المحاضرة التي القاها الحبيب الإمام الصادق المهدي بهيئة شئون الأنصار

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

محاضرة الإمام الصادق المهدي في

ختام الدورة التنشيطية الثانية للأئمة والدعاة الذين ينفذون برنامج رمضان

بعنوان: أفلا يتدبرون القرآن..؟

 

31 يوليو 2010م

يحمد لهيئة شئون الأنصار تنظيم هذه الإطلالة الفكرية فالدين بلا تفكير تقليد والحياة بلا فكر تخبط.

القرآن هو مأدبة الله وهو شريان حياة الأمة.

كنت كسائر أبناء جيلي قد بدأت مع القرآن في الخلوة وحفظت بعض أجزائه ثم انتقلت للتعليم المدني حيث عرفت بعض معانيه. وفي مرحلة لاحقة حاولت زيادة حفظه مع الشيخ عبد الله عبد المحمود وحاولت تجويده مع الشيخ يوسف إبراهيم النور. لكنهما محاولتان غمرهما زخم الحياة. إلى أن اعتقلني الانقلابيون في يونيو 1969م وفي البداية لم يسمحوا لي بكتاب إلا القرآن فاعتبرتها فرصة لحفظه ثم سمحوا لي بعد ذلك بما أشاء من كتب فطلبت ما يساوي مكتبة كاملة. من أهم مكوناتها تفاسير وعلوم القرآن وزودتني الحبيبة الراحلة سارا بها وتساءلت أأحفظ أم أفهم؟ وبدا لي أن حفظه نافلة ولكن فهمه واجب. وهكذا بدأ مشواري الجاد مع تدبر القرآن.

وأبدأ محاضرتي هذه بمعاني العنوان. القرآن لغة هو الكلام المقروء إنها صيغة مبالغة من قرأ وصار علما على الكتاب المنزل على محمد (ص). إنه خاتم الكتب المنزلة لهداية البشرية وامتاز على سائرها بأن نصه الأصلي محفوظ بينما تخلطت نصوصها.

ولأنه الكتاب الخاتم فإنه نص على استخلاف الإنسان في الأرض كما نص على استخلاف الأمة في مواصلة رسالة الهداية استخلاف فرض على الأمة التدبر أي النظر في العواقب. والتفكر أي النظر في الدلائل . والحكمة أي وضع الشيء في مكانه الصحيح وزمانه المناسب. والتفقه أي العلم بغرض المخاطب من خطابه. وهذه كلها واجبات دينية. وسوف أقص فيما يلي معنى تدبر القرآن متناولا المجالين النظري والعملي.

1. أمة الإسلام بعد فترة من العناية بواجبات التدبر قزمتها. واهتمت أكثر بحفظ النص القرآني مع أن هذا نافلة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها. وأغفلت التدبر الذي هو فريضة يثاب فاعلها ويعاقب تاركها. وما برح القرآن يشجب من حفظ المبنى وهجر المعنى في قوله تعالى عن (الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) [1]. أو قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) [2]. بل لجأت الأمة في حالات كثيرة لتعطيل التدبر والتفكر لأنهم قدسوا النصوص وانطلقوا منها بمنطق صوري أي القياس والإجماع وعلى أساسهما اتخذوا تفاسير واستنباطات أدت عمليا لقفل باب الاجتهاد حتى لا يكون للخلف إلا واجب إتباع السلف.

هذا النهج أثار قديما الإمام ابن قيم الجوزية إذ روى أن الإمام الشافعي قال: لا سياسة إلا ما وافق الشرع. فقال ابن عقيل وهو من عباقرة العلم الشرعي: “السياسة ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي”.

ثم روى ابن القيم أفعالا قام بها الخلفاء الراشدون تحقيقا لمصلحة الأمة دون ركون للنصوص. ثم عتب على الذين منعوا هذا النهج قائلا: “هؤلاء جعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة لغيرها. وسدوا على أنفسهم طرقا صحيحة من طرق معرفة الحق. والتنفيذ له”.

