المؤتمر رقم (36) تحت عنوان: انتخابات جنوب كردفان ونذر الاقتتال القادم وما يلزم لحفظ السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

حزب الأمة القومي

المؤتمر رقم (36)

تحت عنوان:  انتخابات جنوب كردفان ونذر الاقتتال القادم

وما يلزم لحفظ السلام

كلمة رئيس الحزب الإمام الصادق المهدي  

 

19 مايو 2011م

أخواني وأخواتي ، أبنائي وبناتي

نشكركم على تلبية دعوتنا لهذا المؤتمر الصحافي رقم (36).  وقد قرر حزب الأمة عقده قبل سفري لبرلين للمشاركة في منبر نقاش عام حول (السودان بدون اتفاقية السلام الشامل- ما هي الخطوات التالية؟) تقيمه مؤسسة فردريش ايبرت، أنجح منظمة غير حكومية غربية وأكثرها جدية في تناول قضايا البلاد وأكثرها مثابرة على عملها مهما تقلبت الظروف السياسية في بلادنا. ينبغي أن أثبت هنا أن المنظمات الألمانية هي الأكثر جدية وإحاطة من بين المنظمات الغربية، فمؤسسة فرديش هذه تعمل الآن مجهودا جادا حول دستور البلاد القادم، ومؤسسة ماكس بلانك قدمت أفضل عمل بخصوص دارفور في وثيقة هايدليبرج، ومنظمة برتلسمان تعقد أكثر الحلقات الدراسية جدية لمراجعة العلاقات بين الشرق والغرب، وأفضل تقرير على الإطلاق لنظام اقتصادي عالمي جديد هو ذاك الذي كان برئاسة ولي برانت المستشار الألماني السابق.

هنالك خمس قضايا نعلن عبركم رأينا حولها للرأي العام هي:  ماذا بعد انتخابات جنوب كردفان؟ إغلاق الحدود التجارية بين الشمال والجنوب وتداعياته- نذر المواجهة بين حزبي اتفاقية السلام- الفراغ من تحضيرات حزب الأمة لحسم الموقف من الحوار الوطني- وزيارة مجلس الأمن الأسبوع القادم للسودان.  نقول:

أولا: كان حزبنا قد أعلن أن الظروف الحالية مع وجود استقطاب حاد بين حزبي اتفاقية السلام غير مناسبة لإجراء الانتخابات لأن الطرفين سوف يخوضانها بمنطق الفوز لنا أو الطوفان، واقترحنا تأجيلها مع استمرار الالتزام بإجرائها في وقت لاحق، واستمرار الالتزام بالمشورة الشعبية، واقترحنا ضرورة ضبط معنى المشورة الشعبية لأن صياغتها الراهنة هي من بين ثغرات اتفاقية السلام المحملة بالفجوات، واقترحنا إدارة انتقالية قومية لجنوب كردفان تعني بالتنمية والتعايش بين مكونات المنطقة السكانية. ولكن الحزبين قررا المضي في إجراءات انتخابات الطريق المسدود، وقبل إجراء الانتخابات مباشرة كاتبنا رئيسي حزبي الاتفاقية ومرشحيهما لمنصب الوالي، واقترحنا للحزبين برنامجا مشتركا مهما كانت نتائج الانتخابات، ثم أعلنا لهم نداء قبل الانتخابات مباشرة للالتزام بميثاق شرف انتخابي، والكف عن اللهجة الاستقطابية والاستعداد لقبول النتائج فإذا كان لأحد الأطراف طعنٌ فيها فليكن ذلك بالوسائل القانونية والمدنية مع تجنب أية تصرفات من طرف واحد تؤدي للاحتراب.

والمؤسف أن كل ما توقعناه من استقطاب قد حدث مثلما توقعناه من أن الانتخابات في ظروف التوتر لن تحسم الصراع على السلطة بل سوف تصبح جزءا من المشكلة.

