حوار مع الحبيب الإمام الصادق المهدي في صحيفة التيار

الإمام الصادق المهدي في برنامج مصر في يوم
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي

الإمام الصادق المهدي في حوار الساعة مع (التيار):

 

18 فبراير 2015

واشنطن لديها جهاز تشريعي تهيمن عليه لوبيات كلها تضع النظام السوداني في كرسي اتهام

 داخل النخبة الحاكمة كثيرون يرون خطل التعديلات الدستورية الأخيرة، ويرون عبثية الانتخابات، ويرون صحة ما جاء في (إعلان باريس)

 صناعة القرار اليوم في السودان كما كان الحال في يثرب تأريخياً: القول فيه همس، والمشي فيه احتراس. فمن انتقل من الهمس إلى الجهر، أو من السير قرب الحائط إلى غير ذلك فسوف يقوش نسبة لـ(صلاح قوش)!!.

 وجه رئيس حزب الأمة، إمام الأنصار الصادق المهدي انتقادات لاذعة ضد نظام الحكم وقال :” لقد جعل النظام السوداني من نهج أشَّر شمالاً وأدلف يميناً عادة عرفها كل من تعامل مع النظام السوداني”. وأكد المهدي في حوار مع (التيار) إنهم لم يطلبوا من مصر بالوقوف معهم ضد الحكومة السودانية لكنه استدرك بالقول : لكن أهلنا في مصر جميعاً يعلمون أين الشرعية الحقيقية في السودان وأين الشرعية الشكلية؟! وتطرق المهدي إلى قضايا شتى وإلى التفاصيل:

 أجرته : فاطمة غزالي

 رئيس الجمهورية أغلق باب الحوار والتسوية السياسية لا حكومة قومية، ولا تأجيل للانتخابات ما هي الخيارات المطروحة لديكم؟

يعلم النظام الظالم أنه أصلاً يواجه حرباً من ست جبهات، ويواجه اعتراضاً واسعاً من الرفض انضمت إليه حتى الآن عشرة تيارات أو جماعات رافضة لعناده وانفراده من مؤيدي المؤتمر الوطني سابقاً، كما أن التململ المعارض داخل الفئة الباقية في المؤتمر الوطني صار عالي الصوت حتى أن الذين وافقوا على إعادة ترشيح رئيس المؤتمر الوطني في مجلس الشورى – وقد كان سابقاً اجتماعاً مطبلاً – لم يتجاوز عددهم 51%، مع غياب كثيرين كان يمكن أن يرجحوا التصويت ضده. هذا مع اتساع قاعدة الرفض للنظام من حزب الأمة وقوى الإجماع إلى جماعة (إعلان باريس) ثم إلى جماعة (نداء السودان)، وتوسع الإصلاح الآن بالتحالف مع آخرين: الحركة الوطنية للتغيير.

وتعاظم الرفض لقوى الفتك السريع التي صارت درع النظام في منطقة البطاحين وفي نيالا، وتعاظم انضمام مليشيات عربية كانت تدعم النظام إلى معارضته، وصارت هذه العاصفة الوطنية في وجه النظام تحظى بمباركة دولية واسعة وهدفها المعلن الموحد المحدد هو قيام نظام جديد يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل بإحدى الوسيلتين وهما: مائدة مستديرة على نهج (كوديسا) جنوب أفريقيا 1992م أو إضراب سياسي عام تتوجه انتفاضة شعبية تعصف بالنظام. أمام هذه العاصفة أيدت قيادة النظام الرغبة في حوار لا يستثنى أحداً ولا يهيمن عليه أحد وأعلن النظام ذلك.

ولكن بعد بداية عاثرة لفكرة الحوار أكد النظام أنه إنما يريد حواراً بمقاسه، فحرص على أن يكون الحوار برئاسته، وحرص على تكميم الأفواه، وأجرى إجراءات دستورية جديدة معناها لا “أريكم إلا ما أرى” وأصر على انتخابات لإعادة إنتاج نظام العناد والاستبداد، هذا معناه أننا سنواصل الموقف الضاغط بكل الوسائل المتاحة: الموقف الذي أجبر النظام في المقام الأول لمبادرة الحوار، وسوف يستمر اتساع قوى السلام والديمقراطية وطنياً، وسوف تستمر المباركة الدولية لمطالب الشعب السوداني، وسوف يستمر تفكك النظام إلى أن تبلغ العاصفة معها كتلة حرجة تعصف بنظام العناد والاستبداد إلى مزبلة التأريخ.

