خطبة الجمعة بمسجد ود نوباوي 12 يونيو 2009م (بعد العودة)

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة
التي ألقاها الإمام الصادق المهدي بمسجد الهجرة بودنوباوي
الجمعة 18 جمادي الثاني 1430هـ الموافق 12 يونيو 2009م

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد-
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
غبت عنكم تسعين يوما وزيادة غياب اللحم والعظم ولكن الروح والعقل والقلب معكم في كل صغيرة وكبيرة، ويعلم الله أن هذا الغياب لا فسحة فيه ولا نزهة بل انشغال بهموم السودان والعروبة والإسلام وإفريقيا قارتنا الجريحة.
وأثناء هذا الغياب اشتركت في عشرة مؤتمرات في خمسة بلدان وحلقات دراسية معنية بالحريات وكفالتها، والنكبة الاقتصادية وآثارها، والعلاقات بين أمريكا والمسلمين، وبين أوربا والعرب وأفريقيا، والمياه العذبة وندرتها، وشاركت في أكثر من ثلاثة لقاءات لدراسة مسألة حماية الأبرياء والمدنيين في ظروف الاقتتال وما وقع لأهلنا في دارفور من جرائم حرب لا بد من الاعتراف بها وبحجمها لأننا نحن أهل الإسلام أولى الناس بذلك فكتابنا القرآن يشير إلى ذلك بقوله تعالى: (تفسير (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) . ولتنبيه الغافلين عن هذه المعاني ألفت في هذا الأثناء كتابا بعنوان “الإنسان بنيان الله” سوف ينشر قريبا بإذن الله.
ومن بين القضايا التي دار حولها الدرس والاهتمام مصير بلداننا الإسلامية العربية والإفريقية والتطلعات الشعبية للاهتداء بالإسلام في الحياة.
في أكثرية البلدان الإسلامية سقطت الشعارات الوضعية لإخفاقاتها في إشباع تطلعات الشعوب للتأصيل ولإخفاقاتها كذلك في برامج التحديث.
والموقف الآن في كثير من البلدان أن الغلاة ينادون بتطبيق للإسلام بلا اجتهاد جديد لذلك كانت تجاربهم في أفغانستان، وباكستان، والسودان وغيرها فاشلة لأنها فرضت أحكام الإسلام دون الإحاطة الواعية بأحكام الشريعة، وتقصير في معرفة الواقع، وإخفاق في تنزيل أحدهما على الآخر. ولأنها طبقت من غير الشورى والمشاركة بل بالوسائل الفوقية والإكراه. إنها شعارات غذاها المهووسون بجهلهم ومشاعرهم الهوجاء فاندفعوا يجرمون كل اجتهاد.
المرأة نصف المجتمع والفكر العلماني شدها إليه بحجة أن الإسلام يضطهدها والإسلام من ذلك براء، هؤلاء قال عنهم الإمام ابن القيم إنهم (جعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة إلى غيرها. وسدوا على نفوسهم طُرُقًا صحيحة من طُرُق معرفة الحق والتنفيذ له). قلنا إن الإسلام يزيل كل ممارسة لدونية المرأة وأن الآيات المحكمة تؤكد ذلك. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )، وقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) وقلنا إن معاهدة سيداو تحقق ذلك بعد دراسة مستفيضة عبر ورشة دعت إليها هيئة شئون الأنصار في يوليو 2004م، فردوا بالجهل إن سيداو تبيح زواج المثليين أي الرجل للرجل: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا).
