حوار مع الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي مع الشرق

الإمام الصادق المهدي في برنامج مصر في يوم
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي

المهدي: نقدر الإهتمام القطري بالشأن السوداني، وبناء السلام في ربوعه

عبد الرحمن كان بمثابة “المضاد الحيوي” لصد الأذى من الحزب

24 مايو 2015

أجرى الحوار: حسن أبو عرفات

سياسي ومفكر سوداني، زعيم الأنصار ورئيس حزب الأمة، تولى رئاسة الحكومة السودانية فترتي (1967 — 1969) و(1986 — 1989) ويعتبر الصادق المهدي أحد القيادات المؤثرة في المعارضة السودانية.. تثير أحاديثه وأقواله وأفكاره شهية الكثير من التساؤلات للاشتباك معها تأييداً أو تفنيداً.. ويعود الترحيب الذي يلقاه الصادق دوما في ترحاله، إلى عدة أسباب، في مقدمتها: أن الرجل مثقف كبير، وغزير الإنتاج في شتى المجالات الفكرية والسياسية والثقافية، كما أنه صاحب حضور خاص ويمتع بقدرة كبيرة على صياغة أفكاره بشكل موجز، ذا بناء منطقي متسلسل يراعي طبيعة الحضور، ويأخذ في الإعتبار عدم إلمام الكثير منهم بتفاصيل ودقائق الأوضاع السودانية، فيعطى عرضا عاما يضمنه أفكاره ومواقفه ورؤيته للتطورات.

قال عنه خبراء وإعلاميون كبار: “إن المهدي صاحب قدرة على الإصغاء بقدر كبير من التواضع، صاحب “كاريزما خاصة”، تنبع من سماته الشخصية، ومن التاريخ الهائل الذي يستند إليه كونه حامل لواء الحركة المهدية وطائفة الأنصار، فهو يمثل زعامة الجيل الرابع من أبناء هذه الحركة، التى غيرت تاريخ السودان، وقاد معارضة سلمية ومسلحة، وانتهى إلى نبذ العنف كوسيلة للتغيير، وظل طوال الوقت من دعاة الديمقراطية.. وهذا المزيج المتفرد من التاريخ والزعامة والفكر، قل أن يجتمع فى شخص واحد على امتداد الساحات العربية!! والصادق ذا جاذبية كبيرة لوسائل الإعلام، وهو يحرص بشكل واع على توظيف هذه الخاصية فى القيام بأكبر نوع من التعبئة خلف مواقفه السياسية، حيث تتجلى خبرته السياسية فى عرض هذه المواقف باعتدال وبصورة خالية من الضغائن الشخصية، الأمر الذي يجعلها أكثر قبولا ومصداقية..

ويعكس الصادق أيضا صورة طيبة عن السودان ونخبته بشكل عام، فهو متابع لكل التطورات الإقليمية والدولية بل ومتفاعل معها حضوراً وإسهاماً.. ولديه دائما مواقفه الخاصة حول القضايا المطروحة، ويتسم طرحه بشكل عام بالمرونة والاعتدال.. زار المهدي “الدوحة” الأسبوع الماضي ضيفاً على قناة “الجزيرة”.. إلتقيناه ومجموعةً من الصحفيين والإعلاميين فى دردشة مفتوحة، رتب لها زميلنا الصحفي محمد المكي “اتسمت بالصراحة والشفافية” وغطى الحوار “البيت الداخلي للحزب” وقضايا الحوار الوطني التي تصعد وتهبط، ومسألة وجود ابنه عبدالرحمن في كنف الحكومة، مشددا على أن “عبدالرحمن” منذ أن دخل القوات المسلحة انتفت عنه صفة عضويته في الحزب، كما تناول الحوار قضية عودته إلى السودان، ومواقف حزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده د. الترابي من الحراك السياسي الحالي في السودان. وكيف يرى الخريطة السياسية الحالية والمستقبلية في السودان، والسيناريوهات المتوقعة.

وإلى مضابط الحوار:

قطر لعبت دوراً محورياً في تحقيق سلام دارفور، وإعادة الإعمار، وخلال الفترة الماضية جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وجدت متغيرات دولية وإقليمية، هل هناك أي جهود لدور قطري وخليجي، لتحقيق الوفاق الوطني فى السودان؟

