جريدة الوطن تحاور الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي

الإمام الصادق المهدي في برنامج مصر في يوم

الصادق المهدى: على الإخوان الاعتراف بالأخطاء مقابل “العفو”

الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي

«البشير» كان يفتخر بعلاقته مع الإخوان لأن مرجعية نظامه إخوانية.. وعندما سألوا «القرضاوى»: هل يجوز تنفيذ انقلاب عسكرى لتطبيق الشريعة؟ أجاب: نعم إذا كان مثل الانقلاب السودانى

كتب : إسراء طلعت

تصوير : فادى عزت

السبت 04-07-2015

كشف رئيس وزراء السودان الأسبق والمفكر السودانى الصادق المهدى، أنه بعث برسالة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، ناشده فيها، العفو الرئاسى عن قيادات تنظيم الإخوان، مؤكداً أن تنفيذ أحكام الإعدام سيفتح النار على مصر، وسيزيد من حالة المظلومية التى يتبنّاها «التنظيم».

 وأكد «المهدى»، فى حواره لـ«الوطن»، أن العفو الرئاسى سيفتح مجالاً للتوسط لدى الإخوان، لإجراء مراجعات فكرية والاعتراف بالأخطاء، واعتبر أن الطريقة التى يتبناها النظام الحالى فى التعامل مع تنظيم الإخوان بالصورة الحالية، هدفها اجتثاثهم، وألا يكون لهم دور فى الحياة السياسية.

وطالب «المهدى» الإخوان بالاعتراف بالأخطاء التى ارتكبوها فى حق الشعب المصرى، بداية من المناورات التى تمت بعد ثورة يناير، إلى محاولتهم عزل مؤسسات الدولة واستغلال السلطة لتطبيق مصلحتهم الحزبية فقط. وقال إن الرئيس المعزول محمد مرسى كان خاضعاً لقرارات القيادة الإخوانية ومكتب الإرشاد، ولم يكن الرجل الأول فى تنظيم الإخوان.

■ قطاعات عديدة من المجتمع المصرى تنادى بتنفيذ أحكام الإعدام على قيادات «الإخوان».. كيف ترى ذلك؟

أناشد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن يستخدم حقه الدستورى ويصدر عفواً رئاسياً بحق قيادات «الإخوان»، وعدم تنفيذ أحكام الإعدام.

 ■ معنى ذلك أنكم ترفضون تنفيذ الأحكام؟

لا أرفض الأحكام القضائية، لكنى طالبت بالعفو، فهناك فرق، لأن الأحكام قرار قضائى، لكن العفو قرار رئاسى، أنا أتحدث عن القرار الرئاسى، لا عن القرار القضائى، الدساتير عادة تمنح رأس الدولة حقاً فى أن يجيز ويعفو، لأن هناك عوامل غير الأحكام القضائية تؤثر على الاستقرار فى البلاد، لأن العدالة لها أكثر من وجه، فمثلاً القضاء معنى بالعدالة العقابية الجنائية، لكن هناك ما يُسمى بالعدالة الاستباقية، إذا كان هناك إجراء سيؤدى إلى اضطرابات تؤدى إلى مظالم إضافية، يكون العفو وسيلة لمنع المظلمة المستجدة.

 ■ ما المظالم من وجهة نظرك؟

عندما يكون هناك غبائن منطلقة من أسباب سياسية ممكن أن تؤدى إلى صدامات جديدة، والصدامات الجديدة تؤدى إلى تجاوزات جديدة، وبالتالى يكون تنفيذ حكم من الأحكام يمكن أن يؤدى إلى أذى إضافى فى المجتمع، فرأس الدولة هو الذى له الحق فى أن يعفو.

 ■ هل تواصلت مع قيادات تنظيم الإخوان للتوسط لإجراء المصالحات؟

فى البداية لم أتواصل مع قيادات «الإخوان»، كما أننى لم أتوسط للمصالحة، لكننى بعثت برسالة مفتوحة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، للعفو عن قيادات «الإخوان»، ولن أتوسط إلا بعد أن أضمن أن الوساطة والمصالحة سيقبلونها، ولدى صفتان تفرضان علىّ التدخل، هما أننا مع مصر جيران وما يحدث فيها سيؤثر علينا سلباً أو إيجاباً، ثم أنا رئيس منتدى الوسطية العالمى، وفى هذا المنتدى عدد كبير من الشعوب العربية والعالمية، يهمها ما يدور فى مصر، وتفرض علينا ألا نقف متفرجين، ونقول رأياً ناصحاً.

