خطاب الصادق عند نهاية حكومته بالستينيات 15 مايو 67

خطاب رئيس الوزراء أمام البرلمان في 15 مايو 1967م يوم طرح الثقة في حكومته

المصدر: صحيفة الرأي العام- 16 مايو 1967

سيدي الرئيس:

لقد شاء الله وهو أحكم الحاكمين أن تصل الحركة السياسية في السودان إلى هذا الموقف الذي فيه تناقش المسألة الوطنية على الصعيد العام وأن يطرح لهذه الجمعية ولأول مرة أمر يقرر مصير الحكم في السودان دون أن يكون قد سبقته مساومات الساسة وتسوياتهم، وإني لا أشك أن نتيجة ما نحن بصدده الآن ستكون خطوة إلى الأمام في مجال السياسية في السودان، ذلك لأن الرأي العام السوداني قد سبق المنظمات السياسية في تلمس أوجاع الحركة السياسية، ولأن بعض العناصر الرائدة والواعية قد سبقت أحزابها في الاقتناع بمآخذ الوضع السياسي القائم التي أدت دائما لتسويف الحساب ولضياع كثير من الحقائق في حدود المجالس الضيقة ولكن بغير تدبر. من قبل أسبوعين من العمر المحدد لعهدي في المسئولية أراد الله أن يضع حدا لهذه الأوضاع وأن يكشف المثالب والمآخذ لنواب أهل السودان بصراحة ووضوح فأصبح الإدلاء بهذا البيان علي حتما حيث أصبحت مخاطبة نواب الأمة والرأي العام السوداني به واجبا.

سأتكلم يا سيدي الرئيس ملتزما بالموضوعية وعفة اللسان والبعد عن الإسفاف والمهاترة مناصرا بذلك راية رفعتها في محيط العمل السياسي ولن أتخلى عنها في وقت الشدة.

السؤال الأول يا سيدي الرئيس هو:

ما الذي جاء بنا للحكم؟

أولا: حدث انفجار سياسي في أحد الأحزاب القائم عليها الائتلاف الذي قام بعد الانتخابات العامة الأخيرة وكان الانفجار راجعا إلى امتناع أقلية من أعضاء ذلك الحزب أن تنصاع لرأي الأغلبية فقام ائتلاف جديد يعد شكلا امتدادا لذلك الائتلاف وموضوعا تأكيدا لقرب العنصر الذي منه الأغلبية المذكورة إلى العنصر الذي  منه الحزب الآخر المشترك في الائتلاف. قرب من ناحية المنهج السياسي والاتجاه العام  هذا كان رأي أكثر الناس سواء صح أو بطل.

ثانيا: إن أسباب ذلك الانفجار ترجع لاعتبارات حزبية وخلافات داخلية في حزب الأمة ولكنها وحدها لم تكن كافية لتفجير كل الطاقات التي دخلت في المعركة فقد كان الائتلاف الأول مسئولا عن تدهور في حالة البلاد المالية، وكان مسئولا عن إهمال وضع الدستور الدائم، وكان مسئولا عن التخبط في تصريف شئون المديريات الجنوبية، ومسئولا عن انحلال عام في تصريف شئون الحكم مما أثار عمليات المحاسبة والاستجواب لرئيس الوزراء السابق واستفحل الأمر فأدى إلى تغيير الحكومة الائتلافية الأولى بالحكومة الائتلافية الثانية وقد تولت الحكم أثناء الأشهر التسع الماضية فماذا صنعت لهذا البلد؟

سأوضح في اختصار ما أمكن إنجازه في بعض الميادين الحيوية المختلفة، وهي: الدستور، الاقتصاد، المديريات الجنوبية، شئون الأقاليم، الطابع العام للحكم.

