ندوة: دور الوسطية في استقرار الجزائر

بسم الله الرحمن الرحيم

المنتدى العالمي للوسطية بالتعاون مع

جمعية الإرشاد والإصلاح في الجزائر الشقيق

ندوة: منهج الوسطية ودورها في

 المحافظة على السلم الاجتماعي في الجزائر

25-27 ديسمبر 2010

دور الوسطية في استقرار الجزائر

 

مخاطبة الإمام الصادق المهدي رئيس المنتدى العالمي للوسطية للقاء منتدى الوسطية العالمي بالجزائر بواسطة د. مروان الفاعوري الأمين العام للمنتدى.

 

كانت الجزائر من أكثر البلدان العربية الإسلامية تعرضا لمشروع الكلونيالي لتصير الجزائر فرنسية.

ولكن في حالة الثقافات المتجذرة كما الإسلام والثقافة العربية في الجزائر فإن ردة الفعل كانت في الاتجاه المعاكس أقوى وأعمق من الفعل. لذلك قدم الشعب الجزائري صورة من الانبعاث التأصيلي والجهاد الدفاعي عن الذات بذكرها الركبان.

لمكانة الجزائر في نفسي كان تطلعي عظيما أن أشارك زملائي في منتدى الوسطية العالمي في هذا الاجتماع الهام في الجزائر ولكن كما تعلمون فإن بلادي السودان تواجه الآن امتحانا عسيرا يمكن أن ينتهي بانفصال جنوبه عنه.

كان لدولة الاحتلال البريطاني دورا هاما في غرس بذرة الانفصال لأنه حرص على قفل الجنوب أمام التمازج الديني والثقافي لصد الإسلام والثقافة العربية ولزرع ثقافة مسيحية أفريقيانية انجلوفونية.

نظم سودانية عديدة تصدت منذ استقلال السودان لمحو آثار ذلك الغرس بصورة بلغت أقصى درجاتها على يد النظام الحالي الذي اندفع بحماسة إسلاموية عروبية ما أثار ضدها رد فعل في اتجاه مضاد انتهت إلى مطلب تقرير المصير للجنوب نادت به كافة القوى السياسية الجنوبية بتشجيع خارجي ملموس. تقرير المصير بموجب اتفاقية سلام معيبة وفي إطار التوتر السياسي بين الحزب الحاكم في الشمال والحزب الحاكم في الجنوب سوف يقود حتما لانفصال الجنوب.

نحن القوى الوطنية السودانية نعمل الآن لكيلا يؤدي الانفصال لنشأة دولة معادية لدولة الشمال.

بل دولة تربطها مصالح تنموية، ثقافية، وأمنية، ودبلوماسية خاصة بالشمال.

علاقات نأمل أن تنظمها معاهدة توأمة تمتص سليبات الانفصال وتمهد في المستقبل لقيام كيان كنفدرالي واسع يضم دولا عربية وأفريقية تشمل دولتي السودان

هذه المهام هي التي حالت دون مغادرتي السودان للانضمام إليكم فمعذرة.

أعود للحديث عن الجزائر لأقول:

في كل البلدان العربية الإسلامية التي تعرضت لمحاولات التغريب الأجنبية كان للإسلام دور هام في الدفاع عن الهوية وإبطال مفعول السياسات الاستلابية. هذا عامل ضمن عوامل أخرى هي:

  • إخفاق الأجندة اللبرالية في تقديم برنامج يراعي الخصوصية الثقافية.
  • إخفاق الأجندة الاشتراكية في التوفيق بين مطالب العدالة والحرية.
  • وإخفاق الأجندة القومية في إيجاد معادلة توافق مع الإسلام وإشباع مطالب الأقليات القومية.

جملة تلك العوامل جعلت التوجه الإسلامي يحوز على رأس المال الاجتماعي في البلدان الإسلامية.

هذه حقيقة لا تغيب عن كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وحتى على الصعيد الدولي. وبالرغم من أن الدولة الإسلامية مهمشة في النظام الدولي الحالي فلا واحدة منها في الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. ولا واحدة منها بين الدول ذات الوزن الاقتصادي أو الاستراتيجي العالمي.

ومع ذلك فإن الإسلام بمقاييس القوة الناعمة والوزن الثقافي يمثل القوة الثقافية الكبرى في عالم اليوم بلا منازع.

في متابعتي لمقولات المفكرين، ولكتاب، والمثقفين، والغربيين الذين اسلموا أجد ما يؤكد أن الإسلام يملك في مجال القوة الناعمة أسلحة العمار الشامل وهي:

  • قالوا: أن التصور العقلاني والذي تطمئن له العاطفة في أمر الإله أنه واحد. ولا نجد وحدانية خالصة في الأديان إلا في الإسلام.
  • وقالوا: في بحثنا عن نص واحد مقدس قطعي الورود لا نجد إلا القرآن.
  • وقالوا: لا نجد من بين الأنبياء والرسل شخصا مقطوع الوجود تاريخيا إلا محمد (ص).
  • ولا نجد دينا يحترم الإنسان من حيث هو إنسان إلا الإسلام.
  • لا نجد دينا يشبع حاجة الإنسان الروحية ولا يغفل حاجته الاجتماعية إلا الإسلام.
  • ولا نجد دينا معتزا بحقائق وفي نفس الوقت معترفا بالتعددية الدينية إلا الإسلام.

هذه المؤهلات جعلت الإسلام القوة الناعمة الكبرى في العالم.

انطلاقا من هذه الحقائق فقد تصدى للدعوة للإسلام حركات إسلامية تعتقد أن الإسلام يلزمنا بالالتزام بمفاهيم ونظم ماضوية غير معنية بما جرى من تطورات في مجال حقوق الإنسان، ولا في مجال التطور العلمي والتكنولوجي. هؤلاء ينتمون لرؤية وفاء بلا مستقبل.

في المقابل هنالك حركات تعتبر الإسلام عائقا في سبيل التحديث بحيث لا سبيل لتنمية بشرية إلا على حساب إبعاده من الشأن العام. هؤلاء يتمنون لرؤية مستقبل بلا وفاء.

وفي مرحلة تاريخية سابقة تصدى ابن القيم لقضية مماثلة وقال: إن الاجتهاد الإسلامي الصحيح هو الذي يعرف الواجب ويعرف الواقع ويزاوج بينهما.

هذه هي رسالة المنتدى العالمي للوسطية. وهي روشتة للتأصيل والتحديث في كل العالم الإسلامي. وهي السبيل للاستقرار في كافة البلدان الإسلامية.

إن لروشتة الوسطية استحقاقات توجب وضوح الرؤية عبر حوارات فكرية جادة وجامعة بهدف الاتفاق على ميثاق يقيم الدولة المدنية بمعنى المساواة في المواطنة بمرجعية إسلامية، ويقيم الحكم على أساس المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون ويقيم الاقتصاد على أساس التنمية الطموحة، والعدالة الاجتماعية، ويقيم العلاقات الدولية على أساس مبرأ من التبعية ومن العداء على أساس: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[1]

هذه النهج لن يرضاه المنكفئون الذين يضحون بالحاضر والمستقبل من أجل الماضي. ولا المستلبون الذين يحضون بالهوية من أجل الحداثة. ولكن التأصيل والتحديث حاجتان موضوعيتان من يُسقط إحداهما يجد نفسه يحاول الطيران بجناح واحد!

تحية للجزائر الشقيقة وهي تواجه تحديات بناء الوطن.. والله ولي التوفيق.

[1] سورة الممتحنة الآية (8)