الوضع السياسي الراهن: على ضوء قرار مجلس الأمن رقم 1574

بسم الله الرحمن الرحيم

 كلمة الإمام الصادق المهدي في ندوة الأربعاء عن

الوضع السياسي الراهن: على ضوء قرار مجلس الأمن رقم 1574

دار حزب الأمة القومي 1/ 12/ 2004م

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله،

أخواني وأخواتي أبنائي وبناتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أشكر المسئولين عن ندوة الأربعاء على مثابرتهم لإقامة هذه الندوة، فهم بذلك يساهمون في التعبئة السياسية والفكرية العامة لمواجهة التحدي الخطير الذي تواجهه البلاد.

بدءاً أود أن أؤكد- وهذا ليس رجما بالغيب بل تحليلا سأبين تفاصيله لاحقا- أن المؤتمر القومي الدستوري سوف يعقد إنشاء الله رغم رفض النظام له لأن عقده ضرورة واقعية ولا يغير من حقائق الواقع شيئا عدم إدراك البعض لها. وهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها النظام رفضه لخيارات معينة ثم يضطر لقبولها، وفي هذا الصدد فإن للنظام عددا من اللاءات أسميها “لاءات قصر النظر” وهي قوله “لا” عندما قلنا بعد وقوع الانقلاب أن الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة وهي الآن عائدة وراجحة وفقا لما يجري من ترتيبات، وقوله “لا” لأن تكون المواطنة هي الأساس للحقوق والواجبات الدستورية عندما ورد ذلك في قرارات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية والآن قبل النظام بهذا الخيار، وقوله “لا” لحق تقرير المصير في الجنوب كمدخل لقيام الوحدة في السودان على أساس طوعي، والآن اعترف النظام رسميا بذلك فكل لاءات قصر النظر زالت بفعل ضغط الواقع الذي يفرض نفسه فرضا.

سيعقد المؤتمر الدستوري إنشاء الله. وسيكون الحافز والدافع لانعقاده واحدا من ثلاثة أسباب:

  • أن يطالب به حملة السلاح، فالنظام لا يسمع ولا يفهم إلا من هؤلاء.
  • أن تطالب به الأسرة الدولية وهي ذات بصمات واضحة على كل شيء فيما يتعلق بمشروع السلام حتى أن بروتوكولات السلام كتبت باللغة الإنجليزية ولم تترجم حتى الآن ترجمة رسمية. إننا نكاد نشم فيها رائحة “الكدوس” الذي استخدمه كاتبها!.
  • أن يواجه النظام بإضراب عام من الشعب السوداني.

في اعتقادي أن الأسرة الدولية سوف تستجيب لمطلب المؤتمر الدستوري نتيجة للفشل المتكرر لاتفاقيات السلام الثنائية، فكلما عقد اتفاق بين الحكومة وأحد الفصائل المسلحة ينقض في غضون عشرة أيام مما يطرح سؤالاً أمام الأسرة الدولية لماذا تبقى هذه الاتفاقيات الثنائية معلقة في الهواء؟!.

إن السياسات الخاطئة التي انتهجها النظام تسببت للسودان في سبتين:

الأولى: العنف:

سياسات النظام أعطت العنف ميزة، حيث إنه لا يستمع إلا لمن يسند رأيه بالبندقية، ونتيجة لذلك تفاقمت ظاهرة العنف فكل جماعة تأنس في نفسها القوة، ترفع راية وتدافع عنها.

الثانية: التدويل:

يمكننا أن نقول الآن بأن الأمم قد تداعت علينا  كما تتداعى الأكلة على قصعتها، فالسودان الآن للأسف مستباح ، وكل ذلك نتيجة لسياسات النظام العازلة للآخرين والمتجاهلة للواقع والمحتكرة للسلطة والثروة، فدولت أمر البلاد وأصبح تمزقها أمرا ماثلا للعيان في كل مكان.

