خطبة الجمعة مسجد سجن أم درمان في 21/2/2009م

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة

التي ألقاها الإمام الصادق المهدي

بمسجد سجن أم درمان في 21/2/2009م

اللهم إني أحمدك وأثني لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم، وأشكرك شكر عبد معترف بتقصيره في طاعتك يا ذا الإحسان والنعم، وأسألك اللهم بحمدك القديم، أن تصلي وتسلم علي نبيك الكريم، وآله ذوي القلب السليم، وأن تعلي لنا في رضائك الهمم، وأن تغفر لنا جميع ما اقترفتاه من الذنب والّلمم، آمين

أحبابي في الله واخواني في الوطن العزيز

قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ)[1].

وقع الخطأ الأول: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) [2]

ووقع الثاني: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[3]

هذه إذن نزعة في الإنسان.

ولذلك قال النبي (ص): (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)[4].

واتخذ الإسلام لذلك علاجا متعدد الجوانب:

أولا: الإيمان والعبادة: ( وَأَقِمْ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ([5]. وكذلك سائر العبادات.

ثانيا: الأخلاق.  “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”[6]: الصدق – الأمانة- الفقه- والحكمة..الخ.

(مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُق)[7]  و(أفضل الناس إيمانا أحسنهم أخلاقا) (حديث شريف)

ثالثا: الرعاية الاجتماعية: إزالة الحاجة المعيشية- الضرورات تبيح المحظورات، وتسهيل الزواج..الخ. أو تكون كمن:

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له

                             إياك إياك أن تبتل بالماء!

رابعا: الرأي العام: المعروف والمنكر- لكل أمة خلق وخلق أمتي الحياء- كل أمتي معافى إلا المجاهرين.

خامسا وأخيرا: العقوبات

فقه العقوبة:

العقوبة في الإسلام طهرة للإنسان من الذنب مثلما الزكاة طهرة للمال، فالمعاقب يتخلص من ذنبه في الدنيا حتى لا يعاقب عليه في الآخرة، أبلغ مثال على ذلك قصة ماعز لما أصر أن يعاقب ليتطهر وكان الرسول (ص) يراجعه حتى أصر وثبت عليه الجرمُ ورُجم عقوبة عليه فقال ناس:  هذا ماعز أهلك نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تاب إلى الله توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم .. والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها .. (رواه البخاري).

الشخص المعاقب لا يفقد:

  • حقوقه الإنسانية الأخرى فهو يستحقها إلا ما نصت عليه العقوبة.
  • ولا حقوقه الإيمانية.
  • ولا حقوقه كمواطن

إذن له حقوق وعليه واجبات هي:

  • ‌أ- التوبة: (خير الخطائين التوابون). {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [سورة الشورى: الآية 25].

يا عظيم الذنب عفو الله عن ذنبك أكبر

أكبر الأخطاء في أصغر   عفو الله تصغر

  • ‌ب- أداء الواجبات الإيمانية والعبادية.
  • ‌ج- ملء الوقت بما يفيد في دنياه وآخرته.
  • ‌د- إيجابية الانخراط في مجتمع السجن- حسن السير والسلوك يخفف العقوبة.
  • ‌ه- التعامل الإيجابي مع السلطات.

 وبعد انقضاء العقوبة:

  • حقوق: أن يقبل بطيب خاطر
  • واجبات: لا يحنق على المجتمع لا سيما هناك سجناء أبرياء وهم 3 أنواع:
    • خطأ في تطبيق القانون
    • نقص في العدالة نفسها.
    • السجناء السياسيون.

المطلوب أن يكون القانون عادلا -مثلا سجناء الاستثمار، وأن يكون القضاء نزيها. وأن يكون النظام السياسي كافلا لحقوق الإنسان.

الحديث: “الظلم ظلمات يوم القيامةرواه البخاري ومسلم. والعدل صنو التوحيد: (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [8]

الاستغفار مخ العبادة،  استغفروا الله إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد-

قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[9]

(فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) [10]

وهنالك 3 أنواع من الحرب: عدوانية- دفاعية – وتحريرية.

العدوانية محرمة أما الدفاعية والتحريرية فواجبة.

والحرب حتى المشروعة لا تعني القتل العشوائي بل لها ضوابطها.

قال رسول (ص) للصحابة المقاتلين: لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة. وقال: لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعن شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، وقال: (لا تقتلن امرأة ولا عسيفاً) والعسيف هو الأجير.

وقال أبوبكر (رض): (لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة ولا تعقروا نخلًا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكله وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له).

ولكن ماذا يحدث إذا وقعت تجاوزات؟

في الإسلام الحدود وإلا التعازير ولكن في العصر الحديث مع كثرة الحروب والاقتتال نشأت الحاجة لأحكام جنائية دولية لذلك: المحكمة الجنائية الدولية. هي ضرورة. وتظهر الضرورة في كل حين: جرائم الصرب، وجرائم الصهيونية..الخ

ولكن هذا القضاء لا يعمل في فراغ. ماذا يحدث عندما يحقق عدالة عقابية ويمنع عدالة منشودة؟

وهنالك حالة تناقض بين القانون والعدالة: حكمة الإمام علي.

ثم ضوابط أخرى مطلوبة: حيادها وحمايتها من الاستغلال السياسي عن طريق مجلس الأمن.

لمواجهة هذه الظروف بالنسبة لتجريم رأس الدولة السوداني توجد خطتان:

  • المحكمة الهجين ضمن منظومة رباعية.
  • العدالة الانتقالية.

ختاما: النصوص واجبة الاحترام ولكن الحكمة هي التي تمنع النصوص من نتائج تناقض مقاصدها.

والحكمة من أغراض الوحي: “يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ” [11]

عباد الله. قوموا لصلاتكم يرحمكم الله

[1] سورة البقرة الآية 30

[2] سورة الأعراف الآية رقم 121

[3] سورة المائدة الآية 30

[4] رواه الترمذي وحسنه الالباني

[5] العنكبوت 45.

[6]  أخرج الحديث أحمد ومالك برواية: ” إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ”.

[7]  رواه أبو داود

[8] سورة المائدة الآية 8

[9] سورة المائدة الآية 2

[10] سورة البقرة الآية 193

[11] سورة البقرة : 269