اليوم التالي مع الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

الإمام الصادق المهدي
سماحة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد للحكماء والرؤساء السابقين المنتخبين ديمقراطياً والمفكر السياسي والإسلامي

 

 

ديسمبر 2017

 

 

حاورته في القاهرة ـ صباح موسى

 

** تجاذبات في الداخل وتطورات على المستوي الأقليمي والدولي، فيما تمضي الحكومة في سياستها المعلنة لنزع السلاح وتتباين الرؤى حول ما يمكن أن يحدث في انتخابات 2020 يبدو الوضع ضبابيا في ما يتعلق بمرشحيها ومن ينافس الآخر، زيارة رئيس الجمهورية لروسيا مبرراتها ومآلاتها، ما يمكن أن يستجد في ما يتعلق بالتواصل بين الخرطوم وواشنطن وهل ستغرق دول الحوض في (سد النهضة)؟
من القاهرة التي يزورها السيد المهدي مشاركاً في مؤتمر المياه، يحلل إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة السيد الصادق المهدي الأوضاع في البلاد وفي الإقليم وينعت العلاقات السودانية المصرية بالمتدنية ويقول إن الموقف اللائق بالسودان هو أن يكون (توفيقيا)، يعلن المهدي رفضه المشاركة في الانتخابات مثلما يرفض اعتزال العمل السياسي وتوريث أبنائه ويؤكد على أنه سيعالج المعارضة
وكعادة الإمام أدلى بدلوه بما هو مفيد ومثير وكاشف للأوضاع. تحدث معنا عن كل التطورات على الساحة الداخلية وعرج بنا لكل الأوضاع بالمنطقة، أسهب في الحديث وهاجم وسدد النصائح.. وفي ما يلي مقتطف من مقابلة مطولة مع (اليوم التالي):

* بداية ما هو موقفكم من استحقاق انتخابات 2020 ومرشحيها؟
نعارضها.. ونعارض الانتخابات أصلا، أقول إن السودان به 5 احتمالات الآن؛ الأول استمرار النظام كما هو وفي رأيي هذا تدحرج نحو الهاوية، الثاني (المَوْجبة) من موجابي بمعنى أن النظام يحافظ على نفسه ويغير أشخاصا، واحتمال المغامرة، لأن هناك تناقضات داخل النظام الآن مثل ما يحدث في دارفور وغيره، ويمكن أن يؤدي إلى المغامرات، فهناك أشخاص يتحدثون بلغة لا تحترم الدولة الحديثة ولا مؤسساتها، ويفكرون أنه بالمال والبندقية يمكن أن يعملوا أي شيء، وهناك ما نسميه الحوار باستحقاقاته، والربيع السوداني الثالث، فهناك خمسة احتمالات تنتظر السودان.

* بدت المعارضة وكأنها تتراجع عن شعارات إسقاط النظام بالقوة، قيادات الحركات المسلحة تتحدث عن إنهاء الحرب بدارفور وعقار يدعو للدخول إلى الانتخابات.. ما دلالات ذلك؟
هناك عوامل كثيرة الآن بالمعارضة تحتاج لعلاج، وعندنا في حزب الأمة اتصالات بكل الأطراف وسوف نعالجها، نطرح الآن ميثاق الخلاص الوطني ونتطلب أن يوقع كل الناس عليه.

* عفوا سيد الصادق؛ ألم تمل من كثرة المواثيق والمبادرات؟
بالعكس، مواثيقنا ساهمت في عزل النظام وتعريته والآن صحيح هناك مشكلة في أن تكون لدينا رؤية موحدة، لكن في رأيي هذا ممكن.

* كيف ذلك والمعارضة في قمة تفككها وتسعى لدخول الانتخابات التي كانت ترفض مجرد الحديث حولها؟
كل مشاكل المعارضة في رأيي تعالج، إذا نظرت للمعارضة في الدول العربية نحن عافيتنا أكبر.

* في معادلة الحركة الشعبية المنقسمة على نفسها هل تتعاملون مع تيار الحلو أم تيار عقار؟
نحن في حوار معهم لمعالجة الموقف بينهم.

* وما رأيك في أداء المؤتمر الشعبي بعد الترابي؟
في رأيي ما زال المؤتمر الشعبي يبحث عن دور.

* كيف تقرأ نتائج زيارة رئيس الجمهورية إلى روسيا في ظل التقارب مع أمريكا؟
إن هذا النظام يفتقد الرؤية في تحديد خطواته، ويفتقد الموضوعية في علاقته بإيران والمرجعية في ما يتعلق بتواصله مع الولايات المتحدة الأمريكية.