  • الدستور:

لأول مرة في  تاريخ السودان المستقل تقود الحكومة إجراءات وضع مشروع الدستور الدائم بجدية وتذلل العقبات في سبيلها فالحكومة التي تعرضت لهذا الأمر في الخمسينيات تدل وقائع جلسات اللجنة التي أوكل إليها وضع مشروع الدستور على عدم الجدية في وضع ذلك المشروع إذ رفعت أغلبية جلساتها بسبب انعدام النصاب القانوني، كما أن قوادها جروا البلاد عن طريق المناورات والأزمات المفتعلة إلى كارثة حكم استبدادي. والحكومة الائتلافية الأولى التي حكمت في بداية عهد هذه الجمعية كانت تعتبر مسألة الدستور لا تعنيها، وأن هذا من شأن الجمعية التأسيسية، هذا ما ورد على لسان رئيسها، ومع التسليم بهذه الحقيقة فإن المبادرة في شئون الجمعية مسئولية الحكومة، هذا بالإضافة إلى أن هناك التزاما سياسيا في ميثاق الائتلاف يلزم الحكومة بصفتها الأداة التنفيذية بأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن. لقد أمكن قيام لجنة الدستور وشروعها في عملها باجتهاد وقد فرغت أو كادت من بحث المسائل الخلافية الكبرى. ويمكن أن نتطلع إلى ظرف قريب تبدأ هذه الجمعية فيه نظر مشروع الدستور الدائم.

  • الاقتصاد

الموقف كما كان في أغسطس:

  • انخفاض في الأرصدة واتجاه نحو التدهور.
  • الاستيراد موقوف.
  • عدم تصريف القطن وانصراف عن سوق القطن السوداني.
  • زيادة الاعتماد على النظام المصرفي في تمويل عمليات الحكومة حتى دخلت المديونية 16 مليون جنيها وهي أكثر من الحد الذي يسمح به القانون وأكثر من الحد الذي بررته الاعتبارات الاقتصادية.
  • انحلال عام في السياسة الاقتصادية:
    • في حالة الحسابات.
    • في المخازن الحكومية ونظام المشتروات.
    • عدم انطباق الميزانية على الواقع.
    • عدم تنسيق بين الهيئات التي تعمل في الحقل الاقتصادي.
    • عدم تقييم صحيح للموقف الاقتصادي واتجاهاته.
  • المفاوضات بشأن القروض والمشاريع التي لم تكتمل ومتعثرة.
  • عدم تحديد السياسة الاقتصادية فيما يتعلق:

أولا: سياسة الإنشاء والتعمير فيما يتعلق:

  • توزيع ثمارها بين أجزاء القطر.
  • استغلال الثروات الطبيعية كاللحوم والمعادن.

ثانيا: التنظيم الاقتصادي بين القطاعات المختلفة العام أو الخاص أو التعاوني.

من هذا كله كان السودان يفقد سمعته ويفقد ثقة العالم فيه.

الإجراءات والسياسات التي اتخذت:

أولا: الأرصدة:  ظلت في ارتفاع  وهي في نفس المستوى الذي كانت عليه في نهاية ديسمبر، هذا رغم أن المدفوعات في الشهور الأربعة الماضية بلغت حوالي 22 مليونا من الجنيهات ورغم فتح باب الاستيراد ورغم أن كميات كبرى من المحاصيل الأخرى غير القطن لم تصدر بعد.

ثانيا: فتحنا باب الاستيراد وزدنا المستوردات تحت باب الرخص المفتوحة زيادة ملحوظة.

ثالثا: قللنا الاعتماد على النظام المصرفي وحافظنا على مستوى الاعتماد الذي ارتبطنا به وهو 6 ملايين من الجنيهات تعادلها 16 مليونا في العام الماضي.

رابعا: نجاح السياسة القطنية وتصريف ما يقرب من 800 ألف بالة من القطن.

