حوار الشرق والغرب

بسم الله الرحمن الرحيم

حوار الشرق والغرب

5 مارس 2007م

 

على طول تاريخ الإنسانية لم يكن تعبيرا شرق وغرب مجرد جغرافيا بل شملا محتويات أوسع في تصنيف الجماعات البشرية. كانت أهم الاشراقات الروحية شرقية وأهم البراهين العقلية غربية.

في الأسبوع الثالث من فبراير دعا معهد الشرق والغرب لمؤتمر في مدينة بروكسل لبحث الأمن العالمي وكيفية التصدي لمهدداته دون مساس بحقوق الإنسان. شارك في المؤتمر نحو 400 شخص من أركان العالم الأربعة ومن كافة التخصصات المعنية.  وخاطب الجلسة الختامية رؤساء وزراء سابقين من كندا، ورومانيا، والنرويج، والسودان.

في تلك الجلسة قال قريق أوستن مقرر المؤتمر ملخصا رؤى المؤتمرين:

أولا: إن الإرهاب ظاهرة عالمية تولدها ظروف معينة وليست مرتبطة بأية ديانة ولا منطقة بعينها.

ثانيا: إن الحزم في مواجهة الإرهاب واجب أمني ولكن ينبغي الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان في محاربته.

ثالثا: إن الحملة الجارية حاليا لمواجهته حققت انتصارات تكتيكية ولكنها استراتيجيا خاسرة.

رابعا: إن فكرة الحوار مع الغلاة التي ظهرت في الجلسة الأخيرة جديدة على المؤتمر وهي تستحق الدراسة.

كنت في خطابي للجلسة الأخيرة قد وجهت نقدا أساسيا لطبيعة هذه المؤتمرات بأنها من العالم الغربي لا تشمل البرلمانات والأحزاب السياسية والنقابات بالقدر الكافي وهؤلاء يؤثرون في القرار بصورة قاطعة. ومن عالم الشرق الفاعل لا تشمل القوى التي تصنع الأحداث في واقع الحياة لذلك تدور في فلك تحفه دراسات أكاديمية ونوايا طيبة وتصدر توصيات مستنيرة ولكنها معلقة في الهواء!

اشتملت مداخلتي على النقاط السبع الآتية:

  1. منذ عامين عقد في مدريد مؤتمر قمة حضره كثير من قادة العالم. ومن نتائجه إعلان أجندة مدريد التي حددت المقاييس الإنسانية الواجب اتباعها أثناء الحملة ضد الإرهاب.

هذا النهج صار محط إجماع النخب العالمية وعززته مؤتمرات ولقاءات تالية. ولكن الواقع في سلوك الدول وفي أعمال نشطاء العنف السياسي مضى في طريق آخر معاكس.

  1. الاتجاهات الراديكالية في العالم زادت فالسياسة الأمريكية، ولها دورها القيادي، سيطر عليها فكر راديكالي عبر عنه المحافظون الجدد، والإستراويشيون، والإنجيليون.

هؤلاء صار لهم تأثير أكبر على السياسة لأن غالبيتهم صوتت للرئيس الأمريكي بوش، صوت 87% من البيض الإنجيليين له في انتخابات 2004م. بل تحولت الهواجس في بعض الأوساط الغربية من “إسلاموفوبيا” إلى “إسلامومانيا”. عبر عنها كتاب “يورابيا” بقلم بات يائور، وكتاب “فرصة الغرب الأخيرة” بقلم توني بلاكي، وكتاب “بينما الغرب نائم” بقلم بروز بودر، وكتاب “القوة والإيمان والخيال” بقلم مايكل أورن.

وفي المقابل تقدمت الرؤى الراديكالية على غيرها من الإخوان إلى حماس، ومن أمل إلى حزب الله، ومن محمد خاتمي إلى محمود أحمدي نجاد.

الراديكالية الأمريكية والسياسات التوسعية الإسرائيلية والدعم الأمريكي لها أطلقت ردود فعل مضادة لها في المنطقة.

  1. والعنف السياسي وهو التعبير العملي للفكر الراديكالي زاد انتشارا!
    • انتعشت حركة طالبان بصورة واسعة في أفغانستان.
    • نشاط القاعدة توسع من مركزه في جنوب آسيا إلى مراكز جديدة في العراق منذ الاحتلال وفي المغرب في يناير 2007م تحول التنظيم المحلي إلى تنظيم القاعدة في المغرب. والآن انفجرت الحالة الصومالية لتجعل من الصومال أفغانستان أفريقية.
  2. لم تعالج جذور العنف السياسي- الإرهاب- بل هنالك محاولة لنفي وجود جذور يمكن للعقل أن يدركها كان آخرها ما جاء في افتتاحية صحيفة التايمز اللندنية قبل ثلاثة اشهر:

“المسلمون يعانون من طردهم من الأندلس في  القرن (الخامس عشر) إن جهل هذه الحقيقة ووضع اللوم على قضية فلسطين وأفغانستان، والعراق.. يعني عدم فهم حقيقة القاعدة”.

