تعليق الإمام الصادق المهدي على كتاب الربيع العربي ثورات لم تكتمل

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس قوى نداء السودان ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تعليق على كتاب

الربيع العربي ثورات لم تكتمل

 

بقلم: الإمام الصادق المهدي

30 يناير 2013م

 

المقدمة:

 

أشكر مؤسسة أروقة للثقافة والفنون على دعوتي للتعليق على هذا الكتاب.

فيما بين أطروحة الكتاب، وتعليق المعلقين، وجه من وجوه الحوار، الخيار الحميد ما بين خيارين: حميد وهو الحوار، وذميم وهو الإملاء، الحوار يعني احترام الرأي الآخر وهو المجادلة بالتي هي أحسن وهو أساس “نصف رأيك عند أخيك”، والترياق المضاد للانفراد بالرأي الذي يورد المهالك:

رَأْي الجماعةِ لا تَشْقَى البلادُ بهِ رَغْـَم الخِلاف ورَأْي الْفَرْدِ يُشْقِيهَا

وأحمد للكاتب د.مصطفى عثمان أنه، وهو سياسي، يهتم بالفكر خلافا لجمهور الساسة الذين إذا ذكر الفكر أو الثقافة صدوا كالملدوغ أو على الأقل استخفوا بها على نحو ما فعل الثري صاحب المرسيدس عندما أساء نطق اسمها فلما صححه زميله المتعلم قال له انتم انطقوها ونحن نركبها.

السياسة دون فكر عمياء والفكر دون سياسة كسيح ومع ذلك فإن الزواج بينهما قلق لأن الفكر يستوجب المكاشفة التامة والسياسة توجب المداراة، على نحو مقولة الإمام علي: ما كل حق يقال، وما كل ما يُقال حضر زمانه أو حضر رجاله.

وقبل أن أدخل في لب الموضوع أصوب مصطلحين، الأول: عبارة الربيع العربي، هذه العبارة مشتقة من الطقس الأوربي الذي فيه الربيع يعقب ظلمة الشتاء ولكن عندنا العبارة الأصلح هي الفجر لذلك كانت تسميتي للظاهرة الفجر الجديد.

والعبارة الأخرى: هي عبارة الإسلام السياسي، فيما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأمير السرية: “وإذا حَاصَرْتَ أهْلَ حِصْنٍ فأرَادُوكَ أنْ تُنزلهم على حُكْمِ الله فلا تُنْزِلُهُمْ على حُكْمِ الله ولكن أنْزِلْهُمْ على حُكْمِكَ فَإِنّكَ لاَ تَدْرِي أتُصِيبُ حُكْمَ الله فيهِمْ أم لا؟”.

وعاتب أبو ذر الغفاري معاوية قائلا: لم تقول عن مال المسلمين مال الله؟

المبدأ في الحالين أن الأمر متعلق باجتهاد المسلم وهو قابل للخطأ والصواب كما أن مقولة مال الله تنفي المساءلة.

لذلك لا نقول الإسلام السياسي فالإسلام واحد ولكن نقول سياسة المجتهدين الإسلاميين وهي اجتهادات قابلة للصواب والخطأ، المهم أن ينسب الموقف لبشر لا لله ولا لدينه.

القسم الأول: نقاط اتفاق مع الكتاب

لقد وجدت في الكتاب عشر نقاط مهمة اتفق مع صاحبها بل اعتبره انتصر فيها للفكر بموضوعية هي:

‌أ. أن البيئة السياسية في مجتمعات الربيع كانت مؤاتية لتحريك الشارع: الظلم، والاستبداد، والفساد، وأن الشعب من المحيط إلى الخليج ينشد الحرية والإصلاح، والشفافية، والعدل، (صفحة 73).

‌ب. أوافق على مقولة إن الثورات لم تكتمل بعد فهي لم تقض تماما على الأنظمة التي فقدت رأسها وبقيت جذورها. الحقيقة أن الثورة بالتعريف الدقيق تعني أن قوة ما تطيح بأخرى وتحل محلها ببرنامج وقيادة ثورية، ولكن الثورات قعدت دون ذلك.

