النهار في حوار مع الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي بتاريخ 19 مايو 2016

الإمام الصادق المهدي في برنامج مصر في يوم
دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي
دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي

الصادق المهدي يتحدث إلى غسان بودياب.

9 مايو 2016

جلابيته السودانية البيضاء، وقبعته “العرقية” وفوقها لفافات من الحرير، هي “كفنه” الذي يحمله، ككل سوداني، على رأسه ليتذكر أنه لن يرحل عن الدنيا إلا فيه. تراه رجلاً عادياً إلا أن عصاه الأبنوسية بكرتها المذهبة ولحيته المحناة بالصبغة الحمراء، تجعلك تدرك أنه ليس “من عامة الشعب”. وإذا أنعمت النظر تعرفه، والعين لا يمكن أن تخطئ الصادق المهدي.

ترافقنا من بيروت إلى بعبدا للقاء الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان. كان مستمعاً، سائلاً، محدثاً، شارحاً. تكلم فقال الكثير، بدماثة وأخلاق، ووعي سياسي وحضور وتوقد ذهني.

مشاكل السودان

س – عودتك إلى الخرطوم أُرجئت بسبب ظروف طارئة، هل نوجزها؟

ج – لا صلة للأمر بأي موضوع متعلق بتطورات الخرطوم، بل بأعمالي في الخارج، وهي مرتبطة بتوحيد المعارضة، وكذلك منبر الوسطية العالمي الذي أتولى رئاسته، ونادي مدريد الذي يجمع عدداً كبيراً من رؤساء الدول ورؤساء الحكومات السابقين المنتخبين ديموقراطياً.
الآن وقد فرغت من المهمات التي تفرغت لتنفيذها، فإن عودتي صارت ممكنة في أي وقت.
وفي المناسبة، دعوت الرئيس سليمان للإنضمام إلى نادي مدريد، وكذلك الرئيس (التونسي سابقاً) منصف المرزوقي، وهما كانا منتخبين ديموقراطياً. العالم العربي، ويا للأسف مجرد من هذه الصفة، وحالياً أنا الممثل الوحيد للعرب فيه.

س – ما شروطك لدخول حوار جدي مع الحكومة؟

ج – نريد حواراً مجدياً. النظام عقد حتى الآن 16 إتفاقاً، كلها فاشلة، لأنها لم تعالج المشاكل التي بسببها قامت الخلافات. ننادي بحوار استحقاقات، وأهمها أن يكون شاملاً وليس ثنائياً، وإدارته محايدة، إلى ضرورة توفير مناخ مناسب لبناء الثقة وتوفير الحريات العامة للمشاركين، ثم الإتفاق على جدوله بما في ذلك وضع دستور جدي.

س – توافقون على ما يطرحه رئيس الآلية الأفريقية ثابو مبيكي بما في ذلك فرض عقوبات على المعارضة. وهل تحول طرفاً؟

ج – لا أعتقد أنه صار طرفاً، ولا أظن أن الخريطة التي قدمها تمثل رأي الحكومة، ففيها بعض الإستجابة لمطالبنا. أولاً كان النظام يرفض مقابلة الجبهة الثورية متحدة ويريد لقاءات ثنائية، وفي خريطة الطريق وافق على لقائها مجتمعة. ثانياً، النظام كان يفرض تخلي المقاومة المسلحة عن سلاحها، لكنه في الخريطة قبل بعدم تسليمه إلا بعد إتفاق سياسي.
لكن الخطأ كان أن مبيكي صاغها ولم يعطنا الوقت الكافي للنظر فيها. قال، اقبلوها أو ارفضوها، فرفضناها بداية… نحن لا نعتبر أنه انحاز لكنه تعجل.
أما العقوبات، فلا معنى لها، فلا يمكن مجلس الأمن فرض عقوبة على ضحايا نظام يتهمه بجرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية.

س – ما رأيك في مستقبل دارفور، وهل تؤيدون مفاوضات في الدوحة؟ ماذا عن قيام دولة مستقلة كما جنوب السودان؟

ج – إتفاق الدوحة الموقع عام 2011 حقق بعض الأشياء، وليس السلام. فمن وقعوه لا يمثلون كل حركات دارفور، والتنمية التي اتُفق عليها لم تكن ممكنة دون الأمن، وإدارة الاتفاق كانت فاشلة. والإستفتاء الذي أجري في دارفور أخيراً كان معيباً، لأنه تم تحت سيطرة الحزب الحاكم والأمن المتحكم. وقطر جددت الإتصال بالذين لم يوقعوا إتفاق أبوجا، ولكن لا أعتقد بوجود فرصة لاتفاق ثان، لأننا، نحن وهم، متفقون على أن أي حوار يجب أن يكون شاملاً لكل الأطراف في جماعة “نداء السودان”. أما إنفصال دارفور، فهذا ليس وارداً لدى حركات الاقليم. دارفور ليست في الجنوب، فيها انسجام تام في النسيج الإجتماعي والثقافي السوداني. والجنوب نفسه كان يمكن تجنب انفصاله لولا سياسات النظام الطاردة.