2. هذا القيد أدى إلى تقديس النصوص وما بناه الأقدمون من تفاسير واستنباطات. إنه تقييد تحكمي انطلق من مقولة قدسية نصوص الوحي، وهي صحيحة، إلى تصويب وسائل استنباط رأوها مما أقام جسما من التفاسير والأحكام نسجه البشر ولكنه اكتسب لدى الجمهور قدسية. كان لهذا النهج نتائج وخيمة أهمها:

أولا: حبس الدين في رؤى ومذاهب لا يجوز تخطيها على نحو ما جاء في جوهرة التوحيد:

ومالك وسائر الأمة وأبو القاسم هداة الأمة

فواجب تقليد حبر منهمو كذا حكى القوم بقول يفهم

هذا التضييق بلغ بفرق وصف نفسها بالفرقة الناجية وكفروا ما عداهم. بل استباحوا دماءهم.

هذا النهج الأحادي التكفيري استنه الخوارج وهم قوم غلبتهم الحماسة فكانوا شعلة نار لا ومضة نور ومن بعدهم تناسل آخرون على نهجهم إلى يومنا هذا وظاهرة التكفيريين الجدد الذين وضعوا مقاييس تحكمية وعلى أساسها كفروا معظم أهل القبلة.

ثانيا: والنتيجة الثانية لهذا التضييق هي نهج من ثاروا على النصوص واعتبروها و ما ترتب على الامتثال لها ولما استنبطه الأقدمون منها قيدا على حرية العقل ومانعا للتعامل مع المستجدات فنادوا بالركون للعقل دون سواه على نحو ما قال أبو العلاء المعري:

أيها الغر إن خصصت بعقل فاتبعه. كل عقل نبي!

ومن هذا المنطلق انطلقت فلسفات عقلانية. وأخرى انطلقت من وجدان الإنسان كفلسفات استشراقية. هذا المنطق الناسوتي أي الذي يجعل الإنسان مكتفيا بذاته تناسلت منه مدارس في يومنا هذا تنادي بقطيعة معرفية مع الماضي. أو بتاريخية النص. أو بنسبية مقولات الدين. ومع أن هؤلاء أتوا ببعض انتقادات صائبة لمفاهيم المقلدين إلا أن ما يعاب عليهم هو إسقاط المصدر الغيبي للنص الديني.

إلغاء الغيب من الدين معناه علمنة الدين لأن أساس العلمانية الفلسفي هو تأسيس الفكر على عالم الشهادة وحده. أي أن التخلي عن التدبر والتفكر والتفقه في النص المقدس أدى إلى رذيلتي الإفراط والتفريط. النتيجة أن الفكر الديني المنكفئ تجنى على الإنسان لأنه جعله مجرد متعلق. ولكن لدى الإنسان ملكات ذاتية: إنه حر الاختيار، عنده عقل، ولتجربته قيمة معرفية، ومستخلف على عالم الشهادة. والفكر العلماني تجنى على الإنسان لأنه حصر معرفته في عالم الشهادة. ومعرفة الإنسان بالوحي والإلهام أوسع كثيرا من ذلك.

3. التدبر والتفكر في كتاب الله يبين أن مظاهر الحق تتجلى في ثلاثة أنواع من الآيات:

  •  كون الوحي المنزل المتعلق بالرسالات.
  •  الطبيعة المادية.
  •  الحالة الإنسانية.

النص القرآني يبين أن التنزيل حق. قال تعالى: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) [3] والطبيعة هي كتاب مشاهد أو منشور وتقوم على حق. قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ) [4].

أما الإنسان فهو مخاطب بالحق المنزل وباكتشاف الحق المشاهد وممتحن. قال تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [5] وهو مطالب باكتشاف الحق المشاهد. قال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [6]. وقال: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [7].

نصوص القرآن تعطي مشروعية للبحث العلمي الطبيعي وتبعاته من اكتشاف وتسخير قوانين الطبيعة. وتعطي مشروعية كذلك للعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية مع الفرق لأن العلوم التي تدور حول الإنسان تدخل فيها اعتبارات قيمية وغائية.

