حوار مع الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي في الصيحة (1-2)

الإمام الصادق المهدي في برنامج مصر في يوم
دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي
دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي

المنافي لم تكن ضمن خياراتي و”تهتدون” كانت عملية عسكرية وليست هروباً

النميري زعم أنني حاولت اغتيال بابكر عوض الله عن طريق “قلم”

قادة مايو والإنقاذ أجبروني على مغادرة البلاد مكرها ثلاث مرات

5 يناير 2016

حاوره في القاهرة: صديق رمضان

أكد رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي أن المنفى لم يكن من ضمن خياراته عقب تخرجه في جامعة أكسفورد، غير أنه كشف عن ظروف سياسية مختلفة دفعته لقضاء أكثر من عشرة أعوام من حياته في المنفى خارج البلاد لثلاث فترات متباعدة، واحدة منها في العهد المايوي واثنتان في ظل نظام الإنقاذ.

وشدد إمام الأنصار الذي حاورته “الصيحة” بمنفاه بمدينة نصر بالعاصمة المصرية، على أن اختياره العودة إلى السودان عقب اتفاقات يبرمها مع الأنظمة التي تسببت في هجرته يعود إلى حرصه على الحلول السلمية التي تسهم في استقرار البلاد.

في المساحة التالية تطالعون الحلقة الأولى من تطوافنا مع رئيس حزب الأمة حول تجربته مع المنافي

*لنعُد بك إلى الوراء، وتحديدًا إلى العام 1957 الذي اتخذت خلاله قرارًا بعدم مغادرة السودان، نرجو التوضيح أكثر؟

نعم، هذه حقيقة.. فقد بدأت الدراسة الجامعية بالسودان في جامعة الخرطوم في العام 1953، وشاءت الظروف أن أنضم إلى الكلية في خواتيم السمستر الأول، حيث أكد عميد كلية العلوم نقلي إلى السمستر الثاني حال نجاحي في الامتحانات، وقد نجحت، ووقتها كانت الجامعة ملتزمة باللوائح والقوانين التي لا يمكن تجاوزها، فكان أن اجتمع مجلس “السنت” وقرر أنه إذا تم نقلي للسمستر الثاني فإن هذه سابقة في تاريخ الجامعة، فتم إصدار قرار برفض نقلي، غير أن عميد كلية العلوم أخبرني بأنه خريج كلية أكسفورد وباستطاعته أن يقدم أوراقي للجامعة العريقة إذا رغبت، فكان أن وافقت والتحقت بأكسفورد وأكملت تعليمي، وبعد عودتي اتخذت قراراً بعدم الخروج من السودان، وكان ذلك في العام 1957، ولكن وكما قال الإمام علي “عرفت ربي بنقض العزائم”، بمعنى أن الإنسان يريد شيئاً ورب العباد يفعل ما يريد، حيث وجدت نفسي بعد ذلك أمام مواجهة حياة المنافي في ثلاث مرات متنقلاً في مختلف دول العالم.

*إذن دعنا نتعرف على تفاصيل ما قبل أول تجربة لك في المنفى؟

قبل الدخول في تجربتي مع المنفى الأول، أشير هنا إلى أن نظام مايو وللمفارقة، قد أودعني المعتقل ولم يفعل ذات الشيء تجاه رئيس الوزراء الذي انقلب النظام على حكومته، وظللت في المعتقل فترة ليست قصيرة، وكان النظام المايوي يخشى ما يمكن أن أمارسه ضده، لذلك دبروا لي مكيدة في العام 1971 تحت مسمى “المؤامرة العنصرية”، وعقدوا مؤتمرًا صحفياً أعلنوا من خلاله محاكمتي، وكشفوا عن أدلة اتهامي المزعومة التي كانت مضحكة تؤكد بأن الأمر تم بتدبير متعمد للنيل من شخصي وإضعاف حزبي، حيث أحضروا مسدساً في شكل قلم وأشاروا إلى أنني كنت أود قتل بابكر عوض الله به، ولكن فشلت تلك المكيدة التي حيكت ضدي.

* لم يتم إطلاق سراحك عقب تلك الحادثة؟

نعم، ظللت في السجن إلى أن تم إبرام اتفاقية الجنوب عام 1972 وقد حوى الاتفاق عدداً من النصوص ومنها بند حقوق الإنسان الذي ينص على إطلاق سراح المعتقلين أو أن يتم تقديمهم للمحاكمة، وبما أنه لم توجد أدلة اتهام ضدي تم إطلاق سراحي، وكان ذلك في العام 1973.