لقد أرسلت خطاباً إلى الأمين العام للجامعة العربية، بصورة إلى وزراء الخارجية العرب، أبديت فيه وجهة نظري لكافة المتغيرات الحاصلة الآن في الساحة العربية وفى المنطقة، وآلية بناء شراكات عربية ـ إفريقية، بعيدا عن الاستقطابات، وطالبت بأن يكون للجامعة العربية دور مؤثر أسوة بما يقوم به الاتحاد الإفريقي، والتنسيق معه فيما يتعلق بالشأن السوداني. ونحن نقدر الاهتمام القطري بالشأن السوداني، وبناء السلام في ربوعه، كما أن الشعب السوداني يقدر لقطر هذا الدور الكبير، وقد التقيت خلال زيارتي السابقة بسعادة السيد أحمد بن عبدالله آل محمود نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وناقشت معه سلام دارفور، وشددت على أن الدعم التنموي لن يتحقق بدون أمن وسلام، وان اتفاق الدوحة واحد من محطات السلام في دارفور، وأكدت إننا نعمل على جمع الصف الدارفوري، حتى يكون الاتفاق شاملا دون استثناء أحد، حيث حدثت تطورات كبيرة في دارفور وإلا تستخدم الجبهة الثورة قوة السلاح لإسقاط الحكومة.. نريد نظاماً جديداً لكن بوسائل سياسية، وليس بالعنف ولا بالتخلي عن اي مطالب لتقرير المصير، ونريد أن من يتدخل في الشأن السودان ـ حاليا ـ أن يقرأ المستجدات فى الساحة الدارفورية، وأنا على ثقة بإخوتنا القطريين ونواياهم الطيبة، وأعتقد بأن التطورات الحالية فى اليمن هي الأكثر تأثيرا على الساحة العربية والإقليمية والدولية.

وجودكم في قلب المعارضة وفى نفس الوقت تقلد ابنكم عبدالرحمن منصبا رفيعا في الحكومة؛ هل هو ذكاء من الحزب أو اختراق له؟

عبدالرحمن ابني عنده علاقة أسميتها بـ “الطائفية العسكرية” جعلته يبنى نوعا من التعاملات “الخاصة” مع البشير، الذي قال لي بالحرف الواحد فى ذلك الوقت: “الجنوبيون “عايزين” منا ضباط لتدريبهم ومساعدتهم، وهم عندهم ثقة خاصة فى عبدالرحمن لأنه الذي اشتغل معهم في أعمال عسكرية مشتركة.. وقلت له: ليس لدى دخل فى مسألة العسكرية والقوات المسلحة هذا هو الإذن الذي منحته الى عبدالرحمن، وقلت له بالحرف الواحد: “أى شيء له صفة سياسية خط أحمر” نحن سنرفضها ونعارضها.. هو سلك ذلك الطريق بإرادته، وقال لى البشير: لكن عبدالرحمن سوف يرأسه ضباط من رتب أعلى، وهم أقدم منه شددت له: بأنى فى الإطار العسكري ليس لي تحفظ.. لكن بأي بصفة سياسية لا.. لأن حزب الأمة القومي ضد المشاركة فى الحكم معكم، واتفق مع عبدالرحمن على تعيينه مساعداً لرئيس الجمهورية وفى نفس الوقت قلت لعبدالرحمن: لابد ان تعلن للناس بأنك فى هذا الموقع لا تمثلني ولا تمثل حزب الأمة القومي.. وعبدالرحمن منذ ان دخل القوات المسلحة، انتفت عنه صفة عضويته فى الحزب تماماً.. لكن لن تنفي عنه صفة أنه ابنى، وقلت له: أنت “مشيت فى خط لا أتهم فيه ولاءك” ولا أتدخل فى أمورك الشخصية بصفتك عسكرياً في القوات المسلحة.

قطع الشطرنج

وقال المهدي: ربيت أبنائي وبناتي على ثلاثة مبادىء تربوية.. أولها: نبذ العنف، والثاني لا تفرقة بين بنت وولد، وثالثها لا تتفاخروا “مين ابوكم ومين والدتكم” وفى هذا الإطار جميعهم لديهم درجة كبيرة من الحرية، لا يمنحها الآباء لابنائهم، لذلك لدى أبنائي وبناتي تنوع فى الأفكار؛ مثل عبدالرحمن فالخط الذي سار عليه سياسيا خطأ، رغم انه يستهدف من ذلك”، بأنه جر”الحكومة إلى الخط الشعبي، ولكن أرى أن حدوث ذلك من داخل الحكومة لن يتحقق وصعب، ولكن ان نجحت فى ذلك، “فالأمور بخواتيمها”، وان فشلت تتحمل المسؤولية لأنك شاركت معهم فى سياساتهم.. طبعا أناس كثر يظنون المهدي عايز أبناءه يقومون بأدوار مختلفة؛ مريم هنا وعبدالرحمن هناك.. فلو انا عايز أبنائى يتحركون مثل “قطع الشطرنج” معنى ذلك أننى اتسبب فى تدميرهم، وسيكونون فاقدى الشخصية والرأي.. مريم ما تمارسه من أنشطة وأفعال هو نوع من الاجتهاد وكذلك عبد الرحمن.. أنا أتعامل مع ابنائى ذكراً أو أنثى بذلك المنطق الذي أشرت إليه. لكن بعض الناس ـ للأسف ـ غير قادرين على أن يفهموا ذلك، لان تفكيرهم “عشائري” يرتكز على أن أبناءك وبناتك لازم “يسمعوا كلامك” ويستأذنوك فى كل شيء.. ـ أنا تارك لهم حرية الاجتهاد، ولهم شخصياتهم، ولو لم يكونوا كذلك لبقوا فى “كنف ابيهم”، وقبل ايام نشرت “مريم” بيانا اعتذارياً على المواقع الاجتماعية والصحف!! انا شخصياً انتقدت ذلك وبينت لها وجهة نظري، وارى أن الاعتذار يتم فى حال ان الشخص ارتكب خطأ ما، ولا يجب أن يضع الشخص نفسه ممثلا لضمير الأمة، ومريم نائبة رئيس الحزب، ومثل تلك القضايا يجب ان تصدر عبر بوابة مؤسسة الحزب التي هى جزء منها، وليس مباشرة للرأي العام، رغم أنها حاولت التعبير عن مشاعرها بطريقتها الخاصة، ورغم قناعتي بأن أولادي لهم استقلالية فى رأيهم.

