خطبة عيد الأضحى المبارك 9 نوفمبر 2010م

بسم الله الرحمن الرحيم

الله أكبر ولله الحمد

خطبة عيد الأضحى المبارك

الثلاثاء 10 ذوالحجة 1431هـ الموافق 19 نوفمبر 2010م

الخطبة الأولى

اللهُ أكبر.. اللهُ أكبر.. اللهُ أكبر

 

الحمْدُ للهِ الوالِي الكريمِ والصلاةُ على حبيبِنا محمدٍ وآلهِ وصحبهِ مع التسليمِ، أما بعدـ

أحْبَابـِي فِي اللهِ وإخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ

أمْس وقفَ الحجّاجُ في عرفاتٍ مؤدينَ رُكناً مِنْ أركانْ الحجٌّ. الحجٌّ رحلةٌ عباديةٌ لبيتِ اللهِ الحرامِ في مَكةَ. هدفهُ جمعُ العقولِ والقلوبِ على عقيدةِ التوحيدِ وحشدِ الموحدينَ في بيتِ اللهِ. إنّهُ بيتٌ رمزيٌ كما إنَّ شعائرَ الحجِّ ترمزُ للمساواةِ بين المسلمينَ. وترمزُ لإحياءِ قصةِ إبراهيمَ وزوجهِ هاجر وابنِه إسماعيل، عليهم السلامُ. قصةٌ محملةٌ بالمعانِي والعبرِ. ومنذُ فجرِ الإسلامِ صارَ يومُنا هذا يومَ عيدٍ لأهلِ القبلةِ وسُنّت فيهِ الأضحيةُ قرباناً: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) . لذلكَ ينبغِي خلوُّ الأضاحِي من كافةِ العيوبِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) ويـُستحسن أن تـُذبح الأضاحِي يومَ العيدِ بعدَ الصلاةِ ويجوزُ ذبحُها في باقي أيام التشريق. وأنْ يأكل صاحبها ثلثها، ويهدي للأصحاب والجيران ثلثها، ويتصدق للفقراء بثلثها، ولا يتاجر في جلدها بل يتصدق به لأعمالٍ خيريةٍ.

وفي يومِ العيدِ يتنادَى المُسلمونَ لصلاةٍ جامعةٍ ومحضورةٍ وصاخبةٍ بالتهليلِ والتكبيرِ. مظاهرةٌ إيمانيةٌ تظهرُ عزةَ الإسلامِ وعزيمةَ المسلمين.

والعيدُ مناسبةٌ لتجديد العلاقاتِ الاجتماعيةِ بالتزاورِ، والتعافي، وتبادلِ الهدايا وإدخالِ السرورِ على الأطفالِ في بهجةٍ تعمٌّ الرجالَ والنساءَ وكلِّ الأجيالِ.

أحْبَابـِي فِي اللهِ وإخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ

إن الإسلام منذ فجره يشد إليه العقول والقلوب لأنه حقق السبع المنجيات وهي:

أولا: التوحيد الخالص لرب العالمين الموجب لعلاقة مباشرة بينه وبين الناس.

ثانيا: القرآن الكتاب المحفوظ نصه كما نزل به الروح الأمين.

ثالثا: سيرة النبي محمد (ص) التي بوقائعها المشرقة مزهرة مثمرة.

رابعا: إنه يهذب الفرد أخلاقيا ويحث على العدالة الاجتماعية.

خامسا: إنه يفتح أوسع أبواب الوصال الروحي: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ) وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

سادسا: يحرر العقل للخوض في كل مدركاته: ديننا هو دين:

  • (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ) .
  • (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) .
  • (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) .
  • (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) .

سابعا: وديننا دين الاعتراف بكرامة الإنسان وقدسية حقوقه المتفرعة من خمسة أصول: الكرامة، الحرية، العدالة، المساواة، والسلام.

لذلك واصل الإسلام الفتح استمالة للعقول والقلوب والأنفس دون دعم من سلطان بشري. إنه فاتح رغم ضعف وتقصير المسلمين. بل إنه فاتح رغم معوقات ينصبها بعض المسلمين. معوقون شدتهم بعض الأفكار الوافدة التي تظن أن الدين مقيد لقدرات الإنسان فهم يدعون لتحرير الإنسان منه ويرون أن الإنسان ينبغي أن يكتفي بقدراته البشرية بلا أية حاجة لمصادر غيبية. هؤلاء هم المعطلون المفرِّطون. ومعوقون توهموا تناقضا بين حقائق النقل وحقائق العقل. هؤلاء جمدوا الدين في اجتهادات بشرية صاغوها من نصوص نزعوها من مواضعها وجردوها من مقاصدها وجعلوها أساسا لكهانة تدعو لديانة تنزع النصوص من مقاصدها وتنكر وظائف الإنسان الروحانية والعقلية. وهم بالتالي يقيمون حاجزا بين الدين كما يصورونه والحياة؛ حاجزا بين الدين والتجديد. التجديد عندهم انكفاء للوراء لا استشراف للمستقبل. والتفكير عندهم كالتكفير من حبائل إبليس. وهم أسرع من عطشان لرشفة ماء في تكفير من يخالف اجتهادهم المنكفئ: إنهم يكفرون:

  • من لا يعتبر نقاب المرأة عبادة مع أن أكثرية نساء أهل القبلة محتشمات غير منقبات. إذا كان وجه المرأة عورة فكيف يجوز كشفه في الحج والعمرة؟ وإذا كن النساء منقبات فما معنى (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) إذا كان الوجه أصلا غير مرئي؟ وإذا أمرت الآية المؤمنات أن يغضضن من أبصارهن فهل يعني أن ينقب الرجال أيضا؟ وفي المجتمعات الحضرية الحالية صار النقاب وسيلة تتستر به من تريد أن تفعل شيئا إجراميا وقد كثرت هذه الحوادث وعلينا سد الذرائع ودرء المفاسد. المرأة المسلمة مأمورة بالاحتشام وهذا لا يشمل تغطية الوجه والكفين وكذلك الرجل مأمور بالاحتشام.
  • من قال بتقرير المصير للجنوب باعتباره أرضا فتحها المسلمون لا يجوز التخلي عنها. مع أن الجنوب دخل وحدة مع الشمال اختياريا لا بموجب الفتح. وجاء مطلب تقرير المصير نفورا من هذه المفاهيم الجاهلة المستعلية وجاء لوقف حرب أهلية مدمرة ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
  • ويكفرون من قال بأهمية التربية الجنسية في المدارس في وقت عمت فيه المفاسد الأخلاقية والأمراض الجنسية. هذا مع أن جسم الإنسان نفسه بتكوينه هو أول درس جنسي. ومعنى الزواج، والطلاق، والرضاعة، والزنا وهي عبارات يطلع عليها الأطفال في القرآن هي كذلك دروس جنسية. وأبناؤنا وبناتنا عرضة لفضاءات إعلامية مفتوحة ويعيشون في مجتمعات مفتوحة ويحتاجون لدليل يعرفون به معاني ما يسمعون وما يشاهدون. وإلا صاروا عرضة لتثقيف جنسي إباحي. أطفالنا يسألون أمهم وأباهم كيف ولدنا؟ وما هذا الذي في بطن أمنا؟ وعن معاني ألفاظ يجدونها في القرآن؟ وعن عبارات يرونها في اللافتات تحذر من الايدز فما هو الايدز؟ وعن مجهولِي الأبوين، فمن هم مجهولي الأبوين؟ الواجب الديني، والإنساني يا معشر أعداء التعليم والتدبر والتنوير هو أن نحصن أطفالنا بالمعرفة وأن نربط لهم الثقافة الجنسية بمكارم الأخلاق ولكن:

لا يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه

علماء الانكفاء هم مصادر الإفراط وهم إذ يصرفون بطاقات التكفير على أهل القبلة ويربطون في فهمم بين الولاء والبراء واستباحة دماء من يكفرونهم إنما يصبحون الجناح الفكري والسياسي للإرهابيين.

رفع الإنقاذيون شعار الإسلام غير مقترن ببرامج مدروسة وأبرموا اتفاقيات سلام تناقضت مع الشعار ففتحوا بذلك الباب للتكفيريين لبث دعواتهم المنكفئة والعمل على تصحيح المسار الإسلامي باختطاف منابر الدعوة الإسلامية واحتلال فضائيات دينية لبث النهج التكفيري هذا واستقطاب الشباب المتحمس للدين دون إحاطة بما يمثل ذلك من خطر على الدعوة الإسلامية. أنشطة تغرس بالتكفير الفتنة بين المسلمين. وتحرض الآخرين ضد بلادنا.

وولاة الأمر في السودان حتى الآن إما يشجعون التكفيريين استعانة بهم على أعدائهم أو يسكتون على فتاواهم التكفيرية، وربما رضي أهل السلطان عن التكفيريين لأنهم يشغلون الناس بقضايا انصرافية عن الاهتمام بالقهر والظلم وأكل أموال الناس بالباطل وهي جديرة باهتمام المؤمن الحقيقي؛ فالجوع أخو الكفر، والظلم صنو الإلحاد. وهذه كلها مواقف خاطئة من التكفيريين الواجب أن يُواجهوا بالحجة الإسلامية الدامغة واحتواء أعمالهم الجنائية من قذف في الدين واغتيالات. الاغتيالات التي وقعت في بلادنا بسبب الفهم الخاطئ لواجبات الدين هي نفسها التي أباحت لبعض الناس اغتيال ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة: عمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم.

قال الإمام ابن القيم: إن الشيطان يضل الناس بالإفراط كما يضلهم بالتفريط. والنهج الإسلامي الصحيح هو الذي يدرك الواجب ويلم بالواقع. ويزاوج بينهما. ما لم نفعل ذلك نقع في أحابيل الشيطان. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

لقد وضعت هيئة شئون الأنصار إستراتيجية لفتوحات الدين تقوم على مواجهة المعطلين للدين، والتكفيريين: رائدا التفريط والإفراط. حَملةً سوف تعٌمْ كافة المنابر الفكرية والإعلامية والشعبية داخل السودان وعلى نطاق الأمة الإسلامية كلها إن شاء الله.

قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) وقال نبي الرحمة (ص): ” المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهُ “. وقال: “إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا “. وقال (ص): “سَيِّدُ الاسْتغْفارِ أنْ يقُولَ العَبْد: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبّي لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عليَّ وأبُوءُ بِذَنْبي، فاغْفِرْ لي فإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ”.