خطاب دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي في الإحتفال بذكرى معركة أم دبيكرات

الإمام الصادق المهدي في برنامج مصر في يوم
دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي
دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الإحتفال بذكرى معركة أم دبيكرات

24 نوفمبر 1899م/ 24 نوفمبر 2005م

كلمة الحبيب الإمام الصادق المهدي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد

أحبابي وإخواني

إن الشعوب الحية تستفيد من كل تجاربها، ومن انتصاراتها وهزائمها. السؤال: كيف تحتلفون بذكرى أم دبيكرات وقد انتهت إلى هزيمتكم؟
الإنسان مبتلى بالخير والشر والمهم كيف تكون المواجهة؟ (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)[1] النكبات ليست منقصة لمن أدرك دروسها وقد تكون مكرمة:

لا تحسب النكبات منقصة قد يستجاد السيف بالفلل
أحدثكم في هذا المشهد الجماهيري المهيب في سبعة محاور هي:

الأول: الأحداث كما تتالت منذ يوم كرري الجمعة 2/9/1898م إلى 24/11/1899م أم دبيكرات.

الثاني: الأفراد الذين استشهدوا هنا مع التركيز على بعضهم والترحم عليهم أجمعين.

الثالث: الدعوة التي صمدت بعد الدولة التي دمرت.

الرابع: الدروس الإنسانية الخالدة.

الخامس: الدروس السودانية الخالدة.

السادس: الكيان الصامد- المستهدف وكيف صمد؟.

السابع: رسالتنا الآن بعد كل ما مر علينا من ابتلاءات.

المحور الأول: الأحداث كما تتالت منذ يوم كرري الجمعة 2/9/1898م إلى أم دبيكرات في 24/11/1899م

كان خليفة المهدي عبد الله بن محمد رأس الدولة ولدى انهزام الجيوش في كرري قرر الانسحاب غربا إلى حيث ولدت الدولة الإسلامية في قدير جنوب كردفان خاصة بعد أن أغلقت دارفور في وجهه وكذلك الشرق. وقد انسحب خليفة المهدي بصحبة بعض العوائل على أقدامهم.. وقد كانت هنالك مجموعة أخرى انسحبت بقيادة الخليفة شريف مع بقية الأسر حتى استقرت في الشكابة حيث كان من أمرها ما كان. سار خليفة المهدي ومن معه واستطاعوا أن يصدوا كل محاولات العدو لتعويق مسيرتهم وقد حاولوا ذلك ثلاث مرات: المرة الأولى لدى عبور المجموعة لخور أبعنجة، والثانية محاولة ملاحقتها بقوة بقيادة عبد العظيم بك وهي في منطقة النيل الأبيض، والثالثة محاولة القضاء عليها بقوة يقودها كتشنر وهي في كردفان فارتدت منسحبة مما شاهدته من منظر رهيب في معسكر الإنصار لم تكن تتوقعه. قوة الأنصار واجهت كل الصعوبات وقضت على كل المؤامرات وقد انضم إليها الأمير الختيم موسى من الأبيض، وأمر الخليفة القوات الأخرى بالانضمام إليه لا سيما الأمير أحمد فضيل قائد منطقة القضارف. هذا الأمير المجاهد واجه عقبات كبيرة في طريق انضمامه إلى جيش الخليفة ولكنه تغلب عليها جميعا وانضم للجيش في نوفمبر 1898م. بعد ذلك اتجه الخليفة إلى جبال قدير وأقام هنالك نحو حول من الزمان، وعاش جيشه في ظروف صعبة للغاية وفي النهاية قرر الخليفة أن يعود إلى أم درمان لمنازلة الغزاة، وأرسل قوة بقيادة أحمد فضيل لتأتي للجيش بالمؤن في رحلته للبقعة. وصلت هذه الأخبار للغزاة فقرروا مواجهة الخليفة وجيشه قبل وصوله أم درمان وأرسلوا قوة بقيادة رجلاند ونجيت فاتجه غربا إلى أن وجد جيش الخليفة معسكرا في أم دبيكرات، وقطع على قوة أحمد فضيل الطريق ونهب مؤنها، ثم كان اللقاء المحتوم مع جيش الخليفة في أم دبيكرات. وفي فجر يوم 24/11/1899م اشتبكت النيرات التي كررت مرة أخرى مواجهة قوة لا قبل للمدافعين بها من حيث القدرة النارية. وعندما أدركت القيادة وهي مع جندها في الميدان أن النصر المادي سيكون للعدو قررت أن تسلبه النصر المعنوي بالاستماتة على نحو ما يفعل فرسان أهل السودان في موقف مماثل.
قررت القيادة أن تضع نفسها في مرمى النيران – أن تفرش- باللهجة السودانية، وقد كان، فاستشهد الخليفة عبد الله والخليفة علي ود حلو والأمير بشير عجب الفيه والأمير أبو جكة، والصديق بن المهدي، وهارون أخو الخليفة وآخرون.
وبعد المعركة أرسل ونجيت لزوجه برقية قال فيها: يا للسعادة قضينا على المهدية!!.
كانت المعركة هي الموقف العسكري الأخير للدولة المهدية وقد شهدها من كبار أمراء المهدية الأمير عثمان دقنة، ومن القبائل ممثلون لقبائل غرب السودان كذلك ممثلون لبعض قبائل الشمال كالأمير أحمد جمال الدين الجعلي والأمير العطا ود أصول الشايقي والنائب البطحاني وغيرهم.
كان التصدي الجهادي والموقف الفدائي والإقدام مدهشا للغزاة فما برحوا يبدون الدهشة والإعجاب. قال تشترشل الذي شهد كرري: ما هزمناهم ولكنا حطمنا قدراتهم المادية بقوة السلاح. وأبدى ستيورات الذي شهد معارك الشرق إعجابه بأعدائه حتى قال من نكد الدنيا على المرء أن يقاتل أمثال هؤلاء الشجعان. وقال المؤرخ العسكري البريطاني فيلب وارنر: ربما وجدنا في تاريخ الإنسانية من ماثلت شجاعتهم شجاعة الأنصار ولكن لن نجد شجاعة فاقتها!.

