خطبة عيد الأضحى المبارك (بالجزيرة أبـــــــــا) 1421هـ – مارس 2001م

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عيد الأضحى 1421هـ

 الموافق الاثنين 5 مارس 2001م

بالجزيرة أبـــــــــا

الخطبة الأولى

الله أكبر الله أكبر الله أكبر .

     (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له ِعوجاً ). والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وآله وصحبه . إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً .

أحبابي في الله أخواني في الوطن العزيز

لقد فصلتنا عنكم السجون والمنافي والدعايات المعادية التي حاولت أن تقيم بيننا حائطا نفسيا عازلا ولكن ما بيننا من روابط التاريخ والوجدان والعقيدة والمبدأ طوى المسافات وتسور حيطان السجون وهدم الحائط النفسي وجعلكم في قلوبنا وعقولنا حتى كأننا روح واحدة في أجسام متفرقة كم هي طيبة الظروف التي غيرت مناخ السودان السياسي أعادتنا للسودان الوطن وللجزيرة أبا الوطن الروحي لنشهد عيد الأضحى مع أهلنا فيها وفيما حولها من مناطق كان لأهلها تاريخيا فضل السبق في دعم الدعوة المؤسسة للسودان الحديث. لقد أبلوا بلاء حسنا مع الأئمة في مراحل تاريخ السودان من أجل استقلال السودان والديمقراطية وحماية الدين والوطن.

فالسلام على حفدتهم للاستمرار في مناصرة دعوة الخير والحق والسلام عليهم بعد طول فراق.

وقد يجمع الله الشتيتين بعد ما         يظنان كل الظن ألا تلاقيا.

الدين في نفس الإنسان نزعة فطرية لذلك لا يوجد مجتمع لم يتخذ ملة أو عقيدة. ملةً وضعية تصورها الإنسان سعياً لله. أو ملةً سماوية أنزلها الله خطاباً للبشرية.

وعلى مر الأيام والدهور سجل التاريخ وجود أديان سماوية خاطب الله بها خلقه.إن  الإسلام الذي بعث الله به محمداً (ص) لم يأت من فراغ بل جاء معتمداً على فطرة الإنسان الدينية .. فطرة الله التي فطر الناس عليها ..مهذباً للفطرة كما جاء الإسلام محيطاً بالتراث الديني الذي سبقه مصدقاً لبعضه ومرشداً لبعضه ومهيمناً عليه . فالحج، والعيد، وقصة إبراهيم، والقربان، وهي الشعائر التي نحتفل بها في يومنا هذا كان لها أصل في تراث الإنسان الديني قبل الإسلام ولكن الإسلام صدق منها ما صدق ورشد منها ما رشد . روى البخاري أن النبي (ص) قال:( مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى داراً فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون : لولا موضع اللبنة ).

أيها الأحباب

الإنسان بفطرته يتخذ رمزاً للمعاني المجردة مثلا يعبر الإنسان بالهدية عن عاطفة الحب..الكعبة بيت الله الحرام رمز لعقيدة التوحيد ولالتفاف المؤمنين حول تلك العقيدة. إن للحج أحكاماً مفصلة في كتب العبادات ومستمدة من قول النبي (ص) 🙁 خذوا عني مناسككم.) إن وراء أحكام الحج فقها أو فهماً جديرٌ بالمسلم أن يتأمله لأن الله تعالى يقول : {أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون }، أي يفهمون . وهو ذات المعنى الذي أراده النبي (ص) عندما قال:( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ).

الحقيقة التي لا يجادل فيها مؤمن هي أن الله لا يحده مكان..ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله وأنه ليس كمثله شئ فلا يحتويه بيت ولا تحصره جهة. كذلك المؤمن يدرك أن الأرض كلها مسجد كما جاء في الحديث عن النبي (ص) قوله : وجعلت لي الأرض مسجداً فلا يحصر المسجد في حرم واحد.ولكن الله قد جعل الكعبة بيته . وجعلها قبلة المسلمين في الصلاة وجعلها مقصدهم في الحج الواجب على كل من استطاع إليه سبيلاً رمزاً للمعاني الإيمانية التوحيدية بأشياء وممارساتٍ ملموسة محسوسة ليعبر المسلمون في مناسكها عن إيمانهم بالواحد الأحد …لبيك اللهم لبيك  .لبيك  لا شريك لك لبيك… ويعبرون عن طاعتهم لرب العالمين بما أمر به من تعظيم لبيت الله الحرام.