 بعد توقيع نداء السودان قمت بشرح المشهد السوداني للدول الأوربية خاصة ألمانيا بما خرجتم من خلال هذه اللقاءات وما هي رؤية الأوربيين لما يجري في الساحة السودانية؟

شرحنا مطالب الشعب السوداني لكل من يهمه الأمر وكانت نتيجة الاستجابة للقاءاتنا في بروكسل في سبتمبر 2014م قرار اجتماع وزراء الخارجية الأوربيين في 20/10/2014م. وفي يناير 2015م دعتنا الخارجية الألمانية لجلسة استماع لمعرفة رؤية حزب الأمة والجبهة الثورية أي جماعة (إعلان باريس) في برلين، وبعدها أرسلت ألمانيا مندوبة عالية المستوى للخرطوم لتداول الرأي معها، وعادت المندوبة من الخرطوم في الأسبوع الأول من شهر فبراير 2015م، ووعدت الخارجية الألمانية أن تدعو قوى (نداء السودان)، وربما كافة المطالبين بنظام جديد لتطلعهم على موقفها من الوساطة في الشأن السوداني، وينتظر أن يتم هذا اللقاء قبل نهاية شهر فبراير الجاري، ولا أدري ما سوف يقولون ولكن لا شك أنهم شهدوا في الخرطوم من تراجع نظام الخرطوم عن سبيل الرشاد وإصرار النظام أن يسعى لحتفه بظلفه.

 تحديداً ما هي رؤية الألمان وهم يقومون بعمل لإحداث اختراق في مجريات الأحداث السودانية؟

كما تشهدين ألمانيا تقوم بمبادرات خارجية كثيرة، فهم الآن على النطاق الدولي أكثر نشاطاً داخل المعسكر الغربي، وداخل المعسكر الأوربي، فصاروا الأكثر وضوحاً في أن أزمة اليوكرين لا تحل عسكرياً، بل سياسياً، كذلك أزمة سوريا لا تحل عسكرياً، بل سياسياً، وداخل الجماعة الأوربية هم الأكثر اتصالاً بالنظام السوداني من غيرهم، فهم انفردوا بالدعوة لملتقى اقتصادي لمساعدة النظام السوداني. فألمانيا اليوم تمارس سياسة خارجية أكثر مرونة في التجمع الغربي، ولكن مثلما اكتشفنا نحن قبلهم سوف يكتشفون أن النظام السوداني هو أعدى أعداء نفسه والأكفأ في استعداء الأصدقاء.

 الدور الإقليمي له آثاره على الشأن السوداني وهناك محاولات لإنشاء محكمة أفريقية لكسر الحصار على الرئيس من قبل المحكمة الجنائية ما هي ملامح التنسيق الأفريقي في مسألة الجنائية ؟

المحكمة الجنائية الدولية آلية دولية وقَّعت عليها وصادقت 31 دولة أفريقية، السودان وقَّع ولكن لم يصادق.

لا أحد ينكر وجود جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية في العالم: في أفريقيا، وفي إسرائيل وفي أوربا وغيرها من المناطق. ولا يجوز لمن يحترم حقوق الإنسان أن يتحفظ على وجود محكمة جنائية ودولية، ولا يشك أحد في أن تكوين المحكمة الحالية تكوين متوازن وسليم.

ولكن ما العمل عندما يكون المتهمون في سدة الحكم؟

القيادات الأفريقية إذا انفصلت عن المحكمة الجنائية الدولية دون بديل تثبت على نفسها أنها تستخف بحقوق الإنسان وتقبل الإفلات من العقوبة، وما أكثر الجنايات!

إذا هم أرادوا ألا يصيروا حماة للإفلات من العقوبة وبالتالي جناة على حقوق الإنسان فأمامهم الخيارات التالية:

الخيار الأول إصلاح النظم القضائية في بلدانهم لتصير مستقلة تماماً من إرادة الحكام وقادرة على محاسبة الجناة حتى إن كانوا حكاماً.

تكوين محكمة جنائية أفريقية مستقلة تماماً من سيطرة الحكام ومقبولة بمستوى نظام روما والموافقة على تقديم المتهمين للمحاكمة أمامها.

