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ”[2].

بل فيما يتعلق بضوابط الجهاد قالوا: العديد من المسلمين يعرفون الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر صحابته ألا يقتلوا أي امرأة أو طفل.. الخ، لكن القليلين جداً يعرفون أن هناك استثناءات. في هذه الحالة معناها على المسلمين ألا يوقفوا هجوماً على المشركين لوجود نساء وأطفال غير مقاتلين. سوف يبقى الإرهاب ما بقيت هذه الذهنية.

ومسألة أخرى هي مسألة الخلافة. تسمية أبا بكر الصديق رضي الله عنه خليفة بمعنى الشخص الذي خلف النبي تسميته صحيحة، ولكن أبابكر لم يخلفه في النبوة ولا في أنه اختيار الهي. إن اختياره بشري. والأحكام التي طبقها إجراءات اجتهادية تنسب إليه لا لرب العالمين. هذا ينطبق على الخلفاء الراشدين من بعده ولذلك اختاروا أن يسموا بأمير المؤمنين.

الخلفاء بعد ذلك في الدول: الأموية، والعباسية، والعثمانية لم يكونوا باختيار إلهي، ولا بالشورى ما سلبهم الشرعية لذلك أطلقوا على أنفسهم لقب خليفة ليتخذوا من ذلك شرعية على نحو ما قال أبو جعفر المنصور: إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده، وحارسه على ماله أعمل فيه بمشيئته وإرادته وأعطيه بإذنه.

ليس في الإسلام نظام دولة معين بل توجد مبادئ سياسية كالكرامة، والعدالة، والشورى، والحرية، والمساواة، والسلام. ولا مكان لخلافة عن الله ولا عن رسول الله لأنها حينئذ تكون ثيوقراطية، بل الإمارة العامة هي نيابة عن الأمة وباختيارها، هي التي تمنحها وتسائل صاحبها وتنزعها. هذا الفهم واضح في مقولة أبي بكر رضي الله عنه: “أني وليت عليكم (مبدأ المشاركة) ولست بخيركم (جواز أن يوجد أفضل منه) فإن أحسنت فأعينوني وأن أسأت فقوموني (مبدأ المساءلة) الصدق أمانة والكذب خيانة (مبدأ الشفافية) الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له. والقوي منكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه (سيادة حكم القانون)”.

الخلافة كما مورست أكثر من ألف عام خلت من هذه الضوابط، وجمع صاحبها كل السلطات في يده وزعم أنه خليفة الله في الأرض. مزاعم باطلة. العدل قيمة رفعها الإسلام إلى درجة عالية بعد التوحيد مباشرة. بل قال ابن القيم: “إذا ظهرت إمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان ثمة شرع الله ودينه”. والعدل يستوجب الفصل بين السلطات.

الخلافة التاريخية خلت من آلية لتداول السلطة لذلك صارت كما قال الشهرستاني في كتاب “الملل والنحل”: “ما سل سيف في الإسلام على أمر مثلما سل على الإمامة (الخلافة)”.

ينبغي أن تكون رئاسة الدولة معتمدة على الأهلية لا النسب، وعلى الانتخاب لا التغلب، وعلى الفصل بين السلطات.. هذا هو النظام الذي يناسب مقاصد الإسلام السياسية.

المهمة المطلوبة بإلحاح أن نصرف النظر تماماً عن مؤسسة الخلافة هذه باعتبارها متناقضة مع مقاصد الإسلام السياسية.

هذه النظم يمكن أن تستصحب ما يلائمها من توفيق بين النظم الوراثية في الملك واستصحاب مؤسسة الملكية الدستورية. كما يمكن أن تشمل تكوين تنظيم جامع بين المسلمين يحقق جامعة مع مراعاة صلاحيات الدول الأعضاء.

وثاني ما ينبغي ضبطه هو شعار تطبيق الشريعة. أحكام الشريعة كما استنبطها المذهبيون خالية من فقه الأولويات، ومن فقه التدرج، ومن مطالب اجتهاد يعتبر العقل، والمصلحة، والواقع مراجع في صياغة الأحكام.