الناس في العادة يختلفون في المظهر وملابسهم تدل على الفوارق الاجتماعية ولكن في الحج يطالبون بلباس زي بسيط واحد يعبر عن إخائهم ومساواتهم في حقيقة الأمر، وأمام الله، وإن فرقت بينهم مظاهر الحياة.والناس مطالبون بالتزام مكارم الأخلاق على نحو ما قال النبي (ص): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) . ولكن هذا الالتزام يزيد زيادة كبرى أثناء الحج ليقيم الناس مجتمعاً مطهراً زكياً. قال تعالى:{ الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولاجدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى . واتقون يا أولوا الألباب }

ومن فقه الحج أنه فرصة لسياحة روحية والإسلام يأمر بالسياحة، قال تعالى:{ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق } الآية. وهو فرصة لاجتماع المسلمين من كل مكان يعبرون عن أممية الإسلام. وفرصة لمظاهرة دينية يظهر فيها أهل الإيمان حماستهم لدينهم، وهو مجال لانضباط عبادي يغسل به الناس ذنوبهم، وفرصة لتبادل المنافع، والتعارف، والتشاور، والتعاون، بين أهل القبلة.

الشعيرة الثانية التي نعظمها في يومنا هذا هي العيد. إن أحكام العيد توجب تخصيص يومين في السنة هما أول شوال ويوم العاشر من ذي الحجة بشعائر معينة أهمها صلاة العيدين، وأحكامها مفصلة في كتب العبادات. أما فقه العيد فهو أن فيه إشباعاً لفطرة الإنسان التي اتخذت على مر العصور والدهور أياماً خصصتها للاحتفال، أياماً كسر فيها الناس سلطان العادة ووجهوا حركتهم الاجتماعية للمسرة والبهجة كأنهم بذلك يلتمسون متنفساً عن المشاحنات والأحزان المعتادة في الحياة. إن في العيد الإسلامي إشباعاً لتلك الفطرة وإبدالاً بالعيد لأيام الاحتفال القديمة. روى أبو داؤد عن أنس قال: قدم رسول الله (ص) المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان ؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال النبي (ص) : إن الله قد بدلكما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر.

ومن فقه العيد أن يحتشد المصلون حشداً كبيراً غير معهود وأن يكون الحشد في فلاة أي صحراء أو أرض خالية، وأن يكون حشدهم حماسياً لإظهار قوة أهل الإيمان وألا يتخلف من هذا الحشد أحد، قالت أم أيمن سمعت النبي (ص) يقول: يخرج(لصلاة العيد) العواتق وذوات الخدور والحيض، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. والعيد مناسبة لتجديد العلاقات الاجتماعية بين الناس فالحياة العادية فيها التنافس، والتخاصم، والعدوان، والتظالم، وهي أمور تهدد البنية الاجتماعية وتهدم الإخاء المطلوب بين المسلمين. العيد مناسبة كبرى لفتح صفحات جديدة بين الناس، فهم يتزاورون ويتبادلون التهاني ويتبادلون الهدايا ويطالبون بالتعافي والتصافي في حملة اجتماعية واسعة لقفل صفحات البغضاء والشحناء وفتح قنوات الاتصال والوصال.. أما شعيرة الأضحية في هذا اليوم فإنها سنة عين مؤكدة، أي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها. وهي تجب على العاقل البالغ، وتكفي الأضحية الواحدة من الغنم والضان للشخص الواحد ومعه من تلزمهم نفقته. وشرط الأضحية الإستجادة قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} الآية. لذلك يجب أن تخلو الأضحية من العيوب فلا تصح بالعمياء. ولا العوراء ولا العجفاء (الهزيلة) ولا العرجاء ولا تصح بمقطوعة الأذن أو الذنب ولا بالهتماء(بلا أسنان) . وإن كانت من الضان و الغنم فلا تكون صغيرة أي أقل من سنة في العمر. ويكفي البعير والثور الواحد عن سبعة أشخاص على أن يسلما من العيوب وأن يتجاوز البعير خمسة أعوام ويطعن في السادس.وأن يتجاوز الثور عامين ويطعن في الثالث.

الأضحية لا تجب إلا على من كان قادراً عليها ، القادر هو الذي لا يحتاج لثمنها لأمر ضروري في عامه . أي من يستطيع أن يستغني عن ثمن الخروف لمدة ما بقي من العام. هذا الشرط في الحقيقة يعفي أغلبية أهل السودان الآن من الأضحية شرعاً، ولكن أغلبية الناس تجبرهم العادات الاجتماعية فيكلفون أنفسهم حرجاً شديداً للحصول على خروف الضحية. وأفضل وقت لذبحها بعد صلاة العيد يوم الأضحى، ويسن لصاحبها أن يأكل هو وأهله ثلثها وأن يهدي لأصدقائه وجيرانه ثلثها. وأن يتصدق على الفقراء والمساكين بثلثها. ولا يجوز له أن يتاجر بأي جزء منها ويستحسن أن يدفع جلدها لمؤسسة خيرية حقيقية. أما فقه الأضحية فإنها قربان يرمز للتقرب إلى الله بالذبيحة والإحسان إلى خلقه بالصدقة. إنها تدخل ضمن كثير من الأحكام مثل: الزكاة، وصدقة الفطر، والصدقات، والكفارات، وهي تكاليف مالية ذات مضمون عبادي بين الإنسان وربه، وذات مضمون اجتماعي بين الإنسان وأخيه الإنسان . الأضحية رمز للتقرب من الله سبحانه وتعالى ومساهمة في الإحسان للفقراء والمساكين وفي الحالين فإنها تنفع صاحبها ثواباً على امتثاله وتقواه. قال تعالى:{ لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} الآية.