لقد أعلنت لجنة الانتخابات النتائج المبدئية والتي ستعلن نهائيا بعد ثلاثة أسابيع (أسبوع للطعون، وأسبوعان للنظر فيها).

لقد خاض الحزبان انتخابات مواجهة بين دولتين، ومهما كانت نتيجة الطعون ومهما كانت درجة نزاهة  الانتخابات التي سوف يصدر حزبنا رأيه حولها قريبا، فإن الحقيقة هي أن الولاية مستقطبة اثنيا وأن استقرار حكمها على أساس النسب الانتخابية مستحيل، والخيار الوحيد المعقول هو أن يستمر التظلم بالوسائل السياسية والقانونية، وأن يتجه الجميع لصيغة تراض لحكم انتقالي تجري في ظله إدارة لمصلحة كل السكان، وتجري في ظله المشورة الشعبية، وتضمن نتيجتها في الدستور الذي سوف يخلف دستور اتفاقية السلام المنتهية مدته في التاسع من يوليو القادم، وعلى أساس هذه الصيغة القومية سوف نواصل اتصالاتنا بحزبي الاتفاقية ونحرص على أن يدعم الرأي العام هذا الموقف.

ثانيا: منذ أسبوع عندما أغلقت الحدود التجارية بين الشمال والجنوب أكدت لنا حكومة الجنوب أنها لم تتخذ هذا القرار، وأكد لنا مسئول في الحزب الحاكم في الشمال موقفا مماثلا وناشدناهم العمل على إلغاء هذا القرار الجائر. هنالك أمران حيويان حدوديان بين الشمال والجنوب هما انسياب السلع الاستهلاكية من الشمال للجنوب، وعبور المواشي طلبا للمرعى من الشمال للجنوب، وأي تصرف انفرادي في هذين الأمرين جريمة ضحاياها مواطنون أبرياء. علمنا أمس أن هذا القرار قد ألغي بعد أن ترتبت عليه مضار كبيرة، فنضبت المواد التموينية في الجنوب بعد أن تضاعفت أسعارها وكان سكان الأرياف أكثر عناءً من المدن، وتضرر أصحاب رؤوس الأموال الممولة للنقل وللتجارة وغالبيتهم من الشماليين. الذين اتخذوا هذا القرار أجرموا في حق الوطن وينبغي أن يجرى تحقيق لمعرفة الحقيقة ومحاسبة الجناة، وينبغي أن تعامل هذه المسائل الحيوية بأقصى درجات الانضباط لأنها تتعلق بأرواح مواطنين أبرياء، ولأنها تعني استخدام الطعام كسلاح سياسي: أحد تعريفات الجرائم ضد الإنسانية.

ثالثا: هنالك الآن مهددات أمنية تتسارع نحو احتمالات التراجع نحو المربع الأول أهمها:  (*) وجود معارض لكل طرف، وتغذية كل طرف لمعارضي الطرف الآخر وتزويده بكل وسائل القتال. (*) الحشود العسكرية على الحدود، بل وقوع قتلى مؤخرا في جنوب كردفان وفي أبيي، والتهديد بالحرب ذاتها. (*) فشل المساعي لحل القضايا العالقة، (قضايا ما بعد الاستفتاء) وعجز مؤسسة الرئاسة والوسطاء الأفارقة والدوليين في إحراز تقدم.  (*) المنهجية الثنائية العقيمة المتبعة لحل القضايا والثقة المفقودة بينهما. (*) الموقف الدولي الذي أبطل قدراته تماما لسببن الأول: التمسك بشكليات إجرائية على حساب الجوهر، والثاني: الانحياز لأحد الطرفين.  (*) الحاجة لمعالجة القضايا العالقة – أبيي مثلا- وضيق الزمن الباقي حتى نهاية الفترة الانتقالية. (*) التهاب قضايا مناطق التجاور الحياتية كتجارة المواد الاستهلاكية من الشمال للجنوب، وحركة الرعاة من الشمال للجنوب.. هذه القضايا استعصت على الحل على طول السنوات الانتقالية وهي قابلة لإشعال الاحتراب في البداية بالوكالة، ثم بصورة غير معلنة، ثم الجهر بالسوء وستكون هذه المرة بين دولتين وتشد إليها كل العقارب والثعابين.