خامسا: إعداد ميزانية واقعية وقد بحثت لأول مرة بحثا دقيقا استعرض فيه مجلس الوزراء نشاط كل الوزارات الحكومية وأصدر توجيهاته في كثير من السياسات. وإعادة النظر في كثير من أوجه نشاط الحكومة، وقد أمضى مجلس الوزراء زهاء 100 ساعة في بحث الميزانية بينما كانت الميزانية تبحث في الماضي في جلسة واحدة.

سادسا: عمل مجهودات كبيرة لتحسين الحسابات وقد قدم بعضها للبرلمان وبعضها تحت المراقبة كما أن حسابات هذا العام تسير سيرا حسنا.

سابعا:  عمل مجهود كبير فيما يتعلق بمخازن الحكومة ومشترواتها كان من نتائجها بيع جزء غير يسير من الفائض وبدأ في تنظيم المخازن وحصرها كما أن نظام المشتروات قد أحكم وكان من نتائجه أن خفضت مشتروات الحكومة إلى مستوى يقل عن السنوات السابقة كما أن الآلات والمعدات التي ظلت معطلة كلها قد استخدمت في مشاريع هامة كمشروع العطش.

ثامنا: قد طرأ تحسن ملحوظ في الإدارة الاقتصادية وخاصة فيما يتعلق بوضع ميزانية للنقد الأجنبي ووضع نظام للنقد الداخلي وسيولة الحكومة كما أننا الآن في موقف نستطيع أن نقيم الموقف الاقتصادي واتجاهاته من وقت لآخر ومعرفة الأخطاء ومحاولة تصحيحها في وقتها.

تاسعا: لقد عملنا على استكمال كل المفاوضات والمشاكل المعلقة على سبيل المثال كقرض المياه- قرض المدارس- مشروع الرهد- مشروع كهربة الروصيرص- القرض الكويتي- الامتدادات الزراعية- القرض السعودي- قرض الذرة والقمح- 18 مليون دولار مشروع المسح الزراعي في جنوب كردفان في أعالي النيل- تسوية الحسابات المعلقة مع الهند ومع الجمهورية العربية المتحدة.

عاشرا: لقد حددنا السياسة الإنشائية والتعميرية فيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي وبدأ فعلا في حدود الميزانية السابقة لإعطاء أسبقية لمشاكل الإنشاء والتعمير في المديريات في الغرب والشمال والشرق والجنوب والاهتمام بمشاكل العطش – الثروة الحيوانية- الزراعة الآلية- والاهتمام بالمسح الاقتصادي لكل مديرية كما حددنا القطاعات ونشاط كل قطاع.

إحدى عشر: عادت الثقة الخارجية في اقتصادنا إلى درجة ملحوظة نستدل على ذلك باستعداد المنظمات الدولية والدول الأخرى لمساعدة السودان عن طريق القروض والمساعدات الفنية كما تشهد بذلك وفود زيارة المستثمرين الأجانب الذين أتوا لاستطلاع عن المجالات التي حددتها الحكومة.

اثنا عشر: سودنة التجارة الخارجية- الاستيراد الخاص- النظام المصرفي- إعادة تكوينه ليخدم الاقتصاد السوداني وقد فرغنا من إعداد مسودة القانون الأساسي وإعداد الهيئات المتعلقة بكل ذلك، ووضع المبادئ العامة التي سنسير عليها.

تقييم الموقف:

لم يكن بالإمكان علاج كل هذه المشاكل في فترة قصيرة ولكني وضعت الأسس لها ولا زالت بعض المشاكل تحتاج إلى وقت وإلى إعادة نظر ومن أهمها:

أولا: الموقف النقدي للحكومة والذي لا يزال حرجا وأسباب الإيرادات لم تصل المستوى الذي توقعناه وعلى رأسها الجمارك وذلك نسبة لأن الاستيراد لم ينشط بالصورة التي أردناها وقد اتخذ مجلس الوزراء والوزارات المختصة الإجراءات الكفيلة وانعكس الاستيراد أيضا على حصيلة الخزينة من ضريبة الأعمال.