مشكلة دار فور:

قرار مجلس الأمن الأخير رقم “1574” بشأن  دار فور جاء قرارا قصير النظر، إذ كيف يقول رئيس مجلس الأمن أن المكان المناسب لمعالجة مشكلة دار فور هو أبوجا وليس مجلس الأمن في حين أن مشكلة دار فور كانت هي المدخل للاهتمام الأخير للأسرة الدولية ومجلس الأمن بالشأن السوداني، فقد سبق له وأصدر قراريه رقم 1556 و1564، هذا الاهتمام الدولي الكبير بدار فور جاء نتيجة لأن الكارثة الإنسانية في دار فور حركت الضمير العالمي، صحيح هناك مجهود إقليمي لحل المشكلة الشمالية الجنوبية في كينيا، ومجهود إقليمي كبير لحل المشكلة الدار فورية في أبوجا ولكن مجلس الأمن وقد رأى أن هناك ضرورة لإفراد جلسة خاصة لموضوع دار فور ليحث كل الأطراف للاهتمام بموضوع السلام ما كان ينبغي له أن يتخذ هذا القرار الذي يناقض ما ذهب إليه الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان في ضرورة أن يكون الحل لمشكلة السلام في السودان شاملاً.

وإجابة على تساؤل د. فاروق كدودة أن الخطر الذي يمثله كوفي عنان في نظر الإدارة الأمريكية هو رأيه بعدم شرعية الحرب على العراق وهذا تناقض أساسي مع السياسة الأمريكية.

يجب أن نتفق أن دار فور لها نوعان من المشاكل: مشاكل قديمة موروثة معروفة سأعد أهم سبعة منها ومشاكل صنعت في مصانع الإنقاذ. علينا أن نعرف الفرق بين النوع الأول والثاني، ثم نبحث في الحلول، المشاكل القديمة هي: النزاعات القبلية، الصراع على الموارد بين المزارعين والرعاة، النهب المسلح، التوترات على الحدود، التظلم التنموي والخدمي، ووجود جماعات مسلحة سمت نفسها “الجنجويد” كانت كجماعات مسلحة عاملة في إطار خاص بها، التطلع للمشاركة السياسية في أعلى مستوى. هذه مشاكل موجودة في دار فور والحقيقة أنه انعقد مؤتمر في 1989م في آخر أيام الديمقراطية سوف أنشر قراراته وتوصياته لأن هذا المؤتمر تم التحضير له بمجهود كبير جدا من قبل الحكومة الديمقراطية لمواجهة مشاكل دارفور المذكورة وفي الحقيقة اجتمع له كل ممثلي القوى السياسية والاجتماعية والدينية والقبلية في دار فور إضافة للمثقفين من أبناء دار فور، وكان يجب أن يحضره يوم السبت 1 يوليو 1989م كل من السيد محمد عثمان الميرغني والدكتور حسن الترابي والسيد محمد إبراهيم نقد والسيد ألدو أجو ممثل الجنوبيين وشخصي، وكانت التوصيات معدة، وكان المؤتمر يواجه كل مشكلات دار فور الموروثة لإيجاد الحلول لها، وقد كانت الطائرة معدة لأن تقلنا يوم السبت لحضور المؤتمر ومباركة هذه التوصيات. فوقع الانقلاب يوم الجمعة، وبكل سطحية تبنت الإنقاذ قرارات المؤتمر واعتبرت المؤتمر جزءا من إنجازاتها، وقالت أنها أنجزت هذا الإنجاز في 24 ساعة! قالوا قولتهم هذه ومنذ ذلك الوقت نسوا المؤتمر نهائيا “من ديك وعيك”. هذا المؤتمر الذي كان يجب أن يحل كافة المشاكل ضمن رؤية قومية تعطي أولوية أساسية لمشكلة دار فور صادرته الإنقاذ في آخر أيامه وتركت الأمر كما هو وهذا مما خلق الحزازات في الإقليم لأن كل الأفكار والآراء والتوصيات التي كان من المفترض أن تعالج هذه المشاكل تم الإعلان عنها ولم ينفذ منها شيء.

