حوار موقع الاصلاح مع الإمام الصادق المهدي حول الربيع العربي والأوضاع في السودان

الإمام الصادق المهدي
سماحة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد للحكماء والرؤساء السابقين المنتخبين ديمقراطياً والمفكر السياسي والإسلامي

 

 

على إثر الزيارة التي قام بها رئيس المكتب التنفيدي للمنتدى العلمي للوسطية الأستاذ “الصادق المهدي” الرئيس السابق لوزراء جمهورية السودان وزعيم حزب الأمة السوداني المعارض للمشاركة في ندوة المنتدى المغربي للوسطية بالرباط حول الربيع الديمقراطي العربي الحآل والمآل، قام موقع الإصلاح بإجراء حوار صحفي مع فخامة الرئيس السوداني السابق حول مجموعة من الإشكالات. وفيما يلي نورد نص الحوار كما جاء كاملا.

 

مرحبا بكم فخامة رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس المكتب التنفيذي للمنتدى العالمي للوسطية، أهلا وسهلا بكم في المغرب، أبدأ معكم من خلال تجربتكم في دواليب السلطة حين كنتم رئيسا لجمهورية السودان، ما هي الإشكالات التي تطرحها ممارسة السلطة في البلاد العربية؟

ج: نحن مارسنا سلطة ديمقراطية، والسلطة الديمقراطية دائما تكون أصعب على الحاكم وأسهل على المواطن، لأنه في ظل سلطة ديمقراطية يستطيع المواطن أن يعبر عن رأيه في كل الأمور بناء على معطى الحرية الذي توفره السلطة الديمقراطية على عكس الأنظمة الأوتوقراطية، وأكبر تحدي يقابل الحكم الديمقراطي هو الفرق بين ما تستطيع أن تقدمه الدولة بإمكاناتها المحدودة وبين ما يتطلبه الشعب من مطالب لا محدودة، خصوصا إذا أتت مباشرة بعد نظام أوتوقراطي، لأن من مساوئه الكثيرة أنه يعطل ويعلق حل المشاكل ويمنع التعبير عنها بعنف وتظل متراكمة ومكبوتة في النفوس وباقية في الواقع، وحينما تأتي الحرية ينطلق الشعب في التعبير بقوة عن مطالب متراكمة لعقود، وهذا يواجه السلطة الديمقراطية بأكبر تحدي لها أنها لن تستطيع مهما كانت رغبتها في أن تلبي ما يريده المواطنون في الفترة القصيرة التي أمامهم.

س: إلى جانب تجربتكم في ممارسة السلطة حين كنتم رئيسا لوزراء الجمهورية السودانية، لديكم أيضا تجربة في معارضة سلطة أول حكومة إسلامية في الوطن العربي في تلك الفترة، كيف تقيمون تجربة ممارسة السلطة عند الإسلاميين؟

ج: الحركة التي استولت على السلطة في السودان باسم الإسلام حركة انتهازية، ولم تأت بطريقة ديمقراطية، لذلك أول ما كٌنّا فعلناه هو أّنّنا طَعنّا في ادّعائها أنها إسلامية، لأننا كنا نعتقد بأن الحركة خالية من أي برنامج سياسي وإنّما هي حركة انتهازية استولت على السلطة وهذا ما أثبتته الأيام فيما بعد حينما وقع انشقاق وانقسام فيما بينهم، وللأسف شوّهَت اسم الإسلام وخلقت ظروف مزقت البلاد، فأنا لا أستطيع أن أقول بأن تجربتنا هذه نمطية، لأن القوة التي استولت على السلطة في السودان باسم الإسلام لم تكن تستحق تلك الصفة، ولذلك كان علينا أن نعارضها من جوانب مختلفة، من جانب ادّعاء أنها إسلامية، ومن جانب إخفاقاتها الكثيرة ، وكذلك لم تستطع أن تقدم شيئا للمجتمع السوداني، كما أنها شوهت تجربتها بالعنف وربطت ما بين الإسلام و العنف، وما بين الظلم والاستبداد وما بين الإسلام وكل هذه الأمور يسرت علينا معارضتها.

 

س: ولكن هل يعني هذا أن كل الحركات الإسلامية التي تسلمت السلطة في باقي الدول العربية ينطبق عليها هذا الأمر؟

ج: لا إطلاقا هناك فوارق كثيرة تميز التجربة السودانية عن غيرها.