■ ما الرسالة التى بعثتها إلى الرئيس السيسى، للعفو عن قيادات تنظيم الإخوان وعدم تنفيذ الأحكام القضائية؟

 – قلت فى الرسالة التى بعثتها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، إننى لا أتحدث تدخلاً فى الشأن المصرى، لكن لأننى أعتبر الاستقرار فى مصر والسودان مطلباً للشعبيين، لذلك يهمنى جداً الاستقرار فى مصر، ومن هذا المنطلق، قلت إن الخلاف الموجود حول دور الإخوان فى مصر، أعتقد أنه من الممكن، إذا نُفذت أحكام الإعدام أن يؤدى إلى مزيد من المواجهات والاضطرابات، لذلك ناشدته أن يمارس حقه الدستورى فى العفو، ورأيت فى الرسالة نفسها، أن هذا يفتح مجالاً لأمثالنا، ولست وحدى من سيُجرى المصالحة، بسبب حرصنا على الاستقرار، لأن نعمل على إجراء مصالحات، نناشد بموجبها تنظيم الإخوان، أن يراجع نفسه، ويعترف بأخطائه، وأن يتخلى عن كل ما ارتكبه من أخطاء، وأن تتراجع السلطة عن فكرة اجتثاث «الإخوان»، إلى فكرة استيعاب «الإخوان».

■ ماذا تقصد بـ«اجتثاث الإخوان»؟ وهل أخطأ النظام الحالى فى التعامل معهم؟

التعامل مع «الإخوان» بالصورة الحالية هدفه اجتثاثهم، وألا يكون لهم دور، وأنا أرى أن «الإخوان» لهم دور، ولديهم وجود فى داخل المجتمع المصرى وخارج مصر، فأى إجراءات تُتخذ لاجتثاث الإخوان ستأتى بردود فعل مضادة فى الداخل والخارج، وهناك حلفاء للإخوان خارج مصر سيقفون معهم.

 ■ من هم حلفاء «الإخوان» فى الوقت الحالى من وجهة نظرك؟

تركيا وقطر، وعندهم كذلك وجود فى تونس وفى ليبيا واليمن والكويت والمغرب وفى العالم كله، وليس بالضرورة أن يكون الوجود فى الحكومة، لكن لديهم وجوداً معترفاً به، وهذه كلها فروع مؤيدة ولها علاقات عضوية مع الإخوان المسلمين، ولديهم وجود فى أوروبا وأمريكا أيضاً.

 ■ شعبية «الإخوان» فى أوروبا تراجعت عن سابق عهدها، فما تحليلك لذلك؟

أقول إن لديهم وجوداً، وليس لديهم وجوداً طاغياً، لكنهم يمكن أن يستعينوا بهذا الوجود فى أى مواجهات تحدث.

■ العفو سيُعطى الحرية لقيادات «الإخوان»، ومن تلوثت أيديهم بالدماء، فما المقابل من ذلك العفو؟

 – العفو لن يكون دون مقابل، لكنه سيفتح الباب لحدوث مراجعات، لأن الحركات الإخوانية فى العالم قامت بمراجعات، فمثلاً تركيا نفسها فى عهد القائد الإخوانى «نجم الدين أربكان» كان يصر على موقف معين، ونتيجة لهذا الإصرار دائماً كان الحزب الإخوانى يُحل بأمر السلطة، لكن رجب طيب أردوغان نفّذ مراجعات، كذلك حدثت مراجعة فى تونس، فحزب النهضة عندما رأى أنه ربما يحدث فى تونس ما حدث فى مصر، قام بمراجعة وأعطى أولوية للوحدة الوطنية والحرية، واتخذوا موقفاً -فى رأيى- معتدلاً، بمعنى قبول التعددية، والتخلى عن التمكين ورفض الآخر، وتغيير رأيهم، كذلك الإخوان فى المغرب تصالحوا مع العرش، وصاروا يقبلون شرعية الملكية المغربية، وهذا فيه إجراءات تصالحية مع المغرب، والشىء نفسه حدث فى إندونيسيا وغيرها من الدول التى تخلت عن فكرة التمكين للتعايش مع الآخرين، ففى داخل الحركة الإخوانية المصرية، هناك أكثر من تيار، منها التيار القطبى نسبة إلى سيد قطب، وهو تيار التكفير ورفض الآخر، إضافة إلى التيار الهضيبى الذى فيه حديث عن «دعاة لا قضاة»، فوجود أكثر من توجّه فكرى داخل الحركة الإخوانية يسمح بالمراجعات، وإذا نفّذت أحكام الإعدام، فهذا سيكون لصالح التيار المتشدّد لارتكاب المزيد من أعمال العنف، وهذه الأحكام ستعطيهم «كربلاء» أو «هولوكوست»، يبنون عليها المظلومية التى تقدم الانتقام والتشدد على أى شىء آخر.