إن يومنا هذا يوم ذكرى لقصة إبراهيم عليه السلام. قال تعالى: (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين* فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين* إن هذا لهو البلاء المبين* وفديناه بذبح عظيم) إن قصص الأنبياء في كتاب الله وقائع تاريخية مسجلة يمكن أن يطالعها من يشاء. لكن فقه قصص الأنبياء يوضح أنها كما جاءت في القرآن ليست سرداً تاريخياً مفصلاً كما هو الحال في التوراة أو في كتب التاريخ الوضعية. إن قصص الأنبياء كما جاءت في القرآن مختصرة جداً ومرتبطة بهدف محدد هو بيان القدوة واستخلاص الدروس المستفادة من التاريخ . قال تعالى مخاطباً النبي (ص) :{ وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك.} الآية وقال تعالى:{ لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب.. الآية } إن العبرة في قصة إبراهيم عليه السلام هي طاعة المؤمن لربه، واستجابة الابن لما أمر به والده، وأنهما فعلا ذلك بنفس راضية مطمئنة إلى حكم الله. والعبرة المستفادة من ذلك هي أن من توكل على الله فهو حسبه. حسبنا الله ونعم الوكيل.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

لقد اتضح لنا أن للشريعة أحكاماً واضحة وأن لتلك الأحكام معاني يجب أن يتأملها ويتفهمها المؤمن لكيلا يقف بدينه على حد الشكليات لذلك قال الإمام المهدي:” اعلموا وتحققوا أن للدين أغواراً وبواطن لا يصلح الظاهر منه إلا بإصلاح تلك البواطن والتحقيق بها .” وهذا النهج نفسه هو امتثال لتوجيه رباني جاء فيه :{ كتاب أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته.} إذا نحن تأملنا المعاني والدروس المستفادة من ما قدمنا فإننا ننتهي إلى الخلاصة الآتية:

أولاً- التكاليف الشرعية وإن لم ندرك كل حكمتها لها حكمة ومعقولية مما يؤكد أن الوحي والعقل في الشريعة الإسلامية يتكاملان ولا يتناقضان. قال الإمام الشاطبي إن أحكام الشريعة لا تناقض العقول لأن العقل شرط في وجوبها وتكليف العقل بما لا يقبله العقل خبل لا ترضاه الشريعة .

ثانياًإن في ارتباط دعوة النبي محمد (ص) بالرسالات السابقة وفي استصحاب الثابت من تراث تلك الرسالات، وفي الحج كسياحة روحية ..إن في هذا كله دلائل واضحة على عالمية الدعوة الإسلامية وانفتاحها على تاريخ الإنسان وعلى جغرافية الأرض.لذلك قال القائلون إن الناس كلهم أمة محمد : بعضهم أمة استجابة والآخرون أمة دعوة.

هذه العوامل هي التي تفسر بعد العناية الإلهية نجاح الدعوة الإسلامية المنقطع النظير. لقد ألم سلفنا بحقائق الوحي واعتبروا كل الموجودات في الطبيعة مجالاً مشروعاً للعلم والمعرفة، لذلك استطاعوا أن يتحفوا العالم بحضارة قوية وغنية وغالبة .إننا إذا تأملنا التاريخ نستطيع أن نقول أن كل أسباب النجاح والفلاح التي ظهرت في الحضارة الحديثة أسباب لها أصول معلومة في حضارة الإسلام.. بل نقول إنه حتى أول القرن السابع عشر كان الكيان السياسي والاقتصادي الإسلامي هو الأقوى في العالم في ذلك الحين، أي عام 1600 م. كان العالم الإسلامي تحكمه ثلاثُ دول كبرى هي : الدولة العثمانية في تركيا- والدولة الصفوية في إيران – والدولة التيمورية في الهند . وكانت الدولة العثمانية وحدها أقوى من كل دول أوروبا مجتمعة سياسياً واقتصاديا. ما الذي حدث فقلب الموازين؟

لقد طفرت دول أوربا  ما بين عامي 1600 و1800م طفرة كبرى راجعة لثورتين: الثورة الصناعية ومركزها بريطانيا، والثورة السياسية ومركزها فرنسا. هاتان الثورتان أدتا لتحولات أساسية في ثلاث مجالات:-

[] في المجال الاقتصادي: تعددت الوسائل والاكتشافات والنظم التي أدت إلى زيادة ضخمة في الإنتاج الاقتصادي.