وقلنا إن كرامة المرأة في حشمتها وفي إثبات شخصيتها وأنها كإنسانة ومؤمنة تشهد على غيرها وتنوب عن غيرها وتأمر وتنهي في حدود مسئوليتها فهل تستطيع امرأة مجهولة الهوية لغطاء وجهها كله بالنقاب أن تفعل ذلك؟ مصالح الحياة ومسئوليات المجتمع توجب أن نعرف هوية أفراده. وهذا يطابق مطالب الدين. قال تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) . واتفق المفسرون الطبري والقرطبي والسيوطي وابن كثير وغيرهم إن قوله “إلا ما ظهر منها” يعني الوجه والكفان والقدمان. وأكدت ذلك الأحاديث إذ قال (ص) فيما روت عائشة: “يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفه” قلنا إن النقاب عادة ليست من الدين وتخفي هوية المرأة، والإنسان إذا ضمن الخفاء يمكن أن يرتكب الجرائم وهذا يفعله المجرمون فعلا. سمعوا هذا الكلام ونضحوا جهلا وأكاذيب فمن قائل إن هذه ردة، وقائل إنني أثناء تهتدون تنكرت في نقاب امرأة مع أنني في تهتدون خرجت في ثلاثين رجلا جهارا نهارا.
بلادنا مصابة الآن بفتاوى التكفير والقذف للمؤمنين والمؤمنات. وفي شريعة الإسلام من لمح بالكفر لمؤمن فهو كمن قتله : قال رسول الله (ص): “من رمى مؤمناً بالكفر فهو كقتله”، ومن ألمح بالفاحشة فعليه الإتيان بأربعة شهداء وإلا أقيم عليه الحد ولا تقبل شهادته أبدا.
إن صاحب التكفير رسول فتنة توشك أن يصير وقودها جثث وهام. قال محمد العوفي وهو أحد الذين انخرطوا في التكفير في السعودية: نبدأ تجنيد الشباب بعقيدة تكفير الآخرين ثم فتوى إهدار دمائهم. أي أن فتوى الردة هي خطوة أولى نحو إهدار الدماء.
إن على السلطة السودانية من باب الغيرة على الدين أو على الأمن الوطني أن تتصدى لهؤلاء المهووسين الذين لا يراعون في مسلم إلا ولا ذمة.
مشكلتنا يا هؤلاء ليست في مدح النقاب وتعميمه فهذا مستحيل وغير إسلامي فأغلبية نساء المسلمين لن تفعله، مشكلتنا في إلباس المتبرجات زيا محتشما، وهذا ممكن، بل حتى في بلدان لا تعلن توجها إسلاميا كمصر نجد الشارع العام محتشما ويكاد السفور أن ينقرض!.
الصحوة الإسلامية في عالم اليوم أثمرت تجارب نيرة في إيران، وتركيا، وماليزيا، حيث اتجه الصحاة لإقامة تجارب عصرية تمارس الحكم على أساس المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون بمرجعية إسلامية.
هذا الثبات على تجارب أصيلة وحديثة جعل رئيس أقوى وأغنى دولة -باراك أوباما- يخالف ترهات بابا الفاتيكان ويعترف بدين الحضارة الغربية للحضارة الإسلامية ويشيد في أكثر من موقع في خطابه في القاهرة بقيم الإسلام الروحية والخلقية بل ويردد ما قاله قبل ذلك كبير أساقفة كانتربري رئيس الكنيسة الأنجليكانية- أي قوله ينبغي أن يسمح للمسلمين في مجتمعاتنا الغربية بممارسة فريضة الزكاة وبارتداء الزي المحتشم.