الإنقاذ شعرت بأن ولاء دار فور الديني والسياسي ليس لها، وهي منطقة تتميز بحماسة دينية فلا يمكن أن تترك هكذا، فهناك شواهد تاريخية تدل على حماسة دارفور الدينية منها أن كثيرا من سلاطينها كانوا صالحين يدعون للدين ومما يدل كذلك على هذه الحماسة الدينية أن السلطان علي دينار رحمه الله لما قامت الحرب العالمية الأولى اعتبر أنه من الواجب عليه -كدولة إسلامية- دعم الخلافة الإسلامية فوقف مع السلطنة الإسلامية ضد الإنجليز، وضحى بمصلحته في سبيل التزامه الديني للخلافة العثمانية في ذلك الوقت. هناك تراث عميق للحماسة الدينية في دار فور فظن النظام أنه الأولى بالاستفادة من هذه الحماسة لذلك أراد استمالة جماهير دار فور فخطط لتمزيق النسيج الاجتماعي بها لتحقيق مكاسب معينة، إنني الآن أكتب كتابا عن دار فور “كتاب دار فور” وسأناقش فيه كل هذه القضايا وأوضحها تفصيلا حتى نعرف ما الذي حدث: وكيف مزقت السياسة قصيرة النظر النسيج الاجتماعي في دار فور إربا إربا من أجل الكسب السياسي للسلطة.

المشاكل التي صنعتها الإنقاذ:

  • تحول الصراع القبلي إلى صراع إثني متجاوز للقبيلة:

إلى أن قامت الإنقاذ كانت هناك صراعات قبلية بين المعاليا والرزيقات، الميدوب والبرتي وغير ذلك، ولكن أن تتجمع قبائل متعددة تجمعها صفة عرقية أو إثنية وتدخل في مواجهة مع قبائل أخرى متعددة وتجمعها صفة عرقية أو إثنية مختلفة فهذه ظاهرة جديدة ظهرت في عهد الإنقاذ، فقبائل دار فور مختلطة ومتمازجة وفي العهد الديمقراطي كان حاكم إقليم دار فور هو التجاني سيسي الذي زكاه أربع وثلاثون نائبا من حزب الأمة منهم العرب وغير العرب فحتى قيام هذا الانقلاب لم يكن يوجد مثل هذا الشعور الإثني المتجاوز للقبلية.

  • جنجويد القطاع العام:

عندما شعر النظام بنجاح الحركات الحاملة للسلاح استدعى كثيرا من القبائل على أساس إثني فكون منهم “جنجويد قطاع عام” حيث كان الجنجويد قبل ذلك يوجد كجماعات معزولة خارجة عن القانون، أي جنجويد قطاع خاص.

  • التحرك السياسي العابر للحدود الإقليمية داخل السودان والعابر للحدود السودانية:

أعني بالعلاقات العابرة للحدود الإقليمية تلك العلاقات التي نشأت بين حملة السلاح والجيش الشعبي لتحرير السودان، والعابرة للحدود الوطنية تلك العلاقات التي تمت بين عناصر في دار فور وعناصر خارج السودان هذا العمل السياسي المشترك وهذا النوع من التضامن جديد جاء مع الإنقاذ.

  • المأساة الإنسانية: التي دفعت بمليون شخص للنزوح إلى مناطق داخل دار فور وما يزيد عن مائة ألف شخص إلى خارج السودان والمآسي التي ترتبت على ذلك ظاهرة متعلقة بنظام الإنقاذ.
  • السمعة العالمية السيئة التي جعلت المادة المتعلقة بدار فور من المآسي الإنسانية في أهم وكالات الأنباء تفوق السبعة عشرة مليون إشارة.
  • التدويل: تدويل الشأن السوداني ودخول قوات أجنبية للسودان لحفظ الأمن في السودان ظاهرة ليست لها سابقة.
  • التجريم: أن يعتبر عدد من المسئولين السودانيين مجرمو حرب ويحدث الآن تحقيق ليعرف من هم حتى يقدموا لمحاكمات تجريمية هذه ظاهرة جاءت مع الإنقاذ.

