حوار مع الحبيب الإمام الصادق المهدي في صحيفة الموقف 1-2

الإمام الصادق المهدي في برنامج مصر في يوم
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي

رئيس حزب الأمة رئيس الوزراء السوداني السابق الأمام الصادق المهدي لـ”الموقف” (1– 2)

23 فبراير 2015

اتهم رئيس حزب الأمة، ورئيس الوزراء السوداني السابق، الأمام الصادق المهدي، نظام الخرطوم بالانحياز ودعم حركة التمرد التي يقودها نائب الرئيس المقال دكتور ريك مشار، مشيراً إلى أنه يجب على شعب جنوب السودان العلم بأن هذا الموقف لا يمثل الشعب السوداني كله. وقال المهدي في حوار مع (الموقف)، من مقر إقامته بالعاصمة المصرية، القاهرة، “الخرطوم انحازت للدكتور ريك مشار، وهذا موضوع لا يحتاج إثبات، بل هنالك أدلة واضحة على ذلك، وفي رأينا هذ الموقف خاطيء”، مشيراً إلى أنهم كقوة شعبية في السودان كانوا يتوقعون أن تلعب الخرطوم دوراً واحداً فقط، يتمثل في جمع الكلمة وعدم الانحياز إلى أي جهة من جبهتي الصراع في جنوب السودان، ودعا المهدي حكومة الرئيس سلفاكير، التي وصفها بالشرعية، لإفساح المجال لحوار وطني لتحقيق تراضي مع الطرف الآخر الذي يقوده ريك مشار، معتبرا أن “الحركة الشعبية تمثل مرحلة تاريخية قد انتهت”، وأنه آن الأوان كيما تتحول إلى جبهة سياسية أو مجموعة من التكوينات السياسية التي تؤمن بالديمقراطية، قائلاً “لا يوجد حرج لإطراف الحركة الشعبية في التنافس على بناء الوطن بأدوات ديمقراطية”. وطالب المهدي من مجموعة 10 التي يقودها فاقان أموم بلعب دور سياسي توافقي لتحقيق السلام وتنظيم نفسها لتكوين حزب سياسي. وزاد بالقول “أعتقد أن بإمكان هذه المجموعة لعب دور في تحقيق تحويل الحركة إلى جبهة أو تكوين أحزاب سياسية أو حزب سياسي خاص”.

 وفيما يتعلق بالأخطاء التي اُرتُكبت في حق الجنوبيين إبان رئاسته للحكومة في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، شدد المهدي على ضرورة تكوين لجنة محايدة للتحقيق في أحداث “مزبحة الضعين”، حتى تتضح الحقائق للجميع، بحسب تعبيره.

في شقته بمدينة نصر بالعاصمة المصرية، القاهرة، التقيته بعد أن وافق بلا تردد على إجراء الحوار.. فكانت الحصيلة التي بين أيديكم:

