حلقة نقاش: وبـــاء القــــرن الإيدز في إفريقيا جنوب الصحراء

بسم الله الرحمن الرحيم
حلقة نقاش: وبـــاء القــــرن
الإيدز في إفريقيا جنوب الصحراء

عقدت الجمعية النسوية لمحاربة داء الإيدز في أفريقيا حلقة نقاش في الخرطوم في 18/6/2002م للتحضير لمؤتمر يعقد في الخرطوم في مايو 2003م.
المصابون بهذا الفيروس القاتل في العالم اليوم 34,3 مليون نسمة، حوالي 70% من هؤلاء أي 24,5 مليون يعيشون في إفريقيا جنوب الصحراء. ومنذ بداية الوباء في الثمانينيات مات في إفريقيا جنوب الصحراء حوالي 19 مليون نسمة بإصابة هذا الداء.
متوسط نسبة الإصابة عالميا 1,1%، ولكنها في إفريقيا جنوب الصحراء ثمانية أضعاف النسبة العالمية أي 8,8%. وفي 16 دولة من دول جنوب وشرق إفريقيا تزيد النسبة عن 10%.
هناك عشر نقاط ذات أهمية خاصة متعلقة بهذا الداء الخطير هي:
النقطة الأولى: الإيدز والسلوك البشري:
عندما ظهر هذا الداء في الثمانينيات واتضح أنه مرض لا علاج له وظهر أول ما ظهر بين المثليين جنسيا، ظن بعض الناس أنه نقمة إلهية سلطها الله على هذا السلوك الشاذ. هناك نظريات كثيرة عن كيف نبت هذا الداء، فمن قائل أن الذي سببه هو تجارب علمية في مجال الحرب البيولوجية، وقائل أنه إنتقل من بعض فصائل القرود للإنسان.. ومهما كان السبب الأصلي، فإن إنتشار المرض مرتبط بأنماط سلوكية معينة. كثير من الناس يلجأون للغيبيات لتفسير أن لهذه الظاهرة أو تلك مصدراً إلهيا، كأن عالم الشهادة مستقل من إرادة الله. إن قوانين الطبيعة نفسها من إرادة الله :  رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى  . الإيدز ينتشر نتيجة لنمط حياة غير منضبطة، ولاستعمال المخدرات، وبدرجة أقل لأخطاء في الحقل الطبي والعمليات الجراحية. ولذلك فإن مكافحته تقع كليا في استطاعة واختصاص الإنسان. ومع ذلك فإن قول هذا الكلام -فيما يتعلق بالسلوك البشري- أسهل كثيرا من فعله، لأن السلوك الجنسي -لا سيما لدى الرجال- جامح، بالإضافة إلى أن الضغوط التي تحيط بالإنسان تخلق ظروفا تجعله يبحث – بدرجات متفاوتة- عن مهرب.. المخدرات والكحول ينتميان لهذه المتلازمة من الأعراض.
يجب تعبئة كل القوى المعنية: النفسية، والفكرية، والأخلاقية، والروحية، والاجتماعية في المسعى للتخلص من أنماط الحياة المنكرة.
النقطة الثانية: غياب الثقافة الجنسية:
نحن في مجتمعاتنا وثقافتها السائدة نترك أطفالنا ليثقفوا أنفسهم عن الجنس ثقافة ذاتية فيها قليل جدا من التوجيه والتربية لأن هذا الموضوع على أهميته القصوى للحياة يعامل كـ”تابو”. ومع أن النوع هو الأساس الأول للهوية الشخصية، ومع أن الجنس هو أكثر الظواهر البيولوجية طبيعية إلا أن الموضوع يحاط بالغموض والتعتيم. هذا النقص في الثقافة الجنسية ساعد على زيادة كل الوجوه السالبة حول التناسل والأمراض المنقولة جنسيا.
النقطة الثالثة: الإيدز وتعاليم الدين:
الدين يدعو للعفة، ولا شك أن هذا ساعد في مقاومة كثير من التجاوزات، ولكن دائما هناك نسبة من الناس تنحرف. هناك رأي كنسي يدين أي نشاط جنسي لا يتم بغرض التكاثر، وهذا الرأي يرفض أي ممارسة جنسية بغرض المتعة. الإسلام يعترف بالمتعة الجنسية من حيث هي ويشجعها داخل إطار الزوجية. ولكن هل يسمح الإسلام بأي توجيهات للمجترئين والمقتحمين لذلك خارج إطار الزوجية؟.. في سياق وباء الإيدز فإن سلوك هؤلاء الجنسي الخاطئ يعرض أرواحهم ويعرض المجتمع كذلك للخطر. يمكن مخاطبة هؤلاء عبر القواعد الصحيحة التالية:
– قاعدة ارتكاب أخف الضررين.
– التحذير  وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ 
– قاعدة لا ضرر ولا ضرار.
