الوحدة الإسلامية رؤى وآفاق

بسم الله الرحمن الرحيم

الوحدة الإسلامية رؤى وآفاق

بقلم: الإمام الصادق المهدي

20سبتمبر 2006م

 

أخواني وأخواتي، ابنائي وبناتي

السلام عليكم ورحمة  الله تعالى وبركاته،

وأشكر مجلس توحيد أهل القبلة لدعوتي لمخاطبتكم هذا المساء.

سوف أتناول الموضوع عبر مقدمة قصيرة وسبع نقاط.

المقدمة:

الوحدة الإسلامية الكاملة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا دامت في تاريخ الأمة الإسلامية 150 سنة فقط ثم وقع التفرق.

الأمة الإسلامية اليوم خمس سكان العالم الذي بلغ 6 مليارات نفس بينما المسلمون 1.5 مليار نفس. هل يمكن لهؤلاء أن يتحدوا اتحادا كاملا؟ وما هي درجة الوحدة الممكنة؟.

أولا: هنالك سبعة أنواع من الافتراق بين المسلمين هي:

  • اختلاف الفرق ما بين أهل سنة ـ وشيعة ـ وصوفية وأباضية.
  • اختلاف مذاهب وأهمها ثمانية:

حنفية ـ مالكية ـ شافعية ـ حنبلية ـ جغفرية ـ زيدية ـ أباضية ـ       ظاهرية.

  • اختلاف أقطار إذ يوجد الآن 53 دولة إسلامية.
  • اختلاف مواقع إذ يعيش ثلثا المسلمين في دول هم فيها أغلبية السكان بينما يعيش ثلثهم في أقطار هم فيها أقلية السكان.
  • اختلاف حركات توصف بأنها: إصلاحية – راديكالية – حركات مقاومة لاحتلال – حركة طالبان الشعبوية الأفغانية – وحركة القاعدة الأممية.
  • اختلاف أيديولوجيات أهمها على نطاق العالم الإسلامي حركات:
    • علمانية أسس لها مفكرون مثل ضياء غوك ألّب المنظر الفكري لحركة كمال اتاتورك – وطه حسين وسلامة موسى وغيرهما من المؤسسين الفكريين للعلمانية في العالم العربي.
    • سلفية يقول بها أولئك الذين يرون أن السلف قد استنبطوا الأحكام باجتهاد صحيح وليس على الخلف إلا تطبيق تلك الاجتهادات –
    • الرسميون وهؤلاء يلتزمون بطاعة المتغلب في بلدانهم ويقودون المؤسسات الدينية الرسمية.
    • الراديكاليون الذين قدموا مقولات تتجاوز الفكر السلفي بصورة جذرية أمثال:
      • محمد عابد الجابري المنادي بقطيعة معرفية “ابستمولوجية” مع الماضي.
      • نصر حامد أبو زيد القائل بنسبية وتاريخية النصوص الإسلامية القرآنية.
      • برهان غليون الذي يدعو لفهم الإسلام بذهنية علمانية.
      • محمد أركون الذي يعتبر الدين كله تطلعا أسطوريا ينشده الإنسان.
      • محمود محمد طه الذي يقول أن الإسلام رسالتان الأولى ناسخة للثانية وقد آن أوانها.
    • اختلاف المواقف من النظام الدولي الحالي وهيمنة الدولة الكبرى الأولى الولايات المتحدة عليه ما بين تابع ومعاد وباحث عن موقف وسط.

ثانيا: رغم هذه الفروق فثمة سبعة جوامع بين المسلمين هي:

  • القرآن مجمع عليه وهو يحتل مكانة مقدسة عند المسلمين لايحتلها أي كتاب مقدس آخر عند أهله.
  • النبي (ص) يحتل مكانة في عقول وقلوب المسلمين بصورة حية لا تماثلها علاقة أي قائد ديني أو نبي بقومه وهي علاقة تقوم على حميمية فريدة.
  • المسلمون مجمعون على مرجعية عبادية واحدة في الطهارة، والصلاة، والصوم، والزكاة، والحج إلى بيت الله الحرام.
  • وهم متفقون على مرجعية اخلاقية واحدة تقوم على المعاملة بالمثل، والتزام المعروف ونفي المنكر، والإيثار مرجعية أخلاقية تقدس مكارم الأخلاق في الصدق – والشجاعة ـ والكرم ـ والحكمة ـ والعفة.
  • المسلمون متعلقون بماض مشترك مجيد يعتبرونه عصرا ذهبيا.
  • وهم الآن غالبا متذمرون من حاضر مشترك أنكد.
  • كما يتطلعون لمستقبل مشرق يرونه حتميا.