 حاوره: مثيانق شريلو

منذ اندلاع الحرب في جنوب السودان أعلنت عن مبادرة للحل أين توقفت هذه المبادرة؟

 أولا أحيّ صحيفة (الموقف) العربية، ونحن نعتقد أن الثقافتين العربية والإنجليزية تشكلان رابطة ثقافية بين بلدينا، وأنا ضمن الذين يعتقدون أن من أهم أسباب الانفصال الذي حدث كان الظلم وعدم المساواة في المواطنة، ولا شك أن هذا هو ما أدى إلى الاستفتاء الذي كانت نتيجته الانفصال بنسبة عالية. وكنتُ، ومازلت، من الذين يعتقدون أنه كان يجب أن تكون هنالك معاملة خاصة للجنوبيين المقيمين في الشمال، ومعاملة خاصة أيضا للشماليين في الجنوب/ لانه حتى إذا كانت هنالك سيادتين مختلفتين، فهنالك شعب لديه مشاعر ومصالح مشتركة. لكن ما حدث كان فيه درجة عالية من المخاشنة، وفي رأيي أن هذا خطأ كبير. وكنتُ، ولازلت، أرى أن واجب السودان أن يلعب دورا إيجابيا في وحدة وتطور جنوب السودان، لذلك عندما حدثت المواجهة في جنوب السودان بين رئيس الجمهورية ونائبه المقال في ديسمبر، كنا حريصين جدا على أن يلعب السودان دورا واحدا فقط، وهو جمع الكلمة وعدم الانحياز إلى أي جهة من الجهتين، لأننا نعلم ونعرف أن الخلاف فيه عوامل قبلية، ولا يمكن أن يحسم بالقوة، بل بالتراضي. وقد أخطأ النظام في السودان لأنه اتخذ موقفا منحازا، وكنا نصر على أنه يجب على السودان أن يلعب دورا واحدا، وعدم التدخل والانحياز والتطلع إلى وحدة الكلمة في الجنوب والحل السياسي. ومن هذا المنطلق، كقوة شعبية، اتصلنا بالطرفين، وكنا نريد زيارة جوبا، وتحدثت إلى ممثلين للرئيس سلفاكير بإتاحة الفرصة لنا لزيارة جوبا، وعندما حضر مندوبين للدكتور ريك مشار، بعد جولة محادثات في أديس أبابا، أخبرناه بأننا نخطيء دور للحكومة السودانية في الانحياز، لأنه يجرد السودان من الدور التوافقي. لذا نبارك كل مجهودات الإيغاد والأطراف المختلفة، ولكن كنا نرى، ولازلنا نعتقد، أن على الطرفين إتاحة الفرصة لنا كبعد شعبي للتدخل، ونعتقد بأنه يمكن أن يفيد، وعلى الأقل سيقنع الرأي العام الجنوبي أن الشعب السوداني بعيد عن أي انحياز، كما تمارس حكومة الخرطوم، بل نسعى ونحرص على القيام بدور وفاقي أو نبعد عن الموضوع، بحيث لا نتخذ أي نوع من التحريض.

أشرتَ إلى وجود دور انحيازي لنظام الخرطوم، إلى جهة كان انحيازه؟

 الخرطوم انحازت للدكتور ريك مشار، وهذا موضوع لا يحتاج إثبات، فهنالك أدلة واضحة على ذلك. وهذا في رأينا موقف خاطيء، فين المهم جدا أن ندعم ونعترف بالشرعية، ومن ثم نطالب هذه الشرعية بإفساح المجال لحوار وتحقيق تراضي مع الطرف الآخر الذي يقوده ريك مشار.

 هل هنالك أي نتائج إيجابية لجهود المبادرة التي سعيتم لها؟

 حتى الآن لا، لأننا لم نتمكن من زيارة جوبا والاطلاع على تفاصيل الموقف لطرح معادلات سياسية للوفاق، ولكن أعتقد أن مجهود الإيغاد كان طيب، وقد دعمنا هذا المجهود. وفي رأيي لم تعد هنالك أي صعوبة للوصول إلى اتفاق سلام، والمشكلة ستكون في كيفية تنفيذ ما يمكن التوصل إليه. ثانيا المشكلة الأخرى في رأيي أنه حتى اذا اتفقت القيادات، فالأسف أن هنالك محمول قبلي للنزاع، وهذا يحتاج إلى مجهود كبير نسبة لوجود ثارات ومرارات وانتقام بعد كل الذي حدث. واعتقد أن الموضوع لا يحتاج إلى اتفاق فقط، فمن الضروري وجود آلية للمتابعة، ومجهود للمصالحة القبلية، وبدون هذه المصالحة، حتى اذا تم التوقيع على اتفاق للسلام في القمة، ستظل هذه المرارات مستمرة، وبدورها ستغذي وجود مواجهات انتقامية. وأعتقد أن هنالك قبائل سودانية مجاورة لقبيلتي الدينكا والنوير تستطيع أن تلعب دورا في المصالحات، لأنه لديها علاقات مع بقية قبائل الجنوب الأخرى، وهذا ما أود البحث عنه، أي دور القبائل المتاخمة للقبائل الجنوبية، للتوسط لتحقيق مصالحات على مستوى القبائل، لأننا نعتقد أنه صارت هنالك عداوة، وما لم تُحسم يمكن أن تتجدد العداوات حتى في ظل وجود اتفاق على مستوى القمة.