ثانيا: لم نوفق بالقدر الذي كنا نهدف له في تخفيض سعر بعض المواد الهامة المعيشية وهذا أمر كان ولا زال يشغل بال الحكومة.

ثالثا: لقد اتخذنا إجراءات كثيرة لإصلاح اقتصاديات بعض المصانع الحكومية ولكن لا زالت إجراءات أخرى لا بد من اتخاذها حتى تكون هذه المشروعات ناجحة ومثمرة من الناحية الاقتصادية.

رابعا: لا زالت كثير من متأخرات الضرائب لم تجمع ورغم المجهودات التي بذلت ورغم ذلك جمع منها جزء غير قليل.

خامسا: لم نوفق في المستوى المطلوب في محاربة العطالة وكانت الحكومة تعمل لوضع مشروع لذلك لم يكتمل.

الجنوب

كان الحال في شئون المديريات الجنوبية متسما بالآتي:

  • نفرت الحكومة الساسة الجنوبيين ودخلت في عداء علني مع اللجنة المناط بها تحديد المعالم لوضع المديريات الجنوبية في مستقبل الأيام.
  • عدم إلمام الجهاز السياسي بخطة الأمن ومراقبة تنفيذها.
  • عدم وجود أي برنامج لتعمير المديريات الجنوبية وبعث الإنتاج والخدمات فيها.

وقد تم في هذا الصدد الآتي:

  • التقدم نحو حل سياسي لمشكلة المديريات الجنوبية بالوصول إلى اتفاق مقبول بين الأحزاب المختلفة وكذلك بتمكين النيابية السياسية عن المواطن في المديريات الجنوبية عن طريق إجراء الانتخابات التكميلية بنجاح.
  • عقد مؤتمرات في المديريات الجنوبية حضرها المسئولون من كل المستويات لوضع خطة فرعية لإعادة تعمير المديريات الجنوبية.
  • إخضاع خطة الأمن لمراقبة سياسية وتنسيقها مع المجهود الدبلوماسي للإحاطة بالمتمردين.
  • وضع تخطيط متكامل بكل هذا للتنسيق وضمان التنفيذ.
  • الأقاليم

أوضحنا في الخطاب الذي ألقي أمام هذه الجمعية في 27/7/66 ما نصه: “لزوم خلق وعي إقليمي لدى قمة المسئولين يعالج الفجوة التي تقوم اليوم بين المسئولين في الخرطوم وبين الذين يعيشون في الأقاليم”.

وقد كانت الفتنة القبلية متأزمة في دارفور وفي كسلا وكان المسئولون بعيدين عنها بل كانوا في بعض الأحوال مسئولين عنها كالفتنة التي نشأت حول توزيع أراضي الامتداد الثاني في خشم القربة، واتخذ فيها جهاز حكومي قرارا ثم اتخذ فيها مجلس السيادة قرارا، ووضعت القرارات أمام المسئولين في المنطقة واشترك أحد الوزراء في القرارين دون أن يحفل بأوجه التضارب بينهما والنتائج الخطيرة المترتبة على ذلك.

وكانت نتيجة الاهتمام بشئون الأقاليم أن أمكننا والوزراء الذين أخذوا هذه السياسة مأخذ الجد أن نطوف طواف تفقد وتفتيش سبعة من مديريات السودان وأن نعالج المشكلات القبلية المتأزمة.