التعاون مع نظام روما الذي بموجبه يمكن للحكام المتهمين إيجاد معادلة بموجب البند (16) من نظام روما، الذي يفرض إصلاحاً سياسياً يرتضيه المجني عليهم، من شأنه أن يعفى الجناة من مساءلة جنائية بموجب تحقيق عدالة استباقية (Restorative Justice) هذه المعادلة يمكن لمجلس الأمن أن يقبلها في حالة رأس الدولة السوداني وجماعته. وقد طرقنا الحديث عنها مع مسؤولين في مجلس الأمن.

ولكن بغير هذه البدائل فإن التخلي عن المحكمة الجنائية الدولية معناه الاستهتار بحقوق الإنسان وقبول الإفلات من العقوبة وهذه وصمة في جبين القارة وإدانة تأريخية لمن يقبل هذا الاستهتار.

 إلى أين تنتهي مجهودات ثامبو أمبيكي الوسيط الأفريقي في ظل تعنت الحزب الحاكم والتمسك بالشمولية ؟

في آخر مقابلة لي مع ثامو أمبيكي سلمته خريطة طريق واضحة لحل الأزمة السودانية وقلت له: لنقسِّم الأدوار، أنا عليَّ أن أوحِّد موقف كافة قوى المطالبة بالسلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل، وأنت عليك أن تأتي بموافقة النظام السوداني. فإن عجزت لأن النظام متعنِّت فأرجو أن ترفع يدك من هذا الأمر بصورة كاملة وأن تعلن ذلك أمام مجلس السلم والأمن الأفريقي لكي يوضع الأمر برمته أمام مجلس الأمن الدولي ليتخذ قراراً حول السلام والاستقرار في السودان بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. واستباقاً لهذا الاحتمال كتبت باسم قوى السلام والنظام الجديد في السودان خطاباً لمجلس الأمن بتأريخ 20 ديسمبر 2014م وأرسلت نسخة من الخطاب للسيد ثامو أمبيكي، ولا أدري ماذا سيفعل؟ خاصة بعد زيارته الأخيرة للسودان ومشاهدته النظام السوداني يحرق كل جسور نجاته.

 الحكومة السودانية حاولت أن تلعب بملف العلاقات السودانية المصرية للضغط عليك رغبة في خلق توتر بينك وبين المصريين.. ما هي حقيقة العلاقات بين الحكومتين؟

النظام السوداني في حقيقة أمره يقف من الحكومة المصرية على طرفي النقيض في الملفات الآتية:

الحكومة السودانية تقف مع حكومة طرابلس وفجر ليبيا، والحكومة المصرية تقف مع حكومة طبرق المعترف بها دولياً، وطبرق وطرابلس في حالة حرب أهلية.

والحكومة السودانية ذات بنوة عمومة مع الأخوان المسلمين، والحكومة المصرية تعتبرهم إرهابيين.

الحكومة المصرية تقف مع حكومة جوبا، والحكومة السودانية مع حركة د. رياك مشار.

الحكومة السودانية متحالفة مع دولة قطر، والحكومة المصرية تعتبر دولة قطر معادية لها ومتآمرة ضدها.

الحكومة السودانية تؤيد إثيوبيا في أمر سد النهضة، والحكومة المصرية متحفظة على السد لدرجة المطالبة بإبعاد ممثلي السودان عن اللجنة الفنية الثلاثية.

رغم هذه التناقضات فهناك ملفات مصالح مشتركة جعلت الحكومتين تتعاونان تعاوناً أوضحت تسريبات إريك رييفس عن الخطة الأمنية السودانية أنهم في السودان يقولون ما لا يفعلون وهذا دأبهم منذ مقولة القصر رئيساً والسجن حبيساَ.

لقد جعل النظام السوداني من نهج أشَّر شمالاً وأدلف يميناً عادة عرفها كل من تعامل مع النظام السوداني.

رغم هذا فنحن لم نعمل على مطالبة النظام في مصر الوقوف معنا ضد الحكومة السودانية، بل قلنا لهم نريد أن تقوم مصر بدور في الشأن السوداني أسوة بدور دول الإيقاد جيراننا في القرن الأفريقي، كما قلنا للجامعة العربية أن تقوم بدور في الشأن السوداني أسوة بدور الاتحاد الأفريقي. وشرحنا لهم جميعاً أن هذه التطلعات هي من بين إنجازات (إعلان باريس) الوطنية، فهل في هذا ما يمكن أن ينكره أحد في مصر؟ الجواب: طبعاً لا! وأهلنا في مصر جميعاً يعلمون أين الشرعية الحقيقية في السودان وأين الشرعية الشكلية:

أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ

يمكن للنظام السوداني أن يقول عنا ما يشاء من تهم باطلة ولكنها تُهم لا تجوز إلا على مغفلين.