• العلوم الإنسانية مجال مشروع للدراسة والبحث العلمي. فعلم النفس السيكولوجيا يدرس أحوال النفس وما تتعرض له من أحوال كالنفس الأمارة واللوامة والمطمئنة. كذلك علم المجتمع أي السوسيولجيا وما توجبه من دراسة لأحوال البشر الاجتماعية مثل: (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) [8] كذلك علم الإنسان أي الانثروبولوجيا وأحوال البشر نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) [9] وعلم التاريخ: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ) [10] وعلم الآثار الأريكولوجيا قال تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ). [11]

• ومشروعية البحث العلمي للعلوم السياسية والاقتصادية التي تتناول ولاية الأمر بين الطغيان والشورى والاستثمار والعدل في توزيع عائده. تدبر القرآن يبين أهمية هذه الدراسات كما يبين العناصر القيمية والغائية التي ينشدها الإسلام.

4. المسلمون جميعا إلا من شذ مجمعون على النص القرآني ولكن اختلفوا في التأويل فالصوفية انطلقت من نصوص مشروعة قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [12] فنشأ التصوف نزعة زهد في الماديات وإقبال على الروحانيات. ثم جاءت مرحلة تفرقة بين الشريعة والحقيقة بمعنى بواطن التعاليم ومرحلة ثالثة إلى مقولة وحدة الوجود كما عبر عنها الشيخ محي الدين بن عربي.

وفي كل شيء له آية تدل على أنه عينه

في هذه المرحلة تماهت النظرة الصوفية مع فلسفة الاستشراق واندماج التنوع في الواحد. وكان التشييع انحيازا له شواهده لولاية آل بيت النبي (ص) وخلافة الإمام علي. ولكنه مع الظروف تطور في اتجاهات مثل الاثني عشرية ومقولة إلزام الأمة بطاعة اثنى عشر إماما هم هداة الأمة المعصومون.

واتخذ المعتزلة من النص على مرجعية العقل في القرآن نهجا عقلانيا في علم الكلام تطور على يد الفلاسفة حتى بلغ عقلانية ابن رشد.

الخوف من ضياع الدين على أيدي هذه التيارات أدى لردة فعل قوية قادها الإمام أحمد بن حنبل ضد التأويل واحتكاما لظاهرة النص. وقادها أبو حامد الغزالي تقييدا لرؤى الفلاسفة.

هذه التيارات المحافظة واكبها بل دعمها ما آل إليه حال ولاية الأمر بين المسلمين والاستسلام للاستبداد على نحو ما قال ابن حجر العسقلاني: “وقد اجمع الفقهاء على وجوب طاعة المتغلب والقتال معه”. هكذا صارت الشورى والحرية والعدالة أي مبادئ الإسلام السياسية مغيبة.

التحالف بين التقليد في الفقه والاستبداد في السياسة والظلم الاجتماعي في حياة الناس بلغ مداه في الخمس الأخير من الخلافة العثمانية. وصارت حالة البلدان الإسلامية الحالة التي وصفها العالم مالك بن نبي: حالة الاستعداد للاستعمار.

في تركيا نفسها أدت هذه الحالة لمواقف كراهية الذات والإعجاب بالوافد التي قادها مصطفى كمال. وفي البلدان الأخرى صارت بلاد المسلمين نهبا للاحتلال الأجنبي والاستيطان الغاصب.

كان التعامل مع الاحتلال على ثلاثة أنماط:

  •  ثورة تأصيلية تحررية توحيدية جسدتها في السودان الدعوة المهدية وواكبت أهدافها نماذج أخرى.
  •  حركة الجامعة الإسلامية التي قادها الشيخان جمال الدين ومحمد عبده والشيخ ابن باديس وغيرهم للتأصيل مع استصحاب العصر.
  •  حركات استسلامية عبر عنها السير أحمد خان في الهند 1880م داعيا لقبول حكم بريطانيا امتثالا لولي الأمر.