هذه المعاني أدركها كثير من العلماء.

قال ابن عابدين الفقيه الحنفي: “كثير من الأحكام يختلف باختلاف الزمان لتغير أهله، أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقى الحكم على ما كان عليه لزم منه المشقة والضرر بالناس ما يخالف قواعد الشريعة الإسلامية المبنية على التخفيف ورفع الضرر”. وقال ابن عقيل الفقيه  الحنبلي: “السياسة ما كان فعلاً يكون الناس معه أقرب للصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي”.

يقول الشاطبي إن أحكام الشرع تشترط العقل لذلك ما يأمر به الشرع يوافق العقل. والغزالي يعتبر مراعاة الواقع من مقاصد الشريعة. وابن القيم يقول إن علينا معرفة الواجب اجتهاداً والواقع إحاطة والتزاوج بينهما.

وانطلاقاً من الحديث “لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ)”[3] يعتبر الطوفي المصلحة من مقاصد الشريعة. والأئمة الذين تمذهب لهم الناس غير مذهبيين بل يوصون بالاجتهاد المستمر.

 

ما لم نحقق قبولاُ عاماً لهذه المفاهيم في الخلافة وتطبيق الشريعة فسوف تجد داعش والخلافة والقاعدة مجالاً لأطروحاتهم.

ترميم التناقضات:

من أكثر الأشياء إفرازاً للتطرف والإرهاب حدة الاستقطابات في المنطقة وهي:

  1. استقطاب إسلامي علماني، بحيث يحاول كل طرف طرد الآخر من المجال العام. مقولة فصل الدين عن الدولة والسياسة كما يقول بعض العلمانيين مقولة مستحيلة فالدولة تشمل الشعب، والشعب يلتزم بالدين، والدولة تشمل التشريع، والتشريع يراعي المعتقدات. ومقولة تكفير العلمانيين مقولة غير صحيحة، فالعلماني قد يؤمن بالله ولكنه يحرص على حرية العقيدة للكافة. هذا أمر يتطلب موقفاً توفيقياً.
  2. استقطاب ديني بموجبه ينزع اليهودي والمسيحي أية قيمة روحية وأخلاقية للإسلام، بينما التوراة والإنجيل يحتويان على إشارات للرسالة المحمدية. وعلى أية حال منظومة حقوق الإنسان توجب احترام الآخر الديني. وهنالك مواقف إسلامية تصف اليهودي والمسيحي بالكفر والشرك. ولكن القرآن يقول: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)[4]. المطلوب هو التعايش السلمي بين الأديان والتعامل على أساس: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[5].

الأديان الإبراهيمية الثلاثة تتوعد بعضها بيوم مفاصلة دموية نهائية لا تبلغ فظاعات القاعدة وداعش “والخلافة” عشر معشار ما فيه من محرقة. في العهد القديم (التوراة) سفران هما نبوءات حزقيال ورؤى دانيال تتعلق بعودة اليهود بعد السبي البابلي في آخر الزمان.

وكثيرون من المسيحيين يؤمنون بنبوءة حدوث معركة فاصلة بين الخير والشر في منطقة جبل مجدو (هرمجدون) هضبة مجدو هذه تقع على بعد 90 كم شمال القدس. هذه المعركة عقيدة مشتركة لدى يهود ومسيحيين وفيها يقتل ثلث البشر. ولدينا نحن أحاديث عن يوم الملحمة ومعانيها شبيهة بهرمجدون. أحاديث رواها أبو داود وابن ماجة.

بعض شعارات ورموز الخلافة المارقة هذه كالرايات السوداء مستمدة من بعض ما جاء في هذه الأحاديث.

ولكن الفهم الصحيح لمستقبلنا هو البشرى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)[6]. الإسلام يعد البشرية بالسلام والرخاء ما يليق بإله رحمن رحيم رحمته وسعت كل شيء. عندما تأتي الساعة تأتي بغتة.