‌ج. يقول عن التوجه الذي يحقق الاستقرار في بلاد الثورات: “سوف تستقر الأمور في المنطقة الوسطى: دولة مدنية قاعدتها العريضة إسلامية دون إقصاء أوتهميش للأديان الأخرى، تحت مظلة الوطن للجميع، دولة تسير نحو الديمقراطية الحقة وصيانة حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون وتحقيق العدل الاجتماعي” (ص 85).

‌د. قال: إقحام الجيوش الوطنية في خطيئة الانقلابات العسكرية أفقدها الكثير من الاحترام وصورها في صورة واحدة مع الأنظمة العسكرية القائمة على البطش والجبروت (ص 86). والحقيقة أن الانقلاب العسكري كما قال الشيخ الألباني مخالف لنهج الإسلام وهو نهج باطل جملة وتفصيلا.

‌ه. قال تعليقا على الثورة في بلدان الربيع “لذلك تعتبر الثورة جسد بلا رأس فلم يكن هنالك أي محرك للثورة حتى النشطاء والمعارضين لم يكن لهم أي ظهور” ص 96.

‌و. مع دخولنا في عام 2012م فقدت السلطة السياسية في البلاد العربية الكثير من هيبتها ومن شرعيتها السياسية ويتضح أنها في طريقها لفقدان المزيد من الشرعية حتى لو لم تقع ثورة في مواجهتها في كل دولة، فالشرعية أمر محسوس في الشارع وفي المؤسسات وفي المجتمع، إن تراجع الشرعية العربية في عام 2012م سيعني ضعف قدرة السلطات على استعادة توازنها في المجتمعات العربية التي لم تقع فيها الثورات، لهذا فتوازن هذه الدول أصبح مرتبطا بمدى مقدرتها على إدارة تغيير جوهري في العلاقة مع المواطن والشباب من الجيل الصاعد، هذا سيتطلب السير نحو تحول ديمقراطي حقيقي والعودة إلى مشروع بناء الدولة الحديثة وجوهره حقوق ثابتة للمواطن في تقرير شئون السياسة في وطنه”، (ص112).

‌ز. قال: في هذا الحراك قد يخسر الإسلام السياسي الكثير من قوته إذا فشل في التعامل مع الحريات والتنمية والحقوق الديمقراطية والجيل الثوري بمرونة وانفتاح كما قد يكسب مزيدا من النفوذ والقوة إذا نجح في التأقلم مع مجتمعات حرة وبلاد متحولة وانفتاح حتمي (ص 113).

‌ح. حقيقة أن تمكين الشعوب سوف يؤدي لمزيد من التضامن الإسلامي.

كما يرجى أن تشهد الوحدة العربية هيكلة جديدة.

‌ط. وينتظر كذلك تطويراً استراتيجياً في العلاقات العربية الأفريقية.

‌ي. ويتوقع مراجعة جوهرية للعلاقات الدولية مع الغرب وفي ملف السلام ومع الدول الصاعدة البريكس الـ (BRICS).

القسم الثاني: نقاط اختلاف مع الكتاب

وفيما يلي نقاط اختلف معها وأرجو الكاتب أن يراجعها وهي:

‌أ. ربط الصحوة الإسلامية بهزيمة 1967م ليس صحيحا فالصحوة الإسلامية الحديثة بدأت منذ تراجع الخلافة العثمانية في مرحلتها الأخيرة، إذ تراجعت أمام الثقافة الأوربية ومالت نحو الهوية الطورانية، ثورات كثيرة على رأسها الثورة المهدية في السودان جسدت تطلعات أهل القبلة في ذلك الوقت ما عبر عنها نظريا مجلة العروة الوثقى، من مدرسة العروة الوثقى إلى الشيخ رشيد رضا والشيخ عبد الحميد بن باديس وغيرهما حتى الشيخ حسن البنا الذي ساهم في الصحوة التي أثارها ما فعل الكماليون في تركيا بإلغاء الخلافة التي كانت أصلا محتضرة ولكن إعدامها أحدث هزة في أوساط إسلامية.

صحيح أن يقال إن الفكر القومي العربي والانقلابات التي طبقته غطت على السطح السياسي حينا من الدهر إلى أن وجدت كبوتها في هزيمة 1967م، ولكن عوامل التطلع الإسلامي لم تنته أبدا بل ساهمت الظروف الجديدة في تمددها.