التجارب الإسلامية

س – الجمع بين إمامة الأنصار ورئاسة الحزب، في رأيكم هل أفاد هذا الموضوع حزب الأمة أم أضرّ به؟

ج – أنا لم أخطط لأن أكون رئيس حزب الأمة، ولا إمام الأنصار. دخلت السياسة السودانية رغم أنفي، كنت أفكر في دراسة الزراعة في كاليفورنيا، لكن والدي صار إماماً للأنصار بعد وفاة الإمام عبد الرحمن الصديق، ثم توفي. ومع أني كنت في العشرينات من عمري، أصر كثيرون على أن أكون رئيساً لحزب الأمة.
وفي ما يتعلق بإمامة الأنصار، الإمام عبد الرحمن وهو على فراش الموت، أتى بفكرة ثورية، أن تكون الإمامة بالإنتخاب. لكنها تأجلت واتفقنا على الإمامة بالتراضي، وقتل نظام جعفر النميري الإمام الهادي. فكر كثيرون من الأنصار في وجوب ملء المنصب، فانعقد مؤتمر الساغاي، وفيه تم الإنتخاب، ولكن أنا مارست الإمامة كإمامة دستورية. فيها هيئة شؤون الأنصار، ولها نظام دستوري، يعني حولناها من كيان تقليدي إلى آخر مؤسسي حديث.
أنا أتولى القيادة بعمامتيها، وفي الحالتين أخضع لشروط الإمامة. ولكن هذه المسألة موقتة، وفي المستقبل سيكون للحزب مؤسساته المستقلة، وكيان الأنصار كذلك، وفي الحالين، يجب أن تكون القيادات منتخبة.

س – بعد تخلي حركة النهضة في تونس عن البعد الدعوي، نشهد تغيراً في الفكر الحركي الإسلامي. ونسألك وصف علاقتك بالشيخ حسن الترابي؟

ج – كل الحركات الإسلامية في منطقتنا مأزومة وتعاني تحديات. وكذلك العلمانية والإشتراكية والقومية، تواجه مشاكل فكرية وتنظيمية وتحتاج الى مراجعات.
أصبح للحركات الإسلامية تاريخ في السودان ومصر، باكستان وأفغانستان، ماليزيا وأندونيسيا وتونس والمغرب. هذا يعني أن هناك أدبيات كثيرة جداً في الموضوع، واقترحتُ على منبر الوسطية العالمي اجراء دراسة لهذا الموضوع. وتركيا واحدة من الجهات التي قامت بنوع من الإصلاح، وكذلك المغرب وتونس.
التحدي هو التعامل مع الدور الإسلامي في الحياة العامة، وما هي ضوابطه، وكيف يكون مُطمئناً لأصحاب المِلل والرؤى الأخرى، ويستطيع أن يدير التنوع، وأن يقيم دولاً ذات أسس ديموقراطية.
بالنسبة إلى المرحوم حسن الترابي، لا شك في أنه كانت تجمعنا رؤى مشتركة، لكننا اختلفنا جوهرياً. هم قبلوا ما قام به جعفر النميري وسموه تجربة إسلامية، لكنها خالية من المحتوى الإسلامي. وعندما استولوا على الحكم بالقوة من طريق الجريمة الإنقلابية، أقاموا شيئاً يخالف مقاصد الإسلامية السياسية كاملة، أنشأوا نظاماً فاشياً بشعارات إسلامية.

للمسيحيين واللبنانيين

س – ماذا تقولون للمسيحيين في العالم العربي، وللشعب اللبناني القابع بلا رئيس؟

ج – (يبتسم) أولا حركات التطرف والعنف التي ترفع شعارات إسلامية خطرٌ على المسلمين قبل أن تكون على المسيحيين، وضحاياها من المسلمين أكثر. كمسلم أقول للمسيحيين عموماً، كلنا ضحايا التطرف، والتطرف ليس فقط تطرفاً داعشياً – قاعدياً، إنما هو أيضا إسرائيلي، وغزو أجنبي.
أقول للمسيحيين واليهود من دون الصهاينة، نحن جزء من الأسرة الإبراهيمية. ولا أوافق من يعتبرون النصارى مشركين، هم موحدون. طبعاً هناك ما يفرقنا، سواء في ما يتعلق بالخطيئة الأولى التي لا نعتقد أنها تتوارث، ثم الصلب.
عندما دعيت إلى لبنان توقعت أن تكون بيروت متوترة فوجدت نوعاً من التسامح والتعايش بينما تدخل العواصم العربية فتشعر أنك في سجن كبير.
في ما يتعلق بالرئاسة، لو كان الموضوع متعلقاً باللبنانيين، لما كان في الأمر إشكال، ولكن، ويا للأسف، هناك تيارات دولية وإقليمية إنعكست سلباً على لبنان. والعبقرية اللبنانية تجلت في أنه على رغم الإخفاق في إختيار رئيس، استطاع لبنان حماية نفسه من التيارات الفظيعة الموجودة في العراق وسوريا، بصورة أراها مدهشة.

جريدة النهار