 

س: هل يمكن لكم أن تعطونا قراءة في مفهوم الديمقراطية في فكر الإسلاميين؟

ج: يعني الديمقراطية إذا تركنا الكلمة، هي حكم يقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون، وهذه الأسس الأربع موجودة في النصوص المقدسة الإسلامية. فالمشاركة تتجلى في قول الله تعالى ( وأمرهم شورى بينهم )، أما المساءلة فواضحة في ( الدين النصيحة )، أما الشفافية فتقتضي بأنا ملزمين بأن نؤدي الشهادة لنا أو علينا، أما سيادة حكم القانون في الأسس والقواعد العامة المتفق عليها ( لو أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سرقت لقطعت يدها)، إذا نحن كمسلمين عندنا كل مقومات الديمقراطية، والغرب استغل هذه المقومات وطورها في بناء مؤسساته لممارسة الديمقراطية، ولذلك نحن إذا استصحابنا هذه المؤسسات في الانتخاب واستقلال القضاء، ولو استصحبنا شيئا نافعا عندنا مبادئه، ولكن ليست عندنا مؤسساته، فاستصحاب المؤسسات مشروع للغاية أعتقد أنه لا يجب أن يكون للمسلم حرج أن يصطحب هذه المؤسسات في تنفيذ وتطبيق المبادئ المذكورة.

 

س: الآن وقد حصل تغير سياسي بعد الحراك الشعبي في مجموعة من الدول العربية حيث أفرز في بعض هذه الدول وصول الحركات الإسلامية إلى سدة الحكم، كيف تقرؤون هذه التجربة ؟

ج: التجربة الديمقراطية العربية تبدأ بأن نعترف بأن الذي كانت له المبادرة ورأس الرمح في إحداث التحولات لم يكن تنظيم إسلامي معين وإنما كانت قوى شبابية كانت مهمشة و غير ملاحقة بواسطة الأجهزة التكنولوجية الحديثة واستفادت من شبكات التواصل الاجتماعي ( الفايسبوك، تويتر، يوتوب…الخ) و استغلته بالمعنى الإيجابي لكي تفعل هذا الحدث، وبما أن النظم المعنية أصلها كانت هشة للغاية عندما حدثت هذه الظاهرة حدثت معها الاندفاع الكبير الشعبي، فيجب أن نعترف بأن الحركة التي أحدثت التغيير لم تكن ذات طابع إيديولوجي معين وإنما كانت من أجل الحرية والديمقراطية وكانت شعبية وعامة، ولكن عندما نالت الشعوب حريتها عبّرت عن أشواقها في الحرية بالتصويت على الحركات الإسلامية، وهذا ما يفسر بأن الذين تقلدوا مناصب السلطة هم من الإسلاميين أتوا مزودين بشعارات وليس ببرامج محددة، هذا يعني أنّهم أمام تحديات كبيرة أهمها: ترجمة تلك الشعارات إلى برامج، ثانيا إمكانية حل المشكلات السوسيو اقتصادية القائمة في الحيز الزمني المتوفر، ثالثا أن الشعوب التي منحت صوتها بكثافة لهذه الحركات الإسلامية تنتظر إصلاحات عاجلة وفاعلة، ولكن ضيق الزمن وغياب البرامج المحددة والظروف الدولية قد لا تسمح بذلك وهذا هو الخطر الذي يمكن أن تواجهه الحركات الإسلامية خصوصا وأنها دائما كانت قوية في المعارضة، والمعارضة دائما ما تكون قائمة على شعارات قوية و طوباويات، ولكن الحكم يقوم على تغيير الواقع. وما بين الطوباوية وتغيير الواقع بون شاسع.

 

س: في هذه الحالة ماذا تتوقع أن يحدث مستقبلا، وكيف سيكون رد فعل الشعوب العربية؟

ج: نعم الشعوب العربية قد عبّرت بعاطفتها لكن المهم هو أن الحركات الإسلامية الآن ككل القوى السياسية الممارسة للسلطة في العالم هي أمام تحدي، إذا نجحت فيه تجد التأييد وإلا فستجد الرفض، وأنا في رأيي أن تدرك الحركات الإسلامية التي في السلطة أنها إذا أخطأت لا يعني هذا أن الإسلام أخطأ وإذا فشلت لا يعني أن الإسلام فشل. بل إنما الأشخاص الذين في هذه الحركات هم اللذين أخطأوا والبشر يخطئ ويصيب، ثانيا يجب أن يُفهم أيضا أن أمامهم تحدي، وليس هناك شيء اسمه أننا وصلنا وهذه آخر مرة، بل إنما وصلنا وهذا امتحان فإذا نجحوا في الامتحان كما حصل في تركيا حينما حقق حزب العدالة والتنمية لنفسه دعما قويا وكرر انتصاراته الانتخابية لأنه نجح في امتحان ممارسة السلطة. والتجربة التركية في هذا الصدد تجربة مفيدة لأنها تقوم بوضوح. وهكذا الأمر بالنسبة للحركات الإسلامية التي في السلطة إذا ما أرادت الحفاظ على قوتها وثقتها عند الشعوب تحتاج إلى إنجاز ونجاح في تغيير الواقع لصالح تطلعات الشعب، وإذا كررت الحركات المعنية سيرة التجربة التركية ستجد تأييدا إضافيا، وإلا ستجد رفضا في حالة العكس كما حدث في السودان.

