حـوارات أوسلــو

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حـوارات أوسلــو

28 مايو 2007م

 

النرويج بلد مستنير فنظامه الاجتماعي يبسط الرعاية الاجتماعية للكافة.

رغم حجمه الصغير وفر الرعاية للكثير من الحوارات العالمية. وتعامل مع النفط كثروة متناقصة بصورة حفظت حقوق الأجيال القادمة. صورة فريدة قرروا بموجبها وضع كل إيرادات النفط في وديعة مقفولة ولا يدخل في الميزانية الجارية إلا فوائدها المصرفية. وهم الذين انفردوا بين دول أوربا بالاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية.

رئيس وزراء النرويج الأسبق بوندفيك وهو رجل دين ودولة أسس مركزا للحوار الديني والثقافي. هذا المركز، بالتضامن مع مركز السيد محمد خاتمي- الرئيس الإيراني السابق- لحوار الحضارات، ونادي مدريد؛ دعوا لاجتماع في أوسلو شارك فيه عدد من رؤساء الدول والحكومات السابقين، والقادة الدينيين المسلمين والمسيحيين، والأكاديميين والخبراء، لدراسة موضوع الدين والديمقراطية والإرهاب!.

كان الحضور مميزا، والنقاش جادا، وفي النهاية أصدروا بيانا يحث على الحوار بين الأديان، والتزام التحول الديمقراطي، ومحاربة جذور الإرهاب.

تأسست مداخلتي في هذا الاجتماع على التالي:

أولا: إن مفهوم الحضارات التي ينادي البعض بالتحالف بينها ويتوقع آخرون الصدام بينها مفهوم فضفاض. فلا يوجد لأية حضارة أيديولوجية واحدة، أو مصلحة اقتصادية واحدة، أو رؤية أمنية واحدة. لذلك لا تصلح وحداتها مقياسا للوفاق أو الصدام. ولكن الأديان بما فيها من وحدة عقيدة ووجدان، ونفوذ على العقول والقلوب تقارب بين المجموعات البشرية أو تباعد بينها.. لذلك يرجي أن يؤدي الحوار الجاد بين الأديان إلى أربع إيجابيات: الاعتراف المتبادل- اكتشاف القيم المشتركة- التعايش السلمي بينها- والتعاون في المجالات التي تخدم الإنسانية عامة.

ثانيا: الحوار بين الأديان سيظل جزئيا ما لم يسبقه أو يتزامن معه حوار داخل الأديان ينقل مواقفها من الانكفاء على الذات فالتعصب، إلى الانفتاح على الآخر فالتسامح.

ثالثا: إن الاعتداد بالذات الديني، مع الاعتراف بالآخر الديني، والتعامل معه من منطلق القيم المشتركة، لا منطق الإقصاء والإلغاء يتطلب ثيولوجيا التعددية.

رابعا: شهد العالم انتشارا لثقافة حقوق الإنسان. فدخلت حقوق الإنسان في المعاهدات الدولية. كانت الأديان لا سيما الإسلام من أهم مصادر حقوق الإنسان. على المواثيق العالمية إعلاء شأن الأديان، وعلى الأمم المتحدة إنشاء مجلس للأديان من مهامه إغناء حقوق الإنسان بالروافد الروحية. وعلى الأديان في المقابل أن تعلن مباركتها لحقوق الإنسان العالمية. توضيح هذا الجانب في الدين يقع تحت الثيولوجيا الإنسانية.

خامسا: يعاني العالم من بؤر التهاب كنتيجة مباشرة لسوء معاملات الأقوياء للضعفاء- كاغتصاب فلسطين مثلا. ولا تقف هذه المعاملات الظالمة في صنع بؤر الالتهاب هذه بل تتعداها لكافة صنوف الاستغلال والمعاملات الاقتصادية والتجارية غير المتكافئة بين الدول الغنية في الشمال والدول الفقيرة في الجنوب. لا بد أن يأتي يوم تعامل فيه الدول الغنية الدول الفقيرة بالدعم التنموي الذي عاملت به هذه الدول طبقاتها الفقيرة حتى ألحقتها بالرخاء والنماء. هذا ما ينبغي أن تدعو له الأديان، أي ثيولوجيا التحرير.

الآن تحمي الدول الغنية الواقع الظالم بما فيه من احتلال، وإذلال، وظلم، بقدراتها الاقتصادية والعسكرية الغالبة. في وجه هذا الحصن الحصين لجأت بعض الشرائح الغاضبة للاحتجاج بأساليب الضرار الشامل وهي الإرهاب- الهجرة غير القانونية- إنتاج المخدرات وتسويقها- القنبلة السكانية- القنبلة الصحية- والقنبلة البيئوية.