تجنب هذا السيناريو اللعين يكمن في لقاء قومي عاجل أجندته: (1) حل المشاكل ذات الأثر العملي وغير القابلة للتأجيل وهي: تأمين التجارة والمرعى- البترول- المياه- الأمن- المواطنة. هنالك 8 ألف ضابط وجندي تابعون للقوات المسلحة السودانية وحوالي 4 ألف من الشرطة وغيرهم من موظفي الخدمة المدنية والمواطنين الجنوبيين، وأعداد أقل من الشماليين في الجنوب. اعتبار هؤلاء تلقائيا أجانب يوم 9/7/ 2011م ظلم كبير والصحيح المتوافق مع المعايير الدولية أن يعرض عليهم الاختيار، وجواز  الجنسية المزدوجة على أساس فردي، أما ما سيحدث الآن فظلم. فالجنود الذين سيرسلون تلقائيا إلى الجنوب ستعاملهم الحركة الشعبية بالشك في ولائهم لأنهم قاتلوها مثلما حدث لأفراد منهم ذهبوا لأغراض خاصة للجنوب فاعتقلوا وعوملوا كمتهمين -مثلا- العقيد شان جوك من الشلك والعقيد مرويل من الدينكا. (2) تكوين مفوضية حكماء مؤهلة وتفويضها لحل كافة المشاكل الأخرى في الوقت الكافي. (3) مبادئ اتفاقية جديدة تنظم العلاقة بين دولتي السودان بعد التاسع من يوليو القادم. (4) إعلان وطني ملزم بشهادة قومية بتحريم الحرب بين الدولتين والركون للوسائل السلمية.

رابعا: يطيب لي تأكيد أن الحوار بين الأمة والمؤتمر الوطني عبر اللجنتين المكلفتين قد انتهى وخلاصته تحديد مواضع الاتفاق والاختلاف حول الأجندة الوطنية وسوف ينظر فيه اجتماع بين رئيسي الحزبين كمحطة أخيرة، اجتماع سوف يعقد في الوقت الذي يناسب الطرفين.  كذلك انتهت اللجنة التي كوناها لتقديم توصيات محددة بالخطوات العملية المطلوبة لتحويل دولة الحزب إلى دولة الوطن في حالة الاتفاق، والوسائل المطلوبة لاستخلاص حقوق الوطن في حالة الاختلاف. وبدأت أجهزة حزبنا دراسة هذه التوصيات للقرار بشأنها، التوصيات في الحالتين تتطلع أن يعقب قرار الحزب قرار قومي تشترك فيه القوى السياسية الأخرى.