[] في المجال الفكري: برز العلم الإختباري واستقلالية البحث الفلسفي، فأعتق الإنسان الأوربي من قبضة السلاطين والبابوات .

[] في المجال الاجتماعي : توقفت الامتيازات القديمة التي ربطت السلطة بالملكية المطلقة، أو بامتيازات النبلاء وقامت السلطة السياسية على أسس لا تعبأ بالأنساب بقدر ما تعبأ بالكفاءة والأهلية. لذلك قامت مؤسسات تربُطُ الحكم بالنيابة وتُفسح مجال المحاسبة والمساءلة وتسمح بانتقال السلطة من يد إلى يد سلمياً.

هذه هي النواحي الثلاث التي مكنت دول أوربا من الطفرة وقلب الموازين. صحيح أن لهذه العوامل التي اتخذتها الدول الأوربية أصولاً في فكر الإسلام وحضارته، ولكن المسلمين قفلوا أبواب الحرية الفكرية، وأوصدوا نوافذ الاجتهاد، واستسلموا للاستبداد السياسي الذي يناسبه دائماً قعود النظر وركود الفكر عندما يكون الفكر في مدينة مسطحاً كحدوة الحصان.

صحيح أن هذه الأمة مستودع خير، ولكن الله لا يحابي أحداً. لقد توهم بنوا إسرائيل أن اختيار الله لهم غيرُ مشروط فغالوا في مفاخرة عرقية كانت سبباً في بغض كثير من الناس لهم وكانت سبباً بردة الفعل في إذكاء أفكار العنصرية الآرية التي أغرقت العالم في بحار الدم. إنها نفس المفاخرة العرقية التي خلقت لكثير من بني إسرائيل تنافراً عالمياً حاولوا الاحتماء من ويلاته بالحركة الصهيونية. ولكن هيهات، لابد لبني إسرائيل من التنازل عن المفاخرة العرقية لينخرطوا في سلك الإخاء الإنساني الذي تحرص عليه كل ديانات التوحيد.

إن كثيراً من المسلمين وقعوا في خطأ مماثل وفسروا قوله تعالى{ كنتم خير أمة أخرجت للناس.. الآية} تفسيراً  تفاخرياً مغلقاً. إنها خيرية مشروطة بشروط معينة { تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} مما يدخلها ضمن القاعدة الإسلامية المحكمة { إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الآية. قال تعالى: { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب. من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً}.

            أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز.

لقد تخلف المسلمون لأنهم اتخذوا من اجتهادات الأقدمين قميص حديد فقدسوها ويبسوا بها الحياة.

لقد كانت الدعوة المهدية نداء تحرير من ربقة اجتهادات الأقدمين تحريرا يعطي التجديد مشروعية ويفتح له الباب واسعا على أساس مقولة الإمام المهدي ” لكل وقت ومقام حال. ولكل زمان وأوان رجال”

لكي تسترد الأمة عافيتها عليها أن تغرف من ماضيها دون جمود. وان تغرف من الوافد من الخارج دون تبعية.

بغير هذا التعامل المرن مع الوافد من الماضي والوافد من الخارج لا أمل في حاضرنا ومستقبلنا. إن النهضة والصحوة تبدأ بأنفسنا ثم تفيض آثارها على مجتمعاتنا.

قال النبي 0 ( ص ) لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وقال استغفروا الله فالاستغفار مخ العبادة.

 


الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الله اكبر الله اكبر الله اكبر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد.

الدعوة المهدية حققت للسودان مولدا جديدا .عمقت الإيمان، أذكت روح الجهاد، وكونت الدولة، ووحدت الإقليم، وحررت البلاد وتجاوزت السودان لتجسد تطلعات أهل القبلة كافة. بل كانت الدعوة المهدية أمل القوى الوطنية والإسلامية في العالم الإسلامي.

ومع أن كثيرا من الحكومات الاستبدادية والخاضعة للنفوذ الأجنبي عادتها فان الشعوب الإسلامية تجاوبت معها وحطت الأمل فيها. ففي مصر كان التيار الشعبي الوطني الذي قاده احمد عرابي يتعاطف معها ويعتبرها حليفا موضوعيا له ضد النفوذ الأجنبي العثماني والأوربي. لذلك كتب أحد قادة الثورة العرابية الشيخ احمد العوام رسالة في مناصرتها جاء فيها :

إن حال الإسلام يتطلب أن ينهض ناهض بأمر الدين. فنسأل الله أن يمكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا وفاء لصادق وعده وتصديقا لحديث نبيه. سواء كان بالإمام المهدي هذا عليه السلام الذي ظهرت كواكبه ولاحت بوارقه أو بغيره من عباده الصالحين. وفي نهاية الرسالة وجه نداء للمسلمين لتأييد الدعوة. لقد كان تيار البعث الإسلامي قويا في كثير من البلدان الإسلامية لا سيما مصر وقد كانت مجلة العروة الوثقى لسان حال هذا التيار. لقد انحازت مجلة العروة الوثقى التي كان يحررها الشيخان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده للدعوة المهدية لذلك قال د. عبد الودود شلبي في كتابه عن الأصول الفكرية للدعوة المهدية في السودان قد جسدت كل تطلعات أهل القبلة في زمانها.