 أشرتَ إلى أن مبادرتك تستهدف طرح معادلات سياسية للوفاق.. ما هي طبيعتها؟

 ثلاثة أشياء.. ضرورة اعتراف الطرفين بأنه لا يوجد حل عسكري، وأن أي حل عسكري يعني سفك مزيد من الدماء بدون نتيجة، لأن الطرفين يعتمدان على قوة اجتماعية حقيقية. والمبدأ الثاني هو ضرورة الاتفاق على نظام مرحلي، فيه اعتراف بدور رئيس الجمهورية ودور السيد الدكتور ريك مشار على أساس أن هذا ترتيب انتقالي، يصحبه الاتفاق على لجنة محايدة للتحقيق في الأحداث، لأننا نعتقد أنه طالما يوجد اختلاف في روايتها، هل يوجد انقلاب أم لا، وماذا حدث، ومن المسؤول، فهذا يتطلب أن يتم تكوين لجنة للحقيقة والمصالحة شبيهة بمفوضية الحقائق والإنصاف. ثالثا نعتقد أنه يجب تكوين آلية من دول الجوار لمراقبة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، حتى لا يخرق اتفاق وقف النار، وهي وسيلة للمتابعة. ورابعا كما أشرت، يجب أن تكون هنالك آلية من القبائل أيضا، حتى لا تترك المسألة للقادة وحدهم، وهذه الآلية هي من أجل المصالحات القبلية، لكل الأطراف التي وقع بينها سفك دماء. خامساً أعتقد بضرورة قيام مؤتمر لكل جيران جنوب السودان، وهذا المؤتمر لإبرام معاهدة أمنية على أساس المصالحة وعدم التدخل في شؤون دولة الجنوب، وترك الموضوع في النهاية لشعب الجنوب، بدون محاولة التأثير عليه من أطراف خارجية. سادسا نحن بحاجة إلى صورة كبيرة جدا وواضحة لمجلس الأمن والسلم الأفريقي ومجلس الأمن الدولي لدعم الاتفاق، بحيث لا يسمح لإى أي جهة أن تخرق الاتفاق. أخيرا أعتقد أن من الضروري الاتفاق، بعد نهاية الفترة الانتقالية المطلوبة، على أن تكون هنالك ترتيبات لعقد انتخابات عامة حرة، لتحسم قضية السلطة. ونحن متأكدون من وجود سند شعبي لكل الأطراف المتنازعة، وعلى هذه الأطراف أن تقبل الاحتكام إلى صوت الشعب، وتدخل بمنطق، أيا كانت النتيجة، يجب على الأطراف المنتخبة أن تنطلق من مفهوم أنه لا يوجد إقصاء للآخر، بل مشاركته في عملية بناء الوطن، ويجب أن تكون هذه المفاهيم واضحة، وأن نتعاون على تحقيق هذه النقاط السبعة.

تبدو هذه المقترحات موضوعية من الناحية النظرية، ولكن البعض يرى أن الحل لا يمكن أن يتم إلا بإعادة وحدة حزب الحركة الشعبية.. هل يمكن أن يكون هذا الطرح حلاً لإنهاء الأزمة في رأيك؟

 أعتقد أن الحركة الشعبية مرحلة تاريخية انتهت، والمرحلة القادمة هي مرحلة الأحزاب السياسية، فالحركة كانت قد جمعت أطرافا مختلفة لتحقيق هدف معين. إذا كان هنالك استعداد للأطراف الأخرى لأن تنخرط في حزب واحد فليكن، ولكن لابد من الانتقال إلى قوى حزبية. واذا صارت الأطراف المختلفة في الحركة مستعدة، يجب تحويل الحركة إلى جبهة سياسية، والذي سيقود إلى وحدة وطنية، أما إذا استحال الأمر، فيجب أن تسمح بقيام أحزاب سياسية ديمقراطية تتنافس على السلطة عبر آلية الانتخابات، والحركة بحاجة إلى عقد مؤتمر لمناقشة تطويرها من حركة إلى جبهة. والفرق بين الحركة والجبهة هو أن الحركة كانت لها مهام معينة، بينما الجبهة لديها مهام بناء الوطن. وإذا اتفقت كل الأطراف على تحويل الحركة إلى جبهة واحدة، ومعالجة كل الخلافات، ستخرج بنتيجة طيبة. وإذا استحال ذلك، لا يوجد حرج لأطراف الحركة الشعبية في التنافس على بناء الوطن بأدوات ديمقراطية.