أقول: الحقيقة هي أن لهذه الاحتجاجات أسبابا معلومة هي: الاستيطان في فلسطين، والاحتلال، والاستلاب الثقافي، والفقر، والحكم الاستبدادي المدعوم من الخارج الذي يحرم المواطنين من المشاركة في مصير أوطانهم. بل أقول إن هذا النشاط “الإرهابي” هو خصخصة للتعامل مع النزاعات التي عجزت النظم في التصدي الفعال لها.

  1. منذ عامين كان الاهتمام بالتحول الديمقراطي في البلدان العربية يحظى باهتمام داخلي وخارجي كبير. ولكن في حلقة دراسية عالمية عقدت في القاهرة في الأسبوع الثاني من فبراير 2007م أكد الدارسون أن برامج التحول الديمقراطي أصيبت بنكسة. وأن الإدارة الأمريكية صارت مشغولة بأولويات أخرى من شأنها الحرص على استقرار النظم الاستبدادية في المنطقة.

الإدارة الأمريكية الآن مشغولة بإقامة “حلف بغداد” جديد لمواجهة إيران.

إذن هل نفض سامر هذه المؤتمرات ونسدل الستار عليها؟ الجواب: لا لأن الأوساط غير الرسمية داخل البلدان الإسلامية ودوليا تشهد مظاهر تفكير أكثر استنارة:

  • ‌أ. هنالك الآن تحرك شعبي واسع متطلع للتحول الديمقراطي والحكم الراشد. وهناك تطلع لإصلاح إسلامي يوفق بين الأصل والعصر، ويدرك أن الصدام الطائفي لا سيما السني والشيعي انتحار جماعي ينبغي تجنبه. ويدرك أن أجندة الغلاة مهما كان أذاها للآخرين فإنها في المقام الأول تدمر حاضر ومستقبل الأمة وتعمل على مشروع يرهن المستقبل لصورة مبتسرة للماضي.
  • ‌ب. وفي الولايات المتحدة نفسها مظاهر استنارة – مثلا- كتاب الرئيس السابق كارتر عن فلسطين السلام لا الفصل العنصري. وكتاب بول فنلي من يجرؤ على الكلام. وتقرير بيكر هاملتون. ونتائج انتخابات نوفمبر 2006م.
    1. ما ينبغي عمله منذ الآن يتلخص في أربعة أمور:

أولا: توسيع شبكة الحوار فلا معنى لحوار يستبعد الحركات الإخوانية، وحماس، وحزب الله، وطالبان، وحركة المحاكم الإسلامية، وحركات المقاومة للاحتلال أو يستبعد الحركات التقدمية والقومية ذات القواعد الشعبية.

ثانيا: دراسة الواقع الفكري والسياسي في المناطق المعنية للتعرف على الحركات التي تمثل قوى اجتماعية والدخول معها في حوارت ماراثونية تمثل مبادرات عدالة استباقية.

ثالثا: على الصعيد الدولي ينبغي مشاركة دوائر ذات نفوذ في القرار مثل البرلمان الأوربي والكنغرس الأمريكي، والأحزاب السياسية في الحوارات الهادفة.

رابعا: إدراك أن انتشار حركات الغلو الاحتجاجية، والتعبير عنه بالعنف العشوائي إنما هو دليل على إخفاق الحوكمة الدولية.

الحوكمة الدولية ليست تطلع لمُثل طوباوية بل هو تعامل رشيد مع الأزمات. فالتعامل مع القضية الفلسطينية، ومع الحالة العراقية، والحالة الصومالية، والأزمات النووية وغيرها بالطرق المشاهدة حاليا يدل على حوكمة دولية فاشلة بصورة تغذي الغلو والعنف.

الغلو والعنف وماإليهما ليست مسائل حتمية بل هي ظواهر مرضية لحوكمة وطنية ودولية فاشلة.

هذه الملاحظات وجدت استحسانا واسعا من المؤتمرين وسوف تثمر إذا توافرت الإرادة السياسية للاهتداء بها.