‌ب. الإشارة إلى أن التيارات الإسلامية كمال قال: “تأتي في مقدمة القوى التي قادت ثورات الربيع العربي” ليس صحيحاً، فقد قادت الثورات عناصر شبابية غائبة عن رادارات الأجهزة الأمنية، لكن دور التيارات المنظمة أتى بعد أن تأكد أن السلطة الحاكمة قد اهتزت.

‌ج. التساؤل: كيف تحدث الفوضى بالإشارة للفوضى الخلاقة والأمة مستنيرة بنور الإسلام وهديه وكيف وهي ترقد على رصيد ضخم من تراكمات الارث الإنساني المجيد؟ لا توجد مناعة، لأن وعي الأمة بنور الإسلام وبالإرث الإنساني المجيد ضعيف ما يجعل الفوضى ممكنة سواء كانت خلاقة أم متفلتة. فالذي يصنع الفوضى هو أن النظم الاستبدادية تحجر التطور السياسي بأجهزة قمعية قوية، ولكن لسوء سياساتها ربما سقطت بثقل أخطائها وبفعل عناصر منفعلة ضد الظلم ولكن بلا هياكل قيادية وبلا برامج.

‌د. أما إعلان العجز عن تحليل ما حدث ومقولة: “فقد كانت الثورة على حد تعبير الكثيرين هي ثورة ربانية” فليس صحيحا فالله الذي وهبنا العقل يلزمنا استخدامه لفهم الظواهر الاجتماعية ففي عام 2008م قلنا في نداء البحر الميت بالإشارة للبلدان العربية إن هنالك احتقانا واضحا فإذا لم يحدث حوار بين الحكام والشعوب سيحدث انفجار، وفي عام 2009م سألنا بعض الأخوة منهم الأخ المحبوب عبد السلام في القاهرة: ماذا أتوقع في مصر؟ فقلت لهم: ثورة! نعم نحن وعقولنا وما حولنا من إرادة الله ولكن تلك قضية تتعلق بالفلسفة لا تمنعنا من نسبة تحليلاتنا لاجتهاداتنا البشرية.

‌ه. الإشارة للمشهد السوداني واحتمالات التغيير غير صحيحة فمع أن النظام ما زال موجوداً لكنه يتساقط وهنالك دلائل على ذلك:

• انخراط عدد كبير من الشباب في حركات مسلحة تستهدف النظام وتكوين جبهات اقتتال متعددة.

• تراكم حركة مطلبية احتجاجية واسعة النطاق.

• شرخ في الكيان المدني الداعم للنظام.

• شرخ في الكيان العسكري الداعم للنظام.

• عجز النظام عن حل قضايا الوطن والاعتماد على جهات خارجية.

• تآكل اتفاقيات السلام التي أبرمها النظام.

• وجود حركة سياسية حزبية وشبابية صاخبة في المعارضة.

• شباب السودان يحتج بوسائل مختلفة رفضاً للمشروع الحضاري: في دراسة للجامعة العربية 80% من شباب السودان يتطلعون للهجرة، وأرقام الأشهر الخمسة الماضية (66 ألفاً) مزعجة، وظاهرة ما أسميه الشياخة الحوتية لدى وفاة محمود عبد العزيز رحمه الله، وتعلق جمهور كبير من شباب العشرينات والثلاثينات بهذه الشياخة دليل آخر على رفض المشروع الحضاري.

• قرارات مجلس الأمن ضد النظام وأثرها السلبي على شرعيته الدولية.

• والإشارة إلى أن السودان يجد قبولاً لدى شعوب الربيع العربي غير صحيحة، فهنالك رفض للتجربة السودانية والحرص على التبرؤ منها لأسباب واضحة أهمها:

– اتخاذها الانقلاب العسكري وسيلة للأسلمة.

– ربط الأسلمة بالتمكين الحزبي النافي للآخر.

– أدلجة مؤسسات الدولة وحزبنتها.

– تعديات مؤثقة على حقوق الإنسان.

– التفريط في وحدة الوطن.

‌و. لا أوافق على التركيز على التدخلات الغربية كأهم خطر على التجربة الثورية العربية، الخطر الأكبر عليها هو التحدي الأمني، والتنموي، وإدارة التنوع في إطار الوحدة الوطنية؛ فإذا أخفقت في ذلك فهذا سوف يتيح الفرصة للثورة المضادة ولها أربعة مراكز:

– الدولة العميقة.