وهذه السبعة مشاكل جداد لنج جاءت مع الإنقاذ.

بعد وقوع هذه المآسي جاءت محاولات للحل ابتداء من الاتفاقية الأولى إلى الاتفاقية الأخيرة في أبوجا هناك عشرة اتفاقيات لم تنفذ فيها واحدة والآن مجلس الأمن يريد التوقيع على اتفاقية جديدة.

الاتفاقات الثنائية هشة. لماذا؟ للأسباب الآتية:

  1. غياب الديمقراطية والمشاركة والشفافية:

يقوم الوسطاء بتسليط الضغوط المختلفة على وفدي التفاوض سواء في نيفاشا أو أبوجا، وعن طريق الترغيب والترهيب يجبروهما على التوقيع على اتفاقيات دون أن يرجع أي من وفدي التفاوض لقاعدته فيشاورها بشأن محتوى الاتفاق حيث تحصر هذه الوفود في عزلة تامة “تؤخذ منهم الموبايلات وتقطع عنهم الاتصالات” فيوقعون على هذه الاتفاقيات التي تظل معلقة في الهواء، لغياب الشفافية والمشاركة و”ده دفن الليل أب كراعاً برة” ولذلك تكون هذه الاتفاقيات “من الطوق ولي فوق” وهذا شأن أي قرار غير ديمقراطي، لا يمكن تنفيذه إلا بالقوة.

  1. التناقض بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية:

نتيجة لما هو حادث الآن من إعلاء لشأن البندقية نجد أن من يحملون البندقية يحاولون الإملاء على من يتفاوض نيابة عنهم من الساسة فيقع التناقض.

  1. تغييب القوى السياسية ذات الوزن والتي تمثل أغلبية الشعب السوداني، وهذا تعلمه الأطراف المشتركة في التفاوض الثنائي نفسها.

كل الأسباب السالفة الذكر تجعل القرار الثنائي هشا فما العمل؟

الأمم المتحدة تفكر في مسلك العقوبات وفي اعتقادي هذا مسلك خاطئ لأن العقوبات تعاقب الشعب السوداني وليس المسئولين، والحل الأفضل في تقديري هو:

أولاً: اتخاذ إجراءات إصلاحية فورية تشمل تغيير قيادات دار فور الحالية بقيادة تتمتع بثقة القاعدة الشعبية يتم اختيارها على أسس موضوعية، لأن القيادة الحالية لا تتمتع بأدنى ثقة فهي متهمة اتهامات كبيرة وخطيرة ويتم ذلك في سياق إصلاحات إدارية شاملة وفورية.

ثانيا: تكوين هيئة قومية للإشراف على الإغاثة:

منظمات الإغاثة الآن ليست محايدة ولها آراء فيما يحدث فغياب الرقابة الوطنية عليها مشكلة كبيرة، فلا بد أن تشرف على الإغاثة هيئة قومية غير حزبية ليست مع الإنقاذ أو ضدها، على رأسها شخصيات سودانية موثوق في نزاهتها وموضوعيتها لتتولى أمر تنظيم الإغاثة، وموضوع الإغاثة في غاية الأهمية لأن دار فور تعاني من نكبة كبيرة بسبب فقدان الموسم الزراعي مما يعني أنها ستكون وحتى الخريف المقبل في حوجة إلى الإغاثات، فنحن في حوجة لجذب الإغاثات وليس طردها، ولكن بشرط الإشراف عليها من جهة قومية حتى لا تستغل لأغراض أمنية أو غير ذلك.