المحور الثاني: مناقب أفراد من الشهداء

· الخليفة عبد الله في دفاتر المهدية هو خليفة الصديق الذي نال المكانة الثانية في حياة الإمام المهدي قياسا على مكانة ثاني اثنين إذ هما في الغار أبي بكر الصديق. الخليفة عبد الله كان اليد اليمنى إداريا وعسكريا في المهدية وكان إخلاصه للدعوة منقطع النظير. كانت شخصيته في مضائها مكملة لشخصية الإمام المهدي المُلهـِمة الملهـَمة. وقد قال عن هذه العلاقة التي جمعتهما شاعر الأنصار أحمد ود سعد: (شاكلتو وشاكلك ودخل في هيكلك) بعض الناس سبوا الخليفة إما بترديد دعايات العدو الحربية عنه أو بتطبيق مقاييس الزمان اللاحق على ظروف الماضي. كان السودان ممزقا بين ولاءات دينية وعشائرية لأفراد لا تسمح بموقف عام موحد وقد أدت الدعوة الملهمة إلى وحدة وجدانية قوية. ولكن كثيرا من أصحاب المراتب استنكروا فقدان مواقعهم وكادوا للدعوة. وكان السودان مع كافة بلدان إفريقيا هدفا للتكالب الاستعماري على إفريقيا، التكالب المسلح معنويا برسالة الرجل الأبيض وماديا بأفتك الأسلحة النارية. لا بد من مواجهة حازمة لهذه القوى المتكالبة. وبعد قيام الدولة المهدية في عاصمتها مباشرة انتقل الإمام المهدي لجوار ربه وقد كانت تطلعات الأنصار لزحف لا يقف إلا بعد تحرير وتوحيد الشعوب الإسلامية. كان على الخليفة عبد الله أن يواجه التحديات الداخلية والخارجية وخيبة الرجاء التي حلت بوفاة الإمام المهدي. وسواء في عهد المهدي أو في عهد الخليفة الذي واجه تلك التحديات تحققت إنجازات عظمى ووقعت أخطاء. نحن لا نطالب بالعصمة لقياداتنا التاريخية ولكن نطالب بالاعتراف للإمام المهدي بمكانة دينية خاصة على نحو ما سوف أذكر في المحور الثالث. ونطالب بالاعتراف لخليفته بشرعية موقعه وبأنه حافظ على الدولة في ظروف كاسحة وحافظ على حدود السودان التاريخية وعلى وحدة البلاد وتماسكها في وجه كل التحديات لدرجة أن ونجيت في تقريره عن الدولة المهدية قال: لقد صمدت في وجه كل محاولاتنا ولا يمكن أن تهزم إلا بغزو خارجي.. حري بالذين يرون الآن حدود السودان تنكمش وسيادته تخضع للوصاية ووحدته تواجه التفكك أن يدركوا عبقرية خليفة المهدي الذي حافظ على تلك القيم بإمكانات إذا قيست بإمكانات اليوم لجاز أن نصفها بانها: سيف العشر.. السلام عليك يا عبد الله يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.
· الخليفة علي ود حلو في دفاتر المهدية هو خليفة الفاروق الذي نال المكانة الثالثة في حياة الإمام المهدي وقد كان يد الإمام اليمنى في الشئون الدينية والتعليمية إذ تولى تعليم الحيران كتاب الله وكان لوقوفه مع الدعوة أثر هام في استمالة كثير من قبائل النيل الأبيض التي تسكن حول الجزيرة أبا. وكانت رايته هي التي تصدت لمواجهة قوات النجدة التي جاءت مسرعة لنجدة غردون في الخرطوم ولولا هذا التصدي البطولي لاستطاعت قوات النجدة وصول الخرطوم قبل الهجوم لتحريرها. هذا التصدي البطولي خلده الشيخ أحمد ود سعد برائعته (عاجبني دغيم الخبروا ما راحوا) حتى قال فيها:

مغروس حبكم في ما بغصبوني.. النضف جلدي صابونكم ماهو صابوني
كل صبـــحا جديد بالله أصبوني واحـــــــد منكم يا دغيم أحسبوني

سلام على خليفة الفاروق في الخالدين.

· الصديق بن المهدي في دفاتر المهدية غير مصنّف، ولكن أبناء الإمام المهدي مع أنهم لم يكن لأحدهم مكانا قياديا معينا اتخذوا مواقف مختلفة فبعضهم واجه الغزاة في كرري مثل محمد بن المهدي الملقب “راجل الجبل” وبعضهم بقى مع الأسرة التي خرجت من أم درمان مع الخليفة محمد شريف خليفة الكرار وهم الذين استقر بهم المقام في الشكابة حيث لقوا حتفهم في أبشع جريمة ضد الإنسانية ارتكبها الغزاة. أما السيد الصديق فقد قرر الانسحاب مع خليفة المهدي واصطف معه يوم الشهادة العظمى في أم دبيكرات. السيد الصديق هذا هو شقيق السيدة أم سلمة والدة رحمة أمي. وهو الذي أقام لأسرتنا الصغيرة علاقة خاصة بأم دبيكرات بالإضافة للعلاقة العامة. وعندما ولد أبي سمته السيدة أم سلمة الصديق تيمنا بهذا الشهيد الذي لقى ربه وهو دون العشرين من العمر وعندما قابل قائد عسكري على أرض المعركة أمه وهي تساعد في دفنه حاول تعزيتها تعطفا على شبابه وجماله فقالت له اسكت يا عدو الله “نار أبوه يدفــّاها”.
ورقد إلى جوارهم عدد كبير من أمراء المهدية مبدين نفس التضحية (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ)[2] .

المحور الثالث: الدعوة التي صمدت بعد الدولة التي دمرت.

