خطبة عيد الأضحى المبارك (الجزيرة أبا) 20 يناير 2005م

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عيد الأضحى المبارك
10 ذو الحجة 1425هـ  الموافق 20 يناير 2005م

الجزيرة أبا

الخطبة الأولى

الله أكبر…. الله أكبر…. الله أكبر

 

الحمد لله الذي اصطفى خليله إبراهيم وجعله أبا للأنبياء وأمره بفريضة الحج:” وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق[1]ٍ والصلاة والسلام على نبي الرحمة وعلى آله وصحبه ومن والاه محمد بن عبد الله الذي بعث شعيرة الفداء التي بدأت بقصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام” فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم[2]ٍ*هذه الشعائر أحيت هذا اليوم العظيم الذي صار عيدا للأمة بدل الأعياد السابقة :”إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ.”[3] عيد يتنادى فيه المؤمنون لصلاة محضورة. إنه يوم صلاة جامعة، وتجديد للعلاقات الاجتماعية بالتزاور، والتعافي، وتبادل الهدايا. ” عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ “.[4]

هذه الأضاحي قربان” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيد[5]ٌ وينبغي أن تكون خالية من العيوب الخلقية وأن تكون من مال فائض عن الحاجة  الضرورية وأفضل وقت لذبحها بعد صلاة العيد وأفضل قسمة للحمها أن يأكل صاحبها الثلث، ويهدي لجيرانه وأصدقائه المثل، ويتصدق بالباقي.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز.

الإيمان بالله مطبوع في نفس الإنسان منذ أن قال تعالى: ” أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا[6]

هذه حقائق عالم الغيب التي أوضحها الله في الكتاب المنزل وحيا “وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا[7] وهناك حقائق عالم الشهادة” مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ”[8]. وما دام الإنسان مخيرا بإرادة الله: “إنا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا[9] فإن البشر كانوا ولا زالوا مختلفين في أديانهم وأفكارهم وفي استجابتهم لحقائق الوحي وفي تفسيرهم لعالم الشهادة.

الاختلاف بين البشر سنة كونية لا يستطع أحد أن يلغيها. “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ[10].

نحن اليوم في عالم تتعدد فيه الأديان، والحضارات، والثقافات، والمصالح عالم مع هذه الاختلافات الكثيرة انكمشت فيه المسافات مواصلة وألغيت فيه المساحات اتصالا حتى صار العالم كأنه قرية واحدة.

في هذا العالم أثبتت القوى الصناعية الكبرى أنها تملك أسلحة دمار شامل بيولوجية، وكيمائية، ونووية، كما ظهر جليا في تدمير هيروشيما في اليابان. وأثبتت فيه بعض القوى الفقيرة أنها تملك أسلحة ضرار شامل، الإرهاب، والقنبلة السكانية، والهجرة غير القانونية، وغيرها.

إن الصدام في عالم اليوم يقود حتما إلى عهد ظلامي يدمر الإنسانية ولا سبيل للحيلولة دون هذا المصير القاتم إلا إذا سلم الجميع بثلاثة أسس: نفي الإكراه، ونفي العنف، ونفي الظلم.

إن الغلو الحركي باسم الإسلام لا يقوم على حجة إسلامية راجحة فالإسلام دين اعتدال ولجهاده ضوابط محكمة  “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير”[11] فلا يكون إلا ردا لعدوان ولا يستهدف المدنيين ولا يهدف للدمار.

لا تسمعوا إنما الإسلام خطتــــه                   هي الدماء زور ذلك الكلم

إنما الإسلام خطته هي الحسنـى                   وغايته الأجنــــــاس تلتئم

لا يوجد مبرر إسلامي للعنف العشوائي ولكن توجد عوامل تفسره. أهمها أربعة عوامل:

الأول: العالم الإسلامي مكبل بالفقر والظلم والتبعية الأجنبية.

الثاني: مشروعات النهضة وتحقيق العدالة واستقلال الإرادة على برامج قومية أو اشتراكية أو لبرالية أخفقت.

الثالث: القوى الدولية الغالبة منذ عهد الاستعمار وفيما بعد خلقت بؤرا ملتهبة في كثير من البقاع الإسلامية مثل فلسطين، وأفغانستان، والعراق، وكشمير، والسودان و غيرها.

الرابع: النظم الحاكمة في كثير من البلدان الإسلامية تعايشت مع هذا الحال وبعضها اتهم بمحاباته.