لقد خاطبنا الرئيس الأمريكي في رسالة وجهها معي آخرون ليعترف بأخطاء سلفه ومظالمه وبما ينبغي على أمريكا أن تقوله وتفعله لإنصاف المسلمين والعرب والأفارقة. وقد قبل بعض نصائح الناصحين. ونحن الآن بصدد عقد اجتماع لمفكرين وعلماء وساسة مسلمين وعرب وأفارقة للرد على خطابه في القاهرة في الرابع من يونيو الجاري، ولنقول له ما نؤيد، وما نضيف، وما نأخذ عليه لأنه أعلن مبدأ صحيحا هو أن يكون الأمر بيننا محكوما بالحوار وبالمشاركة، فلا لنهج خلفه: يا تدري يا أكسر قرنك!
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
عندما يدقق علماء الإسلام في حقيقة الدعوة المهدية في السودان سوف يكتشفون كيف أنها وضعت أساسا محكما لتوحيد أهل القبلة ولجعل المهدية نفسها موطن اتفاق لا افتراق بين المسلمين. بالإضافة للأحاديث النبوية بخصوص حقيقة المهدية، فإن القرآن قد أكد مرارا. قال تعالى: (مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) . وقال: :(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ).
ومن أهم نتائج هذه الدعوة الوظيفية كما دعا الإمام المهدي في السودان أمران:
الأول: صرف النظر عن الاجتهادات البشرية وربط أمر الدين بالقرآن والسنة مع الاجتهاد المستمر على أساس لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.
الثاني: تجاوز الخلافات حول شروط النسب والتوقيت وهي أمور خلافية والتركيز على وظيفة بعث الإسلام وهي مسألة غير خلافية، كما أوضح الشيخ أحمد العوام في رسالته التي أجازها الإمام المهدي وأمر بطبعها فطبعت في مطبعة الحجر.
وكثير من الناس بعد الدعوة المهدية صاروا يتطلعون للعيسوية مما جعل كثيرين يدعونها في السودان. ومهما كان من أمر العيسوية المختلف عليه بيننا كمسلمين وبيننا وبين أهل الكتاب فإن وظيفة العيسوية هي اتحاد الأديان الإبراهيمية في سلك إيماني واحد بمرجعية إسلامية وذلك لأن الإسلام هو خاتم الرسالات. ولأن كتابه هو المحفوظ نصا دون خلاف، ولأنه معترف بها جميعا. والحقيقة إذا دقق أهل الكتاب في نصوص التوراة أي العهد القديم فإنهم يجدون ما يبشر برسالة محمد (ص) وكذلك الحال في الإنجيل أو العهد الجديد كما أوضحنا في خطب سابقة.
القرآن يبشر بهذه الوظيفة: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ ). وقال النبي (ص): “إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ أُخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ ، دِينُهُمْ وَاحِدٌ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى” أي أن أصل الدين واحد وإن اختلفت الشرائع.
اللهم يا هادي المضلين ويا راحم المذنبين ويا مقيل عثرات العاثرين أرحم عبادك ذوي الخطر العظيم والمسلمين كلهم أجمعين، واجعلنا من الأحياء المرزوقين الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، آمين يا رب العالمين.