ثم دالت الدولة ولكن الدعوة بقيت حية في النفوس في وقت عم فيه سلطان الاستعمار بأساليبه ونظمه وثقافاته الحديثة كل العالم الإسلامي أمام هذا السلطان الاستعماري وما جاء به من فكر وثقافة ونظم وأساليب حياة انقسم رأي المسلمين بين ثلاثة مناهج:-

الأول: منهج تمترس في العقيدة والتراث واعتبر أن انحطاطنا وإذلالنا سببه التخلي عن ماضينا لذلك فان علينا بعث هذا الماضي المجيد ورفض الوافد الغربي بالحسم والعزم. هذا ما قالته المدارس الإسلامية السلفية.

الثاني: منهج اعتبر الإسلام هو عائق النهضة وان حضارة الغرب هي ماعون النهضة. فان أردنا الحياة والتقدم فان علينا التخلي عن فرائض الدين وأحكامه لا سيما في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي واتباع الحضارة الغربية. هذا المنهج قال به كثيرون وكان أقوى مناصريه الزعيم التركي مصطفى كمال اتاتورك .

الثالث: منهج وسط قال به عدد من العلماء والمفكرين في كافة أنحاء العالم الإسلامي مثل خير الدين التونسي والطهطاوي المصري هؤلاء دعوا للتوفيق بين التقدم الخلقي والروحي الإسلامي والتقدم المادي الاورباوي. هذا التطلع العام جسده نهج الإمام عبد الرحمن الصادق في السودان.

جسده برؤية إسلامية واضحة المعالم مستصحبة للعصر الحديث وحققه بصورة عملية ودعمه بقاعدة شعبية عريضة.

هكذا جسدت الدعوة المهدية في طورها الأول تطلعات أهل القبلة في القرن التاسع عشر افضل تجسيد كما جسدتها في القرن العشرين بصورة جعلت المؤرخ السوداني حسن أحمد إبراهيم يصف الإمام عبد الرحمن بأنه أهم إنسان سوداني في القرن العشرين.

أحبابي في الله أخواني في الوطن العزيز

نحن اليوم بصدد مرحلة جديدة علينا فيها أن نتعامل مع عوامل هامة أخص بالذكر منها:-

  • على رأس مطالب العصر قضية الحرية وحرية الفكر والاعتقاد وحرية التعبير. وحرية الصحافة. وحرية التنظيم النقابي. وحرية تنظيم الأحزاب. قال المفكر الإسلامي جمال البنا:إننا نطالب بالحرية لأنها هي التي تمكننا من المطالبة بما نريد بحيث تظل المطالبة مسموعة وباقية. ولأنها هي التي تحمي ممارستنا من شطط النظرة الأحادية ومن الانحراف وأخطاء التطبيق وهى مزالق تنزلق إليها كل المطالبات ولان الحرية تؤدي لتفعيل العقل للتوصل للقرارات السليمة.
  • ومن مطالب العصر الأساسية حقوق الإنسان وقد أسهب المفكرون والعلماء المسلمون في تأكيدها والمطالبة بها وقد خصها المفكر محمد عمارة بكتابات تدل على أن حقوق الإنسان في الإسلام واجبات مما يعطيها وزنا اكبر ويجعل الالتزام بها واجبا.
  • تصدى كثيرون للتداول السلمي للسلطة ورأوا على حد تعبير على خليفة الكواري انه لا تناقض بين الديمقراطية والشورى بل الديمقراطية وسيلة لتأمين التداول السلمي للسلطة.
  • وتصدى كثيرون لقضية التنمية ونقل التكنولوجيا الغربية لتحقيقها بصورة تحققها وتحقق العدالة الاجتماعية معها.
  • وتصدى كثيرون لمسألة المواطنة كأساس للوحدة بين كافة المجموعات الوطنية واحترام تنوع الديانات والثقافات داخل الوطن الواحد. هؤلاء اقروا بكفالة حقوق المواطنة والتوفيق بينهما وبين الحرية الدينية وحقوق المواطنين الدينية والثقافية.
  • العلاقات الدولية تقوم اليوم على أساس السلام والتعاون الدولي. صار العالم كله دار عهد تنظمه منظمات دولية ومواثيق ومعاهدات وهيئات متخصصة وصار واضحا لدى كثير من الكتاب المسلمين أن مشروعية هذا النظام إسلاميا تقوم على نصوص واضحة: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم الآية. وعلى إلزامية المعاهدة. قال النبي (ص) ثلاث الكفر والإيمان فيهن سواء من عاهدته فأوف بعهده مؤمنا كان أو كافرا ومن ائتمنك فأد أمانته مؤمنا كان أو كافرا ومن كان بينك وبينه رحم فصلها مؤمنا كان أو كافرا.
  • ومنذ حين من الدهر صارت المنظمات الدولية أكثر وعيا بالانتماءات الثقافية والحضارية وقد عد العادون 10 ألف ثقافة وثماني حضارات حية. العالم اليوم اكثر وعيا بهذه الانتماءات الثقافية والحضارية وضرورة التعايش بينها والحوار بين الحضارات في عالم تكمش حتى صار كالقرية.
  • أدت ثورة المعلومات، والاتصالات، والمواصلات مع آلية السوق الحر إلى جعل العالم مفتوحا على بعضه بعضا مما أدى لظاهرة العولمة. للعولمة حتميات وإيجابيات وسلبيات فكيف يكون التعامل مع الحتميات واستصحاب الإيجابيات واحتواء السلبيات؟