*تعرَّض المعتقلون السياسيون إلى معاملة قاسية من نظام نميري، فماذا كان قراركم بعد إطلاق سراحكم؟

بعد إطلاق سراحنا قررنا كقوى سياسية تضررت من النظام وكانت ترى ضرورة ذهابه، قررنا القيام بعمل على الأرض فكانت انتفاضة شعبان، وكانت في ذات عام إطلاق سراحنا، إلا أنها لم تُصب النجاح المأمول، وبعد حدوثها قرر النظام المايوي التركيز على مضايقة الإخوان المسلمين واستثناء القوى السياسية الأخرى حتى لا يوسع نطاق مواجهته مع الأحزاب رغم أننا من خططنا لثورة شعبان.

* الأحزاب استفادت من حرية الحركة التي أتاحها لها النظام المايوي؟

نعم.. ففي فترة حرية الحركة أرسلت الفقيد عمر نور الدائم إلى ليبيا لإنشاء علاقة مع نظام القذافي، وبالفعل ذهب، وكان الجانب الليبي يريد إنشاء علاقة مع حزب الأمة فقط، ولكن كان رأينا أن يشمل الاتفاق كل القوى السياسية المعارضة بالسودان، وبالفعل هذا ما حدث، ولكن عند توقيع الاتفاق في ليبيا تم اعتقالي مجدداً في ديسمبر عام 1973، وكان تفكير النظام المايوي أن أظل في المعتقل رهينة حتى يشلوا حركة الجبهة في ليبيا، وأثناء وجودي في المعتقل فكّر عدد من الأطباء في إيجاد مخرج لي من السجن وكان علي رأسهم الدكتور أحمد عبد العزيز ووقتها كنت أشكو “حموضة”، وأوصى الأطباء بضرورة خروجي من المعتقل، وموقفهم كان وطنياً في المقام الأول وليس لأنني مريض.

*ماذا فعلت بعد خروجك من المعتقل؟

بعد خروجي من المعتقل كان الرئيس الراحل محمد جعفر نميري أصدر قرارًا يقضي بإلغاء كل القرارات اللبرالية المتعلقة باتفاقية الجنوب واتخذ إجراءات أمنية مشددة حتى لا تتكرر أحداث شعبان، وقدرت وقتها أن الأجواء لا تتيح إمكانية العمل السياسي، فقررت الخروج من السودان بادعاء السفر من أجل العلاج، وفي ذلك الوقت كون الإخوة الشريف الهندي وعثمان خالد وعمر نور الدائم الجبهة الوطنية، وكان ذلك في العام 1974، وأول وجهة بعد خروجي من السودان واختيار المنفى كانت بريطانيا.

*تلك الفترة شهدت تغييرات إقليمية كبيرة، وبرزت بعض التحالفات العربية، كيف تعاملت مع هذا؟

في ذلك الوقت كانت ليبيا ضمن حلف مع إثيوبيا واليمن الجنوبي يسمى بحلف عدن وكان ضد اتفاقية الدفاع المشترك بين نظام نميري والرئيس المصري أنور السادات، وبالفعل التقيت الوفد الذي أرسله القذافي وتناقشنا حول عدد من الموضوعات، وبدا أن الجانب الليبي أراد اغتنام فرصة خلافنا مع نميري لإجهاض اتفاقية الدفاع المشترك، بعد ذلك تم تكليفي برئاسة الجبهة الوطنية وظللنا نرتب لعمل كبير ضد نظام نميري.

*ثم جاءت أحداث يوليو عقب ضرب الجزيرة أبا؟

نعم، فقد أسهمت ضربة الجزيرة أبا في زيادة حنق وغضب الأنصار على نظام نميري فخرجوا في هجرة إلى إثيوبيا، وتم تدريبهم، وبعد اتفاقنا مع الليبيين تم نقلهم إلى مدينة الكفرة الليبية، ثم كان التخطيط لانتفاضة يوليو في عام 1976، وأهم ما شهدته فترة المنفى الأولى توحيد المعارضة تحت مظلة الجبهة الوطنية، وتدعيم العلاقة مع ليبيا وتكوين قوات أتاحت لنا جميعاً فرصة التدريب العسكري، وكانت الفكرة أن نحرر الخرطوم عن طريق هذه القوة وفي الأثناء تم توحيد العمل السياسي والاتفاق على ميثاق للمستقبل.