5. أحكم الاحتلال الأجنبي سلطانه في بلاد المسلمين فانطلقت ضده حركات تحرير أدت في ظروف تراجع الدول الاستعمارية بعد خوضها الحرب الأطلسية الثانية لاستقلال تلك الدول. وكان انتقال السلطة فيها سلميا بموجب نظم مقيسة على نظم الحكم في البلدان المستعمرة.

في كافة الحالات أعقبت الاستعمار نظم حكم وطنية خالية من أقلمة ثقافية واجتماعية. أدى ذلك لنشأة تيارات تخاطب العجز الثقافي أو العجز الاجتماعي تيارات تحديثية اشتراكية وتيارات تأصيلية إسلامية أو قومية.

التيارات القومية والاشتراكية اتخذت نهجا انقلابيا واستولت على السلطة رافعة شعاراتها. ولكنها عجزت عن تحقيق أهدافها.

وتساقطت أطروحاتها مما ساهم في إقدام الحركات الإسلامية فهيمنت على الشارع السياسي لا سيما بعد الثورة الإسلامية في إيران.

الحركات الإسلامية اليوم تنقسم إلى فصائل كثيرة أهمها حركات انقلابية وحركات مدنية وحركات جهادوية.

أسميها جهادوية لا جهادية لأنها تقوم على فهم غير صحيح للجهاد. وقد قويت شوكتها لدورها في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي. ومع أنها حركات مخلصة لأهدافها مثل إخلاص الخوارج لكنه إخلاص مشوب بنقص في المعرفة. كما أن دوافعهم صائبة إذ هبوا لطرد السوفيت من بلاد المسلمين.

وبعد ذلك انقلبوا على حلفائهم لطردهم كذلك من بلاد المسلمين. أي لطرد الاحتلال والاستيطان.

ولكن وسائلهم تعاني من خطأ في فهم الجهاد كما أن الحكم البديل الذي يدعون له ينقصه التدبر والحكمة التي أوجبها القرآن وينقصها مراعاة الواقع التي توجبها الشريعة. كما قال ابن القيم: “الفقه هو معرفة الواجب ومعرفة الواقع والتزاوج بينهما”.

6. هل يسعفنا تدبر القرآن في المحنة الفكرية بين الانكفاء والاستلاب. وفي المحنة السياسية الاجتماعية في إرشاد الحياة العامة والخاصة؟.

المتدبر للقرآن يجد أن مقولة التقليديين: لا اجتهاد مع النص مقولة خاطئة. فالاجتهاد أصلا هو مع النص وفي النص. لذلك قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) [13] وقال: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [14].

إن للدين مقاصد عليا كالعدل والحكمة ينبغي مراعاتها في الأحكام. لذلك اجتهد عمر بن الخطاب (رض) مع النص وجمد سهم المؤلفة قلوبهم. وجمد حد السرقة في عام الرمادة. ومنع توزيع أرض السواد في العراق على المقاتلين. فعل ذلك توخيا لمقاصد الشريعة.

وعلى نفس قاعدة المصلحة عطل جمهور المسلمين نصوصا بأن يأخذ ولي الدم بثأر وليه وبالرق وعلى أساس المصلحة أبقى عثمان (رض) دون نص على قرآن واحد وأحرق الأخريات.

هنالك مظاهر تعارض في نصوص القرآن تخطاها بعض المفسرين بالحديث عن الناسخ والمنسوخ وآخرون أنكروا النسخ جملة ولكن النهج القرآني الصحيح هو في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) [15] أم بمعنى قصد. أم الكتاب أي مقاصده. هنالك آيات تقول بالجبر وأخرى بالاختيار فأيها نتبع؟ مكارم الأخلاق من أهم مقاصد الشريعة. الجبر يرفع عن الفاعل المسئولية الأخلاقية. إذن آيات الاختيار هي المحكمة.

• وفي كتاب الله آيات فسرها بعض الأقدمين بنظرتهم الذكورية. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [16] قال الرازي: خلق لكم دليل على أن النساء خلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع. كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا) [17] وهذا يقتضي ألا تكون المرأة مخلوقة للعبادة. بل هن من نعم الله علينا.