* هل للأمر علاقة بصراع القوى داخل السودان؟
وارد… وارد.. ولكن في رأيي أكثر أنه تخبط، وفي رأيي أنه تخبط ينتج تناقضا، فلا يمكن أن تقيم علاقات مع إيران ومع السعودية في الوقت ذاته.

* هل يمكن أن تكون لهذه الزيارة انعكاسات سلبية على علاقة الخرطوم بواشنطن؟
رأيي حتى الآن أن الأمريكان يتعاملون مع (الزيارة) كشيء معزول وليست كسياسة متفق عليها، وهناك ناس من داخل النظام يستنكرونها وهناك رفض لها على مستوى وسائط التواصل الاجتماعي.

* هناك حديث بأن ما جاء في زيارة روسيا كان رد فعل للمطالب الأمريكية لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب؟
جائز.. لكن سياسة الحكومة كلها انفعالات.

* كيف يتم توصيف العلاقات السودانية المصرية في الفترة الحالية؟
في رأيي هي متدنية.

* ما تعليقك على تجميد مصر للمسار الفني في مفاوضات سد النهضة؟
لابد من نقد ذاتي بأننا أهملنا دول المنطقة، وافترضنا أنهم سيسلمون بالأمر الواقع حيثما يكون، أخطر ما في الأمر اتفاقية 1959 بين السودان ومصر، هذه الاتفاقية صحيح أنها قسمت مياه النيل كما تقاس في أسوان 84 مليار متر مكعب، ولكن في ذلك هي افترضت أن اتفاقا بين بلدينا يكفي ليقبله الآخرون بحكم الأمر الواقع، وفرضنا عليهم وصاية أنهم إذا طالبوا بنصيب واقتنعنا به نقسمه نحن بيننا مصر والسودان، بدون حضورهم أو موافقتهم، وفي رأيي كان ينبغي أن ندرك أنه سبب في أن تكتلوا ضدنا، لا يوجد شيء يوحد دول الهضبة الإثيوبية والاستوائية إلا في موقف مضاد لنا، ونحن وفرنا لهم سببا ليجتمعوا ضدنا، هذا الاجتماع ضدنا كان يتطلب منا منذ زمن أن ندرك أن هناك خطرا ينبغي أن نواجهه ولكننا لم نهتم، في 1997 التقيت ملس زيناوي رئيس وزراء إثيوبيا السابق، وفي حديثه معي قال لي أنتم في مصر والسودان غيبتمونا وقررتم ما قررتم بأننا غير موجودين ولكننا موجودون، أرجو أن تبلغ الجهات المعنية عندكم أنهم مثلما تصرفوا وغيبونا يمكن أن نفعل ذلك أيضا ونغيبهم، وأنا انزعجت من هذا الحديث، وكانت عندي مقابلة مع الرئيس السابق حسني مبارك بالقاهرة، قلت له هذا الكلام، ونصحت بأننا يجب أن ندرك أن هذا الموضوع به مخاطر، رد عليّ بأن من يمد يده إلى النيل سوف نقطعها، واعتبرت ذلك طريقا مسدودا بين دولتين دولة تهدد بأنها سوف تتحرك منفردة، ودولة تقول لو حدث هذا تقطع اليد، وحاولت أن أكون خبيرا في هذا الملف وكتبت كتاب (نهر النيل الوعد والوعيد)، وطبعته الأهرام ونشرت حلقات منه بالأهرام، ولكن لم ينتبه أحد إلى هذا الموضوع، وفي رأيي كان خطرا كبيرا، فما في شك أن هذه العلاقة بها سياسة أهمها هذه السياسة الأمريكان قدموا مشروعات مختلفة لإثيوبيا في صراع السد العربي والقومية العربية، لكن هذه الأشياء ظلت موجودة كتخطيط دون تنفيذ، فيما بعد الإثيوبيون وجدوا أنهم محتاجون لعمل تنمية حقيقية بدأ ذلك في 2009، وبدأت فكرة ضرورة تنفيذ سد النهضة، في رأيي هذا كله كان يمكن منذ فترة ماضية نتنبه لأن هذه التصرفات واردة، ولو حدثت فسنجد أنفسنا إما أن نقبل الأمر الواقع أو نحارب، نشأت عام 2006 فكرة مبادرة حوض النيل والفكرة فيها أن دول الحوض تتفق على المستقبل وهذا قبل حكاية سد النهضة، الاجتماعات اختلفت في 3 نقاط أولاها حل الوضع الراهن أو يعدل، وإذا عدل فهل بالأغلبية أم بالإجماع، وموضوع الإخطار هل الدول في أعلى النيل تخطر بأي إجراء أم لا، وحصلت مشاكل حولها، والموضوع تحول فعلا إلى مراشقة وجرت محاولة لضم هذا الموضوع لإعلان المبادئ الذي وقع في الخرطوم 2015، ولكنه لم يحسم هذه القضايا وتركها في العموميات، ورأيي ما في شك حصل كذلك سوء إدارة لهذا الملف، لأن الشخص الذي كان يتحاور بكفاءة عالية وعنده قدرات سياسية ودبلوماسية عالية الدكتور محمود أبو زيد وزير الري المصري الأسبق، ولكنه غُير بطريقة مهينة والذي أتى مكانه لم تكن لديه الخبرة ولا الخلفية وتأهيله أكثر كان أكاديميا، وهذا ترك مفاوضات حوض النيل في وقت حساس جدا، الآن الموقف سار بأشبه بكرة ثلج سياسية.