هذه العوامل دفعت بعض غلاة الحركيين الإسلاميين إلى حركة عنف واحتجاج سماه كثيرون في الغرب إرهابا إسلاميا. مواجهة هذا الموقف بمجرد الحجة الدامغة لا تكفي بل كلما استمرت العوامل التي أدت إليه يزداد بريقه في نظر الشعوب المظلومة الفقيرة المضطهدة.

المطلوب عمله هو:

أولا: مشروع نهضوي إسلامي يؤكد مبادئ الإسلام الصحيحة المبرأة من التبعية الانكفائية للماضي والمبرأة من الاستسلام للوافد من الخارج.

ثانيا: أن يحقق المشروع النهضوي حكما راشدا يحقق المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون، والتحرر من التبعية الأجنبية.

ثالثا: تحقيق حلول عادلة في بؤر الالتهاب في المناطق المختلفة.

ما لم تتحقق هذه الأمور فإن الاحتجاج والغلو بالوسائل المتوحشة سوف يستمر وسوف يعمل على دعم موقفه بفهم انتقائي لتعاليم الإسلام.

ويساعد هذا النوع من الفهم أن الفقه التقليدي الإسلامي قام على منطق استنتاجي عبر القياس والإجماع. فقه يعلب الحاضر في الماضي ولكن القراءة الصحيحة للإسلام تؤكد أن الله سبحانه وتعالى يأمرنا: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”[12]ويقول:” وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا”  [13]والإسلام لا يقف عند المنطق الاستنتاجي لبيان حقائقه بل يأمر بمنطق استقرائي بوسائل مثل: الحكمة، والعقل، والمصلحة، والإلهام، والسياسة الشرعية.

هذا الاجتهاد يبين بلا شك أن الإسلام يوجب الحكم الراشد، وأن الجهاد القتالي فيه دفاعي، وأن العلاقة مع الآخر الملي والدولي تقوم على الحسنى” لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”[14]

الإسلام يقر التعددية الدينية:” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”[15]. ويأمر بالتعامل مع أهل الأديان الأخرى بالتي هي أحسن: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين“َ[16]

لقد تطرقنا لأربعين مسألة من مسائل الإسلام والحياة وأوضحنا فيها على أساس هذا الاجتهاد ما يحقق توافقا بين الإسلام والحداثة والإسلام والعولمة والإسلام والتعايش السلمي بين الأديان وبين الدول. وعقدنا ورشة ناقشت هذا الاجتهاد وسوف نرسل النتيجة لمائة من العلماء والمفكرين لكي نتفق على مرجعية إسلامية جديدة مبرأة من الانكفاء نحو الماضي ومن التبعية للوافد. ولكن هذا الجهد سيبقى ناقصا إذا لم يصحبه عمل فعال لإقامة حكم راشد واقتصاد وافر وعادل واستقلال من التبعية للهيمنة الدولية. وهذا هو التحدي الذي يواجهنا ويتطلب العمل والإنجاز.

لكي ينجح هذا العمل ينبغي أن تصحبه بيئة دولية مواكبة من أهم شروطها:

أولا: أن تتجاوب الأديان الأخرى لا سيما المسيحية لارتباطها بالحضارة الغربية المهيمنة، أن تتجاوب مع التعايش والتسامح والاعتراف المتبادل.

ثانيا: أن تتخلى السياسة الغربية عن الهيمنة الأحادية، وأن تعترف بحقوق الآخرين، وأن تعمل بجد لإزالة بؤر التظلم الملتهبة.

ثالثا: : قبول استصحاب أهل الحضارات الأخرى لمنجزات الحداثة طوعيا وبأقلمتها لبيئاتهم.

إن الأمة الإسلامية اليوم تعاني غالبا من الفقر والظلم والتبعية وتعاني من محاولة الغلاة اختطاف إرادتها وهذا خطر عليها في حد ذاته ويأتي بخطر آخر وهو استعداء القوى الدولية علينا لتتدخل في شئوننا وتحاول أن توجهها لصالحها.

إن واجبنا الوطني، والإسلامي، والإنساني أن نتحرك بفاعلية لتحقيق الصحوة الفكرية، والحكم الراشد، والاقتصاد المتوثب العادل، والعلاقات الخارجية المستقلة.

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِين“َ[17]

قال النبي “ص” استغفر الله إن الاستغفار مخ العبادة.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الله اكبر … الله أكبر… الله أكبر

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز.