ثالثا: كل الشعوب عرفت التطلع للخلاص وفكرة المخلص آنست وحشة الشعوب وخصبت آمالها جيلا بعد جيل.

هناك عوامل في الحالة الإنسانية تصنع التشوق لمخلص أهمها ثلاثة عوامل نفسية هي:

  • الرفض النفسي لسوء الحال في الواقع يجعل النفس مستنكرة لسوء الحال برمته.
  • النفس المتألمة من هيمنة الباطل تمني نفسها بحتمية زواله.
  • كافة الموجودات مستقرة بموجب قوانين الطبيعة إلا الإنسان الذي يدرك الفرق بينما ينبغي أن يكون وما هو كائن فيصيبه القلق فيسعى لاحتوائه.

وعاملان سوسيولوجيان هما:

  • في كل مجتمع فرق بين المبادئ التي تسعى إليها دعوة الاصلاح وبين ما يجري تحقيقه في الواقع فتنشأ فجوة بين الدعوة ونتائجها في الواقع.
  • لكل نظام اجتماعي غاية ينشدها.

كذلك هنالك على الصعيد الانثروبولوجي فرق بين الثقافة المثالية للمجتمعات الإنسانية والثقافة الواقعية فيها.

وفلسفيا يتطلع الإنسان لقانون أخلاقي يجعله يعتقد حتمية انتصار الحق والعدل.

هذه العوامل تجعل الإنسان تجسد أشواقه في التطلع لمخلص.

كثير من الأديان غير الكتابية اشتملت على عقائد ورؤى انبعثت فيما بعد في عقائد كتابية. هذا يعود لحقيقة أن ما نعلمه من الرسالات والكتب محدود بينما هي في الواقع أكثر مما نعلم: (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ)[1].

أو يعود لاكتشاف النفس الإنسانية للحقيقة بذاتها على نحو ماقص ابن طفيل في قصته حي بن يقظان.

في الحضارات الإنسانية كالفرعونية، والسومرية،والبابلية، والأشورية، والكوشية، والهندوسية عقائد ومبادئ تجلت فيما بعد في الأديان الكتابية.

لقد كان للهندوسية أثرا كبيرا في الأديان الإبراهيمية لا سيما فيما يتعلق بعقيدة المخلص. ففي الهندوسية وفي ظروف السوء والاضطراب تحل روح الكون” البراهما” في بشر يكون هو المخلص للبشرية.

وفي اليهودية اعتقاد بمسيح قادم مخلص والمسيحية في الأصل طائفة يهودية آمنت بأن عيسى بن مريم عليه السلام هو ذلك المخلص.

عقيدة المهدية في الإسلام تطلع للمخلص. وبصرف النظر عن الأدلة النقلية التى سوف نذكرها لاحقا فان ثمة استدعاءات للخلاص أوجبها الواقع الإسلامي.

  • هنالك استدعاءات تاريخية تطلعا للخلاص من واقع سياسي حول الخلافة الى ملك عضود. وواقع اقتصادي حول التكافل الاجتماعي الى طبقية حادة قمتها الأثرياء وقاعدتها الفقراء. وواقع اجتماعي فيه ما فيه من الانحلال واستعلاء القلة واستضعاف الكثرة. هذا الحال في أمة تؤمن أنها مستودع الخير الى قيام الساعة يغذى التطلع للخلاص.
  • هنالك استدعاءات قرآنية للخلاص ففى كتاب الله آيات بينات واعدات بالخير:الآيات (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[2].

وفي تفسير هذه الآية روى ابن كثير الآتى: قال: ” حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ” ، ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَلَيَّ ، فَسَأَلْتُ أَبِي : مَاذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : ” كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ”[3].