* مقاطعة.. هل ترى أن اتفاق إعلان المبادئ كانت به أخطاء؟
إعلان المبادئ عمومي أكثر من اللزوم، وكان ينبغي أن يفصل بدل أن يترك الموضوع في عموماياته.

* ما الحل إذن؟
النقاط المختلفة عليها لا يمكن حسمها بوسائل فنية ولا سياسية، وتحسم في رأيي بقمة ثلاثية، ويجب أن نعترف بأن مصر محتاجة لمياه النيل أكثر منا جميعا، لأن هذا موردها الوحيد، ولذلك يجب أن نثبت هذا كمبدأ لا يتغير، بالإضافة إلى أن السودان جار لأكثر البلاد إنتاجا للمياه، وأكثرها استهلاكا، وينبغي ألا ينحاز، ويجب أن يقوم بدور توفيقي.

* رؤية الحكومة السودانية تقول إن سد النهضة مفيد للسودان؟
ونحن نرى أيضا أنه مفيد، ولكن ينبغي أن نلعب دورا توفيقيا، ولكن الحكومة السودانية تعلن تكاملا أمنيا واقتصاديا وسياسيا في وقت فيه حساسية المواجهات، هذا ليس وقتا مناسبا لإعلان مثل هذا الكلام.

* هل بالفعل كانت هناك سلفة من السودان لمصر إضافة على حصتها؟
هذا موجود في اتفاقية 1959، بأن ما لا يستخدمه السودان تستخدمه مصر (سلفة).

* هل هذه السلفة بمقابل؟
لم يذكر أي مقابل وهذا دليل على غفلة نظام عبود فقد تحدث عن سلفة ولم يتحدث عن كيف ترد، على أي حال مأخذنا نحن على حكومة السودان أنها تتصرف مع كل هذه القضايا بانفعالية وتقلب وهذا خطر على مصالح السودان، عملنا ورشة وتحدثنا فيها عن أن سد النهضة له مصالح ومضار، لكن مضاره لمصر أكثر من السودان، ومصالحه للسودان أكثر من مصر، وقلنا إن السودان يجب أن يقوم بدور التوفيق بين مصالح مصر وإثيوبيا.

* هل ترى أن السودان لا يقوم بهذا الدور التوفيقي بينهما؟
السودان يناور، الحديث بأننا نعلن تكاملا مع إثيوبيا في وقت هذه المنازعات ليس مناسبا، ونحن نحتاج للتفكير في وحدة جيوسياسية كبيرة تضم السودان ومصر وجنوب السودان وليبيا وإثيوبيا وغير وأسميها مثلا الكونفدرالية العربية الأفريقية، وكل هذه أفكار في رأيي مهمة، وطرحتها في ورشة مؤخرا، وحتى نصل لهذا لا نعمل مناورات سياسية، فلابد أن نعترف أن مصر هي المستهلك الأكبر وهذا شيء موضوعي ليس مجرد رغبات، ثانيا إثيوبيا ودول المنبع الأقدر على استغلال المياه للكهرباء، وثالثا ينبغي أن نعترف بأننا محتاجون لمنبر مشترك، ومقترح مفوضية حوض النيل الموجودة ويجب أن نزيل العقبات فيها حتى ينضم الجميع.