*كيف قضيت تلك الفترة؟

قضيتها متنقلاً بين الدول، وكان تركيزي على إثيوبيا وليبيا وبريطانيا، وذلك للتحضير للعمل الذي كنا نود القيام به، لتحدث انتفاضة يوليو والتي في تقديري أنها كانت ناجحة لولا بعض الأخطاء الفنية، وهنا ليس مجال ذكرها وشرحها.

*وماذا فعلت بعد ذلك؟

بعد أحداث يوليو اقتنع الرئيس الراحل نميري بأن القوى التي كان يعتقد أنه قد قضى عليها لا تزال موجودة ومؤثرة وبإمكانها أن تكرر ما حدث، وبدا مستعداً للمصالحة والتي جرت قبلها الكثير من المياه تحت الجسر، وقد كان صاحب مبادرتها رجل الأعمال فتح الرحمن البشير.

*المصالحة كانت مرفوضة من بعض مكونات الجبهة الوطنية والنظام الليبي؟

اجتمعنا في اللجنة التنفيذية للجبهة الوطنية في ليبيا، وبعد تداول، تمت الموافقة بالإجماع على المصالحة لوصولهم إلى قناعة صعوبة تكرار العمل العسكري لثلاثة أسباب، الأول يتمثل في أنه وبعد أحداث يوليو تم أخذ معلومات كاملة من الذين تم إلقاء القبض عليهم عن تحركاتنا العسكرية، وقد أتاحت للنظام القيام بإجراءات أمنية مضادة ومشددة، أما السبب الثاني فيتلخص في أنه وبعد الانتفاضة ذهب نميري إلى مصر وعمل على تأمين نظامه عبر اتفاق مع الرئيس أنور السادات.. وأخيراً السبب الثالث، فقد تم اعتقال كل كوادرنا، وهذه الأسباب كانت موضوعية أسهمت في قبولنا الحل السياسي، ولم يكن هناك اعتراض من أي جهة داخل الجبهة بل حتى الليبيين اعتبروا المصالحة ضربة معلم، ولكن فيما بعد غيّر القذافي رأيه لأنه رأى بأننا قد جردناها من كرت ضغط.

*ثم ذهبت إلى مدينة بورتسودان؟

التقيت فتح الرحمن البشير بعد ذلك، وأكد استعداد نميري للاتفاق، وذكرت له إذا كان نظام مايو على استعداد للقبول باسترداد الديمقراطية فأنا على استعداد لمقابلته، فكان أن تم تحديد مدينة بورتسودان التي كانت غير متفق عليها مع زملائي في الجبهة لتكون وجهة للقاء لأنني لم التقهم بعد موافقتهم على المصالحة، وقد قررت وقتها المغامرة، وكنت أعتقد أن نميري إذا غدر بنا في بورتسودان فإنه سيواجه الكثير من المتاعب، وعلى هذا الأساس وفي عام 1977 توجهت من ليبيا إلى بورتسودان، ونميري بصفتة مقاتلاً أُعجب بحضوري وعدم مطالبتي بضمانات، فكال لي الثناء بل كان يصفق لحديثي حيث أشدت باتفاقية الجنوب التي اعتبرتها قد جاءت استناداً على تحضير فترة الديمقراطية وأن الغرب عمل على مكافأة نميري لأنه بطش بالشيوعيين، وشددت على ضرورة إعادة الديمقراطية.

*لقاء بورتسودان أنهى فترة المنفى الأول؟

عدت إلى السودان، وتم إطلاق سراح جميع المعتقلين، لكن نميري لم يعمل على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في بورتسودان، ورغم ذلك كان يوجد هامش حرية أتاح لنا استمالة نقابات واتحادات إلى صفوفنا، وهذا أفرز معارضة حقيقية، كما أن العودة مهدت إلى انتفاضة رجب أبريل عام 1985، وهذه هي بعض ملامح الفترة الأولى للمنفى في عهد نميري.