 

س: لماذا برأيك لم يحدث حراك شعبي بالسودان على غرار ما وقع في مجموعة من الدول العربية؟

ج: سيحدث حراك في السودان بتحركات كبيرة، وفي رأيي نتيجتها النهائية يمكن أن لا تكون بنفس الشكل، لكن سيكون تحول ديمقراطي في السودان.

 

هل كان لتقسيم السودان آثار عكسية حالت دون قيام حراك شعبي في هذه المرحلة؟

ج: نعم لقد كان لتقسيم السودان تأثير، لكن رغم ذلك فتقسيم السودان أحد أسباب إدانة النظام الحالي أنه هو المسؤول في المقام الأول من هذا الإجراء الخاسر، ولذلك فأنا أعتقد بأن السودان سيصل في المرحلة المتعلقة بالتحول الديمقراطي.

 

س: ولكن ألا يدخل تقسيم السودان ضمن مشروع سياسة التجزئة الصهيوأمريكي التي تستهدف الوطن العربي؟

ج: لا ، مخطئ من يعتقد أن الذي حصل في السودان هو مؤامرة خارجية أو شيء من هذا القبيل لا يجب أن يستخدم كشماعة، إن الّذي حصل هو نتيجة لإخفاقات داخلية استغلها الأعداء، وكل محاولة لاستخدام الخارج كشمّاعة في رأيي فاشلة وغير صحيحة، والحقيقة التي يجب أن نعترف بها، وهي بأن الإخفاقات الداخلية للدول العربية هي إخفاقات ذاتية، ولكن طبيعي أن يستغل الأعداء هذا الأمر وأن يجعلوه مدخلا باسم الحرية أو تحقيق الأمن أو تجسيد الديمقراطية، لكن في الواقع هو استغلال وجود إشكالات داخلية في النظم السياسية العربية الحاكمة وإخفاقها في تدبير إشكالاتها الداخلية كما حدث في دارفور بالسودان.

 

وهل تتم خطوات عملية من جانبكم في حزب الأمة لتجاوز هذا الإخفاق وإحداث تحول ديمقراطي بالسودان؟

طبعا هذا عملنا ونحن نبذل الجهود لإنقاذ السودان من إخفاقات الحاضر الذي يعانيه.

 

س: بالنسبة إليكم في منتدى الوسطية ما هي آفاق عمل المنتدى في مواكبة التحولات السوسيوسياسية والثقافية والفكرية في العالم العربي خصوصا بعد سقوط نظرية العنف والتطرف مع رياح الربيع العربي؟

بالنسبة إلينا في منتدى الوسطية مازلنا نبذل مجهودات لرأب الصدع بين الفرقاء السياسيين صحيح بأن الثورة الناعمة قد أسقطت نظرية العنف، لكن المقاومة التي تبديها الثورة المضادة في بعض الدول ستؤدي إلى عودة العنف بصيغة أخرى كما حدث في ليبيا واليمن وسوريا، ولو أن الثورة في هذه البلدان لم تعرف عودة هذه المقاومة لكانت الثورة الناعمة قد أكملت مسارها على نحو أفضل، لكن للأسف المعطيات الحاضرة في الحالات الثلاث تؤشر على عودة العنف. بسبب بطش الطغاة في هذه البلدان حال دون القضاء على مشاهد العنف ودون حدوث تحول ديمقراطي، بل أكثر من ذلك قد تدخل هذه الدول في أُتون حرب أهلية.

 

س: هل أفهم من كلامك أن الربيع الديمقراطي لم يقدم أي إضافة فيما يخص دور ومساهمة منتدى الوسطية في تذويب الخلافات الإيديولوجية في الوطن العربي؟

لا معنى كلامي أن مشروع الوسطية سيستمر في العمل بأسلوب الثورة الناعمة لتذويب الخلافات الأيديولوجية، وواجب اللحظة يتطلب منّا الآن التوفيق بين التّأصيل والتحديث وتجنب الإفراط والتفريط، هذه الإيديولوجية ستظل ترفع الراية وستظل هي الموغل الصحيح في هذه المرحلة التاريخية.

 

حاوره وأعده للنشر: عبد الرحيم بلشقار بنعلي