ثالثا: تكوين لجنة قومية لتقصي الحقائق:

لا بد من لجنة قومية سودانية تشترك فيها كل القوى السياسية والقبلية وغيرها لتقوم إلى جانب اللجنة الدولية بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبت في حق المدنيين لتحديد الجاني والمجني عليه ومن ثم تعويض من ظلموا، وهذا تفرضه الحوجة الملحة لخلق مناخ جديد في دار فور، مناخ الثقة الذي بدونه لم نحل أي مشكلة.

رابعا: الملتقى الجامع:

الاتفاقيات الثنائية بين الحكومة وحاملي السلاح والتي غيبت غالبية أهل دار فور لا مستقبل لها ولن تحل القضية فلا بد من أن تعرض هذه الاتفاقيات على منبر جامع ليقرر بشأنها، والأسرة الدولية لا بدأن تدعم أمرين هامين: إجراءات فورية لبناء الثقة وإقامة ملتقى جامع أو اعتبار دار فور جزءا من أجندة المؤتمر القومي الدستوري فتبحث قضيتها هناك، فتشترك كل القوى المعنية بالشأن السوداني في بلورة قرارات سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية وإدارية  لحل قضايا دار فور المعلقة، أما ما يحدث الآن فهو ضياع للزمن وإتلاف للأعصاب ولن يقدم حلا للمشكلة.

 

السلام:

لا شك أننا إلى جانب القوى السياسية الأخرى عملنا على تعزيز مشروع السلام، واتفاقيات السلام الحالية تبنت كثيرا من الأفكار الواردة في مقررات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية عام 1995م، ولذلك رحبنا بهذه الاتفاقيات، والسؤال الذي يطرح علينا الآن هو:

ما الداعي لقيام المؤتمر الدستوري ما دمتم مرحبين باتفاقيات السلام.

دواعي المؤتمر الدستوري:

أولا: الانتقال بالاتفاقيات من الثنائية إلى القومية:

هذه الاتفاقيات تمت في غرفة ونحن نريدها أن تتم في زفة! حتى يكون وراءها زخم شعبي فيمتلكها الشعب ويعتبرها تمثله فيلتزم بها، فاتفاقيات السلام الحالية لا تنحصر التحفظات عليها في أوساط المعارضة بل توجد تحفظات عليها داخل النظام نفسه، فحتى تقبل هذه الاتفاقيات لا بد أن يكون هناك اقتناع بها أما سياسة “يا تدري يا أكسر قرنك” فغير مقبولة.

من الجهات التي تحفظت على الاتفاقيات داخل المؤتمر الوطني:

  • قام أربع وأربعون نائبا من المجلس الوطني ممن يمثلون قبائل التماس بين الجنوب والشمال بكتابة مذكرة مفادها أنهم يرفضون هذه الاتفاقيات. وبالطبع نحن لا نعترف بصدق تمثيل المجلس الوطني للشعب السوداني لأنه تكون في ظل تغييب الآخرين ولكنه على كل حال يمثل بعض الفئات.
  • د. غازي صلاح الدين المستشار السابق لرئيس الجمهورية لشئون السلام له رأي.
  • جماعة منبر السلام العادل من المؤتمر الوطني لهم رأي.
  • عقدت ندوة في الأكاديمية العسكرية أبدى فيها قادة عسكريون من القوات المسلحة تحفظات واضحة على اتفاقية الترتيبات الأمنية.
  • الندوات التي ناقشت اتفاقية تقسيم الثروة والتي حضرها أعضاء من المؤتمر الوطني أظهرت تحفظات على هذه الاتفاقيات.
  • قوات دفاع جنوب السودان: رفعت خطابا للجنرال لازارس سيمبويا كتبه قائدهم اللواء “كلمنت واني” تقول فيه أنها لن توافق على ما اتفق عليه ما لم يتم إشراكها، وهؤلاء يدعون أنهم يسيطرون عن سبعة ولايات من ولايات الجنوب العشرة، وقرنق يدعي أنه مسيطر على 80% من أراضي الجنوب، ولكننا لن نعتمد صحة زعم أحدهما، وسوف نعتمد في تقييمنا لقوة دفاع جنوب السودان على ما ذكرته مؤسسة بحثية غربية هي معهد الدراسات الأمنية: Institute for security studies والتي ذكرت عن هذه القوة ما يلي:

قوة دفاع جنوب السودان تسيطر على كثير من أعالي النيل وشرق الاستوائية وبحر الجبل وأجزاء من شمال وغرب بحر الغزال ولها موقع استراتيجي إذ أنها تقوم بتأمين القوات المسلحة السودانية المرابطة في المدن التي تحيط بها هذه القوة وهي بانتيو، واو، جوبا، توريت، الناصر، أزار، ملكال، كما تساهم هذه القوة مساهمة أساسية في تأمين حقول البترول في غرب وشرق أعالي النيل، فحسب رواية هذه المؤسسة فإن استبعاد هؤلاء من عملية السلام لا يمكن أن يؤدي إلى سلام مستدام.

إذن في معسكر الحكومة هناك شكوى من عدم المشاركة ناهيك عن الأمة والاتحادي والقوى السياسية الأخرى فلا بد من إشراك هؤلاء إن كانت هناك جدية في مشروع السلام.

أما في الحركة الشعبية فهناك أيضا من يطالب بالمشاركة ويدور الآن حديث عن انقسامات، ونحن ضد الانقسامات ونحرص على وحدة القوى السياسية وفي اعتقادي أن الانقسامات والانشقاقات تنشأ من غياب الديمقراطية والمشاركة والشفافية مما يؤدي إلى استئثار مجموعة معينة بالرأي وعزل الآخرين وسوف أفصل لاحقا في الحديث عن الانشقاقات في الأحزاب السياسية. أما الحركة الشعبية فنرجو منها أن توحد صفوفها وتحل مشاكلها ليس من أجل أن تكون زميلا وحليفا للإنقاذ فالتحالف الثنائي هذا ميت، بل لكي تكون حليفا للمصلحة الوطنية السودانية، فعلى الحركة الشعبية أن تسعى لحل مشاكلها – وهي مشاكل حقيقية- عبر الديمقراطية والمشاركة الموسعة، أما أن تكتفي باتفاقها مع الإنقاذ وكأنها تقول بلسان الحال “ما همانا ما دام حبيبنا معانا” فهذا موقف مرفوض في القضايا السياسية التي تتطلب الشفافية والمشاركة الواسعة. على عكس القضايا العاطفية حيث يدوم الوفاق بين اثنين أما دخول طرف ثالث فيسبب الإزعاج كما يقول المثل الإنجليزي: Tow in a company and three in a crowded  ففي المسائل العاطفية يختار الناس ما شاءوا أما في المسائل الوطنية والقومية فلا بد من سعة المشاركة.

ثانيا: قضية التهميش:

هناك شكوى من أن السودان منذ استقلاله لم يحكم ديمقراطيا وسبب ذلك هو الطائفية التي لا توسع قاعدة المشاركة، صحيح أن الولاء الطائفي وخصوصا إذا كان القائمون عليه من المتحجرين يمنع المشاركة، ولكن مهما قيل عن هذا الحجر الطائفي فإن الحكومات الديمقراطية التي توصم به لم تتعد على حقوق الإنسان أو الحريات الأساسية أو الدستور أو استقلال القضاء أو حيدة الخدمة المدنية أو قومية القوات المسلحة، بينما تعدت الطائفية العسكرية على كل هذه الأشياء ومزقتها.