وقال تعالي: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)[4]

  • وقال🙁 الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ)[5] وهكذا
  • وهنالك أدلة نقلية محددة تذكر المهدي الذي يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا. ومع اختلاف في العبارات فقد رويت عشرات الاحاديث في كتب الصحاح رواها الترمزى، والبزار، وابن ماجه ، والحاكم، والطبراني، وابو يعلى الموصلى وغيرهم واسندوها للصحابة : على ، وابن عباس ، وطلحة ، وابن مسعود ، وابو هريرة ، وانس، وام حبيبة، وام سلمة وغيرهم.

نتيجة للتطلع العام للخلاص، وللنصوص النقلية، قالت كل فرق المسلمين بعقيدة المهدية من أكثرهم ظاهرية كابن تيمية، الى اكثرهم باطنية كابن عربي ، ومن اكثرهم نقلية كالمحدثين، إلى اكثرهم عقلانية كالفلاسفة ـ مثلا ـ الفارابي في أهل المدينة الفاضلة.

صحيح هنالك من الأقدمين من طعن في عقيدة المهدي كابن خلدون ومن المحدثين من طعن فيها كذلك كاحمد امين. طعن ابن خلدون كان متحفظا لانه اعترف بصحة بعض الاحاديث.وركن إلى حجة سياسية وهى ان فكرة المهدية صارت مبررا للثورة وقلب النظم الحاكمة. أما حجة احمد امين فسندها للفكر العلماني العام الذي ينظر للحركة الاجتماعية خارج نطاق الدين.

لكل الأسباب المذكورة آنفا النقلية والوضعية صارت عقيدة المهدى تجسد اشواق اهل القبلة لمستقبل أسعد وأمجد.

رابعاً: ولكن عقيدة المهدية في الإسلام مختلفة باختلاف الفرق. هنالك اربعة مدارس سنية عن المهدية اهمها مدرستان إحداهما مقولة إمام القرن . والثانية مقولة آخر الزمان. وهنالك ثلاث مدارس شيعية. وهناك مدرستان صوفيتان. ومدرسة فلسفية. اى ان هنالك عشر مدارس مهدوية في الفكر الإسلامي.

هذا معناه ان عقيدة المهدية وهى عقيدة احيائية للملة الإسلامية صارت سببا آخر من أسباب التفرقة بين المسلمين ولا يرجي  ان يتفقوا حولها بالحوار كما لا يرجى ان يجبروا على عقيدة واحدة جبرا.

دعوة الإمام المهدي في السودان تجنبت التحديد بسلسلة نسب معينة، والتحديد يتوقيت معين، وجعلت المهدية أمرا وظيفيا خلاصتها الدعوة لاحياء الدين وتجاوز اسباب التفرقة. إذ قال صاحبها “فها أنا اوصيكم واياى بتقوى الله واتباع سنة رسول الله. واعلموا ان المهدية قائمة بهذين”.

هذه رؤية احيائية وظيفية لعقيدة المهدية. وقد تقبلها كثيرون بهذا الفهم. بهذا الفهم رحب بها الإمامان جمال الدين ومحمد عبده في العروة الوثقى. وبهذا الفهم ايدها الشيخ احمد العوام في كتابة: رسالة العوام لاخوانى أهل الايمان والإسلام. هذا في القديم. اما في الحديث فقد قال عنها د. عبد الودود شلبى: تمثلت في الدعوة المهدية في السودان كل حركات الاصلاح في عصرها.

النتيجة: ان دعوة الإمام المهدى في السودان ربطت عقيدة المهدية باحياء استثنائى قائم على خطاب غيبى لاحياء الدين بصورة وظيفية يمكن ان يجمع عليها كل المتطلعين لاحياء الدين انطلاقا من قطعياته وخطابا لمستجداته. الحجة الوظيفية هذه تقوم على مطلب: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ)[6].

خامسا: هنالك ثلاثة أسباب هامة وحيوية موجبة لوحدة نسبية بين المسلمين اليوم. أقول نسبية لأن الوحدة المطلقة مستحيلة والاختلاف سنة كونية. التدافع والتنافس والاختلاف جزء من الأمانة الإنسانية وسوف يرافقها في مصيرها. ولكن الوحدة النسبية ممكنة بل ضرورية للأسباب الآتية.