  • الطابع العام للحكم

سيدي الرئيس

هذه المنجزات والطابع الجديد الذي اتسم به حكم السودان في هذه الفترة لم تكن سهلة المنال ميسورة التحقيق فقد واجهتنا أثناءها بعض المشكلات والأخطاء والمعوقات فمع أن طابع الحكم الذي نادينا به أن يكون قومي المسلك إلا أن نفرا منا لم يستطع التخلص من الحزبية الضيقة مما أدى إلى تدخلات في العطاءات وتدخلات في توزيع الخدمات والتعيينات. تلك التدخلات لم تمكنا من إيقاف ما وقع في أيدينا منها في الفترة الماضية وسأقترح في ذيل هذا الخطاب قيام لجنة لتقصي الحقائق عن استغلال النفوذ السياسي على أن تعين هذه اللجنة لجنة اختيار اللجان وأن تكون مهمتها فحص هذه البيانات وعمل تقرير بما تطلع عليه لمعلومية أعضاء هذا المجلس الموقر في جلسة مقفولة وأن تضيف إلى مهامها تبيان مسألة الأرصدة أيضا.

سيدي الرئيس

لقد اتسمت الفترة المذكورة أيضا بتكرار أزمات في المسرح السياسي فما هو سبب تلك الأزمات؟

  • حدثت أزمة عند تكوين الحكومة الائتلافية الثانية بسبب امتناعي عن تعيين بعض من اشترك في الحكومة الائتلافية الأولى ومع أن أسس تعيين الوزراء التي اتفقت عليها مع رئيس الحزب المؤتلف كانت تمكنني من ذلك الامتناع ويسمح بتعيين اثنين فقط من الذين اشتركوا في تلك الوزارة إلا أنني تفاديا للأزمة التي نشبت وحرصا على وحدة الحزب الحليف تنازلت عن ذلك الموقف. وسويت الأزمة باجتماع اتفق فيه على التعاون.
  • وفي ديسمبر 1966م نشأ خلاف حول رغبة بعض العناصر المشتركة في الحكومة في تأجيل الانتخابات التكميلية في المديريات الجنوبية، وبسبب عدم رضا رئيس الوزراء على تأخير السيد وزير الحكومة المحلية لأوامر التأسيس ولتقرير الإصلاح الزراعي إذ أن مجلس الوزراء قد فرغ من قانون انتخابات الحكومات المحلية في أوائل أكتوبر كما أن اللجنة الوزارية التي كلفت بتقديم توصيات حول الإصلاح الزراعي والتي فرغت من عملها في أوائل أكتوبر لم يأت تقريرها للمجلس حتى ذلك الوقت وحدث بالإضافة إلى هذا اتجاه رئيس الوطني الاتحادي إلى تعيين وزير كان رئيس الوزراء يرى أن يعين خلافه من الحزب الوطني الاتحادي وانفرجت تلك الأزمة بالاتفاق على التعاون ووعد وزير الحكومة المحلية أن يقدم الأعمال المنتظرة وسحب اقتراح تأجيل الانتخابات، وتركت مسألة المقعد الوزاري الشاغر لرئيسي الحزبين، وقد أصدر رئيسا الحزبين بيانا أوضحا فيه الملابسات التي أدت إليه بشأن ملء ذلك المقعد وأصدرت سكرتارية الهيئة البرلمانية للوطني الاتحادي بيانا مناقضا لبيان الحزبين وسكت عنه تفاديا لاستمرار الأزمة.
  • وحسب تطور الأحوال فإن تقرير اللجنة الوزارية بخصوص المشاريع الخصوصية لم يصلني إلا في منتصف يناير كما أن أوامر التأسيس للمجالس لم تأت إلى مجلس الوزراء إلا في أواخر أبريل وفي هذا الأثناء كانت تتخلل العلاقات الوزارية بعض الاحتكاك الناشب من تصرفات وزير الحكومة المحلية فشكوته لرئيسه ثلاث مرات وطلبت منه نفي ما نسب إليه في الصحف فلم أجد في كل هذا جدوى.. وقد كان أثناء الفترة التي توليت فيها المسئولية يحضر دائما لكل اجتماع متأخرا ساعة وكان يسافر من العاصمة لأي شأن من الشئون دون علمي ويحول بيني وبين تقويم هذا المنهج الائتلاف القائم. ثم تدهور الحال في الأسابيع الماضية فأصبح ينقطع عن اجتماعات مجلس الوزراء دون مبرر أو عذر فشكوت هذا الحال مرة أخيرة للسيد رئيس الوطني الاتحادي ووعد بان يتحدث إليه. وفي بداية هذا الشهر وبعد انقطاعه عن مجلس الوزراء بحثت عنه في مكتبه ولم أجده وذلك للاستفسار عن بعض الشئون التي ما زال مسئولا عنها وليؤكد أو ينفي خبر نشره لتقرير اللجنة الوزارية للإصلاح الزراعي في جريدة الأيام فلم أعثر عليه في نطاق العمل والمسئولية فكتبت إليه مستفسرا مستجوبا ولم أحظ حتى الآن برد. لقد تصرف هذه التصرفات معتمدا على وجود عصبية حزبية تحميه واحتملت هذه التصرفات محافظا على الائتلاف فأصبحنا من خوف الخلاف في خلاف، ومن خوف النزاع في نزاع. لم يكن مسلك وزير الحكومة المحلية هو الإشكال الوحيد وقد نشأت أخطاء واحتكاكات أخرى من الوزراء وبيننا وبين مجلس السيادة ولكنها لم تتخذ طابع التكرار المزمن كما كان موقف السيد وزير الحكومة المحلية. إن مسلك وزراء الحكومة الائتلافية الثانية كان في عمومه إذا استثنينا مسلك وزير الحكومة المحلية منسجما متجانسا وإنني احمد لغالبيتهم نسيان العصبية الحزبية والتصرف بمسئولية ومراعاة الصالح العام في مناقشات المجلس وقراراته.