قضية التهميش نتجت عن المركزية الصارمة التي تسبب فيها الحجر الطائفي والحجر العسكري الدكتاتوري، والمركزية مهما كان لون من يمارسها فسوف تصنع التهميش الذي يؤدي إلى الاحتجاج المسلح، ولمناقشة مثل هذه القضايا لا بد من قيام المؤتمر الدستوري.

ثالثا: الاختلاف في فهم وتفسير الاتفاقيات:

لقد استخرجت من هذه الاتفاقيات عشرين نصلا لكل منها أكثر من تفسير، وأكثر من فهم، فعلى سبيل المثال هذا نص من اتفاقية الترتيبات الأمنية: “the parties agree to address the status of other armed groups in the country with the view of achieving comprehensive peace and stability in the country and to realize full inclusiveness in the transition process” .  هذا النص جاء بعد نصوص تتحدث عن وجود قوتين عسكريتين فقط هما الجيش السوداني والجيش الشعبي لتحرير السودان ثم أتى بما يناقض ذلك: الحزبان يتفقان على مخاطبة موقف القوى المسلحة الأخرى بفكرة الإحاطة والمشاركة الشاملة في الفترة الانتقالية.

فإذا كانت هذه النصوص في ذاتها مختلف على تفسيرها كيف يرفضون عرضها على مؤتمر قومي ليكون هناك تفسير وفهم متفق عليه بشأنها وفي بروتوكول مشاكوس نفسه هناك نص على تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال وهنا لا بد من التحديد شريعة الإنقاذ أم شريعة كل المسلمين، فهناك اجتهادات مختلفة في فهم الإسلام ويجب الاحتكام إلى الشعب ليقرر أياً من الاجتهادات يريد. إن الاتفاق الثنائي ملزم للإنقاذ وللحركة الشعبية ولكنه غير ملزم لغيرهم وهم على أقل تقدير 40%  من الشعب السوداني وهذه نسبة لا يمكن تجاوزها.

وكل من قابلناه من الأسرة الدولية واجهناه بهذه الحقائق، وحتى الحكومة والحركة وهما طرفا هذا الاتفاق نجد أن هناك حروبا تشتعل بينهما في الميدان وهي حروب بالوكالة، وكل من الحكومة والحركة يقول في الآخر أسوأ مما قال مالك في الخمر، فلم تبق صفة سوء لم يقلها أحدهما عن الآخر: الكذب والغدر والخيانة وكل ذلك دلالة على هشاشة الاتفاقيات لغياب المشاركة، فإن عقدت هذه الاتفاقيات في مؤتمر قومي فكل من يتحدث بلغة الإساءة للآخر يكون الآخرون شهودا ضده،  فالمؤتمر القومي ضمانة داخلية لا بد أن يمر عبرها الضمان الخارجي كما حدث في جنوب أفريقيا ولبنان، والمجتمع المدني في السودان أقوى منه في كل من لبنان وجنوب أفريقيا فكيف يهمش هذا المجتمع ويسقط دوره؟

فهناك ثلاثة عوامل سوف ترجح قيام المؤتمر الدستوري الموقف الشعبي أو مطالبة حملة السلاح أو مطالبة الأسرة الدولية، وفي اعتقادي أن الأسرة الدولية عقلانية، وأنا الآن أتابع بدقة مناقشات الأمريكان عن تخطئة أنفسهم حيث صدرت مذكرة عن البنتاجون “وزارة الدفاع الأمريكية” تناقش خطأ الخطاب الأمريكي في العالم الإسلامي الذي تسبب في إشاعة الكراهية للأمريكان وضرورة تصحيحه فمن الممكن أن يحدث تغيير في الموقف الأمريكي الداعم للاتفاق الثنائي إذا تبين له بالحجة ضرورة وأهمية الاتفاق القومي.