السبب الأول هنالك حاجة داخلية في البلدان الإسلامية لمشروع نهضوى إسلامى. الدين هو نص من وحى وتفسير أو استنباط بشرى منه. الاول (الوحى) ملزم ولكن الثانى صار ملزما بموجب منطق صورى، منطق القياس والاجماع. اما القياس فلا يطابق مقيسا مقاسا عليه بصورة كاملة ابدا، والاجماع لم يقع في غير البديهيات. لذلك كرس المنطق الصورى الاختلاف بين المذاهب والفرق. ولكن هنالك منطق مقاصدى يقوم على المقاصد، والحكمة، والعقل، والعدل، والمنفعة، والسياسة الشرعية، والإلهام الصائب. انه يتطلع للحاضر والمستقبل بينما المنطق الصورى مشدود للماضى. المنطق المقاصدى يفتح باب الاتفاق والمنطق الصورى يكرس الاختلاف.

في يوم 6/9/2006م دعت هيئة الأعمال الفكرية بالتضامن مع المستشارية الثقافية الإيرانية إلى سمنار حول المخلص والمهدي في التراث الإنسانى والديني. في ذلك السمنار قدمت محاضرة عن ايديولوجية المهدية تركيزا على التجربة السودانية.

وبعد استعراض لفكروية المهدية تركيزا على التجربة السودانية.

وبعد استعراض لفكروية المهدية في التراث الإسلامي ولدى الإمام المهدى في السودان خلصت إلى الآتي:

  • العقائد الماضوية بشأن المهدية كثيرة ولا يرجي ان يتفق أصحابها حول عقيدة واحدة لذلك يغرر بعضنا بعضا في مقولاتهم العقدية.
  • نعمل على إجراء حوار إسلامي إسلامي للاتفاق على برنامج نهضوى إسلامي يكون بمثابة ما يتطلع اليه الجميع من خلاص أو هداية. الحاضرون مع انهم ينادون بعقائد مهدوية مختلفة سنية وشيعية رحبوا بهذه الرؤية. وأنا أكررها هنا على أساس ان البرنامج النهضوى الإسلامي هذا تجسيد لتطلعات البعث الإسلامي الجامع لأهل القبلة.

سادسا: الموجب الثاني لوحدة المسلمين هو حاجة الإنسانية في تخبطها المعاصر لدين صالح للإنسانية المعاصرة. ان في الإسلام ما يؤهله لاسعاف الإنسانية بهذا الدين الإنسانى الجامع.

  • الأديان العالمية الأخرى تواجه مشكلتين يصعب عليها تجاوزها: الأولى انها تقرن الإنسانية بعقيدتها ولاتعترف بالإنسانية في حد ذاتها ففي اليهودية الإنسان بامتياز هو من نسل يعقوب عليه السلام اى من بنى إسرائيل. وفي المسيحية فان ابن آدم ملوث بالخطيئة الاولى ما لم يؤمن بفداء السيد المسيح. وحصرية الأديان العالمية الأخرى اشد خصوصية.

الثانية: أنها لا تؤمن بالتعددية الدينية بصورة مبدئية فان قبلتها فبحكم الأمر الواقع.

  • أما الايديولوجيات الوضعية فلم تستطع أن تغنى عن الأديان في إشباع حاجات الإنسانية بل أن اداء الايديولوجيات الوضعية المعيب أوجب الحاجة للدين.
  • فالماركسية وهى من أهم الأيديولوجيات الوضعية التي تقدمت لإنقاذ البشرية سقطت لأنها اختزلت الشأن الإنساني في المادة واختزلت الشأن السياسي في الطبقة واختزلت القيمة الإنتاجية في اليد العاملة ـ وركزت على العدالة على حساب الحرية.
  • المدارس العلمانية المختلفة تقاصرت دون إشباع حاجة الإنسان لأنها لم تجد أساسا قويا للاخلاق سوى المنفعة والمنفعة لاتصلح اساسا للواجب. كما انها خالية من الغائية والغائية تطلع انسانى لابد من إشباعة.
  • كانت المنطقة العربية بالذات مجالا لمشروع نهضوى قومى عربي عبرت عنه البعثية والناصرية. ولكن هذا المشروع النهضوى القومي العربي أخفق لأسباب أهمها:
    • لم يستطع إيجاد معادلة صائية لمسألة الدين.
    • لم يستطع استيعاب حقوق المجموعات القومية الأخرى غير العربية.
    • تخلى عن الحرية بل اعتمد على نظم الفاشستية الحديثة والتطبيق البيروقراطي للماركسية.