هذا فهم ذكوري وقع فيه مفسر من أكثر المفسرين عقلانية تأثرا بثقافة عصره الأقرب إلى القول بوأد النساء.

لكل أبي أنثى يرجو صلاحها ثلاثة أصهار إذا ذكر الصهر

زوج يراعيها وبيت يظلها وقبر يضمها وخيرهم القبر!

هذا الفهم الذكوري يبدده تدبر القرآن قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [18] وقال: (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى) [19].

ومن قال أن أية خلق لكم من أنفسكم تخاطب الرجال وحدهم؟ بل خطابها للأزواج ذكورا وإناثا.

وآية قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [20] هلي يعني ذلك أننا خلقنا لهن بمنطق الرازي؟

وعلى نفس المنوال الذكوري وقع مفسر آخر من أعظم المفسرين ابن جرير الطبري. قال في تفسير قوله تعالى: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) [21].. الهجر هو ربط المرأة في المضجع لا شك أن شيخ المفسرين كان غاضبا من زوجته لذلك فتش عن معنى هجر في لسان العرب فوجد من معانيه الربط.

ولكن مع هذا الربط والضرب دعنا نستلهم مقاصد الشريعة في العلاقة الزوجية كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [22].

هنالك في كتاب الله معاملة تناسب هذه المقاصد وهي قوله تعالى في حالة الشقاق بين الزوجين: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [23]

هذا نهج قرآني مشروع وهو الذي يناسب ظروفنا الفكرية والاجتماعية الراهنة فنساؤنا اليوم يتوقعن معاملة تكريم وإلا نفرن. الذين يحرصون على معاملات أخرى إنما يعرضون الناس للفتنة من الدين على نحو ما قال إمام المتقين على ابن أبي طالب: “حدثوا الناس بما يعرفون. أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟” بهذا حدثنا عبيد الله بن موسى عن معروف ابن خربوذ عن أبي الطفيل عن علي.

وألح كثيرون على أن آيات السيف وهي 3 آيات من سورة التوبة الآيات (5، 29، 36). قال قوم إن هذه الآيات نسخت كل آيات التسامح في القرآن وعلى أساسها أفتوا بواجبية جهاد الطلب. وبأن علة القتال هي الكفر. وفي كتابي جدلية الأصل والعصر أوضحت تفصيلا خطأ هذا الفهم. علة القتال في الإسلام هي العدوان. والقتال في الإسلام دفاعي بنص قوله تعالى عندما شرع القتال: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [24] وأصرح الآيات الثلاث الآية الخامسة. قال تعالى: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [25] وهي آية سبقتها الآية الرابعة من نفس السورة تستثنى المعاهدين بقوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [26] وأعقبتها الآية السادسة وهي كذلك تستثنى المستجير من المشركين.

الحقيقة أن علة القتال في سورة التوبة هي الآية 13 إذ قال تعالى: (أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [27].

تدبر القرآن يفيد:

أولا: الجهاد أوسع من القتال ويشمل الجهاد المدني. قال تعالى متحدثا عن القرآن: (فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [28] الجهاد بالقرآن الذي جعل السيدة عائشة (رض) تقول: فتحت المدينة بالقرآن.

ثانيا: والجهاد يشمل جهاد النفس الأمارة بالسوء. جهاد سلاحه التقوى. والعبادات إنما شرعت لإحكام صلة الإنسان بربه ولتمكين الإنسان من مغالبة النفس الأمارة بالسوء. قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [29]

إن الفهم الهجومي للقتال في الإسلام هو الذي جعل كثيرا من كتاب السيرة يسمونها المغازي. مع إن أهم انجازات الني(ص) كانت دون قتال.هذا الفهم القاصر هو الذي مكن بعض أعداء الإسلام من رميه بالتعطش للدماء. حتى قال أحدهم: (محمد إرهابي).