هرمجدون ويوم الملحمة، ينبغي أن نتخلى عنها جميعاً ونتطلع لمستقبل فيه تجمعنا قيم أخلاقية مشتركة، وحقوق إنسانية واحدة، ومنظومة روحية إبراهيمية بذورها وافرة في الإسلام.

  1. استقطاب بين أهل السنة والشيعة يدور حول تنابذ بالألقاب بين الروافض والنواصب. استقطاب بلغ الآن حدة مدمرة ويفسح مجالاً واسعاً للتطرف والإرهاب. إن المصالحة السنية الشيعية واجب ديني.
  2. التباين الاجتماعي بين قلة ثرية وأغلبية عاطلة وفقيرة داخل الأقطار وفيما بينها. إن حجم مشتروات السلاح في بعض دول المنطقة والإسراف في الصرف على مباهج الحياة مع شدة الفقر داخل الأقطار وفيما بينها مظاهر مستفزة تغذي التطرف ودوافع الإرهاب.
  3. التوتر القومي بين قوميات الأغلبية والجماعات القومية الأخرى.
  4. القضية العربية الإسرائيلية. لا سلام دون حل عادل لها.
  5. سياسات الهيمنة الدولية ودورها الكبير في صنع التوتر والتطرف والإرهاب في المنطقة. إن لظاهرتي القاعدة وداعش صلة مباشرة بسياسات دولية خاطئة وظالمة.

القوى الدولية يرجى منها أن تدرك دورها في غرس إسرائيل وما سبب ذلك من ظلم وتطرف وحركات تحرير وإرهاب. وأن تدرك القوى الدولية دور احتلالها لبلدان الآخرين كما في احتلال العراق وما أدى إليه ذلك من تطرف وإرهاب.

هذه المنظومة الصحوية متعددة الجوانب هي الترياق المضاد لأيديولوجية القاعدة، وداعش، والخلافة، وفروعهم المختلفة.

أن نردد كالببغاوات إدانات لفظائع الإرهاب، ونصفق بالإعجاب كالمتفرجين للحملات العسكرية مواقف بلهاء لا تسمن ولا تشبع من جوع، بل تشير لعجز ولاة الأمور وتفسح الساحة للثورة الانكفائية الظلامية.

بعضنا يواجه تحديات القاعدة وداعش والخلافة بما يسمونه الوسطية، وهي وسطية مستأنسة تحافظ على الواقع الفكري، والسياسي، والاقتصادي، والدبلوماسي الذي أفرز هذه الحركات المشوهة.

الوسطية المستأنسة تمنح الثورة الانكفائية بريقاً. ولكن الوسطية المطلوبة هي الوسطية الإحيائية التي تعمل على تغيير الواقع بصورة جذرية، ولكن بأسلوب سلمي لأن أي عمل يتم بوسائل العنف سوف يحتاج للعنف للمحافظة عليه.

القاعدة وداعش والخلافة المزعومة هي العرض. وما فصلناه هو المرض. وفي الطب فإن دور الأعراض هو التنبيه للأمراض. أعراض التطرف والإرهاب وما تجسدان فيه من تحديات خطيرة حققا الدور التنبيهي بأقوى صورة ممكنة ولكن (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ)[7].

لنكن من هؤلاء فتتبنى ندوتنا هذه مهمة إيقاظ أمتنا وعالمنا من الفهم القاصر المبتور للخطر الداهم ونستعد لدفع الاستحقاقات.

(إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)[8].

 

والسلام.

_______________________________________________________

 

[1] رواه الإمام أحمد

[2]  رواه البخاري

[3] أخرجه بن ماجة

[4] سورة آل عمران الآية (84)

[5] سورة النحل الآية (125)

[6] سورة الأنبياء الآية (105)

[7] سورة الأنعام الآية (36)

[8] سورة الرعد الآية (11)