عبدالرحمن امضي سنوات طويلة فى حكومة الإنقاذ، ما الذى اضافه لصالح الشعب السوداني؟

ما في شي يمكن أن ننسبه اليه حالياً، الا انه ربما صدّ عنا “بعض الشرور” واقول بصراحة ـ داخل الإنقاذ هناك أناس متخصصون في الأذى ضدنا ـ وعبدالرحمن كان بمثابة “المضاد الحيوي” لنا.

مضاد حيوي

* في الفترة الماضية تناقلت العديد من وسائل الإعلام أنباء عودة وشيكة للإمام للسودان بعد خروجك الطوعي؟

مشاعر مسؤولي الحكومة غير موحدة، هناك من قال: إن عاد الصادق سوف نقدمه للمحاكمة، ومن قال.. ومن وصف، ما قمنا به من توقيع على إعلان باريس بالخيانة.. ومن قال من قادة المؤتمر الوطني لدينا تفاهمات مع الصادق، وهناك من قال عودة الصادق “حبابو عشرة”.. وأسأل عن ايٍ من هذه الأقوال صحيح؟ لان “هناك الكلام وضده” هذه المسائل واضحة حاليا.. وآخر اتصال كان مع دكتور مصطفى عثمان رئيس الدائرة السياسية في حزب المؤتمر الوطني، في 13 مارس الماضي عندما زارني في القاهرة لأجل أن يطمئن على أن حزبنا سوف يشارك فى اجتماع أديس أبابا، وقد غيرت مسمى المعارضة إلى “قوى المستقبل الوطني” وهو يريد التأكد من إننا سنحضر اجتماع أديس أبابا بدون قيد أو شروط مسبقة، واني شخصيا سأشارك في الاجتماع، وقد أكدت للدكتور مصطفى والوسيط الافريقى امبيكي، حضورنا ولكن الحكومة فاجأتنا بعدم الحضور، وقالوا: انهم مشغولون بالانتخابات.. ليس هناك أي تفاهمات غير لقائي مع دكتور مصطفى فى القاهرة.. انا سمعت كلام دكتور نافع وهو شعور طيب، والآن ليس لدى برنامج عودة.. ليس لأني أريد أن أبقى في الخارج، وأقول أنا أريد العودة ولكن لدي “عدة طواقي “أعمل عليها؛ واحدة منها أننا نريد ـ كقوى المستقبل ـ الاتفاق على ميثاق حول المستقبل.. ماذا سنفعل فى المستقبل، وبعد نظام البشير ونريد تأسيس ميثاق وهيكل تنسيقي، لان هناك بعض الناس يظنون أن مسألة ذلك التنسيق ليس ضرورياً، لأنها يمكن أن تستنسخ تجربة “التجمع الوطني” الفاشلة.. لان الفصائل التي كانت منضوية تحت مظلته سلمت أمرها تماماً للحركة الشعبية، بدون اي ضوابط!! وأمريكا دعمت هذا التوجه، حتى تنفرد الحركة الشعبية باتخاذ القرارات، ومنحوا 10 آلاف دولار لتوزيعها على فصائل التجمع الوطني الديمقراطى.. وحزب الأمة ـ في ذلك الوقت ـ ابتعد عن التجمع وقلنا: إن الحركة الشعبية لا تمانع في ان تفاوض النظام ولكن ليس منفرداً، وانا بوفد يضم كافة الفصائل المنضوية فى التجمع، او يقولون: نحن نفاوض وحدنا ولكننا لن نوقع على اي اتفاقية إلا بعد العودة الى المجلس المشترك للتجمع الوطني الديمقراطي.. والذي أفشل التجمع الوطني هو ان الفصائل المعنية سلمت امرها ـ بصورة غير متوازنة ـ للحركة الشعبية.

بوابة الشرق القطرية