– المجتمع العميق.

– الأسرة الإقليمية العميقة.

– الأسرة الدولية العميقة.

القسم الثالث:

يقال في الأدبيات الغربية إن أوغست كومت هو رائد علم السيوسيولوجيا، وهذا خطأ فالرائد هو ابن خلدون وقد قال في المقدمة: لكل ظاهرة في الوجود سواء كانت طبيعية أو اجتماعية قوانين تحكمها (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [1] من هذا المنطلق أقول:

1. تقوم الحوكمة على أحد مبدأين هما الانفراد أو المشاركة، الانفراد بولاية الأمر حتماً يقوم على الاستبداد، والمشاركة حتما تقوم على الشورى والتي وفرت لها الديمقراطية آليات.

2. من الناحية الأخلاقية ومن ناحية مبادئ الكرامة، والعدالة، والحرية التي يكفلها الإسلام فإن نظام ولاية الأمر في الإسلام أبعد ما تكون عن حكم الفرد وأقرب ما تكون للديمقراطية.

3. الإنسانية في تطور مستمر ونتيجة لهذا التطور سقطت النظم التي تقوم على الانفراد وقهر الآخرين، فعمت العالم أربع موجات تحول ديمقراطي وكان العالم العربي في المؤخرة، سبقه في هذا الصدد العالم الإسلامي، والعالم الأفريقي جنوب الصحراء كما أوضح ذلك تقرير التنمية البشرية الذي أصدره عدد من الخبراء العرب تحت مظلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2002م.

4. النظام الذي استحكم في العالم العربي قبل الثورات، وبصرف النظر عن الشعارات التي يرفعها، يشترك في خمسة خصال هي:

‌أ. حزب أو عشيرة متحكمة في أمر البلاد ومنفردة به: .

‌ب. أجهزة أمن مطلقة السلطات لحماية أمن النظام كأولوية أولى.

‌ج. إعلام طبال للنظام.

‌د. فساد هو الوجه الآخر من الاستبداد.

‌ه. اقتصاد يقوم على المحاباة لصالح الفئة الحاكمة.

هنالك خصلة سادسة قد لا تتوافر في الجميع وهي الاعتماد أمنياً على رعاية أجنبية، وبالتالي سياسة خارجية قائمة على التبعية.

5. ثورات الفجر العربي الجديد هي الموجة الخامسة عالميا للديمقراطية وهي حركة تاريخية للقضاء على النظام شرق الأوسطي المفصّل أعلاه، عوامل الاحتقان المؤدية إليه متوافرة في كل المنطقة واستقتال محمد البوعزي لم يكن سوى عود كبريت اشتعل في جسم مبلل بالمواد الملتهبة.

الثورة التونسية ثم المصرية كانتا أكثر سلمية لسببين الأول: عنصر المفاجأة، والثاني: سلوك القوات المسلحة. فيما يتعلق بتونس الفضل يرجع لبورقيبة في بناء قوات مسلحة محايدة سياسياً، وفيما يتعلق بمصر الفضل يرجع لمحمد فوزي في بناء قوات مسلحة مهنية.

6. الثورات التي أعقبت الثورة المصرية لم تكن فجائية، والقوات المسلحة لم تتخذ مواقف مهنية:

– في اليمن هنالك شبكة أسرية وقبلية أثرت في تصرف القوات المسلحة وكانت حملة الحرب ضد “الإرهاب” قد أدخلت قوات إقليمية ودولية في الشأن اليمني، هؤلاء جميعا تدخلوا ليجعلوا التغيير في اليمن محدوداً، وساعد على ذلك خطورة عوامل التغيير في الساحة اليمنية مع ثورة الحراك الجنوبي الانفصالية، وثورة الحوثيين الزيدية، وحركة القاعدة.

– في ليبيا صار النظام مستعداً لمقابلة التحدي ولكن حماقة تصرفاته أدت لانقسام في القوات المسلحة وإلى تعاطف عربي عام مع الثوار ما أدى لموافقة عربية لتدخل قوات ناتو.

– في سوريا والبحرين تحولت المواجهة بين قوى الثورة إلى تصفية حسابات طائفية، وإقليمية، ودولية.