■ تطالب بالعفو أولاً كشرط للمراجعة، فلماذا لا تأتى المراجعة قبل العفو؟

العفو يفتح الباب للمراجعة، فالتيارات الإخوانية تتنازع على المستقبل، وهذا النزاع سيصب لصالح المتشددين بعد تنفيذ أحكام الإعدام.

 ■ من وجهة نظرك، ما الضمانات لإجراء المراجعات بعد العفو والالتزام بها؟

أنا لا أدرى ماذا سيحدث، فهذه المسائل ديناميكية متحركة تتأثر بالأحداث، وفى قراءتى، إن تنفيذ الأحكام سيدعم التيار المتشدد، فالإخوان لديهم إمكانيات وكروت أياً كان حجمها، يمكن أن يتحول الوجود والتأييد لهم إلى المزيد من التشدّد، يمكن من شأنه أن يعرقل الاستقرار فى مصر، ويمكن أن يتخذ رأياً آخر إذا فعلوا كما فعل الإخوان فى تركيا وفى المغرب وتونس، وراجعوا موقفهم من قبول الآخر، وقبول التعددية وحقوق الإنسان.

■ فى رأيك، مَن المنوط به هذه المراجعات؟ وهل الدولة هى التى تبدأ، أم هم يراجعون أنفسهم أولاً؟

ما يمكن أن تفعله الدولة بسيط، وهو أن يعفو رئيس الدولة عن تنفيذ الأحكام، ليس أكثر من ذلك، وهو من حقه حسب الدستور، فإذا رأى أن هذا الحق فيه مصلحة للبلاد عليه أن يفعل، فأنا لا أتحدث عن زعيم واحد أو اثنين، فتنظيم الإخوان ككل الآن فى محنة كبيرة ويجب على الإخوان أن يعقدوا مؤتمراً لمناقشة تجربة الرئيس الأسبق وأخطائهم كلها.

 ■ ما الأخطاء التى وقع فيها تنظيم الإخوان، من وجهة نظرك؟

أهم الأخطاء أنهم نفّذوا مناورات فى البداية، بمعنى أنهم قالوا إنهم لن يرشحوا أكثر من 30% فى الانتخابات البرلمانية، ورشّحوا بعدها أكثر من ذلك، وبعدها قالوا إنهم لن يقدموا مرشحاً فى الانتخابات الرئاسية، ثم رشّحوا محمد مرسى، فأول مراجعة هى الاعتراف بخطأ المناورات التى ارتكبوها، وأن يعترفوا بأن الأصوات التى ذهبت إلى الدكتور مرسى فى الانتخابات الرئاسية ليست كلها إخوانية، لأنه فى التصويت الأول نال 5 ملايين صوت، وفى التصويت الثانى حصل على 13 مليون صوت، وهناك 8 ملايين صوت أخذها كنوع من التصويت ضد الفريق أحمد شفيق، وليس حباً فيه أو فى الإخوان، فكل هذه الأصوات لم تكن إخوانية.