لقد أصدرنا طائفة من الدراسات والكتب والإصدارات وكان هدفها الرئيسي هو تجسيد    هذه التطلعات في منظومة فكرية قوية الحجة تختلف من الأعمال والأنشطة التي باشرها الأفراد المذكورين بأمرين:

الأول: الإحاطة والثاني: الاستناد إلى قاعدة شعبية عريضة. هكذا فان دعوتنا في طورها الثالث إنما تجسد تطلعات أهل القبلة في القرن الواحد وعشرين.

إن نهجنا كذلك نهج يتصف بالوسطية ويمنح مخرجا من التأزم السياسي الذي تعاني منه كثير من البلدان في عالمنا العربي، والأفريقي، والإسلامي.

ففي كثير من البلدان تقوم نظم حكم على منع التغيير إنها نظم مبنية على السكون. وفي المقابل توجد حركات معارضة متجهة نحو الإطاحة بتلك النظم.

لقد مر على بلادنا حين من الدهر استغرقتها المواجهة. ولكن كفاح شعبنا وصموده والاستجابة الواعية للموقف فتحت الباب لطريق ثالث يجنب البلاد مضار المواجهات ويحقق تطلعات الشعب المشروعة بالوسائل المدنية.

لقد كان حزبنا سباقا في التجاوب مع المستجدات في الساحة السياسية السودانية فأبرم مع النظام نداء الوطن. وعقد مع النظام مباحثات مستمرة سوف تفضي للتوقيع على برنامج وطني يتضمن تطورا دستوريا محددا ومبادئ للحل السياسي الشامل وإصلاحات أخرى مفصلة في كافة مجالات الحياة. إصلاحات تشمل تحقيق دولة المواطنة وكفالة قومية مؤسسات الدولة وأنشطة الاقتصاد الوطني. لقد بلغت معاناة المعيشة ما بلغت وكذلك تدهور خدمات الصحة والتعليم وهذه كلها توجب جهدا مركزا للإصلاح ورفع المعاناة.

لقد بلغت أسعار الذرة أرقاما قياسية منذرة بمجاعة في كثير من أنحاء البلاد توجب الاعتراف بخطرها وبذل الجهد الوطني والدولي لاحتوائها.

وهنالك مشروعات قومية مثل تجميع وكهربة مشروعات النيل الأبيض ينبغي إحياؤها.

وهنالك التردي الأمني الذي لحق بكثير من المناطق وما صحبه من نزاعات قبلية وهي قضايا هامة ينبغي التعامل معها بالحزم والحسم المطلوبين.

لقد اقترحت على ورثة الإمام عبد الرحمن أن يتنازل الجميع عن الجزيرة أبا فوافقوا. وعندما أعيدت أملاك الإمام الراحل لورثته في عام 1981م طلبت من الورثة الموافقة على استثناء بيت المهدي والجزيرة أبا من الورثة فوافقوا. لذلك صار موقف الجزيرة أبا هو : أن الورثة تنازلوا عنها لأهلها منذ عام 1981م.

كما اقر حزبنا على ضوء هذه المباحثات تكوين آليات قومية لتنظيم التعاون في المجالات المصيرية المختلفة مثل السلام العادل والتحول الديمقراطي.

وعلى ضوء هذه التطورات اقر حزبنا مبدأ المشاركة وحدد إطارين لتحقيقها: الأول في إطار انتخابات عامة حرة، والثاني في إطار قومي مجمع عليه.

 أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز.