 علاقة المهدي ونظام الإنقاذ.. لقاءات مع زعيم سائحون، محاولات دكتور مصطفى إسماعيل لتقريب الشقة، محاولات أحزاب الحوار، دعوة حامد ممتاز الأمين السياسي بولاية الخرطوم لمعالجة ملف عودتك وما مدى تقاطع هذه المبادرات مع نشاط جهاز الأمن التي تجعل عودتك بهدوء غير ممكنة ؟

النظام السوداني وحزبه منذ سنوات يعاني من تمزق، لقد عددنا: المؤتمر الشعبي، الإصلاح الآن، المنبر الديمقراطي، العدل والمساواة، العدالة الأصل، العدالة، سائحون، المحاولة الانقلابية، السلام العادل، لوبي قوش، المؤتمر الوطني الأصل (أي الباقون على العهد القديم)، وعددنا أقلاماً هي الأقوى حجة تعارض النظام بأقوى الحجج، أمثال الأساتذة: الطيب زين العابدين، حسن مكي، عثمان ميرغني، عبد الوهاب الأفندي، خالد التجاني، التجاني عبد القادر، ما بلغ عشرين قلماً قوياً. نحن نرحب بهؤلاء جميعاً بمنطق: “إن الحسنات يذهبن السيئات”. ونعتقد أن داخل الحظيرة الحاكمة كثيرون يرون خطل التعديلات الدستورية الأخيرة، ويرون عبثية الانتخابات، ويرون صحة ما جاء في (إعلان باريس) ويرون أن اتهامنا بدور إسرائيلي وباتخاذ (إعلان باريس) غطاءًً لعمل مسلح أكاذيب، هؤلاء يحرصون على حوار وطني ويدركون أن الحوار الوطني بمن حضر هو حوار بمن احتضر لا معنى له.

هؤلاء يدركون المخاطر ويحاولون إيجاد مخرج وطني حقيقي، ولكن في المقابل يوجد آخرون أسكرهم السلطان وحازوا من المال العام (مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوء بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) .

هؤلاء لم يعد يهمهم ما قد يجري للإسلام ولا للسودان، بل يدافعون عن مصالح ذاتية ويعتبرونني لارتباطي بمرجعية إسلامية حقيقية ومرجعية وطنية حقيقية خطراً على مصالحهم الذاتية، ويرسلون كل الإشارات السالبة لاستعدائي واستعداء حزب الأمة، بل استعداء كل من يهدد تلك المصالح.

 ما هي سيناريوهات الانتخابات وما بعدها في حالة خوض الوطني للانتخابات قبل أي تسوية سياسية تنهي الأزمة السياسية والأمنية لقوى سياسية قاطعتها ؟

الانتخابات آلية ديمقراطية هدفها إتاحة الفرصة لإحداث تغييرات سلمية، النظام الحالي كرَّس حكم الفرد بتعديلات دستورية قضت على هامش الحريات القليل الذي فرضته اتفاقية 2005م والانتخابات الحالية إنما هي وسيلة لدعم هذا النهج المكرِّس للانفراد والعناد، إنها انتخابات عبثية سيكون رأس الدولة بعدها أكثر انفراداً بالقرار، وسيكون المجلس الوطني بعدها أقل تأثيراً في القرار، وستكون اللامركزية الفدرالية أكثر مركزية، وسيكون جهاز الأمن المجرد حسب دستور 2005م من أي صلاحيات تنفيذية ذراعاً مطلق اليد على الشعب يمارس القمع للفكر والرأي السياسي وللاقتصاد وللحياة الاجتماعية وللهيمنة على أجهزة الدولة الحديثة الأمنية والدفاعية. هذه النتيجة سوف تزيد من حدة الاستقطاب في كل المجالات وسوف يكتشف النظام يومئذ:

أي حكومة بالسيف تقضي فإن وراءها يوماً عصيباً

 زيارات مسؤولي الإنقاذ هل تفلح في فك الحصار الاقتصادي ورفع السودان من قائمة الإرهاب؟