هذا مع أن القرآن أتي باساس سلامي للعلاقات الدولية في العالم القديم الذي لا يعرف في العلاقات الدولية إلا مغالبة القوة. قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) [30] .

– آيات القرآن تقيم الحجة على العقل في خمسين آية. وتنشد البرهان في الحجة: (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ) [31]. مع ذلك كثيرون هم الذين اسقطوا حجية العقل وساقوا للإسلام سهام الأعداء. إن للعقلانية دورا هاما في الإسلام لمن تدبر آيات القرآن. لذلك قال الإمام الشاطبي: كل ما حكلم به الشرع حكم به العقل. ومدح البصيري النبي (ص) بقوله:

لم يمتحنا بما تقى العقول به حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم.

وقال الرازي بضرورة تأويل النص إذا عارض حكما قطعيا من العلم- مثلا- قال تعالي: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) [32]. قال: أي بحسب رأي العين.

– ورمى بعض الأعداء الإسلام بالقسوة في عقوبات الحدود. وهي تهمه عززها المهرجون بالشعار الإسلامي الذين اتخذوا الإسلام سلما للسلطان ولم يراعوا ضوابط الحدود الشرعية فأصدروا قوانين لتطبيق حدود في مجتمعات خالية من النظام الاجتماعي الإسلامي. الحدود كحد السرقة وحد الزنا حدود مقيدة بنظام اجتماعي يزيل الجريمة بوسائل وقائية تحول دون الحاجة للجريمة. ينبغي أن يكون النظام الاجتماعي قائما على الكفاية وعلى الزواج الميسر أي على تلبية حاجات الإنسان ثم يعاقب الجناة.

إذا راعينا دقة وسائل إثبات الجرائم في الإسلام وراعينا العدل الاجتماعي الإسلامي لرأينا كيف أن العقوبات للردع فإن لم تتوافر شروطها فالعقوبات تعزيرية والحدود معلقة.

تدبر القرآن يؤكد بما لا شك فيه:

– إن القرآن يوجب تربية عبادية وأخلاقية لإصلاح الفرد: ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [33]. وقال: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) [34].

– القرآن مع كرامة الإنسان من حيث هو إنسان: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [35]. القرآن مع الحرية: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) [36].

– القرآن موجب العدل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) [37].

– القرآن مع الشراكة في الأمر العام: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) [38].

– القرآن يوجب المساءلة والشفافية . قال تعالى : (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [39].

– والقرآن يبين أن الطبيعة تقوم على سنن راتبة: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [40]. وهي معارف ينبغي تحصيلها: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [41].

– القرآن يحث على الاستثمار . قال تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [42].

– وهو مع العدل الاجتماعي. قال تعالى : (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) [43].

– صحيح أن بعض المفسرين كفر أهل الكتاب بآيات ولكن ثمة آيات أخرى. قال تعالى: (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) [44].

التسامح والتعايش بين الأديان هو مفتاح العلاقات الدولية الآن والقرآن يضع لها أساسا روحيا وأخلاقيا. هذه القضايا العشر هي بعض ثمار تدبر القرآن وفي البستان زيادة إذا سمح المقام.

7. ومن ثمار القرآن ضوابط للسنة. قال تعالى (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) [45] هذه الآية تقرأ مع قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ) [46]. الحقيقة أن الطاعة لواحد أوامره هي التي ينطق بها الرسول أو من يقوم بالأمر بعده.

والسنة في نص القرآن هي سنة الله قال تعالي: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) [47]. أما أقوال وأفعال الرسول فهي لتفصيل وبيان ما جاء به الوحي. والقرآن وصف دور النبي (ص) بأمرين هما :البلاغ . والأسوة. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [48] وفي كل الحالات فالسنة النبوية لا تعارض بل تطبق هداية القرآن.

ولكن في كثير من الأحاديث حتى في كتب الصحاح ما يناقض ما جاء في القرآن بل يعرض النبي (ص) لسهام الأعداء. قال تعالي: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا* نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) [49].