■ ما أخطاء الرئيس المعزول محمد مرسى؟

 – اجتمع الدكتور مرسى بقادة جبهة الإنقاذ فى فندق «فيرمونت»، واتفق على 6 نقاط، لم يفِ بها، ولم ينفذها، أهمها أن يحكم حكماً عريضاً، يشترك فيه الآخرون، ولا يقتصر على الإخوان فقط، كما أنه فى عهده أصدر الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012، وهذا الإعلان كان هدفه تحصين قرارات السلطة التنفيذية من القضاء، مما أثار غضب الآخرين، لأن استقلال القضاء ضمان من ضمانات العدالة، فعندما تعلن هذا معناه أنك فى حقيقة الأمر، تحصّن قرارات سياسية تنفيذية من القضاء، وهذا خطأ، والخطأ الآخر أنه أثبت أن رأس الدولة الذى انتخبه الشعب المصرى، سار خاضعاً لقرارات القيادة الإخوانية ومكتب الإرشاد، بمعنى أن الرئيس كان مرؤوساً، فالذين انتخبوا «مرسى» هم الذين يتوقعون أن يكون الرئيس هو المساءَل أمامهم، وليس قيادة الإخوان، لأنهم لم ينتخبوا قيادات «الإخوان»، وكان من الواضح أن كثيراً من القرارات لا تُتخذ فى القصر الجمهورى، ولكن تُتخذ فى مكتب الإرشاد فى المقطم، كما أن الإخوان أتوا ليستخدموا الدولة كوسيلة لتمكين حزبى، وعزل الآخرين، ولا شك أنه كان هناك شىء من الاستعلاء على الشعب المصرى، هذا كله أدى إلى تذمُّر الشعب المصرى، وهذا الغضب دعم الحركة الشعبية الجماهيرية العريضة فى 30 يونيو.

والنقطة المهمة فى رأيى أن يعترفوا بأن ما ارتكبوه من أخطاء هو السبب لما حدث لهم فى 30 يونيو، ويجب أن يعترفوا بأنهم إذا أرادوا أن يكون لهم دور فى الحياة السياسية الطبيعية، فعليهم قبول حرية الأديان وحقوق الإنسان والرأى الآخر، ولكن أتوقع أن الحركة الإخوانية ستعقد مؤتمراً خارج مصر، يمكن أن يتجهوا فيه إلى أنهم فى حالة حرب وحصار ومواجهة، ويمكن أن يكون الاتجاه غير ذلك، هناك تراجع حقيقى واعتراف بالأخطاء، وعليهم أن يفتحوا صفحة جديدة.

■ قلت إن الرئيس المعزول كان مرؤوساً، وليس رئيساً، فلماذا؟

 – الدكتور مرسى لم يكن هو الرجل رقم 1، ولا رقم 2، بل كان خارج ترتيب الخمسة الأوائل فى تنظيم الإخوان، والخطأ أن يُزج بشخص من هذا النوع لتكوين هرمى يتسلسل من أعلاه إلى أدناه، فهو ظلم، فى أن حزبه دفع به ليلعب دور الرجل الأول، بينما هو فى واقع التنظيم السياسى لم يكن فى الصفوف الأولى للقيادة، فهم ألقوه فى اليم مكتوفاً، وقالوا له إياك إياك أن تبتل بالماء، وفى انطباعى أنه كان رجلاً طيباً بشىء من السذاجة، لأنه حمل شيئاً لم يكن مؤهلاً له.

 وعندما قدّمنا له اقتراحاً بإجراء المصالحة مع جبهة الإنقاذ، إذا ألغى الإعلان الدستورى وقبل تعديل بعض المواد فى الدستور وقبل أن تكون الحكومة واسعة، فلو كان فعل هذا فإنه من الممكن أن يقبل الآخرون أن يستمر «مرسى» فى الحكم، فكان رده على المقترحات بصورة فيها انفتاح، وقال لنا إن هذا الموضوع يستحق أن يُدرس ولم يبدِ اعتراضه.

ولكن لسوء الحظ كانت لنا مقابلة مع القيادات فى «المقطم»، والتقينا المرشد ونائب المرشد، وقال لنا سمعت أن عندكم مبادرة، سأتركم لنائبى، وكان حينها «خيرت الشاطر»، وعندما عرضنا عليه كان رده مختلفاً عن رد الرئيس، حيث قال إن الرئيس لا يقبل هذه الاقتراحات، وفهمنا حينها أن خيرت الشاطر هو الذى رفض وليس «مرسى»، لأنه من البداية كان مرحباً بالمبادرة، وتأكدنا بعدها أن الرئيس كان مرؤوساً ولا يملك قراره.