7. حكام دول الثورة يواجهون الآن تحديات كبيرة وأمامهم أجندة طائلة: الأمن، التنمية، والوحدة الوطنية؛ وأية اخفاقات سوف تستغلها الثورة المضادة وعناصرها: الدولة العميقة، والمجتمع الداخلي العميق، والأسرة الدولية العميقة.

8. البلدان التي لم تحدث فيها ثورات متمترسة ضد أية تغييرات جذرية وتجد دعماً من قوى الثورة المضادة الدولية.

9. الشعوب العربية تخطت الحواجز القطرية، واتحد وجدانها ووعيها، ومهما كانت العوائق والتضحيات فإن النتيجة، ولو بعد حين، نظام حكم يقوم على رباعية: المشاركة، المساءلة، الشفافية، وسيادة حكم القانون؛ وفي كل الحالات ينتظر أن تحترم الحوكمة الديمقراطية المرجعية الإسلامية لأنها الحائز الأكبر على رأس المال الاجتماعي.

10. هذه الحتمية التاريخية يمكن تطويعها إذا استطاعت الدول ذات النظام الوراثي أن تستبق التطورات وتقيم نظم حكم ملكية دستورية بحيث يملك الملوك ويحكم البلدان أشخاص منتخبون، كذلك في البلدان غير الملكية يمكن إجراء استباقي على نحو ما شرحت رئيسة وزراء تشيلي السابقة ميشيل باسيليه عن طريق خريطة طريق لنظام جديد.

11. ليس هذا فحسب بل إن أداة التحرك الشعبي الواسع ضربت المثل لاحتقان اجتماعي في الدول ذات الديمقرطيات العريقة، حركات احتلال وول استريت في أمريكا والسيتي في بريطانيا وغيرهما من البلاد الغربية منطلقة من أن الفجوة الاجتماعية وثراء القلة مكنهم من تشويه الديمقراطية، وباستقراء الواقع الآن يمكن أن نقول إن الشعوب تتطلع لديمقراطية ذات أربعة أضلاع: سياسي، اجتماعي، وثقافي، وبيئوي.

الدلائل تدل على أن حركة التاريخ تستهدف هذا التحول الرباعي، وسوف تكون آلية الحركة التي اكتشفتها ثورات الفجر العربي الجديد من أهم وسائل الحركة نحو هذه الأهداف.

12. إن حالتنا في السودان لا تسمح بمرافعات الرضا عن الذات، ولا بتعليق إخفاقاتنا السياسية على مشاجب التآمر الأجنبي. التأمر الأجنبي موجود ولن يزول، المهم ألا تفتح له الأخطاء السياسية النوافذ.

الكتابة على الحائط تقول إن استمرار الحال الراهن سوف يقضي على ما بقي من الوطن، وتقول إن المحاولة المزمعة لضرب النظام بالقوة المعدة حاليا سوف تكون لها نتائج تدميرية، والحل هو أجراء استباقي يحقق مقاصد الفجر الجديد بوسائل سلمية.

هذا التوجه ليس بعيداً من بعض ما جاء في الكتاب الذي نعلق عليه وأعني بذلك مقولة: “لهذا فتوازن هذه الدول- أي التي لم تحدث فيها الثورات- مرتبط بمقدرتها على إدارة تغيير جوهري في العلاقة مع المواطن والشباب والجيل الصاعد، هذا سيتطلب السير نحو تحول ديمقراطي حقيقي والعودة إلى مشروع بناء الدولة الحديثة وجوهره حقوق ثابتة للمواطن في تقرير شئون السياسة في وطنه”.

ومقولة ثانية في الكتاب حول شروط استقرار الأمور تحت مظلة الوطن للجميع، و”دولة تسير نحو الديمقراطية الحقة وصيانة حقوق الإنسان وسيادة القانون وتحقيق العدل الاجتماعي”.

إذا ساهم هذا الكتاب في مرافعة من أجل برنامج خلاص وطني للسودان يحقق سلام شامل عادل وتحول ديمقراطي كامل فلصاحبه أجران وإلا فعلى أية حال يمكن أن يفتح باب حوار حول المصير الوطني على ضوء التحولات العربية.

 

وبالله التوفيق.