ولكن في روايات في الجزء السابع من كتاب البخاري أحاديث تخالف هذه الصورة وتمكن الأعداء من وصف النبي (ص) بالشهوانية – مثلا – حديث: أن النبي (ص) كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة وله تسع نسوة). وروايات إن نساءه قلن انه كان يباشرهن وهن على حيض بعد ان يتزرن. وروايات مع نساء من الأنصار تناقض تماما صورة النبي (ص) في القرآن وينبغي نبذها.

وفي هذا الصدد رويت أحاديث عن قيام الساعة – مثلا – روى البخاري إن النبي (ص) صلى بنا العشاء آخر حياته. فلما سلم قام فقال: أرأيتم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة منها لا يبقي ممن هو على ظهر الأرض أحد”.

وأن النبي (ص) رد على سؤال إعرابي عن الساعة فنظر إلى أصغر القوم سنا ثم قال: إن يعيش هذا حتى يدركه الهرم حتى تقوم ساعتكم عليكم”.

ما المقصود بهذه الأحاديث وهي تناقض قوله تعالى: (َعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [50]. وما الفائدة من روايتها وقد دونت بعد قرنين من وفاة النبي (ص)؟

8. الغرب ليس شرا كله كما يزعم بعض الطغاة. بل روى مسلم أن النبي (ص) ذكر الروم بخير وقال: إن فيهم خمس خصال حسان: إنهم أحلم الناس عند فتنة. وأسرعهم أفاقة من مصيبة. وأوشكهم كرة بعد فرة. وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف. وأمنعهم من ظلم الملوك.

هذا حديث رقم 2589 من كتاب مسلم المدون قبل أكثر من ألف عام. ولنفس هذه الخصال نجد عددا كبيرا منهم منذ فترة من الزمان يلبون نداء القرآن بصورة أزعجت قادتهم فتعددت الكتب التي تصف هذه الظاهرة وتفزع منها. صحيح بعض أسباب الفزع تناقص أعداد سكان البلدان الغربية. وتزايد الهجرة إليها من الخارج ولكن هنالك ظاهرة تلبية نداء القرآن لدى كثير من علمائهم ومفكريهم.

الكتب التي نشرت خوفا من الإسلام على الغرب كثيرة أهمها: (يورابيا) بقلم بات يائير، (بينما أوربا نائمة) بقلم بروس باور، (آخر فرص الغرب) بقلم توني بلانكلي، (وموت الغرب) بقلم باتريك بوكانان.

أهم ما ورد في أسباب تلبية نداء القرآن لدى الغربيين.

  •  شدهم إليه أصالة نصه بلا تبديل.
  • وضوح التوحيد فيه مقابل توحيد يهودي مشوب بخصوصية الربوبية لبني إسرائيل. وتوحيد مسيحي مشوب بالتثليث.
  •  تطابق نصوصه في قضايا مهمة مع حقائق العلم.
  •  إمكانية أن تكون مسلما وحر التفكير.
  •  الاهتمام بالعدل الاجتماعي
  •  نفي التمييز العرقي والثقافي وتأكيد الأخاء الإنساني.
  •  معرفة الله دون وسائط.
  •  شخصية محمد (ص) التي أجادت البلاغ وطبقت رسالتها في الواقع فجمع بين رسول ورجل دولة من طراز فريد.

هذا معناه أنه رغم التفوق العسكري والاستراتيجي الغربي فإن القرآن سلاح نووي معنوي. أقوى أسلحة العمار الشامل. إنه سلاح لا يقهر مما جعل أمثال عبد الله بن أبي في الغرب يخافون من القرآن مثلما تخوف صاحبهم من أثره في يثرب.

هذا السلاح النووي المعنوي سوف يفعل مفعوله وواجبنا نحوه أن نتدبره لإصلاح أحوالنا داخليا ودوليا. ومما يساعد على ذلك إسكات الأصوات التي تشوه عطاء القرآن لكي يحتل مكانة المستحق: كتاب الإنسانية الاقدس.

والله ولي التوفيق