الجزيرة أبا بقعة صغيرة في حجمها ولكنها كانت الرحم الذي تكونت فيه الدعوة الأولى التي بعثت الإسلام وحررت السودان وكانت الرحم الذي تكون فيه البعث الذي قاده الإمام عبد الرحمن وأدى لازدهار الدعوة في مرحلتها الثانية وإلى استقلال السودان. وفي المرحلة الثالثة خططنا لتكون الجزيرة أبا مثلا لسودان العدالة والتنمية لذلك قررنا نحن ورثة الإمام عبد الرحمن التنازل عن حقوق الوراثة فيها لصالح سكانها. وقمنا بتخطيط حكومي لكهربة قرى النيل الأبيض كلها وخططنا مع العون الإيطالي لتطوير الجزيرة نموذجا للتنمية الريفية الصناعية الزراعية في السودان ومع العون الكندي لجعلها مركزا للتعليم التقني والفني. هذه الخطط أجهضت ظلما وعدوانا وقرر الانقلابيون ضم الجزيرة أبا لملكية الحكومة. مما فتح الباب في عهد الخصخصة أن تباع الجزيرة أبا للرأسمالية الطفيلية التي خلقتها محسوبيات النظام. إنها نفس السياسات الخاطئة التي اعتبرت الأراضي في دارفور ملكا للدولة قفزا على حقوق أصحابها التقليديين فأدى ذلك ضمن عوامل أخرى لتمزيق النسيج الاجتماعي في دارفور ومنه  للكارثة الحالية إننا في العهد الجديد الذي يطل على السودان سوف نعمل بكل الوسائل المدنية والقانونية لنقض تلك السياسة الخاطئة واسترداد ملكية أراضي الجزيرة أبا لسكانها ونواصل الخطط لجعلها أنموذجا للتنمية الريفية والعدالة في السودان.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

لقد أيدنا بروتوكولات  السلام التي وقعتها الحكومة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان. أيدناها وندعمها للأسباب الآتية:

  • لأنها سوف تحقق إنهاء الحرب الأهلية.
  • لأنها سوف تضع حدا للحكم الشمولي.
  • لأنها وعدت بدستور ديمقراطي للبلاد يكفل حقوق الإنسان والحريات العامة.
  • لأنها تعد بتحقيق وحدة طوعية للبلاد.
  • لأنها ستوقف سياسة التمكين الاقتصادي لحزب الحكومة المسئول الأول عن الفقر والظلم الذي لحق بأهل السودان، ومهما يكن من أمر فسيزداد في المرحلة القادمة الاهتمام بمعايش الناس.
  • ولأن الأفكار الرئيسية التي دخلت فيها وجعلتها ممكنة أصلها من مبادراتنا وهي: أن تكون المواطنة أساس الحقوق والواجبات الدستورية ـ وأن تقوم الوحدة على أساس طوعي ـ والاعتراف بالتعددية الدينية والثقافية ـ وأن تكون مؤسسات الدولة النظامية والمدنية قومية . هذه النصوص في بروتوكولات السلام نؤيدها ونرى وجوب عقد لقاء جامع للتصديق الجماعي عليها.

ولكن هناك نصوصا في البروتوكولات بالحق والمنطق ينبغي تعديلها وهي:

  • نوافق على التوفيق بين التطلع الإسلامي لتطبيق أحكام الشريعة في الشمال والتطلع الجنوبي للعلمانية في الجنوب. ولكن ينبغي ألا تكون الأسلمة باجتهاد حزب إسلامي واحد أي الحزب الحاكم ولكن باجتهاد وقرار أغلبية المسلمين.
  • وفيما يتعلق ببروتوكول الترتيبات الأمنية نوافق على أن يكون للطرفين جيشان أثناء الفترة الانتقالية. ولكن ليس صحيحا ولا عادلا أن يجري تكوين القوات المسلحة القومية مناصفة بينهما بل يجب أن توضع مقاييس للجيش القومي ثم يجري بناؤه من جديد.
  • وفيما يتعلق بالثروة فإن اقتسامها على أساس المساومة والمقايضة غير صحيح ويفتح الباب للضغط من آخرين. الصواب أن يقال تقسم الثروة الطبيعية القومية على أساس الثقل السكاني. ثم يجري تمييز أقاليم معينة على أساس ردم فجوة التنمية والخدمات وعلى أساس إزالة آثار الحرب. هذه المعادلة يمكن أن تحقق للجنوب 50% أو أكثر ولكن على أساس موضوعي لا يهمل حقوق الآخرين ويحافظ أكثر على وحدة الوطن وتماسك أراضيه.
  • كذلك الأساس القبلي لتوزيع الثروة في آبيي يشكل سابقة خطيرة تفتح الباب للمطالب القبلية والاستقطاب القبلي ومن ثم تضع المجتمع السوداني على أعتاب سلم التخلف.
  • واقتسام السلطة كما ورد غير سليم لأنه قائم على أساس حزبي ثنائي. ينبغي أن تخصص نسبه للجنوب وأخرى للشمال ثم يجري تداول شمالي شمالي لتحديد الأنصبة وتداول جنوبي جنوبي كذلك.
  • مواعيدها وآلياتها وكيفية إجراءها غير محددة بنصوص واضحة، وكثير من تفاصيلها الهامة متروكة للطرفين الموقعين، وهذا يجعلها عرضة لهواهما ومصلحتهما الحزبية.