*كانت تلك تجربة الأولى مع المنفى، ماذا عن الثانية؟

بعد تلك التجربة قررت ألا أكررها مجددًا وأن أتخذ المعارضة من الداخل منهجاً، ولكن وكما أشرت من قبل فإن الإنسان لا يعرف ما يخبئه له المستقبل، وهنا أشير ألى أن المؤامرة الأولى ضد حكومتي في الستينات ليس لأنها فشلت حيث اعتبرها الكثيرون من أنجح الحكومات التي مرت على السودان، ولكن هذا النجاح أخاف الحرس القديم في حزبنا والاتحادي، وحتى لا تحدث المؤامرة توجهت نحو البرلمان وطلبت منهم تأييداً حتى أتصدى لها ورغم حصولي على 50% من الأصوات إلا أن التأييد لم يكن كاملاً.

*ذات السيناريو تكرر في فترة الديمقراطية التي أعقبت انتفاضة رجب أبريل؟

في التجربة الثانية للحكم التي بدأت في العام 1986 فقد تمكنا من تحقيق نجاحات باهرة وحصلنا على تأييد كل البرلمان باستثناء الجبهة الإسلامية التي اختارت الانقلاب على الشرعية، وبعد أن حدث الانقلاب كنت أعتقد أنه إذا كان سودانياً سوف أدخل معهم في حوار لأنني كنت أخشى من أن يكون انقلاباً مدعوماً من جهات أجنبية كنا نرصد تحركاتها، ولكن تم إلقاء القبض علي وإيداعي المعتقل لمدة عامين، لتظهر الإنقاذ بوجهها الحقيقي. وفي هذه الأثناء وحسب تجربتنا مع مايو كنت أريد العمل من الداخل ولكن جماعتنا في الخارج بقيادة عمر نور الدائم رأت ضرورة خروجنا عقب اتفاق القوى السياسية في الخارج، ومعها الحركة الشعبية وهو اتفاق مؤتمر القضايا المصيرية في أسمرا، وتكرر ذات الأمر الذي حدث لي في عهد مايو عقب اتفاق الجبهة الوطنية في ليبيا حيث تم اعتقالي مجدداً.

*ولكن اعتقالك كان قبل مقررات مؤتمر القضايا المصيرية؟

نعم، هذا صحيح، وسبب الاعتقال تمثل في خطبة هاجمت خلالها النظام وأثناء تواجدي في السجن تم توقيع اتفاق أسمرا، واجتمعت معي قيادات من جهاز الأمن وعلى لسان صلاح قوش ذكروا لي أنه سيتم اعتقالي الى حين انجلاء الموقف وهذا يعني أنني كنت رهينة، ولكن عقب محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك حدث تغيير وجاء الفريق الهادي عبد الله الذي طالب بمحاكمة المعتقلين أو أن يطلق سراحهم، فكان أن شملني قرار إطلاق السراح.

*بعد خروجك هل كنت مصرًا على البقاء في السودان والعمل من الداخل؟

لا.. فقد قررت ومنذ خروجي من المعتقل أن أخرج من السودان لأن الأجواء لم تكن مواتية للعمل السياسي، وقدرت أن وجودي يعني اعتقالي مجدداً كرهينة يستفيد منها النظام، وما زاد من قناعتي بضرورة اختيار المنفى المراقبة اللصيقة والمشددة التي كنت أخضع لها حتى في المناسبات الاجتماعية العادية.

*لتبرز فكرة عملية تهتدون الشهيرة؟

كل تلك المعطيات كانت سبباً مباشرًا ودافعاً للتفكير في الخروج، فكانت عملية تهتدون التي تمت إدارتها في إطار ضيق، حيث تم تعيين العقيد عبد الرحمن ليقودها بوصفها عملية عسكرية وليس هروباً،و كانت لدينا كوادر عسكرية استعنا بها لمواجهة مختلف الاحتمالات، وبصفة عامة تم التخطيط على مستوى عال إلى أن خرجت من السودان الى إرتريا.

*كيف كانت تجربتك مع التجمع الديمقراطي؟

بعد استقراري في المنفى نجحنا مرة أخرى في القيام بعمل سياسي كبير وتمثل في تكوين التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان ذراعا معارضا قوياً وشرساً ومؤثراً ظل النظام يعمل له ألف حساب وذلك من واقع وجود الحركة الشعبية التي كان يجمعنا معها اتفاق، هذا بالإضافة الى امتلاك التجمع قوات عسكرية، ورغم ذلك كنا نؤكد استعدادنا الكامل للحل السياسي الكامل والشامل ولكن بخلاف ذلك فإن الخيار المتاح هو الضغط في العمل السياسي والتعبوي بالإضافة إلى العسكري.

الصيحة