خامسا: يجتمع مجلس الأمن للمرة الرابعة في منطقتنا لبحث قضايا على رأسها السودان: (*) الاجتماع الأول في نيروبي في 18-19 تشرين الثاني/نوفمبر2004م وكان مهتما باتفاقية السلام بين الشمال والجنوب. (*) الاجتماع الثاني كان في الخرطوم في يونيو 2008م وكان ضمن جولة لخمس دول إفريقية منها كينيا والكونغو وافريقيا الوسطى، مع زيارة دارفور التي كانت من أهم أجندته. (*) والثالث كذلك في الخرطوم في 9/10/2010م. (*) والرابع سوف يكون في الأسبوع القادم في عدد من العواصم وفي السودان يزور الوفد جوبا والخرطوم، وربما أبيي.  إن مجلس الأمن قمة دولية كلفها ميثاق الأمم المتحدة بمهام جسيمة لحراسة السلام والأمن الدوليين، ولكن فيما يتعلق بشأن السلام الشامل في السودان سلم مجلس الأمن بإطار الإيقاد الخاطئ وهو أن أمر السودان رهن اتفاق شريكي نيفاشا، وركز على المسائل الإجرائية مهملا الجوهرية ولذلك كانت مداخلاته أقرب إلى سياحة دبلوماسية منها إلى الفاعلية. ففي الاجتماع الأول أرسلنا لهم وفدا ليشرح لهم أن السلام الشامل قومي وليس ثنائياً، وليؤكد لهم أن حل مشكلة دارفور جزء لا يتجزأ من السلام العادل الشامل، رفضوا الاستماع لوفدنا بل قرروا أن مجلس الأمن ليس مكان بحث قضية دارفور، هذا مع أن 95% من قرارات مجلس الأمن الخاصة بالسودان هي بشأن دارفور. وفي الاجتماعين الثاني والثالث ركزوا فقط على حث طرفي اتفاقية السلام على الالتزام بالإجراءات دون أي اهتمام بالجدوى، اهتموا بإجراء الانتخابات العامة في موعدها دون أي اهتمام بشروط نزاهتها، المهم اجراؤها لإجراء استفتاء تقرير المصير بعدها، وحثوا على إجراء الاستفتاء دون أي اهتمام بالقضايا العالقة، والآن سوف يركزون على ضرورة تحقيق الانفصال دون أي اهتمام بنذر الحرب التي سوف تجعل دولتي السودان حطاما، لن يهتموا بنوعية الانفصال بل بمواعيد إجرائه، ولا بأهمية أن يعقب اتفاقية السلام اتفاقية بين دولتي السودان لتجنب الحرب، ولا بحقيقة أن اتفاقية أبوجا التي طبلت لها الأسرة الدولية في عام 2006م بشان دارفور قد ماتت، وسوف يحثون طرفي الاتفاقية على الالتزام بتنفيذ تحيكم أبيي دون اهتمام بأن مسألة أبيي تعود لأمرين خارج إرادة الشريكين: الأول:  أن اتفاقية السلام جعلت استفتاء أبيي مبهما وبالتالي ملغما فيما يتعلق بالمؤهلين للمشاركة في الاستفتاء، والثاني: أن هناك طرف سكاني ثالث لا يمثله الحزبان حتى إذا اتفقا.  سيزور المجلس الخرطوم بعد عدة محطات مع أنه بالنسبة لمسألة الأمن والسلام الخرطوم هي المحطة الأهم، وسوف يقابلون مسئولين في الخرطوم باستثناء المسئولين الأهم وذلك بسبب اتهام محكمة الجنايات الدولية للرئيس ونفس الشيء سوف يحدث في أبيي إذا سمح لهم بالذهاب إذ اشترطوا عدم مقابلة والي جنوب كردفان لذات السبب، وسوف يكتفون بحث حزبي الاتفاقية على الوفاء بالالتزامات الإجرائية، وسوف يحصلون منهم على الوعود التي يكذبها الواقع، ولن يستمعوا للقوى السياسية السودانية الأخرى لأنهم يعتقدون أن كل الصيد في جوف الفرا الثنائي. لقد وجهت لنا دعوة اجتماعية لحضور تكريم مجلس الأمن في الخرطوم، ولكننا اعتذرنا عن تلبيتها وسوف نرفع لهم مذكرة بما نعتقد أنه واجب مجلس الأمن في أمر السلام والأمن في السودان. لا نعتقد أنهم سوف يعيرونها اهتماما ولكن الواجب الوطني يلزمنا كما يلزمنا التوثيق على نحو ما فعلنا في المرات السابقة.

لكم الشكر على حسن الاستماع ونحن على استعداد للإجابة على الأسئلة والتعليق على التعليقات.

 

وبالله التوفيق