 ما هو تقييمك للموقف المتخذ من قبل المجموعة التي يقودها فاقان أموم، والتي عُرفت إعلاميا باسم مجموعة 10؟

 أعتقد أن الأخ فاقان أموم شخصية وطنية مثقفة لديها تجربة سياسية، وانطلاقهم من مركز قوة سياسية ثالثة يساعد على أن يقوموا بدور سياسي توفيقي للعناصر التي تواجه بعضها في الصراع القائم. كما أعتقد أنه يمكن لهذه المجموعة لعب دور في تحقيق تحويل الحركة إلى جبهة، أو على مجموعة فاقان لعب دور تكوين أحزاب سياسية، أو حزب سياسي خاص بهم، وهذا أفضل لهم من الانضمام إلى هذا أو ذاك من التكوينات القائمة حاليا، وعليهم لعب دور أشبه “بالأجاويد” للتوسط بين الحكومة الشرعية والحركة التي يقودها ريك مشار، وإذا صعب ذلك، فعليهم لعب دور تنظيم بقية الكتل حتى تتنافس كقوى سياسية.

 هل كنت تتوقع تدهور الأوضاع في الدولة الحديثة بسبب الصراع حول السلطة في هذا التوقيت المبكر؟

 نعم، ولكن ليس جنوب السودان وحده، نحن أيضا في السودان لدينا مشاكل، أهمها صعوبة إدارة التنوع الديني والثقافي والقبلي، لأن هذا التنوع يحتاج إلى نضج معين. أوروبا مثلا خاضت حرب المئة سنة والثلاثين عام وحروب كثيرة جدا قبل أن يخلصوا إلى إدارة التنوع عبر الاعتراف بالآخر، وعبر الوسائل الديمقراطية. ليس غريبا ما حصل في الجنوب، فكل الدول الأفريقية لديها نفس الإشكاليات، نحن وهم وغيرهم، وهذا يمثل فشلا في إدارة التنوع. وقد قلتُ في مناسبات كثيرة أن انفصال الجنوب ليس حلا، إنما الحل يكمن في أن نتفق على حل فشلنا في إدارة التنوع، من ثم الخروج من هذا بمعادلة جديدة. وقد اقترحتُ هذه المعادلة الجديدة على أساس أن تكون هنالك وحدة ولكن تحت إطار السودان العريض تتناول كل المشاكل. ويجب أن نعترف بأن هنالك فشل في إدارة التنوع، والذي أدى إلى الحرب وغيرها من المشاكل. الآن السودان يواجه ست جبهات قتال، لذلك لا غرابة فيما هو موجود حاليا في جنوب السودان. والفشل في إدارة التنوع، الذي كان موجودا في السودان، امتد إلى جنوب السودان، وهذا ليس غريبا في كل البلدان الأفريقية، فالحرب لا تحسم الأمراض الموروثة.

 لدي كتاب صدر مؤخرا بعنوان الهوية السودانية بين التفكيك والتشبيك، تناول كل هذه الأشياء، وطالما لا توجد آلية لإدارة التنوع سيحدث تفكيك، أما إذا أردنا التشبيك فهذا يبدأ بالاعتراف بالآخر واحترام الأديان الموجودة، وإيجاد معادلة لسودان عريض. ونحن نرى أن المحنة واحدة، سواء في الجنوب أو الشمال، ولابد من مخاطبة هذا الأمر.

الموقف