الخطبة الثانية

اللهُمَّ إنِّي أحْمَدُكَ وأُثْنِي لَكَ الحَمْدَ يَا جَلِيلَ الذَاتِ ويَا عَظِيمَ الكَرَمِ، وأَشْكُرُكَ شُكْرَ عَبْدٍ مُعْتَرِفٍ بِتَقْصِيْرِهِ فِي طَاعَتِكَ يَا ذَا الإِحْسَانِ والنِعَمِ، وأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِحَمْدِكَ القَدِيْمِ أَنْ تُصَلِّيَ وتُسَلِّمَ عَلَى نَبِيِّكَ الكَرِيْمِ وعَلَى آلِهِ ذَوِيْ القَلْبِ السَلِيْمِ، وأَنْ تُعْلِيَ لَنَا فِي رِضَائِكَ الهِمَمَ، وأَنْ تَغْفِرَ لَنَا جَمِيْعَ مَا اقْتَرَفْنَاهُ مِنَ الذَنْبِ والّلمَمِ، آمين.
أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز:
في عام 1989 قلنا إن الديمقراطية راجحة وعائدة ومهما كابر مكابر فإنه لا يستطيع أن ينكر أن سودان 1989 أفضل بكل مقياس موضوعي من سودان 2009:
عتبت على سلمٍ فلما هجرته وجربت أقواما بكيت على سلم!
كما أن الجميع سلموا الآن بضرورة التحول الديمقراطي.
ونشرنا في عام 1990 كتاب تحديات التسعينيات قلنا فيه إن المواجهة الدولية بعد سقوط حائط برلين سوف تنتقل من مواجهة بين الشرق والغرب كما كانت إلى مواجهة بين شمال وجنوب المعمورة.
وقلنا إن هناك مظالم يعاني منها أهل الجنوب كالاستيطان، والاحتلال، والفقر وغيرها. وقلنا ما لم تزل تلك المظالم فإن قوى الاحتجاج والممانعة في الجنوب سوف تلجا لأسلحة الضرار الشامل وهي الإرهاب، والهجرة غير القانونية، وإنتاج المخدرات، والقنابل السكانية، والصحية، والبيئوية، وتسريب أسلحة الدمار الشامل.
وها هو العالم اليوم يعيش هذه المشاهد، ولا يمكن القضاء عليها إلا بالقضاء على أسبابها. ينبغي أن يهتم العالم الغني بتنمية العالم الفقير كالتزام استراتيجي بل أمني لأن عالما لا يراعي فقراءة لا يستطيع أن يحمي أغنياءه.
واليوم نقول فيما يتعلق بالسودان إن عثرات اتفاقية السلام، ومأساة دارفور المركبة، والحالة الاقتصادية المأزومة، والصدام مع بعض جيراننا، وأزمة المحكمة الجنائية الدولية إن لم تجد علاجا حاسما فإن البلاد سوف تتمزق مما يزيد من التنازع الدموي ويفتح باب التدويل إلى درجة فرض الوصاية على بعض أجزاء الوطن.
لم نترك شاردة ولا واردة إلا حاولناها قولا وفعلا لكي نحقق جمع الصف الوطني لمعالجة قضايا البلاد. ولكن المحاولات لم تحقق مقاصدها.
ونحن اليوم نتحرك بأسلوب آخر لنفس تلك الأهداف كالآتي:
أولا: العمل على إبرام اتفاق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان على أساس برنامج واضح عنوانه: نحو وحدة جاذبة أو جوار أخوي. هذا المشروع الذي اقترحناه بالتفاصيل المطلوبة نرجو أن يجمع كلمتنا مع الحركة الشعبية ويرجى أن يتجاوب معه الآخرون لأنه لا يهدف لإقصاء ولا استقطاب جديد بل لإجماع وطني على ما يجعل الوحدة جاذبة، فإن قرر أهلنا في الجنوب غير ذلك فليكن الجوار الأخوي. هذا المشروع المقترح يضع تصورا للتعامل مع قضية أبيي بعد صدور قرار التحكيم لتجنب العودة للمربع الأول، ويضع أساسا للاتفاق حول شروط الانتخابات العامة الحرة النزيهة، ويقترح معالجات للاختلافات حول الإحصاء، وحول تقرير المصير.
ثانيا: لقد أجرينا اتصالات بفصائل دارفور المسلحة وأهمها خمسة وكذلك بقوى دارفور السياسية، والمدنية، والقبلية، وسنقدم لهم اقتراحا واضحا بإعلان مبادئ لسلام دارفور فيه استجابة واضحة لتطلعات أهل دارفور المشروعة ونرجو في نهاية المطاف أن يكون هذا الإعلان مقبولا لكل الأطراف المعنية لأنه مؤسس على تحضير واسع ولم يصدر من فراغ.