نعم الإرهاب أسلوب احتجاج لا أخلاقي لأنه يفتك بأرواح وأموال مدنيين أبرياء. ولكن الإرهاب عرض وليس سببا للمرض، ومهما كانت الحرب ضده قوية فإن اختفاءه مرتبط بإزالة أسبابه وهي الظلم، والاحتلال، و الاذلال، والاستبداد، والفقر، والعطالة. إن عالما يعجز عن إنصاف المظاليم فيه لن يستطيع حماية المنعمين من نيران غضب الغاضبين.

لقد استعصى على القيادات الرسمية لكثير من الدول فهم هذه الأبجديات فصار علينا أن نحرك أصحاب القلوب المؤمنة والضمائر الحية بمقولة لا ينكرها إلا مكابر: لا سلام بلا عدالة.

هذه الحوارات الدينية تستطيع إذا سلمت بهذه الحقائق إيقاظ ضمير العالم المستنير لا سيما في وقت تراجعت فيه أطروحات ومقررات أجندة الأحادية القطبية: الأجندة التي تبناها اليمينيون الجدد أو الراديكاليون اليمينيون وحاولوا بسط هيمنة أحادية على العالم تقوم على تبرير الهجمات الانفرادية والاستباقية.. أجندة هزمتها المقاومة في العراق، ولبنان، وفلسطين، ويقظة الشعوب الأوربية، وانتفاضة الشعوب الأمريكية اللاتينية، والمارد الصيني، والعودة الروسية، بل هزمها فوق ذلك كله صحوة الشعب الأمريكي.

هذه العوامل تفضي إلى توازن دولي جديد ما بعد القطبية الثنائية البائدة، وما بعد القطبية الأحادية المطوية.

وعلى الصعيد السياسي والدبلوماسي فإن المرحلة القادمة مهيأة لدور أكبر للشعوب يقوم على حركة المجتمعات السياسية والمدنية لتطوير المواثيق الدولية بحيث تربط شرعية النظم الحاكمة بالتزامها بالحكم الراشد الذي يحقق المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون، وبحيث يرتبط التعاون التنموي بالالتزام بمواثيق حقوق الإنسان العالمية.

هنالك الآن مبادرات على الأصعدة الإقليمية والصعيد الدولي لإيجاد منبر شعبي أممي تمثل فيه الشعوب لا الحكومات شأن الأمم المتحدة حاليا. ففي 10 مايو الحالي ومن العاصمة السويسرية بيرن، انطلقت حملة دولية حاظية بدعم منظمات غير حكومية ونواب برلمانيين وشخصيات من مائة بلد، للمطالبة بإنشاء برلمان للأمم المتحدة. قدم السيد أندرياس بومّـل للحملة قائلا: “منظمة الأمم المتحدة تعاني من عجز ديمقراطي بسبب الافتقار إلى ارتباط مباشر مع الشعوب، وهو الرابط الذي يؤمِّـنه البرلمان في البلدان الديمقراطية”.

هذا المنبر الدولي الشعبي سيكون مجرداً من الحسابات الدبلوماسية عاملا بلا حرج في دعم السلام العادل والتحول الديمقراطي في كل مكان.

عضوية المنظمات السياسية والمدنية لهذا المنبر الشعبي الدولي ينبغي أن تخضع لمقاييس ديمقراطية صارمة حتى لا تكون أداة في يد الدول الكبرى. كما لا تحتشد فيها عضوية غير ديمقراطية فتحيلها آلية دولية تخدم أجندات أوتقراطية كما هو الحال في كثير من منظات الأمم المتحدة الحالية.

ختام: التنمية البشرية بأبعادها المختلفة بما في ذلك صحة البيئة هدف إنساني استراتيجي، وتتطلب تكاملا بين العوامل الداخلية والخارجية.

في عهد القطبية الثنائية الدولية سيطر الانحياز لأحد المعسكرين على كافة الاعتبارات الأخرى، وما تحقق من معونات تنموية وقعت غالبا في أيدي حكومات غير رشيدة أخضعتها لأولوياتها الخاطئة.

وفي عهد القطبية الأحادية صار الامتثال للهيمنة هو المقياس الدولي. وشوهت الحرب العالمية غير المتكافئة بين الهيمنة والإرهاب المناخ الدولي كله.

التعددية الدولية القادمة، والدور الأممي الأكبر للشعوب، وللروافد الدينية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني، يرجى أن يخلق مناخا عالميا أفضل للتكامل الصحي المطلوب بين الداخل والخارج من أجل التنمية البشرية.