هذه العوامل بالإضافة للإخفاق في إدارة المعركة القومية أدى لإخفاق المشروع القومى العربي النهضوى الحديث.

في المقابل هنالك عوامل عالمية أدت للانبعاث في كافة الأديان. ونتيجة لهذه الحيوية عقد مؤتمر لكل الأديان العالمية في مدينة كانتربرى في بريطانيا في عام 1976م.

دعيت لذلك المؤتمر لتقديم ورقة باسم الإسلام، في تلك المحاضرة قلت إن للإنسان المعاصر حاجات روحية ـ عاطفية ـ أخلاقية ـ معرفية ـ مادية ـ اجتماعية ـ جمالية ـ رياضيةـ ترفيهية ـ بيئية.

إن على الدين أن يلبى تلك الحاجات في مناخ من الحرية والتعايش السلمى. وفى الجزء الثاني من المحاضرة قلت ان الإسلام ومن داخل نصوصه وبتفسير مشروع لتلك النصوص يستطيع تلبية تلك الحاجات. وقدمت دليلا على ما قلت.

كان رئيس الجلسة قسا انجليكانيا وبعد فراغى من المحاضرة قال إن مقدم الورقة قد قدم لنا نهجا جيدا لذلك اطلب من المتحدثين باسم الأديان الأخرى أن يقبلوا الجزء الأول من محاضرته وان يقدموا ويوضحوا كيفية الاستجابة للمطالب الإنسانية من داخل نصوص دينهم. ولكن لم يستطع أحد أن يفعل. ومهما كان السبب فان النظرة الفاحصة تؤهل الإسلام ان يستجيب لمطالب الإنسان المعاصر.

سابعا: هنالك حوالى 23 مسألة مختلف عليها بين المسلمين في تناول القضايا المعاصرة. وهى مسائل تقع ضمن المطالب الإنسانية العشرة المذكورة.

تناولت تلك المسائل في كتاب بعنوان نحو مرجعية إسلامية متجددة  وقدمنا اجتهادا فيه تعامل مع الوافد من الماضي دون انكفاء، والوافد من الخارج دون استلاب. ونزمع الدعوة لمؤتمر أهلى يجتمع فيه مائه مفكر وعالم لتداول الأمر وإصدار اجتهاد جماعى يشكل مرجعية إسلامية لتكون الأساس للمشروع النهضوى الإسلامي.

ثامناً: السبب الثالث الموجب لوحدة المسلمين المنشودة هو ما يحيط بنا من أعاصير. هذه الأعاصير ليست من فراغ. في الخمسينيات من القرن العشرين استقر في جامعة شيكاغو عالم ألمانى يدعى ليو شستراوس تحلق حوله عدد من التلاميذ منهم بول ولفوتيز وآخرون هم نواة من اطلق عليهم المحافظون الجدد أو الراديكاليون اليمينيون. هؤلاء قالوا ان امريكا قد كسبت الحرب الباردة وعليها ان تملى شروط السلام. والفوا فيما بعد وثيقة سميت اجندة القرن الامريكي الجديد.

فكر هؤلاء يدعو لهيمنة أمريكية احادية على العالم وجدوا بعض الترحيب في إدارة رونالد ريقان،ولم يجدوا ترحيبا في إدارة بوش الأب الذي كان يرى أن قوة أمريكا تكمن في قيادتها للآخرين بصورة تحقق لهم مشاركة لا تسوقهم بالإملاء الأحادي. ولم يجدوا تجاوبا من إدارة بل كلنتون. ولكن في إدارة بوش الابن وجدوا ترحيبا حارا.