إن نهجنا الذي سرنا فيه يسير مع موجة التاريخ بينما الذين يؤججون المواجهات يسبحون عكس موجة التاريخ.

الحقائق الآتية تؤكد ما ذهبنا إليه:

أولا: تراجع التعصب الأيدلوجي وأدرك أصحاب الاجندات الأيدلوجية المتعصبة في اليمين واليسار أن بضاعتهم بارت.

إن مذكرة التفاهم الأخيرة بين الدكتورين الترابي وقرنق دليل على هذا التخلي عن التعصب الأيدلوجي وهو دليل إيجابي لكنهما افسدا هذا المعني بنص يفتح جبهة مواجهة جديدة في ظروف ضاق أهل السودان، والإقليم، والعالم بجبهات المواجهة في السودان وشقي أهل السودان بآثار هذه المواجهات.

ثانيا: إن ضيق أهل الشمال بالمواجهات والاقتتال ظاهر لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ولكن جاء دليل قاطع جديد بان أهل الجنوب كذلك ضاقوا بالحرب.

إن مبشري كمبوني يمثلون جماعة مسيحية عاملة بنشاط في المناطق التي يديرها الجيش الشعبي في الجنوب. هؤلاء المبشرون يعيشون وسط المواطنين ويلمون بمشاعرهم ومواقفهم. هؤلاء المبشرون اصدروا بيانا بالإجماع .  في يوم 19/1/2001م  جاء فيه:

  • إن هذه الحرب لم تعد حرب تحرير أو دفاع عن حقوق الإنسان. بل صارت صراعا من أجل السلطة والأطماع المادية. وصارت فرصة لكثير من الطامعين للثراء على حساب الفقراء. لقد أهدرت القيم الروحية والإنسانية والثقافية وعم الفساد والتعصب القبلي والكراهية كل مكان.

عبارة تحرير لم يعد لها معنى. ومصلحة الدين ( المسيحي ) صارت تستغل لتحقيق منافع ذاتية.

  • في المناطق المحيطة بنا ما هو التحرير أو التحسن الذي نشاهده؟ الجميع يهربون من أجل حياتهم.

والنزاع اختلاط للحابل بالنابل. شماليون ضد جنوبيين. وشماليون ضد شماليين. وجنوبيون ضد جنوبيين. ونوير ودينكا ضد العرب. والنوير والعرب ضد الدينكا. والدينكا ضد الدينكا. والنوير ضد النوير، والددنقا ضد الدينكا. وهلم جرا. إنها حرب ليس فيها منتصر الكل فيها مهزوم.

إننا ننادي قادة الأطراف المقتتلة باسم الله بان اسكتوا البنادق. وننادي دعاة الخير في كل مكان أن اجهروا بأصواتكم ومزقوا هذا الصمت وضاعفوا مجهودات التوسط لإنهاء هذه الحرب وتحقيق السلام.

  • كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق كلينتون تتخذ موقفا منحازا شجع أحد أطراف الحرب الأهلية على مواصلة الضغط العسكري.
  • منذ حلول إدارة الرئيس بوش الجديدة عين مجموعة عمل درست السياسة الأمريكية نحو السودان وقدمت توصيات.

كان تقييم هذه الدراسة لسياسة كلينتون نحو السودان أنها كانت متشددة وفاشلة بل ربما حققت نتائج عكس مقاصدها. ونادت الدراسة بتكوين تحالف دولي للعمل من أجل السلام في السودان وللضغط على كل الأطراف في سبيل ذلك. على أن يصحب ذلك استئناف التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في السودان وان تصحب استجابة النظام لعملية السلام إجراءات رفع للعقوبات.

  • إن نداء السودان الذي أصدره الحزبان الأمة والاتحادي الديمقراطي في القاهرة في أول مارس 2001م يعزز خطوات الحل السياسي الشامل ويعزز الاعتدال ويتكامل مع نداء الوطن في دعم الحل السياسي الشامل.
  • منذ فبراير الماضي دعت الجماهيرية الليبية لاجتماع في طرابلس حضرته أهم أحزاب المعارضة. وهناك عرض المسئولون برنامجا لتفعيل المبادرة المشتركة واستمعوا لتعليقات تلك الأحزاب . كانت التعليقات إيجابية واتفق أن المسئولين الليبيين سوف يكملون التشاور مع المسئولين المصريين ويخاطبون أطراف النزاع السودانية بخطاب مشترك لتفعيل المبادرة المشتركة في يوم 1/3/2001م والتزمنا بان نرد على هذا الخطاب في ظرف شهر . وعلى ضوء ذلك سوف تتخذ المبادرة المشتركة خطوات عملية محددة لعقد الملتقى الجامع منبر مباحثات الأطراف السودانية من اجل الحل السياسي الشامل.