* كيف ترى فكرة تدويل قضية سد النهضة والتي بدأت فيها مصر فعلا؟
كل القضايا دولية، كله وارد، ولكن لابد الآن أن نزيل العقبات التي تحيل دون انضمام مصر والسودان لاتفاقية حوض النيل، وهذا يحتاج لاجتماع قمة، وهذا وراد، لأن إثيوبيا في رأيي تريد أن تتفق، لسبب أن عندها مشاكل كثيرة جدا يمكن أن تتفجر، حتى بدون مواجهة عسكرية، وفي رأيي أنهم حريصون على ذلك، وأن رأس الحكومة الإثيوبية شخص مدني مهندس مياه مؤهل في رأيي أكثر من غيره، ويمكنه أن يتفهم هذا الموضوع، خصوصا وأنه نفسه ليست عنده أغلبية إثنية في إثيوبيا، وهو حريص جدا، وفي تقديري لابد أن نراعي في إطار أوسع، ولابد من علاقة مع أفريقيا جنوب الصحراء، ولابد من تكامل بين دول شرق البحر الأحمر وغربه، وتكامل بين دول النيل والخليج. لابد أن نفكر أنه لا توجد حلول بالقوة وأي محاولة في هذا الاتجاه ستأتي بدول العالم كله في المنطقة، وأعتقد أن مصر مؤهلة ليس فقط لحل هذه المشاكل ولكن في المشاكل العربية العربية.

* هناك حديث مصري الآن بأن إثيوبيا لم تكن بحاجة لسد النهضة وأنه كان لديها 3 أنهار مع دول أخرى وكان يمكنها بناء سد على أي منها؟
هذا قرار سيادي، سار لهم سد النهضة كالسد العالي في مصر نوع من الهرم الاقتصادي، المهم تم هذا القرار، ويجب ألا نتعامل معه كتحريض أجنبي أو غيره، حقيقة المال الذي دخل في سد النهضة مال إيطالي وصيني هي مصالح الإثيوبيين وليست حكاية مال إسرائيلي أو غيره، والناس الذين استقطبوهم معروفون، ولا أدري هل به مال عربي أم لا، ولكنه وارد، وهناك مال شعبي، في رأيي نقول إنه طموح إثيوبي ويريد نظرة بأن نعترف بأخطاء الماضي وبالتأخير من 1997 كان هناك حديث حوله، هناك مشكلة وخطر ولكن كل شيء به خطر، والخلاصة قمة ثلاثية تنظر في كيفية إزالة المشاكل التي تعترض المشاركة في مفوضية حوض النيل، وتضع أسسا لما يمكن فعله في فترة ملء السد وإدارته بالصورة التي لا تضر بانسياب المياه شمالا. لابد من قمة رئاسية يسبقها تحضير بعيد من المراشقات الإعلامية، وقرار بإيقاف هذه المراشقات تماما، وضرورة توفر مجهود شعبي ونحتاج لمعالجة أمور نفسية لفتح صفحة جديدة، ولكني للأسف أرى في الإعلام تحضيرا لمواجهات.

* هل ترى أن التدخل الدولي يمكن أن يحل؟
نعم.. نعم، فهو موضوع دولي، وكثير من الدول سوف تهتم بعدم حدوث مواجهات، فالمواجهات بها خطورة كبيرة.

* حديثك المتكرر على اعتزال السياسة، متى سيتحقق؟
هذا حديث أماني النظام، أنا لا أقول أعتزل السياسة أنا أقول (برفع يدي من العمل الحزبي)، أريد أن أتفرغ للسياسة القومية عربية وإقليمية ودولية وللقضايا الفكرية وهذا لب السياسة، ولكن ليس للسياسة الحزبية، لكنهم يفكرون بمنطق المكايدة، أريد لحزب الأمة أن تكون عنده مؤسساته ويكون له وضعه، وأنا آخذ سياسة قومية.

* لكن يمكن أن يؤخذ هذا الحديث في اتجاه توريث الحزب لأولادك؟
من قال ذلك؟.. (هذا عبط)، أنا أريد مؤسسات، لو قدمت أولادي بهذه الطريقة لكنت دمرتهم، بأنهم معتمدون على والدهم، كنت دمرتهم، لكن كل واحد فيهم عنده شخصية ذاتية لأني لم أفرض عليهم إراداتي، ولو فعلت لكانوا مثل أولاد كثير من الزعماء كنبات الظل، ولكنهم كلهم عندهم آلية ذاتية بأن الواحد منهم لا يعتمد على أصله وفصله ورأي الناس فيه، يستحيل أفعل ذلك ولا يمكن أن أقدم أحدا فيهم ولو فعلت فسأدمرهم وأنا لا أدمر أولادي، لا أفرق بين ولد وبنت ولا يوجد عنف ولا قهر، قيمة الإنسان ما يحسنه وهذه تربيتي لأولادي.

اليوم التالي