وهناك حاجة للتوسيع فبعض الأمور الهامة أغفلت تماماً:

  • كثير من أسباب النزاع في السودان يقود لخلافات دينية ليس فقط في علاقة الدين بالدولة والدين بالسياسة ولكن في علاقة الأديان مع بعضها بعض. هذا يوجب الاتفاق على بروتوكول أو ميثاق ديني.
  • وهناك نزاع حاد زادت حدته هذه الأيام بسبب إعلان الخرطوم عاصمة للثقافة العربية. نزاع حول هوية السودان الثقافية واتهامات متبادلة لذلك ينبغي وضع بروتوكول أو ميثاق ثقافي.
  • وهنالك اتهامات متبادلة بشأن العلاقات الخارجية ولا شك أن الفترات السابقة شهدت تحالفات متناقضة حول كثير من القضايا ولا يجوز أن يترك هذا الأمر بدون بروتوكول يحدد معالم السياسة الخارجية المتفق عليها.
  • أغفلت اتفاقيات قسمة الثروة الإشارة إلى الموارد المائية برغم أهميتها مما يوجب الاتفاق بشأنها.
  • وأثناء الحرب الطويلة تراكمت المظالم من الحرب الأهلية ومن الشمولية وأساليبها هذا يوجب آلية شبيهة بلجنة الحقيقة ـ والمصالحة في جنوب أفريقيا ولا يمكن تخطي هذه القضية بحديث عام. المطلوب معالجة أساسية وإلا فإن أشباح هذا الماضي سوف تفسد الحاضر والمستقبل. هذه النقاط تقتضي التوسيع.

وهناك نقاط غائمة ويمكن تفسيرها بأكثر من رأي هذه تقتضي التوضيح:

  • مسألة العاصمة القومية موضوعة بشكل يقبل تفاسير مختلفة مثل رأي الأشعري في الجبر والاختيار.
  • موضوع ملكية الأراضي في السودان معلق ويحتاج لحسم وبيان لأنه تسبب في نزاعات كثيرة.
  • ومسألة مشاركة القوى الأخرى موضوعة بصورة تحتاج لبيان.
  • وتكوين وصلاحيات المفوضيات المستقلة يفتقر لتفصيل.

إذن نحن ندعو للقاء جامع أو مؤتمر دستوري لأداء واجب هذه التاءات الأربع: التصديق، والتعديل، والتوسيع، والتوضيح.

بالأمس  الأول- توصلت الحكومة والتجمع الوطني الديمقراطي لاتفاق في القاهرة. نحن نرحب بهذا الاتفاق ونرى أنه في عشر نقاط على الأقل خطى خُطى للأمام نحو تحقيق مطالب الشعب المشروعة في السلام العادل والتحول الديمقراطي. ونعتقد أن الاتفاق يوسع من قاعدة الوفاق الوطني ويسهل مهمة الملتقى الجامع أو المؤتمر الدستوري.

هذا المؤتمر أو الملتقى مطلوب للأسباب الإضافية الآتية:

أولاً: لأنه يكمل قومية الاتفاق.

ثانياً: لأنه يعالج الفوقية والسرية التي صحبت التفاوض فيحقق شفافية ديمقراطية القرارات.

ثالثاً: لأنه يسودن عمليات اتسمت في كل مراحلها بأعلى درجة من المداخلة والضغوط الأجنبية.