الأستاذ البريطاني يرنارد لويس الذي هاجر لأمريكا في خمسينات القرن العشرين صاحب موقف عدائي ضد الإسلام والمسلمين ويعتقد أن المسلمين يعادون الحضارة الغربية من حيث هي لا لأسباب موضوعية وهو أول من صاغ عبارة صراع الحضارات في العصر الحديث وهي رؤية اكتسبت تأييدا كبيرا بعد نهاية الحرب الباردة في عام 1989م ودعمها الصهاينة لأنها تبرر التحالف الاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل الذي كان قائما أيام الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي ليستمر بقوة بعد إنهيار الاتحاد السوفياتي في إطار الصدام الحضاري بين الإسلام والغرب. هذا الاتجاه وجد تأييدا كبيرا من تيار الأصولية الإنجيلية الذي تخطي اللبرالية المسيحية المعهودة في أمريكا لينادي بدعم إسرائيل باعتبار أن وجودها وهيمنتها في منطقة الشرق الأوسط مقدمة ضرورية لمقدم السيد المسيح المنتظر. هذه التيارات الثلاثة صبت في يمين الحزب الجمهوري ووجدت تأييدا كبيرا من المحافظين الجدد وغذت التحالف الاستراتيجي بين اليمين الإسرائيلي الذي سيطر على سياسة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

هنالك عوامل كثيرة تفسر انطلاق الغلو الإسلامي منذ تسعينات القرن العشرين في فبراير 1998 كونت جماعات إسلامية الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبين شارك فيها: تنظيم القاعدة،  تنظيم الجهاد، الجماعة الإسلامية، وجمعية العلماء الباكستانية، والحركة الإسلامية ببنجلاديش. وأفتوا بأن قتل الأمريكي مدنيا كان أو عسكريا في أي مكان في العالم فرض عين على المسلمين. هذا الغلو مارس نشاطه حتى بلغ أوجه في حوادث 11/9/2001 في نيويورك وواشنطن. ومع أن اليمين الأمريكي لعب دورا هاما في تكوين وتمكين هذا الغلو الإسلامي لمحاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان فإن ظروف ما بعد نهاية الحرب الباردة، ووجود الاحتلال الأمريكي في أجزاء هامة من بلدان الشرق الأوسط والتحالف الأمريكي الإسرائيلي، هي العوامل التي حولت أنشطة الغلو الإسلامي ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

أحداث 11/9/ 2001 أعطت الرئيس الأمريكي جورج بوش وحلفاءه في يمين الحزب الجمهوري الأمريكي فرصتهم لشن حرب “صليبية” ضد  الفاشستية الإسلامية على نطاق عالمي. هكذا اتسمت السياسة الأمريكية بالأحادية، والاستباقية، والتصدي العالمي، وفي نطاق هذا التصدي نشأ استقطاب حاد بين الغزاة الأمريكيين والغلاة الإسلاميين. هذا الاستقطاب إذا استمر، أو إذا انتصر أحد طرفيه فإنه يؤذن بعهد ظلامي للعالم أجمع. أنه مصير لا يحول دونه إلا تغلب الاستنارة والاعتدال في الولايات المتحدة خاصة والغرب عامة، وتغلب الاستنارة والاعتدال في العالم الإسلامي والعربي، والتحالف الموضوعي بين تياري الاستنارة والاعتدال لبناء عالم أعدل وأفضل.

إن التقاعس عن تغلب الاستنارة والاعتدال، والتحالف بين تياراتها يعني تسليم الأمر لتيارات الغزاة والغلاة لتكتب أجندة مستقبل  الإنسانية الظلامي. هذا التقاعس يمثل تخليا عن رسالة الإسلام وخيانة للإنسانية.

الواجب الديني والإنساني يدعو لبعث صحوي إسلامي تقابله صحوة حضارية غربية لإنقاذ الإنسانية. هذا هو المفهوم الراشد لمستقبل العلاقة بين الأديان لا سيما المسيحية والإسلام، ولا معركة ” أرمجدون” والتي إن وقعت في ظروف أسلحة الدمار الشامل سوف تؤدى لفناء البشرية.

هذه العوامل مجتمعة تجعل اتحاد أهل القبلة في مجالاته الممكنة واجبا دينيا وإنسانيا.

 

 

[1] سورة النساء الآية 164

[2] سورة النور الآية 55

[3] حديث ابن عمر  رواه مسلم في صحيحه

[4] سورة الإنبياء الآية 105

[5] سور ة الحج الآية 41

[6] سورة  لقمان الآية 15