حزب الأمة قدم لأصحاب المبادرة المشتركة مذكرة محددة بتاريخ 4/2/2001م بعنوان:

برنامج الحل السياسي في السودان. اقترحنا في ذلك البرنامج أن تكون المبادرة المشتركة آليات لتحركها واقترحنا صيغة لإشراك جيراننا في القرن الأفريقي ودول شركاء الإيقاد واقترحنا تسع فصائل توجه لها الدعوة كما اقترحنا أن تكون اجندة الملتقى الأول الاتفاق على إعلان مبادئ الحل السياسي الشامل المكون من قسمين قسم خاص بالسلام العادل وقسم خاص بنظام الحكم.

هذه الحقائق كلها تؤكد أن الموجة الصاعدة داخل السودان، وفي إقليمه المحيط، وفي الوسط الدولي هي موجة الاعتدال والاستجابة للحل السياسي الشامل.

لذلك إن اندفاع بعض القوى السياسية في البحث عن مزيد من جبهات المواجهة سباحة ضد تيار التاريخ. فلو أن القوى السياسية استمعت لنبض الشارع وتبينت موجة التاريخ لأدركت أن واجبها الآن هو الحرص على الحل السياسي الشامل والالتزام بمقتضياته من نبذ العنف ووقف إطلاق النار وتوسيع هامش الحريات العامة كأساس واجب للعمل من أجل الحل السياسي الشامل تفاوضا وتعبئة.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

انتفاضة الشعب الفلسطيني الثالثة مستمرة، وجنود الاحتلال الإسرائيلي يحصدون الأرواح بعد أن انتخبوا رئيسا برنامجه حربي. إننا نؤيد هذه الانتفاضة ونطالب الأمة العربية، والإسلامية، بل العالم أجمع دعمها حتى ينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.

لقد تحولت العقوبات ضد العراق إلى عقوبة للشعب العراقي الشقيق. نحن نطالب برفع هذه العقوبات فورا، ونقول إن أمن دول الخليج ينبغي أن يقوم على اتفاقية أمن مشترك تحت مظلة الجامعة العربية بحيث تحترم حقوق وسيادة كل دول المنطقة ويقفل الباب أمام النزاعات الثنائية والتدخل الأجنبي.

ونحي مؤتمر سرت وإعلان الاتحاد الأفريقي، إنها خطوة من شأنها أن تخلق تضامنا قويا عربيا إفريقيا، يمنع محاولات الفصل بين شقي إفريقيا شمال الصحراء وجنوب للصحراء. والاتحاد الأفريقي يؤدي لتكتل تدخل بموجبه إفريقيا عصر العولمة بصورة تمكنها من الانتفاع بإيجابيات العولمة والاحتماء من سلبياتها. إننا إذ نرحب بإعلان الاتحاد الإفريقي نهنئ الدول التي أقدمت عليه، لا سيما القيادة الليبية التاريخية التي بادرت بالمشروع وتحمست له بصورة فريدة.

إن السودان بموقعه الجغرافي السياسي وبتكوينه كمرآة لإفريقيا مؤهل وكوادره البشرية مؤهلة للقيام بدور فعال على نطاق القارة- لا سيما إذا استطاع السودان أن يحقق السلام العادل والاستقرار الديمقراطي.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

هذا الشعب الطيب المتسامح قد نال ما نال من الشقاء وسئم الحرب وتبادل القهر والعنف واستحق أن تتضافر جهود أبنائه وبناته لإيجاد مخرج سلمي له يحقن الدماء ويحقق السلام العادل ويقيم الحكم على شرعية ديمقراطية يرضاها الجميع.

هنالك الآن فرصة لتحقيق هذه التطلعات ونحن إن شاء الله لن نألو جهدا في العمل لتحقيقها.

قال النبي ( ص ): “إن لربكم في دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها”

هنالك شعارات يطلقها بعضنا لا تتناسب مع هذا الدور الرحماني العلاجي:

  • وجع وجع..الصادق رجع: أن يقال أمان أمان، الصادق في السودان.
  • لا نصادق إلا الصادق: لا نصادق إلا صادق.. لنفتح الباب لمصادقة كل الصادقين.
  • الشعار الثالث: البلد بلدنا ونحن أسيادها. البلد بلدنا.. الكل أسيادها.. الخ.

اللهم يا جليلا ليس في الكون قهر لغيره ويا كريما ليس في الكون يد لسواه، ولا اله إلا إياه خذ بيد السودان وانصر من انتصر له واخذل من خذله واجعل لأهله أجمعين من أمرهم رشدا.

وما بين غمضة عين وانتباهتها               يبدل الله من حال إلى حال .

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

تعافوا وتهادوا وتحابوا فهذا يوم تجديد العلاقات الاجتماعية وكالعادة اطلب العفو ممن أسأت إليه فابن آدم خطاءون وأعفو عن من أساء إلي وكل عام وانتم بخير والله أكبر والعزة للسودان.