رابعاً: لأن السودان في تحقيق أهدافه الوطنية ينبغي أن يستفيد من تجارب الآخرين الناجحة في الإطار العربي والأفريقي.

خامساً: لأن السودان وهو ينتقل من الحرب للسلام، ومن الدكتاتورية للديمقراطية يضع سابقة ويمثل قدوة للآخرين

سادساً: لأن دارفور تحترق وأحوالها تزيد سوءا أمنيا وإنسانيا والمجاعة تزحف نحوها بخطورة كبيرة.  لقد قلنا ونكرر أن المطلوب لدارفور إجراءات إدارية وإغاثية وتحقيقية وتعويضية عاجلة. وقلنا ونكرر ضرورة إلغاء سياسات النظام نحو دارفور لأنها سبب الكارثة وعقد ملتقى جامع لبحث وحسم أجندة دارفور السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الأمنية، الإدارية، والقبلية.  هذا الموقف اتخذناه منذ حوالي عامين ولكن حتى الآن تستمر السياسات الحزبية العقيمة التي خلقت الأزمة وسوف تزيد عمقها. هذا موقفنا وسوف نواصل العمل حتى ننقذ هذا الجزء الحبيب من الوطن.

يجب أن نتفق أن دار فور لها نوعان من المشاكل: مشاكل قديمة موروثة معروفة سأعد أهم سبعة منها ومشاكل صنعت في مصانع الإنقاذ. علينا أن نعرف الفرق بين النوع الأول والثاني، ثم نبحث في الحلول، المشاكل القديمة هي: النزاعات القبلية، الصراع على الموارد بين المزارعين والرعاة، النهب المسلح، التوترات على الحدود، التظلم التنموي والخدمي، ووجود جماعات مسلحة سمت نفسها “الجنجويد” كانت كجماعات مسلحة عاملة في إطار خاص بها، التطلع للمشاركة السياسية في أعلى مستوى. هذه مشاكل موجودة في دار فور والحقيقة أنه انعقد مؤتمر في 1989م في آخر أيام الديمقراطية سوف أنشر قراراته وتوصياته لأن هذا المؤتمر تم التحضير له بمجهود كبير جدا من قبل الحكومة الديمقراطية لمواجهة مشاكل دارفور المذكورة وفي الحقيقة اجتمع له كل ممثلي القوى السياسية والاجتماعية والدينية والقبلية في دار فور إضافة للمثقفين من أبناء دارفور، وكان يجب أن يحضره يوم السبت 1 يوليو 1989م كل من السيد محمد عثمان الميرغني والدكتور حسن الترابي والسيد محمد إبراهيم نقد والسيد ألدو أجو ممثل الجنوبيين وشخصي، وكانت التوصيات معدة، وكان المؤتمر يواجه كل مشكلات دار فور الموروثة لإيجاد الحلول لها، وقد كانت الطائرة معدة لأن تقلنا يوم السبت لحضور المؤتمر ومباركة هذه التوصيات. فوقع الانقلاب يوم الجمعة، وبكل سطحية تبنت الإنقاذ قرارات المؤتمر واعتبرت المؤتمر جزءا من إنجازاتها، وقالت أنها أنجزت هذا الإنجاز في 24 ساعة! قالوا قولتهم هذه ومنذ ذلك الوقت نسوا المؤتمر نهائيا. هذا المؤتمر الذي كان يجب أن يحل كافة المشاكل ضمن رؤية قومية تعطي أولوية أساسية لمشكلة دار فور صادرته الإنقاذ في آخر أيامه وتركت الأمر كما هو وهذا مما خلق الحزازات في الإقليم لأن كل الأفكار والآراء والتوصيات التي كان من المفترض أن تعالج هذه المشاكل تم الإعلان عنها ولم ينفذ منها شيء.

 

المشاكل التي صنعتها الإنقاذ:

  • تحول الصراع القبلي إلى صراع إثني متجاوز للقبيلة:

إلى أن قامت الإنقاذ كانت هناك صراعات قبلية بين بعض القبائل، ولكن أن تتجمع قبائل متعددة تجمعها صفة عرقية أو إثنية وتدخل في مواجهة مع قبائل أخرى متعددة وتجمعها صفة عرقية أو إثنية مختلفة فهذه ظاهرة جديدة ظهرت في عهد الإنقاذ.