■ إذا اتخذ «السيسى» قراراً بالعفو عن قيادات الإخوان، ألا يغضب ذلك الشعب المصرى؟

لا شك أن الرئيس «السيسى» إذا عزم على فعل ذلك عليه أن يجرى حواراً مجتمعياً عليه، كما أننى أؤكد أن الحوار المجتمعى قائم ومستمر بين القوى السياسية ويعرض كل يوم عبر الصحف والقنوات التليفزيونية، كما أن هناك العديد من الدول حلفاء مصر بدأوا مراجعة موقفهم تجاه الإخوان، كالمملكة العربية السعودية وبدأت علاقات مع تركيا، لأن هناك مستجدات جديدة، وأى تغيير سيحدث فى اليمن سيكون لحزب الإصلاح الإخوانى دور فيها، كما أن القضاء على النظام الحالى فى سوريا، سيكون الإخوان جزءاً منه، كما أن جماعة فجر ليبيا سيكون لها دور، وهى فيها تكوين إخوانى، فالشاهد أن التطورات التى تحدث فى المنطقة فيها محمول إخوانى، جعل المملكة العربية السعودية تبدأ كلاماً فى حتمية أن يكون للإخوان دور فى التطورات التى تجرى فى المناطق المختلفة.

أنا لا أدرى ماذا سيفعل الرئيس «السيسى»؟ ولكنه كقيادة مسئولة لها ظهير وسند شعبى، سيناقش كل هذه التطورات بناء على أشياء مستجدة، لأن كل فترة تتغير الخريطة السياسية، فهناك مثلاً فى مصر من يرون أن اجتثاث الإخوان مرة واحدة يجب أن يكون موقفاً حاسماً وأن يمضى كما حدث فى 30 يونيو، لكنهم الآن يرون أن على الرئيس «السيسى» أن يجيب عن سؤال هل بعد هذه المدة حدثت متغيرات تقتضى عدم الاجتثاث بل الاستيعاب؟ فعليه أن يجيب هو عن هذا السؤال، بعد أن يستمع لكل الأفكار ويرى كل التوجهات ليقرر الأصلح للبلاد، هذا رأيى لأنى مهتم بالشأن العربى والأفريقى، ولست كمن يملى رأيه ولكن علىَّ النصيحة، فأنا رأيت ما حدث فى العراق، وفكرة اجتثاث البعث، التى طبقها الاحتلال الأمريكى كان من نتائجها أن حزب البعث يلعب دوراً كبيراً فى «داعش»، باعتبار أن «داعش» احتجاج أهل السنة ضد ما يرونه من سيطرة الشيعة، فهناك مكون كبير منه دخل «داعش»، إذن محاولة الاجتثاث البعثى لم تنجح بل أعطت للبعثيين فرصة للتطرف فى العراق.

 ■ ماذا عن رفض الشعب المصرى المصالحة مع من تلوثت أيديهم بالدماء؟

الشعب المصرى يحكمه الدستور، وهذا الدستور أعطى رئيس الجمهورية حقاً، والشعب المصرى هو الذى أعطاه هذا الحق بموجب الدستور الذى وافق عليه من قبل، وإذا استخدم الرئيس «السيسى» حقه فلن يكون قد صادر حقاً للشعب، فلا يوجد تناقض، فهو إذا تصرف سيتصرف بموجب حق أعطاه له الشعب، وإذا تصرف رأس الدولة بشىء دستورى، فلا يجوز للشعب أن يغضب من تصرفه، لأن هناك أموراً يتدخل فيها لا تقف عند حد العدالة القضائية، ففى كل الدساتير يدخل باب العفو عن العقاب، وليس كما قالت أمينة النقاش إن الرئيس «السيسى» لا يستطيع فعل ذلك.

 ■ ما الخطوة التى يعاقب بها تنظيم الإخوان حتى يثلج قلوب المصريين؟

الإخوان عوقبوا بالطرد من السلطة والمحاكمات نفسها، ونالوا حتى الآن عقوبات كثيرة وواجهوا محناً كثيرة أيضاً، وأصابهم ضرر كبير فى صفوف التنظيم.