وعليه فإن من واجبنا الوعظ بالتعفف خارج إطار الزوجية. وفي حالة الفشل: مراعاة أهون الشرين وأخف الضررين.
النقطة الرابعة: دور الدكتاتورية:
هناك عدة صفات تميز الدكتاتورية ذكرتها في مكان آخر تحت عنوان “الاستبداد ملة واحدة” ومن هذه الصفات: أن الدكتاتورية تحاول تعويض افتقادها للشرعية برسم صورة وردية من الإنجازات وتستغل الإعلام لادعاء أمجاد كاذبة، ويترتب على هذا إلغاؤها لكل نقد. والسلوك النموذجي الذي تنصح به هو سلوك القرود الثلاثة في المثل المشهور. وشعارها صه، صه.. الشفافية بالنسبة لها لعنة تعادل التخريب.
هنالك قدر من الشفافية في يوغندا وأكثر منه في السنغال، لذلك هناك نهج أكثر استنارة في السياسات المتخذة حيال الإيدز.. يجب أن نصنف الدكتاتورية مع الفقر والجهل كقوى صديقة للإيدز.
النقطة الخامسة: النساء والسلوك الجنسي:
يجب أن يعترف الرجال فيما يتعلق بالجنس أن النساء هن الحارسات، وكلما تم تمكينهن من الوقوف في وجه الثغرات كلما قل الاختراق.
النقطة السادسة: الإسلام يقلل معدل الإصابة:
بينما يمثل سكان إفريقيا جنوب الصحراء 10% من سكان العالم، تقع بينهم 70% من إصابات الإيدز في العالم، وهذا أمر سيئ. هناك 16 دولة غالبها في شرق وجنوب إفريقيا بها معدل إصابة يبلغ 10% ويصل 35% في بتسوانا.. يعلل بعض العلماء معدل الإصابة المنخفض نسبيا في غرب إفريقيا بانتشار ختان الذكور. ختان الذكور لا يؤثر على السلوك الجنسي للرجل. الأقرب أن يكون ذلك بسبب تأثير الإسلام على أنماط الحياة.
النقطة السابعة: أثر الحرب:
يخلق النزوح الناجم عن الحرب والمجاعة مناخا اجتماعيا يؤدي لسوء السلوك الجنسي. إن على القارة الإفريقية أن تركز على إنهاء الحروب كأولوية صحية .
إن حروب القارة الأفريقية ستستمر في تدمير كل برامج التنمية والصحة في القارة. وما بين الديكتاتوريين الذين يحرصون على الحكم بدون شرعية، وبارونات الحرب المستفيدين من النزاعات، تم تدمير الشعوب الأفريقية بأربعة عشر نزاعاً لم تتم تسويته بعد وهي ضمن كوارث أخري تغذي وباء الإيدز .
النقطة الثامنة : الوضع في السودان :
مسرح الإيدز في السودان جزء من مسرح الحرب من حيث الإصابات بين الجنود وحركة المواطنين المتسارعة. وحسب إفادات البرنامج القومي لمكافحة الإيدز فإن عدد المصابين الآن يبلغ نصف مليون مصاب، ونسبة التفشي بين البالغين تبلغ 1.6%. هذا يمكن أن يشير إلى قمة جبل الجليد –والمعلوم أن جبال الجليد يكون ثلثاها مغمور تحت سطح الماء- فالموقع الجغرافي، وظروف الحرب، والحركة السكانية العالية كلها تؤدي لإصابات أكثر. المطلوب مجهود عالي قومي ودولي لإنقاذ الموقف.
النقطة التاسعة: إفريقيا والعالم
إستيقظ العالم لضرورة علاقاته مع أفريقيا جنوب الصحراء. عقدت القمة الأفريقية الأوربية والقمة الأفريقية الأمريكية والقمة الأفريقية الصينية. هذه البلدان تسعي لتطوير علاقاتها بأفريقيا جنوب الصحراء وأحياناً تتجه تلك العلاقات لتجاوز أفريقيا شمال الصحراء. والحقيقة المرة أن الدول العربية غير مهتمة بالقدر الكافي بعلاقاتها بأفريقيا جنوب الصحراء. هذا من شأنه أن يخلق شرخاً في العلاقات العربية الأفريقية يضر بالمصالح القومية العربية ضرراً بالغاً.
النقطة العاشرة: إفريقيا والعرب:
أغلبية العرب تعيش في أفريقيا. وعبر البحر الأحمر، والمحيط الهندي ، أفريقيا السمراء تجاور العرب الآخرين في جنوب غرب آسيا. وأفريقيا قارة للإسلام فيها وجود كبير. إن للعرب أكثر من سبب بالإضافة للدافع الإنساني أن يهتموا إهتماماً بالغاً بدعم المشروع التنموي الأفريقي الجديد ” النيباد ” عامة، وبالمساهمة في محاربة الإيدز خاصة. إن أية خطة إستراتيجية عربية لا بد أن تضع العلاقة بأفريقيا جنوب الصحراء في صدر أولوياتها.