الانشقاقات في الأحزاب:

تحدث الانشقاقات في الأحزاب لأسباب مختلفة منها: عدم تطور القيادة، تغييب الرأي الآخر وعدم الاستماع له، غياب المؤسسية عدم مخاطبة القوى الجديدة من الشباب والمرأة وإشراكها، غياب الوعي بالبعد الإثني والجهوي وغير ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى التحجر الذي يتسبب بدوره في الانشقاقات.

بالنسبة لنا في حزب الأمة أشهد الله أننا لم نغيب أحدا عن أي قرار ولم نسئ إلى أحد ولم نهمش أحدا أو نسفه رأيه ففي كل قضية اتخذت قراراتنا بالإجماع ونحن على استعداد للتحقيق في هذا الأمر بواسطة جهة محايدة، ولذلك فإن الذي حدث في حزب الأمة ليس انشقاقا بل ما حدث هو أن هناك اناساً استخدمتهم جهة خارج حزب الأمة لمنافع معينة، وقد أدار حزب الأمة هذه الأزمة بدرجة عالية من الكفاءة ووضوح الرؤية، وإلى الآن نحن ضد أي تسوية فردية وضد الترتيبات القائمة على الازدواجية، نريد أن نقيم المشاكل التي تحدث في الاحزاب كجزء من تطور الحركة السياسية في البلاد فنحن نريد من إخواننا وأخواتنا الذين تحولوا إلى أضحوكة بسبب مطاردتهم للوزارات أن يقيموا تجربتهم مع الشمولية حتى يكون في ذلك درس للآخرين، فالشمولية إن اتبعتها يمكن أن تسخرك ولكنها لا تتسع لرأي، وعليهم أن يعترفوا بخرقهم للمؤسسية في حزب الأمة، فإذا أراد هؤلاء المنشقون فتح حوار مع الحزب فلابد من استرداد المؤسسية وخارج هذا الإطار فلا رغبة ولا مصلحة في مناقشة هذه القضية.

وفي الختام أقول للإخوة في الحكومة إذا أرتم أن تحلوا مشاكل السودان التزموا بالآتي:

  1. الإسلام يطبق باجتهاد أغلبية المسلمين لا اجتهاد حزب واحد وأعوانه.
  2. الجيش السوداني سوف يكون قوميا بمقاييس تتفق عليها كل الأحزاب ذات الوزن في الشمال والجنوب.
  3. لجنة الدستور يجب أن تكون قومية بمفهوم يقيم القوى السياسية.
  4. المفوضيات المستقلة سوف يكون تكوينها قوميا بالمفهوم الواسع.
  5. الانتخابات لكل المناصب الدستورية يجب أن تجري في النصف الأول من الفترة الانتقالية وتحت إدارة قومية مستقلة.
  6. يكفل حقوق الإنسان ويشرف على ذلك هيئة قومية مستقلة.
  7. المطالب الجهوية ذات طابع مشترك لا مركزية الحكم ـ المشاركة العادلة في السلطة المركزية ـ التوازن التنموي والخدمي ـ كفالة حقوق التعددية الثقافية والدينية ـ
  8. لكي ترفع المظالم وتهيأ النفوس يعتمد نمط جنوب أفريقيا وتكوين هيئة الحقيقة والمصالحة على نفس النمط.
  9. الدعوة لملتقى جامع للتصديق على ما اتفق عليه ثنائياً وإضافة هذه البنود.
  10. تكوين الحكومة الانتقالية القومية ومهما كانت نسب المشاركة فيها فإنها وكافة القوى السياسية المشاركة فيها وغير المشاركة فيها يجب أن تلتزم بهذه النقاط العشر.

نحن نريد عقد المؤتمر القومي الدستوري حتى يحقق هذه النقاط ويفسر العشرين نقطة المختلف عليها في الاتفاقيات ليس لأننا نريد (طابور اتفاق وطابور مؤتمر ) ولكن لأن هذا المؤتمر هو الذي سوف يجعل الاتفاق ناضجا وإلا سيكون الاتفاق غير ناضج (والني يرجع للنار).