 ■ إذن على غرار ذلك سنجد من يطالب بالعفو عن الرئيس المخلوع مبارك؟

كل له منطقه، بمعنى إذا كان الرئيس «السيسى» يرى أن هناك عوامل تقتضى العفو عن الرئيس الأسبق حسنى مبارك فليفعل، المهم فى النهاية هو المسئول، وأنا لم أقل رأيى فى ذلك، لكن أنا من المؤيدين لثورة 25 يناير وأعتقد أنها ثورة شعبية عظيمة، لكن هناك عوامل تجيز العفو، فالرئيس مبارك لم يخرج من البلاد فهذا لصالحه، كما أنه كبير فى السن، فهناك جانب إنسانى يقتضى العفو، فكل هذه العوامل يمكن أن تلعب دوراً فى اتخاذ الرئيس «السيسى» قرار العفو عن مبارك كذلك، كل هذا لا يعنى إلغاء أحكام القضاء.

■ إذن ما فائدة ثورتى 25 يناير و30 يونيو إذا لم يعاقب من أخطأ فى حق الشعب المصرى؟

إنجازات الثورة لا تقف عند معاقبة من أخطأ ولكن أهم أهداف ثورة 25 يناير كانت العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، هذا هو مقياس نجاح الثورة، ولا يمكن أن نلخصها فى تنفيذ عقوبات، ولكن لكل ثورة أهداف كبيرة جداً هى التى يمكن القياس عليها نجاح الثورة من عدمه، ومن المدهش الحكم على الثورة بالنجاح أو الفشل، بالأحكام التى جاءت فيها، لأن كل الثورات فيها مرحلة ثورية فى تلك المرحلة، يمكن أن تجرى عقوبات ثورية، لكن بعد ذلك تطرأ حدود وعوامل أخرى تدخل فيها، كعامل الزمن فى حالة مبارك.

■ ماذا عن غضب شباب الثورتين إذا أجرينا العفو عن مبارك ومرسى؟

الذى أغضب الشباب أحكام البراءة وليس قرار العفو، لأن هناك فرقاً بين العفو والبراءة، فالبراءة تعنى أن الاتهامات غير حقيقية وأنه لم يرتكب شيئاً، وهذا من المؤكد يغضب الكثير من الشباب، لكن العفو يؤكد أنه أدين ولكن لم ينفذ الحكم لأسباب أخرى.

 ■ ماذا عن الحديث عن أن الفريق شفيق كان هو الفائز فى الانتخابات البرلمانية؟

لا أدرى أين الحقيقة، لكن هناك كلاماً عن ذلك ولكن إذا ثبت ذلك سيكون هناك طعن فى الهيئة المشرفة على الانتخابات وفى المجلس العسكرى الانتقالى، لأنه هو المسئول عن السلطة التنفيذية فى البلاد، وكل هؤلاء مطعون فى ذمتهم.

 ■ ما رأيك فى خيرت الشاطر؟

هو الرجل الأقوى فى تنظيم الإخوان، وكان مرشحاً بقوة من قبل التنظيم للانتخابات الرئاسية، ولكن كانت عليه أحكام قضائية منعته من الترشح، وبتجربتنا المباشرة أن القرار الذى حصلنا عليه اتخذه خيرت الشاطر.

 ■ ماذا عن المرشد؟

حكى لى «عبدالفتاح مورو» نائب رئيس حزب النهضة ذات المرجعية الإخوانية فى تونس، أنه قابل المرشد وقال له لا تخطئ فى اعتبار أن الأغلبية البرلمانية هى كارت أبيض تفعلون ما تشاءون، لأن هناك مراكز قوى كمؤسسات الدولة موجودة، الممثلة فى الجيش، والقضاء، والكنيسة، والأزهر، والمجتمع الفنى، والإعلامى ولا بد أن تتعامل على أنك جزء من المعادلة، لكنهم تصرفوا على أن هذه القوى غير موجودة، وقال له مورو «نحن فعلنا ذلك فى تونس وعليكم أن تفعلوا ذلك فى مصر، بموجب أن ما عندكم من صلاحية محدود فى ظل وجود مراكز قوى أخرى ذات نفوذ كبير يجب ألا تستفز حتى لا تتحرك ضدكم»، وقال «مورو» إن المرشد بعد أن استمع لكلامه لم يستجب وناوله قطعة من الشيكولاتة، وأكد مورو لى أن شعوره حينها أن محمد بديع اعتبر كلامه «صبيانى».