كيف نشأت الأزمة الأخيرة؟

أولا: في أواخر أبريل صرح السيد وزير الحكومة المحلية بأن الوطني الاتحادي قرر أن الائتلاف القائم قد استنفذ أغراضه ووجب إلغاؤه وكنت أنا في ذلك الأثناء في طواف على مديرية كردفان.

ثانيا: عند عودتي وجدت سؤالا من السيد نائب دائرة الزراق عن اتجاه الحكومة لحل الجمعية شهر يونيو وعرضت الأمر على مجلس الوزراء في اجتماع 19/4/1967م. وقال لقد ثبت وجود إفلاس خطير ووجود بعض التيارات السياسية التي تؤدي إلى خراب لا محالة واقع.

وتساءل كيف يمكن الاقتناع بوجهة نظر رجال عملوا معي طوال التسعة أشهر ولم أسمع منهم نقدا أو خلافا، وتطرق في حديثه إلى الرايات التي رفعت. فقال: لقد رفعنا رايات الديمقراطية ورايات المحافظة على الدولة الحديثة وسنسير على الدرب دون وجل.

والآن وقد فرغت اللجنة القومية للدستور من وضع المبادئ الرئيسية للدستور فإني أقترح الآتي:

  • أن تؤيد الجمعية قيام لجنة منبثقة من الجمعية التأسيسية لمساعدة اللجنة القومية.
  • أن توافق الجمعية على تعديل الدستور لمد أجلها. ذلك لأن كثيرا من الساسة لا تربطهم المواثيق والعهود ولا بد من وجود رقابة عليهم.
  • أن يؤيد قيام حكومة قومية.
  • أن يعاد تكوين مجلس السيادة بما يمكن من التشكيل القومي.
  • أن تجري التعديلات الدستورية لكفالة:
    • أن تقوم الحكومة القومية بالتحضير للدستور الدائم.
    • إدارة شئون البلاد في مسلك قومي.
  • تشكيل لجنة لتقصي المخالفات واستغلال النفوذ.
  • دراسة تقرير لجنة الإصلاح الإداري.
  • وضع ميثاق قومي تشترك فيه الأحزاب توافق عليه الجمعية.

وفي ختام خطابه قال السيد الصادق المهدي إن الحركة السياسية قد وصلت منتهى العبث وللجمعية أن تحسم الأمر.