وفي هذا الصدد يرجى أن تساعد كل الأطراف بالتهدئة إلى أن يتفق على وقف إطلاق النار ضمن مبادئ الحل المذكورة. كما نطالب مؤسسة الرئاسة في بلادنا بعدم التصديق على أحكام الإعدام التي شملت حتى الآن 104 من المواطنين واستبداله بأية عقوبة قابلة للمراجعة مستقبلا.
ثالثا: وأجرينا اتصالات بهدف الاتفاق على عقد ملتقى يضم السودان وجيرانه لإبرام اتفاقية أمن وتعاون إقليمي برعاية إفريقية ودولية.
رابعا: نحن نعترف بوجود مظالم منذ استقلال السودان ونقترح تكوين هيئة للمصارحة والإنصاف تتناول هذا الملف منذ عام 1956حتى يومنا هذا. لقد ارتكبت جرائم حرب أهمها اغتيال السيد وليم دينق في مايو 1968، ولا يمكن أن يذهب دمه هدرا . كما ارتكب النظام المايوي جرائم حرب، ضربوا أهلنا في الجزيرة أبا بالطيران السوداني والأجنبي، وقتلوا أهلنا في ودنوباوي وكانوا عزلا هجموا عليهم بالمدرعات والمدافع وقتلوا حفاظ ا لقرآن في خلوة جامع الهجرة، وأسروا الإمام الهادي وصحبه وقتلوه ورفيقيه محمد أحمد مصطفى وسيف الدين الناجي وهم في الأسر، وهذه في حد ذاتها جريمة حرب. ولا يمكن أن تذهب هذه الدماء الطاهرة هدرا.
أما بالنسبة للجرائم في دارفور فإن الاستخفاف بها ومحاولة تجاوزها خطأ سياسي كبير. وهو في ظروف تطور القانون الدولي الإنساني الآن غير ممكن وهو نهج يخالف مقاصد الشريعة فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبة الوداع قال كلاما مشرقا في هذا الصدد. قال: ( أيها الناس فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرَهُ فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدَّ مِنْهُ ، أَلَا وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدَّ مِنْهُ ، أَلَا لَا يَقُولَنَّ رَجُلٌ إِنِّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَلَا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي وَلَا مِنْ شَأْنِي ، أَلَا وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ لَهُ، أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ وَأَنَا طَيِّبُ النَّفْسِ) .
نعم إن مطلب تسليم رأس الدولة يجلب من المفاسد ما يضاهي ما يحقق من المصالح لذلك اقترحنا معادلة توفيقية بين العدالة و الاستقرار نرجو أن تجد قبولا قوميا. سهل جدا أن نفرق بين الحق والباطل. وصعب جدا أن نوفق بين حقين. لا سبيل لذلك إلا عن طريق الحكمة لا التشدد الذي يؤجج الحرارة ويحجب الضوء.
خامسا: لأسباب كثيرة قام ضد النظام السوداني عداء واسع في أوروبا وأمريكا. هذا العداء تؤججه لوبيات منظمة ويمكن التعامل معه لا سيما في مناخ التغيير الذي أعلنته الإدارة الأمريكية الجديدة. المطلوب لذلك إصلاحات معينة هي: إزالة عثرات اتفاقية السلام- إقامة سلام دارفور- إجراء انتخابات عامة حرة تنطلق من مشروع وفاقي يجعل الانتخابات حاسمة بموضوعية وعدالة لصراع السلطة لا انتخابات تزيد من الأزمة.
سادسا: مجلس الأمن الدولي هو الآن شريك في الشأن السوداني بصورة مباشرة عبر قراراته الصادرة بموجب الفصل السابع. وعبر قواته الموجودة في البلاد: يوناميس ويوناميد، وإشرافه على الإغاثة الإنسانية في البلاد. لا بد من مخاطبة المجلس للاستجابة للموقف الوفاقي المتفق عليه بين السودانيين.