 ■ ما تقييمك لأداء الرئيس «السيسى» خلال عام؟

لا شك أننا إذا قسنا ما حدث فى مصر بالبلاد الأخرى، من المؤكد أن القيادة الحالية حمت مصر من مصير ليبيا وسوريا وتونس والعراق واليمن، وحمت مصر من الكثير من المصائب، كما أن هناك اجتهاداً كبيراً جداً لتنفيذ خارطة الطريق، وبعض الدول التى اتخذت موقفاً سلبياً من مصر بعد ثورة 30 يونيو راجعت نفسها، وهى من أهم الإيجابيات، إلا أن الحالة السياسية فى مصر محملة بالتوتر، وهذا التوتر من شأنه أن يزيد أو ينقص، لذلك ينبغى أن تُتخذ إجراءات للتخلص من هذا التوتر، الذى من الممكن أن يعرقل التقدم والتنمية فى البلاد.

 ■ كنت رئيساً لحزب الأمة السودانى، فما تقييمك للأحزاب السياسية المصرية الموجودة على الساحة؟

الأحزاب السياسية المصرية تعانى من ضعف شديد واضح، وما ينبغى أن يحسب عليهم ذلك الضعف ولكن يحسب على 33 عاماً فى حكم مبارك أو من الأرجح منذ 60 عاماً منذ ثورة 23 يوليو 1952، فهذه الفترة كلها كان هناك إغلاق لباب الاجتهاد السياسى وتدمير القدرات السياسية، بسبب الديكتاتورية، فالسياسة الحقيقية لا تنمو فى ظل ديكتاتورية، الأحزاب المصرية تظهر عليها كل أعراض وأمراض التهميش عن القيام بدور سياسى، حتى بعد 25 يناير الأحزاب السياسية المنظمة لم تلعب دوراً فى الثورة لإحداث التغيير.

 ■ هل هذا الضعف فى رأيك سبب فى تأخر إجراء الانتخابات البرلمانية؟

 – هناك العديد من المشكلات الفنية فى ذلك الأمر، من أهمها أن السلطة ليس لديها حزب، والدستور قسم الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المقبل من البرلمان، ما أعطى للبرلمان صلاحيات كبيرة، فهذا يعنى أنه من الممكن أن تحدث ثنائية فى الحكم، لذلك هناك حديث عن أنه يجب تشكيل قائمة موحدة لتشكيل جبهة موالية للرئيس «السيسى» فى البرلمان المقبل، لأن عدم صلته بحزب له فائدة وله ضرر، فالفائدة فى ذلك هى أن الرئيس سيكون رئيساً لكل المصريين والمضرة فى ذلك أنه لا يضمن أن تنشأ جهة فى البرلمان المقبل تنافسه، كما أن هناك تخوفاً من أن يأتى فلول فى البرلمان المقبل، لأنهم حتماً سيكونون موجودين، لأنهم لم يكونوا معتمدين بشكل كبير على الحزب الوطنى، ولكنهم معتمدون على العواقل والقبلية التابعين لهم، إضافة إلى المال السياسى ولهم مؤيدون كثيرون، كذلك من الممكن أن يوجد داخل البرلمان الفصيل الدينى الذى لا يقبل الآخر، فسيكون كابحاً من الكوابح، وستحدث مشكلات وكلها من الوارد أن تصحب البرلمان المقبل.

■ ما رأيك فى حزب النور السلفى؟

حزب النور مندفع بأشواط أخلاقية قوية جداً، لكننى أعتقد أن تجربته السياسية محتاجة لتطوير، ولذلك لا أضمن أنه قد اتخذ الاستعدادات القوية لقبول التعددية السياسية وهى المقياس، لذلك أمامه تحدٍ فى أن يمارس السياسة بقبول شرعية الآخر والتخلى عن أى نوع من المفاهيم التكفيرية.