المهدي معنى هو الذي هداه الله وهدى به الناس. عقائد أهل السنة في المهدي عامة ولكن بعضها مربوط بمواقيت فهو إما إمام القرن أو إمام آخر الزمان. وعقائد الشيعة في المهدي شائعة ولكنها مرتبطة بسلسلة نسبية معينة فهو الإمام السابع من ذرية الإمام علي والسيدة فاطمة رضي الله عنهما أو الإمام الثاني عشر من تلك الذرية الصالحة، المدارس المهدية التي عددتها من قبل عشر، ترتبط بتصورات معينة. أما المهدي في عقيدتنا فهو رجل هداه الله وهدى به الناس في وظيفة غير عادية لإلغاء الفوارق التي وضعها المسلمون وهم بشر على أساس أن الدين مكون من ركيزتين: وحي إلهي واجتهاد بشري. أما الوحي الإلهي فملزم وأما الاجتهاد البشري فغير ملزم. هذا القرار مع بداهته ومعقوليته احتاج لشخص مزود بخطاب غيبي لإصداره، وقد كان. والدعوة بهذه الصفة ذات رسالة مستمرة لمواصلة تقديس نصوص الوحي ونفي التقديس عما عداها ومواصلة الاجتهاد لمواجهة مستجدات العصور على أساس مقولة: لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.
كان لا بد للقائمين بهذا الأمر أن يكونوا مصابيح من الروحانية والنورانية .. مصابيح أضاء جوفها الراتب الذي والاهم بتربية جوهرها ولا تجعل في قلوبنا ركونا لشيء من الدنيا يا أرحم الراحمين. مناهج القوم من الصوفية كلها تقوم على الروحانية والزهد في الدنيا.. الإمام أبقى على هذه التربية ولكنه حولها إلى استعداد فدائي للجهاد مما جعل مجاهديه أشجع من مشى على الأرض.
إن دعوة الإحياء الديني والراتب الشاحن الروحي لأصحابها بقيت في النفوس حية حتى بعد أن سقطت الدولة في كرري وأم دبيكرات.

المحور الرابع: الدروس الإنسانية

الدروس الإنسانية الأهم ونحن على أرض أم دبيكرات هو أن الهزيمة ليست في التدمير المادي ولكن في الاستسلام. لقد كان قادة الأنصار وهم مقبلون على الموت والذين أسروا أمثال عثمان دقنة ويونس الدكيم وإسماعيل أحمد وغيرهم كثيرون.. كانوا يقابلون مصيرهم بإباء وشمم وروح ترفض الاستسلام حقا:

إن في الزرازير جبن وهي طائرة وفي النسور إباء وهي تحتضر!

وفي كل التاريخ فإن الذين قاوموا كتبوا لدعوتهم عمرا جديدا أما الذين استسلموا فقد طواهم النسيان. لذلك كان الحسين رضي الله عنه حفيد إمام المرسلين محمد (ص) وقد واجه باطل الأمويين بالتصدي والمقاومة فهزموه وقتلوه ومثلوا بجسده ولكن موقفه هذا كتب عمرا جديدا لقضيته ونحن نشهد اليوم ما في أهلنا الشيعة من حيوية وإقدام مستمدة حيويتها من ذلك الموقف الحسيني الخالد.

إن موقف أبطال أم دبيكرات من رفض للاستسلام وتضحية في سبيل الدعوة قد كتب للدعوة عمرا جديدا:
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال

المحور الخامس: الدروس السودانية الخالدة

السودان الكبير مكون من 3 أجزاء: جزء نيلي وجزء غربي وجزء جنوبي. المهدية وبأساليب عصرها وحدت هذه الأجزاء الثلاثة. الاستعمار وعن طريق سياسة المناطق المقفولة مهد لانفصال الجزء الجنوبي الذي يرجى أن نسعى بأسلوب عصرنا الاختياري لتوحيده معنا يمكننا من ذلك تجاورمتصل بين قبائل البقارة العربية والقبائل النيلية على طول حزام السافانا من أم دافوق غربا حتى الروصيرص شرقا، كما يمكننا من ذلك وجود جنوبي في الشمال ووجود شمالي في الجنوب لا يمكن إلغاؤهما مهما حاول المبطلون.
أما الجزء الغربي من السودان فإن المهدية قد خلقت بينه وبين سودان النيل وشائج يستحيل فصلها. إن الدماء المختلطة في كرري وأم دبيكرات هي الصمغ النووي الذي يستحيل تفكيكه.