سابعا: يموج المسرح السياسي السوداني الآن بتحالفات واستعدادات. سيكون تركيزنا على جمع الصف الوطني حول الأجندة الوطنية لأن هذا وحده هو تحصين الوطن ضد التمزق والتدويل. أما بخصوص برنامجنا الإنتخابي ففيما يتعلق بسياسات وأعمال الإنقاذ فإننا نبقي على سبعة منها كما أوضحنا مثل النظام الرئاسي، والنظام الفدرالي، وسوف نلغي عشرة منها في مجالات التطبيق الإسلامي الذي نمارسه باجتهاد مختلف، وفي مجالات سياسية واقتصادية وإدارية لا سيما القضاء على الشمولية توجها وممارسة وأجهزة. وفيما يتعلق بالموقف من الحركة الشعبية فنحن نسعى لاتفاق معها اتفاقا يحقق الوحدة الجاذبة أو الجوار الأخوي. وفيما يتعلق بسائر القوى الأخرى فإننا نرفع راية السودان العريض الذي أوضحنا معالمه في مؤتمرنا العام وبرنامجنا ومن شاء أن يتحالف معنا للسودان العريض الهادف لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الفدرالية فمرحبا وأهلا.
أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز:
لقد أحزنتني حزنا عميقا أحداث التنازع القبلي في غربنا الحبيب وجنوبنا الشقيق ونأسف لذلك ونطالب بتحقيقات عادلة لمساءلة الجناة وإنصاف الضحايا رحم الله القتلى وعجل بشفاء الجرحى.
ختاما أشيد بآخر الخطوات التشريعية في البلاد قانون الصحافة والمطبوعات. هكذا كل عمل تتوافر فيه المشاركة يأتي أكثر إتقانا وأوسع قبولا.
لقد أثلج صدري جدا عودة أهلنا في موريتانيا من حافة الهاوية بوساطة سنغالية فهنيئا لهم الوفاق الوطني وشكرا للسنغال على ما قدمت.
وكما فاجأ أهلنا في لبنان العالم بانتخابات عامة حرة وبمزاج وفاقي معتدل فالتهاني لهم جميعا على الانتصار للبنان وللديمقراطية والتهاني لجماعة 14 آذار لما نالوا من ثقة الشعب وكذلك لجماعة 8 آذار لما حققوا والمهم ألا يتعاملوا كغالب ومغلوب بل كرسل للديمقراطية في لبنان.
أما إيران فأقول في أمرها إن الثورة الإسلامية فيها قد حررت البلاد من نظام الشاه الذي أراد سلخ جلدة البلاد الإسلامية، واستطاعت الثورة أن تلتزم بالشرعية الإسلامية وأن تصمد لكل محاولات الهيمنة الدولية لعزلها، وأن تقترب بممارستها السياسية أكثر فأكثر إلى مبادئ الحكم الديمقراطي، فالنظام فيه تعددية وفيه تنافس بين الرأي والرأي الآخر، وفيه إدارة الانتخابات بنزاهة، لذلك أرحب بالانتخابات الإيرانية وأهنئ الرئيس الفائز وأناشده الاهتمام بملف العلاقات الشيعية السنية حتى نحقق وحدة أهل القبلة في كل ما يجمعنا وأن نتسامح مع بعضنا فيما يفرق بيننا، والأمر الثاني هو التعاون في تحديد موقف إسلامي إستراتيجي للتعامل مع الدول الأخرى، فإن هي أرادت صداقتنا والتعاون معنا فلتدفع استحقاقات ذلك عدالة ومودة.
اللهم يا جليلا ليس في الكون قهر لغيره ويا كريما ليس في الكون يد لسواه ولا إله إلا إياه اغفر لنا وارحمنا وارحم آباءنا وأمهاتنا وأهدنا وأهد أبناءنا وبناتنا وأحفظ سوداننا أرض جدودنا ومنبت رزقنا ولا تردنا خائبين يا أرحم الراحمين. آمين.. قوموا للصلاة.

الهوامش

[1]  سورة المائدة الآية 32

[1]  سورة الحجرات الآية 13

[1]  سورة التوبة الآية 71

[1]  سـورة النور الآية31

[1]  أخرجه أبو داود وابن مردويه والبيهقي

[1]  رواه البخاري

[1]  سورة المائدة الآية 54

[1]  سورة الأنبياء الآية 105

[1]  رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داؤد

 

[1] المعجم الكبير للطبراني