■ ما رأيك فى 25 يناير؟ وما الأخطاء التى ارتكبت فيها؟

 – 25 يناير ثورة شعبية عظيمة قام بها الشباب بتلقائية وليس كتركيبة حزب سياسى منظمة أو كان لهم قائد معين لهذه الثورة، ومن المدهش على الرغم من الدور الكبير الذى لعبه الشباب فإنهم لم ينجحوا فى التخطيط لإكمال الحلقة، فأى ثورة تطيح بسلطة وتستبدل بها سلطة ثانية، لكن كان هذا التخبط نتيجة لعدم الحرية التى عانوا منها لفترة طويلة، إلا أن السبب فى نجاح هذه الثورة هى أنها جاءت خارج رادارات الأجهزة الأمنية، ولعبت فيها مواقع التواصل الاجتماعى دوراً كبيراً، فكانت النتائج غير متوقعة لشباب الثورة والأجهزة الأمنية والسلطة حينها، فعندما فتحت نافذة لهم ظهرت كل التراكمات الماضية، ولم يكن الشباب مستعدين للإدارة السياسية، لذلك للأسف قُطع الرأس ولم توجد أى آلية لاستبداله، ما أدى إلى أن الذين كانوا موجودين فى الساحة تخندقوا فى أعمال اجتماعية وداخل المساجد وتنظيم أعمال دينية سواء كانوا الإخوان أو السلفيين، فكلاهما كان موجوداً فى مجالات اجتماعية وأنشطة فى الداخل والخارج ما أعطاهم ميزة عن غيرهم.

 ■ قلت إن نظام البشير كان يفتخر بعلاقته مع الإخوان، فكيف كانت طبيعة هذه العلاقة؟

 – نعم نظام البشير كان يفتخر بعلاقته بالإخوان، لأن هذا النظام الذى يستولى على السلطة فى السودان، رتبته الجبهة الإسلامية القومية ذات المرجعية الإخوانية، وهذه هى الصلة ثم هناك حزب إخوانى منتم للتنظيم العالمى للإخوان متحالف مع نظام البشير، فنظام البشير مرجعيته إخوانية حتى لو لم يكن جزءاً من التنظيم الدولى، وعندما قام الانقلاب فى السودان أيدته كل الحركات الإخوانية، وكان هذا النظام على صلة كبيرة بتنظيم الإخوان فى مصر، فعندما سئل يوسف القرضاوى عن هل يجوز لحركة إسلامية أن تنفذ انقلاباً لتطبيق الشريعة الإسلامية؟ قال إذا كان الانقلاب سيكون مثل الانقلاب السودانى نعم، وبعدها دعا نظام البشير كل القيادات الإخوانية فى العالم لعقد مؤتمر لدعم نظام البشير، وكل من كان يرفع شعار الإسلام هو الحل استقطب لمساندة النظام السودانى.

■ ما رأيك فى تنظيم «داعش»؟

هناك عنصر جديد على الساحة غير الحركة الإخوانية هو «داعش»، وهى عرض وليس المرض، فيجب أن نتساءل أين هذا المرض؟ فالآن حركة الإرهاب لم تعد الحركة الإرهابية القديمة لكنها أصبحت تنطلق من تكوينات دولة، لها وجود ولها تحدٍ لكل الدول الوطنية فى المنطقة.

■ كيف يجدد الخطاب الدينى من وجهة نظرك؟

نحن فى حالة نكبة أشبه بالانتحار، فنحن محتاجون لاستنهاض جديد لأساس الأمة، وعندى فى هذا كتاب يسمى «نداء لاستنهاض الأمة»، فالأمة إذا لم تواجه هذه الأمور فستعتبر أنها ستنتحر، وستتحول الدولة الوطنية إلى دويلات جزئية من منطلقات طائفية، فنحن بحاجة إلى هندسة جديدة لفكرنا وليس فقط المسائل الدينية، ونحن بحاجة أيضاً لدراسة العلمانية، فنحن جميعاً أمام محنة تجبرنا على أن نعود لطاولة التكوين لنأتى بأفكار تخرجنا من هذه المواجهات المدمرة.

■ ما رأيك فى دعوة الرئيس «السيسى» لتجديد الخطاب الدينى؟

 – المهمة أكبر من الأزهر وأى مؤسسة قائمة وتحتاج إلى مشاركة من كل الأطراف، فنحن نحتاج إلى مؤتمر لا ينتمى لأى من المؤسسات الموجودة حالياً، ولكن يجب وجود مفكرين أحرار لمناقشة الفكر كله.

■ هل نقد التراث الدينى جزء من تجديد الخطاب الدينى من وجهة نظرك؟

 – من المؤكد أننا بحاجة لنقد التراث الدينى، ويجب أن ندرك أنه لا شىء مقدس سوى قطعيات الوحى، ماعدا ذلك مرتبط ببشر، ووارد أن تكون به أخطاء ومرتبط بأمور الزمان والمكان.

الوطن