أقول لك إن حكومة “الإنقاذ” تخدع نفسها. هناك إمكانية: أن يعفى الدين الخارجي، وأن ترفع العقوبات الاقتصادية على البلاد، وأن يستأنف دعم الكوتنو الأوربي للسودان، وأن تتطبع علاقات السودان الدولية عبر تسوية لـ 62 قرار مجلس أمن ضد النظام السوداني. ولكن هذه المنافع لن تحقق إلا ضمن وضع سوداني فيه سلام عادل وشامل وتحوُّل ديمقراطي كامل، وهذا الآن أبعد لأن الرأي العام التشريعي في أمريكا اتجه يميناً أكثر من ذي قبل، ولأن الاتجاه الحكومي السوداني اتجه أبعد من السلام ومن التوجه الديمقراطي أكثر مما كان عليه الحال عندما أثمر الحوار بعض الأمل. لا يرجى لأي جهة دولية أن تطبِّع مع نظام يعتقدون أن على رأسه جناة. دون تسوية لهذا الملف على أساس عادل لا سبيل لتطبيع دولي.

 وما هي حقيقة العلاقة بين الخرطوم وواشنطن هل علاقات تعاون ومساندة خفية أم علاقات مبنية على نظرية الضغط على النظام بمخلفات الجماعة الإٍسلامية ؟

لا استطيع أن أبيِّن ما هي العلاقة بين الخرطوم وواشنطن ولكن واشنطن تعلم أن نظام الخرطوم تسمه الآن سمتان، الأولى: أنه يقول في الظاهر ما لا يبطن وعندهم معلومات كافية عما يقول وعما يبطن، والثانية: أنه الآن أكثر من أي مرحلة ماضية مصاب بانشطار شخصيته، بل يعتقد كثير منهم أن التعديلات الدستورية الأخيرة المقصود منها ضبط جماعته قبل ضبط معارضيه.

أما واشنطن ففيها جهاز تنفيذي يحرص رئيسه أن يكتب له في التأريخ أنه رجل سلام، كذلك سحب قواته من أفغانستان والعراق ولم يستجب لغزو سوريا وليبيا. ..إلخ كما يرى كثيرون، وأن يكتب له في التأريخ أنه نصير حقوق الإنسان فانحاز للرعاية الاجتماعية الصحية، وللمهاجرين غير القانونيين، وحتى لحقوق الإنسان من المثليين، لكي يكتب له التأريخ أنه رجل السلام ورجل حقوق الإنسان. هل هذا يسمح له بما يريد أم بوصمة في اتجاه معاكس؟

وفي واشنطن الآن جهاز تشريعي تهيمن عليه لوبيات كلها تضع النظام السوداني في كرسي اتهام: لوبي حقوق الإنسان، لوبي الحريات الدينية، لوبي محاربة الرق، لوبي إنقاذ دارفور، لوبي الكوكس الأفريقي، لوبي قانون سلام السودان، وهي لوبيات زاد نفوذها بعد انتخابات الكونغرس الأخيرة.

والرأي العام الأمريكي الآن لا سيما بعد الأحداث الأخيرة حول طرد الممثلين الدوليين وقضية ردة مريم وقضية الاغتصاب والقصف وغيرها أكثر إدانة للنظام السوداني.

لذلك لا يوجد في مقومات اتخاذ القرار الأمريكي ما يسمح باختراق في العلاقة مع النظام السوداني. لكن هذا لا يمنع من محاولة واشنطن الحصول على معلومات استخباراتية مارس النظام تسويقها قبل ذلك، ولا يمنع أن تتبضع واشنطن في الأسواق الإسلامية لفك حدتها في التعامل مع العالم العربي الإسلامي الأفريقي الذي ما برح يفاجئها بما لا عين رأت و لا أذن سمعت!

وعلى أي حال واشنطن تعلم أكثر مما نعلم أن السيدين الوافدين إليها “غندور وكرتي” ليسا الآن من صناع القرار في السودان، فصناعة القرار اليوم في السودان كما كان الحال في يثرب تأريخياً: القول فيه همس، والمشي فيه احتراس. فمن انتقل من الهمس إلى الجهر، أو من السير قرب الحائط إلى غير ذلك فسوف “يقوش” (اشتقاقاً مما حدث لصلاح قوش)، أو إذا كان في الصحافة “يتير” (اشتقاقاً مما حدث لصحيفة التيار).

 التيار