المحور السادس: الكيان الصامد

إن السلطة الاستعمارية التي غزت السودان وبعد أن قضت على جيوش المهدية في كرري وأم دبيكرات توهمت أنها قد قضت على المهدية تماما كما قال كتشنر مقولته الشهيرة: “المهدي وراتب المهدي وخليفة المهدي قد دمرتهم ودفنتهم في حفرة عميقة فمن بحث عنهم سوف ألحقه بهم”!. قالها ومضى إلى سبيله وهو الذي غرق في بحر لجي لم يترك له أثرا بل جاءت الحقائق تدينه بعد موته على قسوته وتوحشه وعدم انضباطه عارا على أهله ودولته. كان يقول مستبيحا همجية سلوكه “إن القوانين واللوائح قد وضعت للعوام لا لأمثاله”. كان اول عمل قام به الغزاة هو تعيين سلاطين مفتشا عاما في السودان وتحويل ملف التعامل مع الأنصار وأسرة المهدي وأسر الخلفاء والأمراء له لأنه يعرفهم ويحسن إذلالهم. ولكن الغزاة وجدوا أن روح المهدية لم تخمد مما جعلهم يبالغون في إكرام الإسلام والمسلمين ما داموا بعيدين من الأنصارية، وذلك لكيلا تتقد الحماسة الإسلامية المعادية لهم وترفع شعارات أنصارية.
ومع ذلك فإنهم قد لمسوا على حد تعبير المستر ريد أن روح المقاومة المهدية كانت كامنة تحت السطح قابلة للاشتعال بأية ذريعة طارئة. وقد واجهوا انتفاضات كثيرة أهمها انتفاضة الأمير عبد القادر ود حبوبة في عام 1908م.
السيد عبد الرحمن بن المهدي لم تكن له صفة قيادية في دفاتر المهدية ولكنه فطن لوجود الدعوة حية في النفوس وحالة استعداد كامنة في مناطق عديدة ولكنه بعبقريته استطاع أن يبعث الدعوة حية بأسلوب جديد حتى جعلها بعد حين الكيان الديني والكيان السياسي الأول في السودان.
هذا الكيان استهدفه الغزاة الأجانب والطغاة من حكام السودان لتفريق كلمته وتدميره. ولكن هذا الكيان بعد كل المؤامرات ضده يقف الآن عملاقا يحرس مشارع الحق الديني والوطني في السودان مستمدا قوته من نجاحاته ومن دروس إخفاقاته على حد تعبير أبي الطيب:

كم قد قتلت وكم قد مت عندكم ثم انتفضت فزال القبر والكفن

المحور السابع والأخير: رسالتنا اليوم

إحياء ذكرى الشهداء لا يكون بالترحم على أرواحهم وبذكر محاسن أعمالهم فحسب، ولكن كذلك بإعطاء معنى حاضرا للرسالة التي ضحوا من أجلها:

إن كياننا الفكري اليوم يخاطب الأمة الإسلامية كلها بمرجعية جديدة تحقق اتحاد أهل القبلة في ظروف القرن الواحد والعشرين. وإن كياننا السياسي اليوم يخاطب الأمة السودانية بأجندة تحرص على السلام والوحدة الطوعية والديمقراطية وحل كافة قضايا الوطن على أساس قومي جامع يجنب البلاد التدويل والتمزق.
وإن كياننا الديني اليوم وقد استصحب تنظيما عصريا سوف يركز على الدعوة والإرشاد والتعاون مع كافة الكيانات الدينية لتبرئة اسم الإسلام مما لحق به من تشويهات والعمل على بث القيم الدينية ومكارم الأخلاق لحماية المجتمع مما أصابه من فساد.
وسوف يهتم كياننا الأنصاري بإنشاء مؤسسات تعليمية على طول البلاد وعرضها ومؤسسات صحية وخدمات توفير المياه وتأسيس بنك للفقراء لتوفير القروض الميسرة للمزارعين والرعاة والحرفيين وربات البيوت في حملة واسعة لمحاربة الفقر.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

هذه هي خير المعاني التي بها يمكننا إحياء ذكرى شهداء أم دبيكرات وهي المعاني التي تؤكد أن ما فعله الغزاة كان تدميرا ماديا ولكن الإرادة بقيت حية لتلبي نداء الدين والوطن جيلا بعد جيل: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[3]

والسلام عليكم مع أطيب الدعوات أن يحفظم الله ويبارك في أرزاقكم ويكرم شهداء هذا الموقع (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)[4]. آمين

____________________________________________________________

[1] سورة الأنبياء الآية رقم (35)

[2] سورة البقرة الآية رقم (154)

[3] سورة الرعد الآية رقم (11)

[4] سورة التوبة الآية رقم (100)