  • جنجويد القطاع العام:

عندما شعر النظام بنجاح الحركات الحاملة للسلاح استدعى كثيرا من القبائل على أساس إثني فكون منهم “جنجويد قطاع عام” حيث كان الجنجويد قبل ذلك يوجد كجماعات معزولة خارجة عن القانون.

  • التحرك السياسي العابر للحدود الإقليمية داخل السودان والعابر للحدود السودانية: أعني بالعلاقات العابرة للحدود الإقليمية تلك العلاقات التي نشأت بين حملة السلاح والجيش الشعبي لتحرير السودان، والعابرة للحدود الوطنية تلك العلاقات التي تمت بين عناصر في دارفور وعناصر خارج السودان.
  • المأساة الإنسانية: التي دفعت بمليون شخص للنزوح إلى مناطق داخل دارفور وما يزيد عن مائة ألف شخص إلى خارج السودان.
  • السمعة العالمية السيئة التي جعلت المادة المتعلقة بدارفور من المآسي الإنسانية في أهم وكالات الأنباء تفوق السبعة عشرة مليون إشارة.
  • التدويل: تدويل الشأن السوداني ودخول قوات أجنبية للسودان لحفظ الأمن في السودان.
  • التجريم: أن يعتبر عدد من المسئولين السودانيين مجرمو حرب ويحدث الآن تحقيق ليعرف من هم حتى يقدموا لمحاكمات.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

الشعب السوداني بدور قيادي منا قاوم نظامين دكتاتوريين حتى سقطا في أكتوبر 1964م وفي رجب/ أبريل 1985م .

وأمام الدكتاتورية الثالثة قدنا المقاومة الفكرية حتى تآكلت أجندة النظام الأيدلوجية. وشاركنا مشاركة قيادية في التصدي العملي والسياسي للنظام حتى تأكد لنا تخليه عن أطروحاته وهندسنا خطوات التحول نحو الوفاق على أساس جديد يؤكد السلام والتحول الديمقراطي.

ونحن الآن سعداء جدا بأن الاتفاقيات الثنائية بين النظام والحركة الشعبية وبين النظام والتجمع الوطني الديمقراطي تحقق بعض الأهداف التي ناضلنا وضحينا من أجلها.

أفكارنا ومواقفنا ساهمت بصورة كبيرة في التحولات الجارية وسواء دخلنا في اتفاقيات أو لم ندخل فسوف تستمر مبادراتنا الفكرية ونشاطنا الشعبي الدبلوماسي حتى تتحقق كافة تطلعات الشعب المشروعة. وكلما اتسع هامش الحريات كلما استطعنا مزيداً من الفاعلية. ويسرنا جدا مهما كان موقفنا من الاتفاقيات أن تقف الحرب نهائياً، وأن تصبح مؤسسات الدولة النظامية والمدنية قومية، وأن تضع الشمولية أوزارها ونعتقد بحق وصدق أنه عندما يقول الشعب السوداني الحر كلمته في انتخابات عامة حرة فإن شعبنا الأبي الواعي سوف يكافئ مبادراتنا ونضالنا وصمودنا مثلما فعل في المرتين السابقتين بعد نظامي نوفمبر ومايو.

من يضحك أخيرا يضحك طويلا.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز.

كثير من المقبلين على الحكم بالوسائل الثورية يتصورون أن الوطن وكل فلاحه يبدأ مع تمكينهم هكذا شهدنا. مقولة أن السودان ولد في 25 مايو 1969م ومقولة أنه ولد في 30 يونيو 1989م وهكذا.

هنالك الآن نظرات في استقلال السودان وفي الديمقراطية وفي الهوية الثقافية للسودان تتطلب غرس الرؤى الصائبة.

أولا: هنالك مقولة السودان الجديد التي تعتبر السودان القديم حزمة يقذف بها في المزبلة.

نعم هنالك في السودان القديم مفاهيم وممارسات ينبغي أن تدان هي:

  • الاستعلاء الديني.
  • الاستعلاء الثقافي.
  • عدم التوازن التنموي والخدمي.
  • ضعف مؤسسات المجتمع المدني “أحزاب، صحافة… الخ”.
  • اضطهاد المرأة.
  • القوات المسلحة الانقلابية.
  • السياسة الخارجية غير المتوازنة.

ولكن هنالك جوانب في السودان القديم ينبغي الاعتراف بها واستصحابها هي:

  • الاستقلال الوطني كامل السيادة.
  • الديمقراطية كاملة اللبرالية.
  • حياد الخدمة المدنية.
  • استقلال مؤسسات القضاء.
  • استقلال مؤسسات التعليم العالي.
  • نزاهة التعليم.
  • قومية مؤسسات الخدمة المدنية والنظامية.
  • كفالة الحريات العامة.
  • اللقاح السلمي بين الأديان والثقافات.
  • التمسك بقيم الشفافية والمساءلة والمحاسبة ومراعاة معايش الناس في البرامج والمشاريع الاقتصادية
  • الإنسانيات الأخلاقية السودانية التي صارت مضرب المثل لصالح السودان.

وفيما يتعلق بالاستقلال فإنه كان كاملا وبالمقارنة مع الآخرين جيدا ولكنه يعاب عليه: أن الاستقلال لم يحقق المحتوى الاجتماعي الاقتصادي المطلوب ولم يحقق تنمية متوازنة وعادلة وخضع لأطول عمره للحكم العسكري والاستغلال الأيديولوجي  وهذان شوها الحياة السياسية السودانية.

وفيما يتعلق بالديمقراطية فإنها كانت بالمقاييس المعيارية اللبرالية جيدة ولكن كان ينقصها التوازن فلم ينعم كثيرون بها.

أما الهوية السودانية، فقد تحققت في السودان ثقافة مركزية تراكمت منذ كرمة ومروي الكوشية إلى المقرة وعلوة المسيحية إلى الفونج والفور والمسبعات وتقلي والكنوز والمهدية الإسلامية. هذه الثقافات التاريخية امتزجت معها الحضارة الأوربية الحديثة لتكوين ثقافة مركزية سودانية لم تعن بالقدر الكافي بالتعددية الدينية والثقافية وزاد فيها وزن الثقافة العربية الإسلامية وهذه علة لحقت بكافة الثقافات المركزية في الماضي في البلدان الأخرى والمطلوب الآن لا ابتدار حرب رؤى تجند ثقافات السودان التاريخية ضد بعضها ولا محاولة نحت ثقافة مركزية مضادة بل إقرار التعددية الدينية والثقافية في السودان وإعطاء كل ذي حق حقه وإتاحة حرية اللقاح الثقافي السوداني في طيف عريض مع تحديد آليات ثقافية محددة مقبولة للجميع كأساس مشترك بين أهل السودان.

علينا في هذه المرحلة أخذ العظة من الماضي ونزاعاته والاستعداد لحسم القضايا الخلافية بقوة المنطق لا منطق القوة واحترام الرأي والرأي الآخر والاحتكام للشعب في القضايا الخلافية ضمن احترام للتوازنات التي لا يحسمها قرار الأغلبيات.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز.

إن للسودان رسالة تؤهله لها موارده البشرية والمادية.

إن ما يحققه السودان من سلام عادل وتحول ديمقراطي وحل لمعادلة الدين والسياسة والتعدد الديني والثقافي سيكون له أثر إيجابي كبير على السلام والديمقراطية في أفريقيا والعالم العربي وعلى حوض النيل وعلى عافية العلاقات العربية الأفريقية بل سوف ينقذ السودان أفريقيا من استقطاب إثني مدمر إذا أفلح في مشروعه الحضاري القومي.

إن أملنا في العناية وثقتنا في وعي وإرادة شعبنا كبير وما ضاع حق قام عنه مطالب.

أحبابي وأخواني

أعفو عني فأنا عاف عنكم ونحن جميعا نرجو عفو رب العالمين:

 

ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي                  جعلت الرجـــا منـي لعفوك سلما

تعاظمنـي ذنبــي فلمــا قـــــرنتـه                   بعفوك ربـي كــان عفــوك أعظما

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

 

 

[1]  سورة الحج الآية 27

[2]  سورة الصافات الآيات103، 104، 105، 106، 107

[3]  رواه أبو داود – موسوعة الحديث حديث رقم 959.

[4]  أخرجه البخاري

[5]  سورة البقرة الآية 267

[6]  سورة الأعراف الآية 172

[7]  سورة الإسراء الآية 105

[8]  سورة الأحقاف الآية 3

[9]  سورة الإنسان الآية 3

[10]   سورة هود الآية 118

[11]  سورة الحج الآية 39

[12]   سورة محمد الآية 24

[13]  سورة الفرقان الآية73.

[14] سورة الممتحنة الآية 8

[15]  سورة البقرة الآية 62.

 [16] سورة النحل الآية 125.

[17]  سورة يوسف الآية 108